الاثنين، 28 سبتمبر 2020

الفاضلية ... مدينة الزيتون والكرم ا.د. ابراهيم خليل العلاف

 

الفاضلية ... مدينة الزيتون والكرم

ا.د. ابراهيم خليل العلاف

استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل

سألني أحد الاخوان عن قرية الفاضلية ، وعن تاريخها ، وعن مكانتها ، وعن سكانها ..كما ارسل لي الاخ الشيخ عبد المطلب محمود مجيد الفاضلي الحريثي إمام وخطيب جامع الفاضلية رسالة يطلب مني ان نلتقي لنتحدث عن الفاضلية فقلت له انني سأقدم حلقة عن قرية الفاضلية ، فهي عزيزة على قلبي ، وقلوب كل الموصليين .

ويقينا انا اقول هذا ، وفي ذاكرتي أمران لا أستطيع نسيانهما وقد  وقرا في (الذاكرة التاريخية الموصلية المعاصرة ) وهما انني اعرف وقد سمعت وشاهدت ان معظم السفرات الربيعية لابناء مدينة الموصل كانت تتجه الى منطقة الفاضلية والتي كانت تضم الآفا من اشجار الزيتون يتظللون بها واطفالهم يلعبون  بإنسيابية كبيرة ، وهي قرية جميلة  يتوفر فيها الهدوء والنسائم الجميلة .

والامر الثاني الذي ُيذكرنا ايضا بالفاضلية ، وانا اكتب عن تاريخ جماعة الاخوان المسلمين في الموصل ان قياداتهم الاولى في الاربعينات والخمسينات كانت تعقد اجتماعاتها في الفاضلية ، وطبيعي ان السبب هو قربها من الموصل ووجود بعض الموالين للجماعة فضلا عن ما ذكرت من اسباب وكثيرا ما اطلعت  في المركز الوطني لحفظ الوثائق ببغداد وهو دار الكتب والوثائق اليوم على وثائق تتضمن تقارير أمنية ترصد وتراقب  اجتماعات  للاخوان المسلمين في الفاضلية .

على كل حال ، وانا اتحدث لكم عن الفاضلية ، وردت الى ذهني هذه الوقائع التاريخية ،  واقول ان البلدانيين العرب ومنهم ياقوت الحموي في معجمه (معجم البلدان ) ذكر الفاضلية ، وقال انها  قرية كبيرة وهي اشبه بالمدينة في سعتها ، وانها ناحية من نواحي الموصل وأعمال نينوى وتقع قرب (باعشيقا ) متصلة الاعمال ، بها نهر جار وبساتين وكروم وبها سوق وفيها قيصرية وبازار . واضاف انها تشبه بعشيقة الا ان بعشيقا اكثر دخلا ، و (أشيع ) ذكرا " .

وفي العدد (17 ) من مجلة سومر وهي المجلة الاثارية العراقية العتيدة  -  كما ينقل عن ذلك الاستاذ المحامي جمال بابان في  الجزء الاول من  كتابه ( أصول أسماء المدن والمواقع العراقية ) -  جاء انه على ميل وربع من جنوبها  هناك تل اثري    يقال له (تبه كورا ) ومعنى تبه كورا (رابية الشباب ) . ومن المؤكد انه تل اشوري معروف .وقد اشار المطران سليمان صائغ في الجزء الثالث من كتابه (تاريخ الموصل ) الى ان العالم الاثاري (بلاس) في كتابه (نينوى واشور ) قال ان هناك تلا اثاريا قريب من الفاضلية وجدت فيه صفائح قبور منقوش عليها شكل صليب يوناني ، وانه ابدى اعجابه من انتشار الاديرة في  تلك المنطقة  .كما عاد المطران سليمان صائغ ليذكر ان المار اي القديس يشوعياب كان (مطران جهة الفاضلية ) وجاء ذلك عندما تطرق الى كنيسة الطاهرة في الموصل وتجديدها سنة 1744 ميلادية وان من كان وراء هذا التجديد مار ايليا ومار يشوعياب مطران جهة الفاضلية الشهير وعددا من القسس والشمامسة والاهالي من الاثرياء .

الفاضلية  قرية تابعة لناحية بعشيقة في سهل نينوى تشتهر  بمناظرها الخلابة من أشجار وعيون مياه والمرتفعات الجبلية وهذا ما يجلب الالاف من الزوار اليها  خلال السنة ..واهل الفاضلية – كما عرفناهم – معروفون  بالطيبة والكرم والانفتاح على الاخرين والشئ الذي يميزها والتي بسببها أخذت الشهرة في شمال ووسط وجنوب العراق  ، هي كثرة و تشعب أشجار الزيتون فيها وبالتالي تجارة هذا المحصول التجاري المهم .

تقع قرية  الفاضلية في سفح جبل بعشيقة على بعد (15) ميلا من شمال شرقي الموصل وهي قرية تابعة لناحية بعشيقة يسكنها (600) نسمة معظمهم من ( الشبك )  وهم اليوم يزيدون قليلا عن (4000 ) نسمة وهي ذات مياه وبساتين وزروع ويكثر فيها الزيتون وقد اشارت بعض المصادر والمراجع العربية الى الفاضلية بصورة (الفضلية ) حتى ان ياقوت الحموي لم يذكرها (الفاضلية ) كما نلفظها نحن الان بل ذكرها على انها (الفضلية ) .

 على كل حال ، هكذا يمكننا القول ان الفاضلية قرية زراعية جميلة تكثر فيها بساتين الزيتون ، وتكاد اشجار الزيتون تشكل فيها (دوحة كبيرة ) ومنظرها غاية في الروعة عندما يقبل المرء الى ضواحي القرية  ، وهي من قرى الموصل  الكبيرة  تقع في سفح جبل باعشيقا على بعد 15 ميلا من شمال شرقي الموصل تابعة الى ناحية بعشيقة –محافظة نينوى .

للاسف تعرضت  قرية الفاضلية خلال سيطرة داعش على الموصل بين 2014-2017 ، وخلال معركة تحرير الموصل الى كثير من الدمار والتخريب وغادرها الكثيرون وهجروها .  كما احترقت المئات من اشجار الزيتون وهي  لاتزال تواجه نقصا في الخدكات وندعو من هذا المكان الى وجوب الالتفات اليها وإعادة الخدمات اليها وتشجيع اهلها للعودة الى قريتهم .

أما لماذا سميت الفاضلية أو الفضلية بهذا الاسم ،  فيمكن القول انها سميت كذلك  نسبة الى الامام فاضل الحسيني  الذي  دفن فيها .. ونسبه يرجع الى  السيد موسى الثاني أبوسبحه بن الإمام إبراهيم المرتضى بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن السيد الإمام محمد الباقر بن السيد الإمام علي زين العابدين السجاد بن السيد الإمام أبو عبد الله الحسين شهيد كربلاء بن السيد الإمام علي بن أبي طالب   عليه السلام  وكرم الله وجهه  ورضي الله عنه وأرضاه   زوج فاطمة الزهراء البتول بنت محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 يقول الاخ والصديق  الشيخ  عبد المطلب محمود مجيد الفاضلي الحريثي إمام وخطيب جامع الفاضلية أن  في الفاضلية عوائل عديدة شبكية وغير شبكية  ..

 ومما  أُريد أن أقوله ايضا أن قرية الفاضلية ، قدمت للموصل وللعراق الكثير من الكفاءات الإدارية والعسكرية والقضائية والتربوية  ويمكننا ان نشير الى اسماء عشرات الضباط المتقاعدين وغيرهم وممن يحملون رتبا عسكرية رفيعة ومنها الوية ركن   ودون ذلك .وعلى سبيل المثال لاالحصر نذكر  مدير سد الموصل السابق  وهو من الفاضلية وإسمه   المهندس ابراهيم قاسم الداودي .ومن رجالات الفاضلية الملا علي عبد الله وهو اول من اسهم في بناء جامع في الفاضلية ونذكر ايضا الفريق علي عبد العزيز وكان قائدا للقوة البحرية العراقية قبل 2003 .كما ان مدير دائرة الابار في الموصل السابق المهندس وجيه حسين الحريثي من الفاضلية ايضا ، وكذلك  آمر الهندسة الكهربائية في الفيلق الخامس بالجيش السابق عبدالحميد الحريثي...ومدير  التسجيل العقاري (الطابو)  السابق  في السبعينات من الفاضلية وغيرهم.

وهناك القاضي ابراهيم محمد الباجلاني  ، وكان يعمل في محكمة الاحوال الشخصية  وكذلك  القاضي كنعان مهدي الاغواني وغيرهم .

وهكذا فإن  قرية الفاضلية ، قدمت للعراق وللموصل ولنينوى الكثير من الكفاءت التي أسهمت في بناء العراق ، وهي لاتزال – بحمد الله -  مستعدة اليوم لمواصلة درب البناء والاعمار ان شاء الله

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مدينة طرسوس ودورها في التاريخ العربي الإسلامي (172-354 هـ -788-965 م كتاب للدكتورة سناء عبد الله عزيز الطائي

  مدينة طرسوس ودورها في التاريخ العربي الإسلامي (172-354 هـ -788-965 م كتاب للدكتورة سناء عبد الله عزيز الطائي عرض ومراجعة : الدكتور زياد ع...