حميد سعيد .....أيقونة
الثقافة العراقية المعاصرة*
ا.د.ابراهيم خليل
العلاف
استاذ التاريخ
الحديث المتمرس –جامعة الموصل
كان لابد لي أن
أقدم التهنئة للشاعر ، والكاتب ، والصحفي ، والاديب ، والانسان الاستاذ حميد سعيد ،
وهو يحتفل ببلوغه الثمانين من العمر أمد الله بعمره ومتعه بالعافية والعز والبركة
والخير والسعادة .
وكمؤرخ ، أقول ، وأنا
أتابع مسيرة المشهد الادبي ، والثقافي ، والفني ، والسياسي في العراق عبر تاريخه المعاصر
؛
أن هناك اثنان من الشعراء تسيدا المشهد الصحفي خلال السنوات الاربعين
الماضية وهما الاستاذ سامي مهدي ، والاستاذ حميد سعيد ولا يمكن لأي ممن يريد كتابة
تاريخ العراق المعاصر أن يتجاوزهما لما لهما من دور ، وتأثير في ترسيخ أُسس
الصحافة الوطنية، والقومية في العراق ؛ فهما
بحق (مدرسة) في الصحافة قدما الكثير الكثير مما يعتد به في كتابة المقال ، وتحرير
الخبر وتحليله ، ونقل ما كان يدور في المجتمع العراقي من متغيرات.
حميد سعيد ، أو
كما يحلو لمحبيه أن يسمونه (أبا بادية ) ، انسان قبل كل شيء وانسان نبيل ، وكيس ، ومتفهم ، وملتزم .. ملتزم بقضايا شعبه
وأمته لايحيد عنها مهما ادلهمت الخطوب ، وكثرت النكبات ، وازدادت الصعوبات .
في احلك الظروف
كان الاستاذ حميد سعيد واقفا بشموخ وكبرياء مع أهله ومع شعبه ، وما حدث منذ 2003 أي
منذ الاحتلال الامريكي البغيض لبلدنا العراق لم يثنه عن قيامه بواجبه الثقافي ولكن
من خلال موقع ومكان آخر ليس بعيدا .
سوف لن اقف عند
حميد سعيد شاعرا ، بل سأقف عنده قائدا في مجال الثقافة ؛ فحميد سعيد وهو من مواليد
مدينة الحلة بمحافظة بابل سنة 1941 ينتمي
الى اسرة حلية عريقة ، كريمة جده هو الحاج
هادي الحلي ، وكانت طفولته – كما يقول صديقنا المشترك المرحوم الاستاذ حميد
المطبعي في الجزء الاول من (موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين ) ، والتي
اصدرها سنة 1995- بسيطة ، وسهلة ، ويسيرة ، وهادئة انعكست على سلوكه فيما بعد فهو
انسان هادئ يستمع ويصغي ويتحدث بكل بساطة عن أعقد المشاكل في الحياة بعبارات موجزة ولكنها بليغة ، وقصة انغماسه
بالعمل السياسي قصة واضحة ومعروفة وهي ما فتحت له آفاقا واسعة للعمل في حقلي الادب
والصحافة .
اكمل دراسته في
الجامعة المستنصرية متخصصا بالأدب العربي ، وما كان له ان يكون بعيدا عن النشاط
الطلابي فانتخب رئيا للاتحاد الوطني لطلبة العراق اواخر الستينات من القرن الماضي
وقد اعطاه العمل السياسي والعمل الطلابي قدرة على مواكبة ما كان يحس به الناس
وخاصة الشريحة الطلابية منهم من هموم وآمال وآلام .
ومن هنا انعكس كل
هذا في مضامين قصائده الشعرية والتي وثقها في دواوينه الشعرية العديدة التي اصدرها
ومنها ديوانه ( شواطئ لم تعرف الدفء ) 1969 وديوانه ( لغة الابراج الطينية ) 1970
وديوانه (قراءة ثامنة ) 1972 وديوانه (
ديوان الاغاني الغجرية ) 1975 وديوانه
حرائق الحضور ) 1978 وديوانه (طفولة الماء
) 1985 وديوانه (مملكة عبدالله ) 1987 وديوانه ( باتجاه أفق واسع ) 1992 وديوانه (
فوضى في غير أوانها ) 1996 .
قصته مع الصحافة
ابتدأت مع الصحافة الطلابية ؛ فثمة وثائق متوفرة في أرشيفي تشير الى انه أصدر سنة
1963 في الحلة جريدة باسم ( الطلائع) ، وكان هذا الاصدار من بواكير اعماله
السياسية والصحفية .
كلمة جميلة قرأتها
عنه ، كتبها احد الكتاب قال فيها ان لدى حميد سعيد وفي كل الاوقات والازمنة "
أشياء جديدة يريد أن يقولها ويستطيع أن يقولها " .وصدق من قال هذا فحميد سعيد
لايعرف التوقف ، ولايعرف الصمت في حالة تقتضي الكلام ، لذلك ما وجدناه توقف ، وما
وجدناه سكت .
حين وجد ان
الضرورة تقتضي احياء اتحاد الادباء ، والكتاب بعد مرحلة تأسيسه الاولى من قبل شاعر
العرب الاكبر محمد مهدي الجواهري ، وجدنا الاستاذ حميد سعيد يتصدر المجموعة التي أعادت
التأسيس سنة 1969 ، وهكذا انبثق ( الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين ) من
جديد ، وكنت واحدا من اعضاءه حتى 2003 حيث لم أجدد هويتي . وقد كان واحدا من قادة
الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين حيث انتخب أمينا للشؤون الثقافية فيه
فرئيسا للاتحاد ، ولدورتين متتاليتين أمينا عاما لاتحاد الكتاب العرب .
كما كان سامي مهدي
رئيسا لتحرير جريدة (الجمهورية ) ، ومن ثم جريدة ( الثورة ) ..كان حميد سعيد رئيسا
لتحرير جريدة ( الثورة ) ومن ثم جريدة ( الجمهورية ) ، ويشرفني انني عملت في الجريدتين في السبعينات والثمانينات والتسعينات حتى 2003 وكنت كاتبا من
الدرجة (أ) في جريدة ( الثورة ) أيام كان رئيس تحريرها الشاعر والكاتب الفذ
الاستاذ سامي مهدي حفظه الله وأمد في عمره .
محطة مهمة من
المحطات التي لابد أن يهتم بها المؤرخ في حياة وسيرة الاستاذ حميد سعيد ، وهي
العمل في السلك الدبلوماسي .فقد عمل ملحقا صحفيا في سفارة بلده العراق في اسبانيا ،
وعمل ملحقا صحفيا في سفارة بلده العراق في المملكة المغربية ، ولاشك فان هذه
المحطة بحاجة الى الدراسة ، وبحاجة الى ان تكشف خبايا واسرار عمله في خدمة بلده
وما قدمته في سبيل اعلاء مكانة وسمعة
العراق ، وانا شخصيا لدي صور واخبار كثيرة عن نشاطاته في تلك الملحقيات وعلاقاته
مع الادباء ، والمفكرين ، والفنانين ، والمستشرقين المعنيين بتراث وآثار ، وتاريخ
العراق والوطن العربي الكبير .كان لايدخر جهدا في حضور الملتقيات ، والندوات ، والمؤتمرات
، والمعارض وكل همه ان يعطي صورة طيبة صادقة عن العراق العظيم .
وكما ان لحميد
سعيد حضور ثقافي طاغ في بلده ، أقصد في
الداخل ، كان له حضور واسع في خارج العراق .. ترجمت الكثير من قصائده الى عدد من
اللغات الحية ومنها الانكليزية والاسبانية
والفرنسية ، وحظيت تجربته الشعرية باهتمام
الباحثين ، وطلبة الدراسات العليا ، وكتبت الكثير من الاعمال النقدية حول شعره
وكانت له زيارات لكثير من البلدان حضر ندوات ، ومؤتمرات شعرية ، ونقدية ، وثقافية
كثيرة وقدم واسهم وحاضر وتحدث .
حياة حميد سعيد لم
تكن كلها على وتيرة واحدة ، فقد واجه في حياته الكثير من العقبات والصعوبات
والعنت لامجال الان للتطرق اليها ، لكن لابد من الاشارة
الى واحدة منها للدلالة على ما اقول ؛ ففي سنة 1965 نُفي الى السليمانية لنشاطه
المعارض للسلطة آنذاك ، وهناك في السليمانية فرضت عليه الاقامة الجبرية استنادا
الى قرار من الحاكم العسكري العام .. وقد كتب الناقد الدكتور ياسر تركي عن ذلك
فقال ان فترة وجوده في السليمانية أثمرت قصيدته الموسومة ( جليد) التي ضمنها مجموعته
الشعرية الاولى ( شواطئ لم تعرف الدفء ) وقد صدرت سنة 1969 وتعد من اشهر قصائده ، واكثرها
تعبيرا وخصوصية عن البواكير الاولى لشعره
.
