قره قوش أو
بخديدا .......بيت الله
ا.د.ابراهيم خليل
العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
طلب مني اخ عزيز ان اكتب عن مدينة
قره قوش أو مدينة بخديدا او بغديدا . واقول انها مدينة جميلة ، ورائعة ،
واهلها وطنيون محبون للعراق ، ولمدينتهم .. لهم فيها تاريخ ولمدينتهم تاريخ
وتاريخ ثر نحتاج الى جهود كبيرة ووقت طويل لكي نتحدث عنها .
واقول انها بعد التحرير من سيطرة
عناصر داعش وتحريرها سنة 2017 ، عادت تنهض من
جديد .. هي مدينة حية ، واهلها نشيطون . قره قوش كلمة تركية تعني الطائر
الاسود واسمها الحقيقي هو ( بيث خديدا او
بغديدا) ومعناه بالارامي بيت الله . تقع على بعد نحو 32 كم جنوب شرق مدينة الموصل و 60 كم غرب مدينة أربيل، على الضفة
الشرقية لنهر دجلة الذي يشكل مع نهر الخازر المنطقة الجنوبية من سهل نينوى بالقرب
من مدينتي نينوى و كالح الأثريتين .
كانت قره قوش تتبع قضاء الحمدانية
في محافظة نينوى، وتقع على بعد (32 ) كيلومترا جنوب شرقي الموصل .. في نهاية الثمانينات من القرن
الماضي كان عدد نفوسها قرابة عشرة الاف نسمة .وقد مرت بالمراحل التاريخية نفسها التي مرت بها الموصل وخاصة في
التاريخ الحديث ومن قبله الاسلامي والقديم ، وكان لها دور في الدفاع عن الموصل
خلال حصار نادرشاه للموصل سنة 1743 .
ومن الحق أن اقول أنني لم أر شعبا
يحب ارضه مثل شعب قره قوش ، وهم يقولون عن مدينتهم (بغديدي ) وقد ذكرها البلداني الكبير ياقوت
الحموي باسم (باخديدا) .
اما المؤرخ الموصلي ياسين العمري في
كتابه (منية الادباء في تاريخ الموصل
الحدباء ) ، فيسميها (قره قوش ) ويقول عنها ان قره قوش كانت محطة
مهمة للبريد في العهد العثماني 1516-1918 ، وهي اول مرحلة من الموصل الى
اربيل ومنها الى كركوك وبغداد .
ويقول الاستاذ سعيد الديوه جي محقق
كتاب (منية الادباء ) مار الذكر، ان للبريد مراحل في كل
منها دار للبريد يكون فيه السعاة ودواب البريد .. وهناك من الباحثين كما يقول الاستاذ
جمال بابان في كتابه ( اصول اسماء المدن
والمواقع العراقية ) 1986 أن هناك من يقول
أنها ليست الا مدينة (راسن ) التي جاء ذكرها في التوراة .وقد ذكر الاستاذ عبد المسيح بهنام
أن أحد سكان بغديدي عثر قرب دير ناقورتايا على ختم حجري إسطواني الشكل نقشت على
جوانبه صورة ملك آشوري وهو يتعبد للشمس . هذا فضلا عن انها قريبة من منتجع اشوري في قرية بلاوات .
مدينة قره قوش اليوم ناحية في قضاء
الحمدانية ، وقضاء الحمدانية فيه من الاراضي الزراعية الخصبة ، واهلها مزارعون
ومربون للمواشي وفيها معاصر للراشي ، ومعامل للطرشي وتنتشر فيها اشجار الزيتون
وتكثر المزارع والبساتين الخضراء .
تحدثت في حلقة لي من برنامجي ( موصليات ) ، والذي اقدمه من على قناة الموصلية
الفضائية عن كنائسها ومنها كنيسة القديسة شموني وفيها كنيسة الطاهرة الكبرى . تتوسط بخديدا مركز قضاء الحمدانية
عدة كنائس وعددًا من الأديرة التاريخية والتلال والمناطق الأثرية ومن الكنائس كنيسة
الطاهرة الكبرى ، وكنيسة مار يوحنا ، وكنيسة مار يعقوب ، وكنيسة مارزينا ، وكنيسة
مار بهنام وساره ، وكنيسة سركيس وباكوس ، وكنيسة مار كوركيس ، وكنيسة مار يوسف ،
وكنيسة الرجاء و كنيسة التجلي وكنيسة القيامة (و تقع على بعد 3كم من مركز بغديدا) مبنية في وسط مقبرة القيامة وهي مخصصة لاحياء مراسيم الدفن وصلاة
الجنازة لبلدات بغديدا ، وكرمليس ، وبرطلة ومن الاديرة ناقورتايا، (دير السريان أو دير مار يوحنا
الديلمي) ، ودير مار قرياقوس ، ودير مارت
شموني.
وكلمة الحمدانية جاءت من الحمدانيون
الذين حكموا الموصل سنوات طويلة ما بين سنتي 890-1004 ميلادية ، وخلال عهد الدولة
العباسية وعاصمتها بغداد .
البلدة عرفت المسيحية التي دخلت
اليها منذ وقت مبكر في القرون المسيحية الاولى وقد اشار البلداني العربي ياقوت
الحموي في كتابه ( معجم البلدان ) الى ان "
باخديدا قرية كالمدينة شرقي الموصل
من اعمال نينوى ، تبعد عنها سبع فراسخ، كل أهلها نصارى وهي من آثار نينوى" .
وجاء في انسكلوبيديا ويكيبيديا
الالكترونية ان قره قوش ، شهدت هجرة مسيحية اليها من السريان في وسط العراق في
القرنين العاشر والحادي عشر الميلاديين . ومن أهم الهجرات كانت عندما رحل ما تبقى من المسيحيين من تكريت
التي كانت مركزا مهما من مراكز السريانية الأرثوذكسية واستقروا في بخديدا. وكان السبب الرئيسي لهذه الهجرة
تدمير كنيسة مار أحوداما أو احوديمي فيها ما أدى إلى انتقال المفريان إلى الموصل. وقد أصبحت البلدة خلال تلك الفترة
مقرا للبطريركية السريانية في شمال العراق لفترات متقاطعة ، حتى انتقال البطريرك
الممثل لكنيسة أنطاكيا إلى الموصل نهائيا.
يقول الاستاذ عبد الرزاق الحسني في
كتابه (العراق قديما وحديثا ) وهو كتاب قديم اصدره لاول مرة سنة 1928
بعنوان (رحلة الى العراق أو خاطرات الحسني ) ان قضاء الموصل كان يتألف من نواح
خمسة احداها ناحية الحمدانية . والناحية هذه تتألف من (118) قرية يقطنها زهاء (21000)
نسمة جلهم اصحاب زرع وضرع ، ومركزها
قرية قره قوش التي تبعد (33) كيلومترا عن
الموصل شرقا .
خلال الحرب العراقية - الايرانية 1980-1988
قدمت قره قوش الكثير من الشهداء ذكر
البعض ان عددهم لا يقل عن المائتي شهيد ، وهناك اليوم حي كامل فيها هو حي الشهداء
ساعدتهم الدولة على انشاءه خلال الحرب وبعدها .
وفي قضاء الحمدانية اليوم جامعة
رسمية هي جامعة الحمدانية في قره قوش وهي جامعة متميزة ، ونشيطة علميا ، واكاديميا
، وثقافيا ودورها في المجتمع يشار اليه بالبنان ، ويقف على رأسها رئيس الجامعة
الاستاذ الدكتور عقيل يحيى الاعرجي .
وقد صدرت في قره قوش بعض الصحف
والمجلات . كما ان فيها
ساحات للرياضة وفرق رياضية للنساء والرجال وخاصة لكرة القدم والكرة الطائرة ولكرة
السلة .. كما ان فيها نواد ثقافية واجتماعية
فضلا عن المقاهي ، والكافيهات ، والتجمعات الثقافية والفنية ، وصالات للانترنت
واذاعة صوت السلام ، واخويات منها اخوية مار عبد الاحد ، واخوية القلب الاقدس .
في قره قوش مدارس ابتدائية ومتوسطة
وثانوية ، وفيها مستشفى الحمدانية العام ، ودوائر البريد والاتصالات وباصات لنقل
الركاب وخاصة الطلبة ، ومراكز صحية ، واسواق عامرة ، و(مولات) ، ومكتبة عامة ، ومكتبات لبيع
القرطاسية واشرطة الموسيقى والغناء ، وفيها بلدية تدير البلدة .
وانجبت قره قوش شعراء ، وكتاب ،
وجغرافيين ، وفنانين ، وعسكريين كبارا ومؤرخين ، نحتاج الى وقت طويل وصفحات كثيرة
لكي نتحدث عنهم وعن سيرهم وانتاجهم ، وهم جميعا أسهموا ، ويسهمون في بناء العراق
وتقدمه .
والحمد لله هي اليوم تنهض كما
الموصل من جديد ، واهلها يعملون على نهضتها وتقدمها .
واملنا كبير في ان تستمر حركة
النهوض وتعزز الخدمات ، لينعم جميع اهالي قره قوش بالسلام والاستقرار والتقدم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق