الاثنين، 5 يونيو 2017

المسرح في العراق القديم د. باسم محمد حبيب

المسرح في العراق القديم
د. باسم محمد حبيب
نائب رئيس إتحاد كتاب الانترنت العراقيين
اختلف الباحثون حول وجود المسرح في العراق القديم ، بين من يرى عدم وجوده ، وأصحاب هذا الرأي طائفة كبيرة من الباحثين على رأسهم عالم المسماريات الشهير ( صوموئيل كريمر )، الذي لم يشر - على حد علمي - إلى وجود المسرح في العراق القديم في أي بحث من بحوثه ( حول ذلك أنظر مؤلفاته المهمة : السومريون أحوالهم _ عاداتهم - تقاليدهم و من ألواح سومر ) ، ومن هؤلاء أيضا كثير من الباحثين العراقيين على رأسهم طه باقر ( حول ذلك أنظر مؤلفاته المهمة : مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ، ج1 و مقدمة في أدب العراق القديم ) ، وبين من يعتقد بوجوده ، وأبرزهم الدكتور فوزي رشيد ، الذي أستند في إثبات رأيه على أدلة عدة من بينها : العثور على مدخل في مدينة الوركاء يعتقد بإنه من المداخل التي تؤدي إلى العالم الأسفل ، وهذا المدخل - بحسب رأيه - كان يستخدم في تمثيل مشاهد نزول ( إنانا ) (عشتار) إلى العالم الأسفل ( فوزي رشيد ، المسرح عراقي الأصل ، مجلة الإستشراق ، العدد 5 ، بغداد ، 1991 ، ص 272 ) ، ومن أدلته أيضا : وجود ألفاظ تدل على ممارسة التمثيل ، منها اللفظة الأكدية ( موميلو ) ومؤنثها ( موميلتو ) ، تقابلها في اللغة السومرية لفظة ( إينة دودو ) وتعني التحدث إلى الجمهور ، أما المصدر ( ميلولو ) التي جاءت منه اللفظة الأكدية -
ففي نظره - لايعد دليلا على وجود مسرح عراقي قديم وحسب ، وإنما أيضا على أن هذا المسرح هو الأصل الذي تطورت منه المسارح الأخرى ، وبالذات الأوربية ، لأنه يشير إلى معنى ( يلعب ) الذي هو المعنى ذاته الذي تشير إليه لفظة تمثيل الأوربية ( المصدر السابق ، ص 276 ) .
أما نحن فنرى أن نفي وجود مسرح عراقي قديم إستنادا لعدم تطرق بعض الباحثين إليه أمر يتنافى مع أصول وقواعد البحث العلمي ، لإن هؤلاء ربما لم يهتموا بهذا النوع من الدراسات ، أما الذين نفوا وجوده إنطلاقا من عدم توافر مستلزمات المسرح من صالة عرض ونصوص مسرحية وممثلين ، فهؤلاء يتجاهلون أننا نتحدث عن عصور قديمة لم تكن هذه المستلزمات فيها من الشروط الأساسية للمسرح على الرغم من أهميتها للمسرح الحديث ، في المقابل لانجد أن الأدلة التي قدمها الدكتور فوزي رشيد كافية لحسم هذا الأمر والإقرار بمعرفة العراقيين القدماء بهذا اللون من الفن ، لإن وجود مدخل إلى العالم الأسفل لا يعني بالضرورة أنه مخصص لتمثيل مشاهد مسرحية ، بل ربما لإقامة طقوس وفاعليات دينية لا أكثر ، والشيء نفسه فيما يخص الألفاظ التي أشير إلى صلتها بمعنى التمثيل ، فهي ربما لم تكن آنذاك تحمل دلالات لها علاقة بالمسرح ، بل بأمور أخرى مختلفة .
ونضيف إلى ذلك بعض الجوانب التي لها علاقة بحضارة بلاد الرافدين ، كغلبة الطابع العملي على مسار هذه الحضارة ، وما تتسم به ذهنيتها من التشاؤم الذي يجعلها زاهدة بالجوانب الترفيهية .
لذا نحن بحاجة إلى دراسات أوسع وأعمق حتى نستطيع أن نبت في صحة أيا من هذين الرأيين ، وإلى أن يحين ذلك نحن مضطرون إلى عد هذه القضية قضية إشكالية كما هو الحال مع المشكلة السومرية وغيرها ، ولنتأمل خيرا من مستقبل الدراسات المسمارية ، فمئات الآلاف من النصوص المسمارية التي تنتظر الدراسة ، وآلاف المواقع الأثرية التي تنتظر التنقيب ، ربما تستبطن مفاجآت كبيرة قد يكون من بينها تغيير نظرتنا إلى المسرح العراقي القديم ، لذا فلننتظر ونرى ..

هناك تعليق واحد:

  1. مقال مهم واصيل في فكرته وعرضه وفي استنتاجاته بارك الله بك اخي الدكتو باسم محمد حبيب

    ردحذف

عبد الستار ناصر وطقوس الكتابة

  عبد الستار ناصر وطقوس الكتابة -ابراهيم العلاف ولا اكتمكم سرا ، في أنني احب القاص والروائي العراقي الراحل عبدالستار ناصر 1947-2013 ، واقرأ ...