نعم وهو يغادر بلده غاضبا على الاحتلال لبلده في 9 نيسان 2003 ، اقام في العاصمة الاردنية (
عمان ) ، وهي ليست بعيدة عن العاصمة العراقية ( بغداد) في الرؤى والروح أقام هناك ،
واستمر يكتب قصائد تدين غزو بلده وظهرت له دواوين جديدة من قبيل ( من وردة الكتابة
الى غابة الرماد ) 2005 و(مشهد مختلف ) 2008 و(من اوراق المورسكي) 2012 .هذا فضلا عن صدور ( الاعمال الشعرية
الكاملة ) ، كلها تؤكد انه شاعر ، وشاعر
وطني ، وقومي وتقدمي وانساني ، وكما يقول
الناقد الدكتور ياسر تركي ثانية ، فان
حميد سعيد واحد من شعراء الحداثة العراقيين ،
وتجربته الشعرية ليست منغلقة وتقليدية بل هي مفتوحة على كل الفضاءات
الثقافية العربية والانسانية العالمية .
وبكل المقاييس ، فحميد
سعيد كاتب للمقال ممتاز ، ومؤلف للكتب بارع
، وشاعر طليعي كبير ، وهو وبكل هذا ينتمي
الى شعراء (الموجة الصاخبة) او لنقل ( مرحلة الموجة الستينية الصاخبة) التي أرست أُسسا وركائز لثقافة عراقية تقدمية
انسانية ليس لها مثيل ، ويكفي شعراء هذه المرحلة أنهم أكدوا على حقيقة مهمة كم نحن
اليوم بحاجة الى (ترويجها ) لتكون دستورا لمن يكتب ويقول الشعر وهي : (أن للكاتب رسالة) ، و(رسالة تنويرية تقدمية) ، والا ما قيمة ما نكتب ان نحن لم نرفع هذا الشعار
، ونعمل به بكل جد واخلاص .
اخيرا لابد ان
اقول ان حميد سعيد ليس شاعرا وحسب بل هو صحفي ، وكاتب ولدينا الكثير مما كتب في
مجالات السيرة الذاتية ، والتراث ، والسياسة ، والحرب ، والاستقلال ، والديموقراطية
وله مراسلات مع صديق عمره الاستاذ سامي مهدي ، ظهرت سنة 1998 عن دار الشؤون
الثقافية ببغداد بعنوان ( عشرين رسالة ورسالة ) . ومن كتبه (السياسة والتراث) 1985
، وكتاب (الكشف عن اسرار القصيدة ) 1988 ، وكتاب ( الديموقراطية والاستقلال )
1996 .
شيء جميل أن يتصدى
النقاد ليكتبوا عن الاستاذ أبا بادية . وممن
كتب وما كتب قيم ، ومفيد ، واصيل الكاتب الاردني الاستاذ سليم النجار ، وعنوان
كتابه ( سنين عمان ..مع الشاعر حميد سعيد ) وفيه وثق انجازات حميد سعيد الشعرية ، والكتابية
في عمان للمدة من 2003 الى سنة 2016 .. ويعد هذا الكتاب مصدرا يساعدنا في الكتابة
عن حميد سعيد باعتباره أيقونة عراقية ، وقامة ثقافية سامقة وكم بودي أن يتصدى أحد
نقادنا ليكتب كتابا مماثلا اقترح ان يسميه ( سنين بغداد .. مع الكاتب والشاعر
والصحفي حميد سعيد 1963-2003 ) .
تحية لأخي وصديقي
الاستاذ حميد سعيد ، وهو يحتفل بعيد ميلاده ال (80) والعمر المديد له ، وبصماته
لاتزال واضحة في التاريخ الثقافي العراقي المعاصر .
______________________________________
*كتبته استجابة لطلب من الاخوة والاحبة الذين سيصدرون كتابا يحتفون فيه بالاستاذ حميد سعيد وهو يحتفل بعيد ميلاده ال ( 80) عاما أمد الله بعمره وارسلت المقال الذي سيطبع ضمن الكتاب التذكاري ان شاء الله -الموصل 19-10-2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق