أبو تمام الحبيب بن أوس
الطائي الشاعر الموصلي الكبير
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث
المتمرس – جامعة الموصل
الشاعر الحبيب بن اوس
الطائي المكنى ابا تمام من الشعراء الموصليين الذين ارتبط اسمه وقصائده في الحماسة
بذاكرة الموصليين التاريخية فالموصل احتضنت قبره الشريف كما انها كانت مكانا ضم
تمثاله الرائع الذي انجزه الفنان النحات الاستاذ نداء كاظم وقد حطم خلال سيطرة
عناصر داعش على الموصل 2014-2017 وتم جرفه حقدا على الشعر والشعراء .
ولكن الموصليين ، ما ان
انقشعت الغمة وزالت وتحررت الموصل 2017 ، حتى
اقدم الفنان النحات الشاب الاستاذ عمر الخفاف الى نحت تمثال جديد عاد كما ترون الى
مكانه شامخا يذكرنا بكل ما هو جميل في حياتنا من فن وابداع يذكرني بشاعر الموصل
شاعر عمورية الذي صدح بقصيدته الرائعة وهو يمدح الخليفة المعتصم بعد فتحه عمورية
في بلاد الروم البيزنطيين استجابة لصرخة تلك المرأة العربية لما وقعت في السبي (وامعتصماه! ) وعودته الى عاصمته سامراء سنة 224
هجرية – 839 ميلادية بقوله :
السيف اصدق انباء من الكتب
****** في حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفائح ،لاسود الصحائف
في ***** مُتونهن جلاء الشكِ والريبِ
والعلم في شهب الارماح ،لامعة ***** بين الخميسين ،لا في السبعةِ الشُهبِ
ثم يقول : فتح الفتوح ! تعالى
أن يحيط به ***** نظم من الشعر أو نثر من الخطبِ
والشاعر ابو تمام شاعر
عباسي عاش بين سنتي 176 -231 هجرية - 793-
846 ميلادية استطاع بجهده وكده واجتهاده ان يترك بصمة ويجد لنفسه مكانا في خارطة
الشعر العربي كان يعمل سقاء في مسجد عمرو
بن العاص في مصر وكان يستمع الى ما يُلقى في هذا حلقات المسجد الجامع من أمالي
العلم والادب والدين وبعدها عمل رثاءا
للملابس لكنه سرعان ما اختط لنفسه حياة جديدة فأصبح شاعرا يشار اليه بالبنان وها
هي كتب الادب العربي تزخر بأخباره وتغص
مكتبات العالم بقصائده وحكاياته ودواوينه .
كان الشاعر ابا تمام شاعرا
مجيدا متفردا كان سيد الشعراء في عصره وقد أقر بهذه الحقيقة مؤرخو زمنه ومن ذلك ما
قاله أبو الفرج الأصفهاني: " ما كان أحدٌ من الشعراء يقدر على أن يأخذ درهماً
في حياة أبي تمام فلما مات اقتسم الشعراء ما كان يأخذه".
ليس مهما مقاله كتاب السير والمعاجم والانسان
فالحبيب بن أوس الطائي شاعر مطبوع متميز متمكن من ادواته الشعراء متعدد المواهب هو
من عشيرة طي القبيلة العربية العريقة ..ولد بقرية جاسم من قرى حوران ببلاد الشام وعاش في الموصل ومات
فيها كان يسوح ويصول ويجول في ديار العرب وارتبط بالمعتصم الخليفة العباسي القوي
المحارب المقاتل للذود عن حياض الامة ولم تكن تهمه اقاويل من كان يريد ان يقلل من
شأنه .
وكأي شاب عربي مسلم
نشأ في بلاد الشام وكانت ثمة علاقات قوية
بين بلاد الشام وبلاد العراق وبلاد مصر وبلاد خراسان وكان
من الطبيعي ان يتنقل الشعراء والادباء بين هذه البلدان يدرسون ويتصلون ببعضهم
البعض .والى شيء من هذا القبيل قال يوثق
هذا :
بالشَّامِ أهلي، وبَغداد
الهوى وأنا بالرَّقتين، وبالفسطاط إخواني
وما أظنُّ النَّوى ترضى بما
صَنعتُ حتى تُطوِّحَ بي أقصى خَراسان
خلَّفتُ بالأفق الغربيَّ لي
سكناً قد كانَ عيشي به حُلواً بحُلوانِ
درس وبرع في الشعر وفي شعر الحماسة حتى كان
ديوانه يسمى بديوان الحماسة وقد صدر سنة 220 هجرية – 835 ميلادية .
يقول الدكتور عمر فروخ في
كتابه ( تاريخ الادب العربي) ان نجم ابي تمام علا بعد ذلك وعُني به الحسن بن وهب
رئيس ديوان الرسائل العباسي فولاه منصب مدير بريد الموصل .
ثقافة الشاعر ابو تمام لم
تكن تقتصر على الشعر والادب وانما امتدت الى اللغة والفقه والتاريخ وقد ساعدته
ثقافته الواسعة هذه في التنقل بين اغراض الشعر المختلفة ..كان بارعا في المديح
والرثاء والهجاء .لذلك وجد له طريقا عند الخليفة العباسي المعتصم الذي قربه وجعله
الى جانبه يؤرخ لما وقع في عهده من احداث ابرزها فتح عمورية ومقتل الافشين وقمع
تمرد بابك الخرمي .
ثقافة الشاعر ابو تمام
الحبيب بن اوس الطائي وذكاؤه مكنته من ان
يتصدى لوضع عدد كبير من الكتب والمؤلفات اهمها ( كتاب الحماسة ) .ويتألف ( ديوان
الحماسة ) من أبواب هي : الحماسةُ وبها سُمي
الكتاب – المراثي – الادب (الحكمة) – النسيب – الهجاء – الأضياف – المديح – السير والنُعاس
– المُلح – مذمة النساء . فضلا عن مختاراته ومنها كتاب ( الاختيار من شعر القبائل) و( كتاب الاختيارات من شعر الشعراء ) وكتاب
(الفحول ) .ولأبي تمام كتاب (الوحشيات ) أو (الحماسة الصغرى) .
لذلك ليس غريبا ان يكون ابو
تمام وشعره محط انظار الكثير من الكتاب والباحثين قديما وحديثا منهم الخارزنجي والصولي والمعري والتبريزي
والمرزوقي .وقد انصرف عدد من الكتاب والمفهرسين لرصد ما قدمه ابو تمام ومن ذلك انه
ترك لنا (513) قصيدة منها في المديح ومنها في الغزل ومنهل في الرثاء والفخر
والحماسة والوعظ والزهد .
وابو تمام شاعر كبير جزل
الالفاظ متين التراكيب مولع بالتشابيه والاستعارات يملأ شعره بالاشارات التاريخية
والفلسفية والنحوية واه حكم كثيرة منثورة في ثنايا قصائده .
ومن قلائد أبي تمام في
الادب قصيدته في الحكم :
نقل فؤادك حيثُ شئتَ من
الهوى ***** ما الحبُ الا للحبيب الاول ِ
كم منزل في الارض يألفه
الفتى ***** وحنينه أبدا لأول مَنزلِ
ومن شعره في الحكم :
واذا اراد الله نشر فضيلة ٍ
***** طُويتْ ، أتاح لها لسان حسودِ
لولا اشتعال النار في ما
جاورت ْ ***** ما كان يُعرف طيب عرفِ العودِ
ومن شعره في الحكم :
ليس الغبي بسيد في
قومه ***** لكن سيد قومه المتغابي
ومن شعره في الحكم :
ونفسُ تعافُ العار حتى كأنما ***** هو الكفر يوم َ الروعِ أو دونه الكُفر
توفي في الموصل في سنة 231هجرية – 846 ميلادية ودفن فيها .وقد رثاه الحسن
بن وهاب فقال:
سَقتْ بالموصل القَبرَ
الغريبَا ***** سحائِبُ يَنتحِبنَ لَهُ نَحِيبَا
إذا أطلَعنَهُ أطلَقنَ فيهِ
***** شُعيبَ المُزنِ مُنبعقاً شَعيبَا
رحم الله شاعرنا
الكبير ابي تمام الحبيب بن اوس الطائي وجزاه خيرا على ماقدم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق