السبت، 26 سبتمبر 2020

قضاء الشيخان : قضاء التعايش والمحبة والسلام


د





                                          السيدة فاطمة البهادلي رئيسة جمعية الفردوس العراقية تزور عين سفني 





                          دار الايتام في عين سفني وقد زارتهم السيدة فاطمة البهادلي رئيسة جمعية الفردوس العراقية 2017













 



قضاء الشيخان :   قضاء التعايش والمحبة والسلام

ا.د. ابراهيم خليل العلاف

استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل

قضاء الشيخان ، ويسمى ايضا (عين سفني)  أحد اقضية محافظة نينوى.  وقضاء عين سفني من الاقضية العراقية القديمة ، ويرجع تاريخ استحداثه كقضاء الى الايام الاولى لتأسيس الدولة العراقية الحديثة ؛ ففي 16 كانون الاول سنة 1924  ، صدر الامر الملكي بتأسيس القضاء .

ومدينة عين سفني مركز قضاء الشيخان ، مدينة جميلة تقع في شمال مدينة الموصل وجنوب شرقي مدينة دهوك وسكان قضاء الشيخان هم من اليزيديين والاثوريين والمسلمين من العرب والاكراد ويعيش الجميع بسلام ومحبة وتعايش منقطع النظير .ولعل من الامور التي تدلل على هذا ان الايزيدية في الشيخان هم من تبرع وانشأ جامع الشيخان القديم للمسلمين سنة 1944 وهذه قصة يتداولها اهالي الشيخان .     .

يقع قضاء الشيخان ، ومركزه مدينة عين سفني  على بعد (  60  )  كيلومتر  شمال مدينة الموصل ، ،  والمنطقة تتمتع بموقع استراتيجي  مهم . فضلا عن انها تضم ثروة نفطية  .

هناك الكثير من التفسيرات حول اصل كلمة (الشيخان ) ، ولعل اصدقها  وأصحها ان كلمة الشيخان جاءت من وجود عدد من الشيوخ شيوخ اليزيدية فيها ويذكر أنها  كانت مكانا لسكنى اولئك الشيوخ وابرزهم الشيخ عدي بن مسافر الهركي الاموي المتوفى سنة 1162 ميلادية والشيخ صخر والشيخ حسن والشيخ شمس الدين وغيرهم .  

 

 

 

اما لماذا سميت ب(عين سفنى)  ؛ فالامر يتعلق بما يقال ان كلمة سفني  الارامية هي أوتاد السفن ، وان سفينة النبي نوح عليه السلام بعد الطوفان قد رست بالقرب من جبل عين سفني ولايزال الناس من ابناء الطائفة اليزيدية او ( الايزيدية ) يتبركون بعين ماء تقع في عين سفني اسمها ( عين الطوفان ) تخرج منها المياه العذبة  حتى انهم يشبهونها بمياه بئر زمزم في مكة المكرمة .

وقد ورد ذكر عين سفني في المصادر القديمة  ومنها  كتاب (المجامع الشرقية)  الذي يشير الى انها كانت  مركزاً اسقفياً، وعرف  من اساقفتها   مطران دير متي (برسهدي) وبرسهدي تعني ابن الشهداء  الذي اشترك في مجمع  مار حزقيال  الجاثليق  المنعقد سنة  576م.

يحد قضاء الشيخان من الناحية الادارية  قضاء العماديّة شمالاً، وقضاء عقرة شرقاً، كما يحدها جنوباً كل من سلسلة جبل مقلوب، وقضاء تكليف، ومنطقة  النوران ، وأما الناحية الغربية لقضاء الشيخان؛ فإنه يحدها مدينة دهوك.وتحيط بها العديد من المدن والقرى والقصبات  ، ومنها الفاضلية، والشرفية، وأطرش، ومربه، وبوزان، والقش، ، وغيرها، كما أنها تشتمل على العديد من النواحي، ويقع مركز القضاء  في مدينة عين سفني، وتبلغ مساحته أي مساحة القضاء قضاء الشيخان  (1,259  )كيلو متراً مربّعاً، أما عدد سكان القضاء وحسب تقديرات سنة 2003  فيبلغ قرابة  ( 90,000   )  نسمة .  

هناك نواح عديدة تتبع قضاء الشيخان فضلا عن مركه عين سفني منها ناحية ( قصروك ) وناحية (زيلكان ) وناحية (أتروش ) وناحية ( باعذره )

وقضاء الشيخان عريق في تاريخه ، وفيه آثار تؤكد انه كان مأهولا ايام الدولة الاشورية وعاصمتها نينوى . ومن هذه الاثار آثار تعرف بآثار ( خنس)  على نهر الكومل . وفي هذه المنطقة توجد مجموعة من عيون الماء والتي اعتمد عليها الملك الاشوري سنحاريب في اقامة مشروعه الاروائي الذي استهدف ايصال الماء الى عاصمة الدولة نينوى والمناطق المحيطة بها ولاتزال بقايا هذا المشروع  ومنه سد سنحاريب العظيم  حتى يومنا هذا وسبق لقناة (الموصلية) الفضائية ان خصصت عدة حلقات لاستطلاع هذا المشروع وقام بتقديم التقرير الاستقصائي الجميل استاذ الجغرافية الطبيعية في جامعة الموصل الاسبق الدكتور فواز حمو النيش .

 وكما هو معروف فان نهر الگومل ، كما يقول الاستاذ  منذر كله في مقال له متوفر  بعنوان (الاثار الاشورية في خنس وموقعها الاثري على نهر الكومل ) منشورة في موقع Zowaa  الالكتروني ، يعد القلب  النابض للآثار في (خنس) .  ونهر الكومل ليس الا مجرى مائي جبلي واسع نوعا ما ، يقع شمال شرق قضاء الشيخان (عين سفني ) بمسافة ( 9  ) كم . وينبع النهر من الجبال والاراضي الواقعة شمالا  وعلى امتداد عدد من القرى منها    دزي ، واساس وبرتون ومكيرس وديرخطره  وشهيا  وهارونة  وكوخي وبافيان  وخنس   التابعة لناحية اتروش ، ويبلغ طول النهر  (60 ) كم تقريبا ،  والنهر يجري باتجاه الجنوب فيخترق العديد من القرى  منها   قرى  بارشة ، بافيان  ، دربستة ، بيران ، بيربوب ، زيناوات ، تل جومل،  بيران،  مقلوب  الى ان يلتقي بنهر الخازر بالقرب من قرية پيران مقلوب وقيماوة  ، وينحدر النهر في وادي متعرج ذي سطح مستو تقوم على جانبيه جدران من الكتل الصخرية العمودية وعلى السفوح الغربية مباشرة الى الاعلى ، وعند موقع خنس تقوم مقصورة رائعة لصورة معروفة جدا عند المختصين بالاثار الآشورية ، المنحوتة البارزة الرئيسية هي لوح هائل الحجم مربع الشكل منقور ومصقول في وجه كتلة صخرية تعلو المجرى مباشرة وتتضمن اربعة رسوم بشرية جبارة الحجم هي الان  للأسف ، مهشمة ومشوهة بفعل الزمن ومؤثرات الطبيعة .

 

 

قضاء الشيخان قضاء متكامل من النواحي الادارية والتنظيمية ؛ ففيه مبان للدوائر الحكومية من قبيل مبنى قضاء الشيخان أي مبنى القائمقامية ، ومراكز للشرطة ومبان للمحاكم ، وللبلدية ، وللزراعة ، والري  والمرور  والصحة  والضرائب وللنفوس والجنسية والكمارك .كما ان فيه العديد من الاسواق القديمة التراثية والاسواق الحديثة ومحطات الوقود الحكومية والاهلية ،   والمطاعم الشعبية والفاخرة والمقاهي والنوادي  الرياضية  ومنها مثلا نادي السلام الرياضي . فضلا عن (المولات ) و( الكافيهات ) والصيدليات (توجد قرابة 30 صيدلية في القضاء )  وعيادات الاطباء  الخاصة .كما ان في القضاء مستشفيات ومراكز صحية  ويمكن هنا الاشارة الى  ( مستشفى الشيخان  العام ) الذي  يقع في وسط ناحية عين سفني، وبالقرب من سوق النازحين.

وفيما يتعلق بالمدارس فان قضاء الشيخان كان من اقدم الاقضية التي شهدت تأسيس وفتح المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية منذ البواكير الاولى لنشأة الدولة العراقية في العشرينات من القرن الماضي .ومن هذه المدارس (مدرسة عين سفني الابتدائية الاولى ) و(مدرسة النركزلية الابتدائية ) و( ثانوية عين سفني للبنين ) و( ثانوية عين سفني للبنات ) و( متوسطة الشيخان للبنين ) و(إعداديّة عين سفني للبنات) و(مدرسة ايسيان المختلطة ) وغيرها من المدارس .

وفي قضاء الشيخان وما يتبعه من نواح وقصبات وقرى العديد من المعابد اليزيدية والمساجد والجوامع ومنها  (جامع الشيخان الكبير ) و (جامع الشهيد في عين سفني ) و(جامع عمر بن الخطاب ) . وفي الشيخان  اليوم  وعند كتابة هذه السطور كنيستان الاولى وتحمل اسم كنيسة  مار يوسف وهي للكلدان بنيت سنة  1960 وقد بنيت على انقاض  كنيسة قديمة مبنية  من الطين بين سنتي   (1946-1948)، والكنيسة الثانية  هي بأسم  كنيسة مار كوركيس وهي تابعة للكنيسة الشرقية القديمة. 

ادعو المسؤولين الى الاهتمام بقضاء الشيخان وخاصة في مجال الخدمات  وتهئية اماكن الراحة ولعب الاطفال وخلق اماكن ترتادها العوائل ايام العطل والمناسبات  واكمال تأهيل الحديقة العامة  للالعاب والتي تبلغ مساحتها (8000 مترمربع ) ،  وتبليط الطرق التي تربط المركز بالنواحي والقرى والقصبات فضلا عن الطرق داخل مركز القضاء .

اعود لاقول ان من معالم عين سفني ( وادي لالش)  أي ( وادي الصمت)  ومعابد الديانة الايزيدية .. وقد سبق ان تحدثت عن (يزيدية الموصل) في واحدة من حلقات برنامجي التلفزيوني (موصليات ) من قناة (الموصلية ) الفضائية وقلت  أن اليزيدية أو الايزيدية ، جزء مهم من النسيج الاجتماعي العراقي والموصلي ..عاشوا ويعيشون مع إخوتهم وأهليهم منذ الاف السنين .واجهوا ما واجهه الموصليون من مشاكل  وتحديات عبر القرون ولهم مع الجميع ذكريات لايمكن محوها ولايمكن لآحد تجاهلها.

الذي يهمني هنا قوله : ان اليزيدية ك (قومية ) وك (دين ) مرتبطون بالارث التاريخي العراقي القديم ، وبعبارة أدق بالحضارات الرافدينية العريقة ،  ومنها الحضارة السومرية والحضارة البابلية ، والحضارة الاشورية النقطة الاخرى التي اريد ان اؤكدها ان كلمة اليزيدية مأخوذة من لفظة (يزد) وهي كلمة يزيدية مشتقة من الكلمة الفارسية (يزدان ) ويزدان تعني ( الله ) عزوجل .ولليزيدية امارات ومنها امارة في باعذره وهي قرية موصلية وهناك دور للشيخ سعيد (ابو دخيل ) ودور للشيخ معاوية ( ابو فرعون ) واليزيدية في الموصل يتركزون في منطقتين رئيسيتين هما  قضاء (سنجار ) و قضاء ( الشيخان ) أي  ( عين سفني ) .

والشيخ عدي بن مسافر  الهركي الاموي  وهو نفسه الذي يسميه الناس الشيخ  عادي رجل  متصوف زاهد منقطع  ولد ونشأ في بيت فار من اعمال بعلبك بالشام وبعد ان بلغ مبلغ الرجال عكف على التعمق في الدراسات الدينية ووهب نفسه لاصلاح ما فسد من امر العباد ولم يستقر في الشام وانما غادرها  الى كردستان العراق   وكان هذا في النصف الثاني من القرن السادس الهجري الثاني عشر الميلادي كما يقول الدكتور عبد العزيز نوار في مقاله عن اليزيدية في مجلة الهلال عدد يناير –كانون الثاني 1965 .

عاش  عدي بن مسافر في الاماكن المنعزلة ثم انزوى بين اقوام بسطاء اعتقدوا بما كان يقوله وانقادوا لاراءه ومعتقداته  وكان الشيخ عدي يسعى الى تهذيب القوم الذين عاش بينهم وكان يبشرهم بالحسنة والبركة والموعظة .

 واليزيدية من مريدي الشيخ عدي بن مسافر ، وهو من التابعين وانهم أي اليزيدية يعتقدون بأن الشيخ عدي الذي دفن في جبل لالش من أعمال الموصل قد تعهد بصومهم ، وصلاتهم وانه سيقودهم في آخر الزمان الى الجنة ..." .وللشيخ عادي كتب مؤلفة ورسائل منها كتابه ( بهجة الاسرار ) ، وكتابه ( رسالة في آداب النفس ) وكثيرا ما كان الشيخ عدي في رسالته يؤكد على ضرورة اقتران القول بالعمل ويوصي اتباعه بالتوفيق بين الاقوال والاعمال  والسلوك .

 ومن خلفاء الشيخ عدي ابو البركات صخر بن صخر وحسن ابن ابي المفاخر عدي تاج العارفين . وثمة مرقد للشيخ عدي الهكاري في جبل مقلوب عند وادي لالش في عين سفني كثيرا ما زرته في السنوات الماضية ويزوره اليزيدية والمسلمون  ويتبركون به وكان الى جواره مدرسة  وثمة زخارف  على المرمر تعلوها صورتان لطاووسين متقابلين يتوسطهما اسدان متقابلان مرسومان على رخامة ثلاثية الشكل وعلى المدخل عبارات باللغة العربية فيها :

بسم الله الرحمن الرحيم

خالق السماء والارض

اخفض هذا المنزل

محل شيخ عادي الهكاري

شيخ اليزيدية  695 (1296م )

وعلى الجدار عبارة تقول : سعى بتجديد هذا المرقد علي بك بن حسين بك امير الشيخان 1324 هجرية- 1907 ميلادية .

اريد ان اقول انه ليست لدينا احصائية دقيقة عن عدد  يزيدية الموصل في سنجار وعين سفني وبعشيقة وبحزاني وفي كل القرى اليزيدية التي تزيد عن 1000 قرية واليزيدية من حيث التنظيم الاجتماعي طبقات  محددة تحديدا واضحا حرم فيها الانتقال من طبقة الى اخرى فهناك المير  او الامير الذي يأتي عن طريق الانتخاب والامير معصوم من الخطأ ولايحاسب على اعماله وهذا لم يكن يعني الاستبداد في الحكم فقد اثبت الامراء انهم ذوي ضمائر حية وبذل بعضهم دماءه دفاعا عن عقيدته ورعيته . ويلي الامير في المرتبة بابا شيخ  وبابا شيخ يتحتم عليه ان يكون زاهدا وهناك  بعده الشيخ والبير والفقير والقوال ( وهم الذين يرتلون الاناشيد والملاحم الحماسية والدينية ويدربون الاولاد عليها وعلى ضرب الدف والعزف على الناي وهذه الات اساسية جدا في احتفالاتهم الدينية والقوالون لايتزوجون الا من داخل طبقتهم ) .. وهناك طبقة الكوجك او الكواجك وهم من يخدمون مرقد الشيخ عدي بن مسافر ومن عشائرهم الدنادية والشيخان والمهركان والسيفانة والكيبارية والداسنية والهبابات والخالتي والفقراء والشهوان والسموقة والهسكان والرشكان والهكارية وحتاري والجفرية والبكران.

ومن اعيادهم عيد  رأس السنة  وعيد بلندة  وعيد المحيي وعيد مربعانية الشتاء وعيد خضر الياس وعيد مربعانية الصيف وعيد القربان وعيد الجماعية والقاباغ .وفي عيد الجماعية يدخلون جبل لالش ويغتسلون في عين يسمونها زمزم .

 

ان معبد لالش  يعتبر من المواقع الدينية والاثرية المقدسة لدى الأيزديين  ليس في  العراق وانما في العالم  كله  وهو  يبعد عن مركز قضاء الشيخان بحوالي (10) كم ويضم المعبد في جنوبه  مبنى اثري قديم يتكون من العديد من الغرف يسمى (خانه أيزي) . وتقام في معبد لالش العديد من الطقوس والأعياد الدينية الخاصه  بألايزيديين ويحتوي المعبد  العديد من الرموز المنقوشة على جدران المعبد منها (رمز طاووس ملك ) ورموز اخرى  وهناك كما سبق ان قدمت  عيون مـاء مقدسـة  منها عين زمزم والعين البيضاء  التي تستخدم لتعميد الاطفال .

 

 

بقي ان اقول ان التاريخ السياسي ليزيدية الموصل يحفل بالكثير من الاحداث التي تحمل فيها اليزيدية عنت الحكام واستبدادهم وتدخلاتهم في شؤونهم .لكن هذا لم يمنع اليزيدية من الانخراط في الجيش وفي الاحزاب السياسية العراقية وفي النشاطات ولهم صحف ومجلات وادباء ومثقفين كثر واساتذة واكاديميون احتفظ بكثير من الصداقات معهم وللاسف خلال سيطرة داعش على محافظة نينوى منذ العاشر من حزيران 2014 تعرض اليزيدية لأبشع حالة من الاضطهاد والسبي وبعد التحرير عاد الكثير منهم   الى قراهم ومدنهم واخذوا  يمارسون نشاطهم ويعمروا ما دمر حالهم حال اخوانهم في مدينة الموصل وباقي اجزاء محافظة نينوى .

 

 

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق