الخميس، 17 سبتمبر 2020

طبيب العيون عمار بن علي الموصلي ................. ا.د.ابراهيم خليل العلاف






 

طبيب العيون  عمار بن علي الموصلي

ا.د.ابراهيم خليل العلاف

استاذ التاريخ الحديث المتمرس -  جامعة الموصل

دائما أقول ان الموصل ليست مدينة وحسب  وانما هي تاريخ وتراث ورموز وموقف وكان لها دور كبير في ارساء أُسس الحضارة العربية الاسلامية ضمن العصور المختلفة .وفيها رموز برزوا في حقول العلوم الطبيعية والرياضية والتطبيقية في الفلسفة والفقه والقانون والادب والشعر والطب .

كان اطباء الموصل يستندون الى ارثٍ حضاري عميق يمتد الى ايام الامبراطورية الاشورية ، وعاصمتها نينوى ، ونينوى والموصل صنوان  نينوى الحصن الشرقي والموصل الحصن الغربي . وقد تواصلت الموصل عبر عصورها التاريخية مع الطب واكتشافاته ، وكانت منذ ان  فتحها العرب المسلمون سنة 16 هجرية -637 ميلادية  مركزا متقدما من مراكز الطب وتوارث ابناءها مهنة الطب ابا عن جد وظهر فيها اطباء ايام ان كانت قاعدة لانطلاق الجيوش العربية ، وكانت كما يقول الدكتور محمود الحاج قاسم في بحث له عن العلوم الطبية في الموصل  في ( موسوعة الموصل الحضارية ) ايام الراشدين والامويين تضاهي بغداد العاصمة في كثير من امور الطب وكانت مواكبة لتقدمه .وهناك الكثير من القصص والحكايات عن اطباء موصليين كان لهم دورهم خلال العصور الاسلامية مارسوا مهنة الطب والفوا كتبا وكتبوا المخطوطات الطبية ولعل من ابرز هؤلاء الطبيب عمار بن علي الموصلي وقد ورد ذكره في كتاب عيون الانباء لابن ابي أُصيبعة .كما كتب عنه  المستشرق ماينهوف في كتاب (تراث الاسلام ) .ولد سنة 996 ميلادية وتوفي سنة 1020 ميلادية أي أنه عاش (24 سنة فقط ) .

وعمار بن علي الموصلي هو ابو القاسم عمار بن علي  الموصلي أحد اطباء العيون المشهورين ولد وتعلم مهنة طب العيون وكانت تسمى آنذاك (الكحالة ) في مدينته الموصل التي ولد فيها  سنة  996 ميلادية . وسرعان ما تجول في كثير من المدن  وعمل فيها ومن ذلك في ديار بكر وبلاد الشام  والكوفة وخراسان وقد استقر بعد زيارته لبيت المقدس في مكة المكرمة يعلم الطب ويمارسه ثم ذهب الى القاهرة وقربه  اميرها الحاكم بأمر الله الفاطمي وجعله طبيبا خاصا له .

كعادة اطباء ذلك الزمان فان الطبيب عمار بن علي الموصلي لم يكتف بممارسة مهنة الطب وانما انصرف للتأليف في ميدان الطب ومن كتبه التي الفها حوالي سنة 401 هجرية اي سنة 1010 ميلادية كتاب (المنتخب في علاج أمراض العيون) والكتاب فيه الكثير من المعلومات الاصيلة التي لم يتناول البحث فيها أحد قبله وخاصة ما يتعلق منها بطب العيون او علم الكِحالة . وفي الكتاب تفاصيل كثيرة ودقيقة وجديدة  عن امراض العيون واعراضها وعللها   وكيف تتم عملية التداوي ونوع الادوية والاعشاب الصالحة .

من المصادر المتوفرة نكتشف ان الطبيب عمار بن علي الموصل هو اول من ابتكر طريقة جراحية لما يسمى مرض الساد ( الكاتاراكت ) وهي عملية قدح العين قبل نضج المرض وصمم (المقدح المجوف )  لسحب الماء الابيض  من خلال ابرة مجوفة وهي الطريقة ذاتها التي تستخدم حتى اليوم .كما ابتكر طريقة لمعالجة غطش البصر الناتج من الاصابة بالحول عند الاطفال بتغطية العين السليمة وفي هذا فان هذا الطبيب الموصلي سبق زملاءه من اطباء العيون في العالم بألف  سنة .

 

 

الشيء الجميل ان الطبيب عمار بن علي الموصلي درس طب العيون لعدد كبير من التلاميذ وعمل في المستشفيات ، وكان كما يفعل اساتذة الطب اليوم يصطحب تلاميذه معه حين يعود مرضاه في بيوتهم  ويطلعهم على تفاصيل العمليات الجراحية التي يجريها وقد يكون من المناسب ايضا ان اقول ان كتابه (المنتخب في علاج أمراض العيون  ) ويقع في (24) فصلا  ترجم في اوربا الى اللغة اللاتينية  واللغة الالمانية وطبع باللغة العربية في الرباط بالمملكة المغربية  سنة 1991 بتحقيق الاستاذ ظافر الوفائي والاستاذ محمد رواس قلعجي .

كما ظل الكتاب واحدا من مقررات الدراسة في المعاهد الطبية الاوربية حتى اوائل القرن الثامن عشر وهي الفترة التي بدأت فيها اوربا تدخل عصرا جديدا يعتمد العقل والتجريب  .

 

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق