السبت، 21 أغسطس 2010

أحمد علي الصوفي ومجهوداته في خدمة التاريخ والتراث الموصليين*



أحمد علي الصوفي ومجهوداته في خدمة التاريخ والتراث الموصليين *
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث –جامعة الموصل
تعرفت على المرحوم الاستاذ احمد علي الصوفي (1893-1982) المؤرخ الباحث الموصلي المعروف سنة 1973 ،حينما كنت أجمع مادة رسالتي للماجستير عن (ولاية الموصل). وخلال المدة من سنة 1973 وحتى الوقت الحاضر، وأنا أتابع كل مقالة أو دراسة أو خبر ينشر عن جهود هذا الرجل الرائد في مجال التاريخ والاثار والتراث وقد وصلت الى قناعة تامة بان الصوفي يعد من رواد النهضة العربية المعاصرة في العراق، فمن هو الصوفي؟ وما أبرز اثاره وكتاباته ؟ وما سمات منهجه في التأليف التاريخي؟
ولد احمد بن علي أفندي ال سليمان اغا الملقب بالصوفي في مدينة الموصل سنة 1893م. ولقب بالصوفي لتوجهه الديني المبكر، وتردده ثلاث سنوات على المدرسة الدينية الموجودة في جامع الرابعية. وبعد ذلك أتجه نحو المدارس الرسمية فدخل المدرسة الرشدية (المتوسطة) وبعدها الاعدادية الملكية ليتخرج منها سنة 1917م. وقد قضى مدة خدمته العسكرية كاتبا في دائرة التجنيد وأستمر كذلك حتى انتهاء الحرب العالمية الاولى ووقوع الموصل سنة 1918 تحت الاحتلال البريطاني.
أتجه الصوفي للعمل في سلك التعليم، فعين في 26 نيسان 1920 معلما في المدرسة العراقية، وانتقل الى المدرسة الخضرية ثم نسب في أيلول 1926 مدرسا في ثانوية الموصل وانتهى به المطاف معاونا لمدير متوسطة المثنى وتقاعد سنة 1956 بعد بلوغه السن القانونية.
وخلال المدة من 9 تشرين الاول 1935 وحتى نيسان 1937 أجتذبه المرحوم الاستاذ ساطع الحصري مدير الاثار العام مفتشا في مديرية الاثار بالموصل.
أسهمت مصادر عديدة في التكوين الثقافي للصوفي، لعل من أبرزها : دراساته الدينية الاولى التي تلقاها على أيدي نخبة من علماء الدين الذين زخرت بهم الموصل في مطلع القرن العشرين ومن هؤلاء الحاج محمد الرضواني (ت سنة 1938) الذي كان يشجع طلبته على البحث وحل المسائل بروح علمية، كما عاش الصوفي أجواء الحركة السياسية النشيطة التي شهدتها الموصل في أعقاب الحرب العالمية الاولى وانسحاب العثمانيين وحدوث الاحتلال البريطاني وتنامي الشعور الوطني اثر ظهور مشكلة الموصل ومطالبة الاتراك بها.
كان عضوا في جمعية العهد فرع الموصل وبدفع من قادة الحركة الوطنية أتجه نحو التعليم مع نخبة من زملائه بهدف العمل على تربية النشى وفق مفاهيم وأفكار وطنية وقومية.
وكان الصوفي على صلة وثيقة برواد العمل الوطني والقومي أمثال ساطع الحصري (1880-1968) ودرويش المقدادي (1898-1961) وداؤد الجلبي (1879-1960) . وكان لهذه الصلة اثر كبير في تنمية الحس التاريخي وولعه بتسجيل جوانب مهمة من تاريخ العراق عامة والموصل خاصة والاستفادة من دروس التاريخ في تقوية الشعور المعادي للانكليز وبناء جيل جديد في العراق على أسس وطنية وقومية متينة.
ولقد أتجه الصوفي الى التأليف التاريخي حال تركه العمل في دائرة الاثار، فأصدر كتابه (الاثار والمباني العربية الاسلامية في الموصل) سنة 1940 وتطرق فيه الى موقع الموصل وأهميتها وأقوال المؤرخين في تأسيسها وتمصيرها وابرز المباني العربية الاسلامية فيها. وبعد ذلك بتسع سنوات اصدر كتابه (تاريخ المحاكم والنظم الادارية في الموصل) وبعد محاولة جادة لدراسة أصول القضاء الشرعي والمدني في الموصل خلال الفترة الواقعة بين سنتي 1534 و 1918. وفي سنة 1951 اصدر خريطة الموصل على عهد الاتابكيين وتعد الى اليوم من أرصن وأدق خرائط الموصل التاريخية. كما أصدر سنة 1953 كتاب (المماليك في العراق 1723-1831) وفيه فصل مهم عن الاسرة الجليلية في الموصل والتي أنتقدها الصوفي وعدها مسؤولة عن الصراعات السياسية والدموية والنكبات الاقتصادية التي شهدتها الموصل أبان الفترة المذكورة انفا.
وخلال السنة ذاتها اصدر كتابه (خطط الموصل) بجزئين ويعد تاريخا شاملا لمدينة الموصل وخططها وسكانها وعشائرها واحياءها ومساجدها وأسواقها وأبوابها وأسوارها. في سنة 1955 أصدر كتابه (ارض السواد) الذي درس فيه مشكلة الارض والمياه في العراق وأدان فيه اهمال المسؤولين العناية بمشاريع الري وحمل الغزاة الاجانب الذين استولوا على مقاليد الحكم بعد سقوط بغداد سنة 1258 مسؤولية تدهور أوضاع البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وأنصرف الصوفي لجمع الحكايات الشعبية في الموصل من صدور العجائز والجدات قبل اندثارها. وأصدر كتابه (الحكايات الشعبية في الموصل) سنة 1962 وجمع فيه (21) حكاية وركز على دلالتها التربوية والاخلاقية دون التعمق في أصولها ومآخذها التاريخية. وفي سنة 1970 اصدر كتابه (تاريخ بلدية الموصل) لمناسبة مرور مائة عاما على تأسيس البلدية. فتحدث عن فكرة البلدية منذ ظهور الاسلام حتى سنة 1958 وقدم جردا تاريخيا مفصلا برؤساء بلدية الموصل منذ تأسيسها مع توضيح لأبرز منجزاتهم العمرانية والاجتماعية.
صدر من كتاب بلدية الموصل الجزء الاول فقط ولا ندري اين مصير الجزء الثاني ، عسى ان يتصدى ولده


الكبير سفيان لاعادة النظر في مسوداته ونشره .


المهم ان "تاريخ بلدية مدينة الموصل" ،للصوفي رحمه الله ، من الكتب المهمة التي وثقت لنشاة وتطور هذه البلدية التي يرجع تاريخ تاسيسها الى سنة 1869،ويقع الكتاب في قرابة (45) صفحة من القطع الكبير ، وقد الحقت بالكتاب صور لرؤساء بلدية الموصل وخرائط لمدينة الموصل و ( لمحة تاريخية عن البلدية ) كتبها السيد خير الدين العمري احد رؤساء بلدية الموصل ، وقد قدم للكتاب الاستاذ امجد الطالب ، وكان مديرا لبلدية الموصل في السبعينات من القرن الماضي .. ومما قاله في التقديم ان الكتاب ألف لمناسبة مرور (100) عام على تاسيس بلدية الموصل وان البلدية هي التي كلفت (المؤرخ الاستاذ احمد الصوفي ) لمساعدتها في (وضع هذه الدراسة


التاريخية عن البلدية )


وضع الاستاذ احمد علي الصوفي خطة محكمة عند شروعه بتاليف الكتاب ، فقدم لمحة تاريخية عن تخطيط مدينة الموصل منذ فتحها المسلمون سنة 16هـ وفي عهد الخليفة الثاني عمربن الخطاب رضي الله عنه .


وتحدث عن سور مدينة الموصل ودور الامارة ثم شوارع المدينة واسواقها ومحلاتها القديمة وجوامعها ومعاهدها العلمية .. وبهدف الدخول الى مهام البلدية ذكر نبذة عن نظام الحسبة ( الاسلامي) وهو النظام الذي يعرفه الفقهاء والمتشرعون في الاسلام ، بانه الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واصلاح ذات البين بين الناس بكافة الطرق المشروعة ، وتطرق الى تواريخ تأسيس البلديات في الدولة العثمانية وقال ان دائرة بلدية الموصل ومجلسها تاسسا سنة 1285هـ / 1869م . وعند تاسيسها كانت مؤلفة من رئيس للبلدية ومعاونه وعدد من الكتاب ومن مجلس بلدي يتشكل من ستة اعضاء .. وقد كان تشكيل بلدية الموصل بعد صدور قانون البلديات سنة 1889 ينص على ان هناك شعبا عديدة تتالف منها البلدية هي شعبة الهندسة ، وشعبة المحاسبة وطبابة البلدية وشعبة التفتيش وشعبة التحرير . ووضع الصوفي، رحمه الله، مباحث باسماء رؤساء البلدية وما تركوه من منجزات واثار عمرانية واجتماعية وقال انه قد تولى رئاسة البلدية من سنة 1869 حتى 1969( 26 ) رئيس بلدية اولهم المرحوم حسن بك بن محمد سعيد باشا ال ياسين المفتي .. وفي سنة 1887 تولى رئاسة البلدية حسن افندي العمري ومن رؤساء بلدية الموصل حسن بك المفتي ، الحاج يونس افندي المفتي الذي تولى رئاسة البلدية بين سنتي 1873،1877 وسليمان بك بن عبد الرحمن بك 1882 حتى 1887 وحسن افندي العمري 1887 - 1891 والحاج امين افندي ال النائب 1892 - 1894 وسليمان افندي العبيدي 1895 - 1898 وسعيد افندي بن قاسم اغا السعرتي 1898 - 1904 ومحمود بك ال شريف بك ال ياسين افندي المفتي 1904 - 1908 وصالح افندي السعدي 1912 - 1913 وامين افندي المفتي 1913 - 1914 ومحمد علي فاضل بن عبد الحافظ افندي 1920 - 1921 وحسن فايق بك بن اسماعيل بك 1922 - 1927 والحاج حسين جلبي حديد وكالة 1927 - 1929 وخير الدين العمري 1932 - 1949 وسالم نامق ال قاسم اغا السعرتي 1949 - 1951 ومحمود توفيق الجليلي 1952 - 1954 وهكذا توالى على رئاسة بلدية الموصل رجال عرفوا بثقافتهم الواسعة واطلاعهم المتميز على احوال الدنيا ودأبهم على خدمة المدينة فقدموا الكثير من الاعمال العمرانية والاجتماعية التي تحولت معها مدينة الموصل من مدينة صغيرة ضيقة الشوارع تنعدم فيها الابنية الحديثة الى مدينة متطورة .
وللصوفي كتب مخطوطة منها كتاب (تاريخ وعبر) ويبحث فيه تاريخ الموصل أواخر العهد العثماني وما بعد ذلك. كما ترك مقالات ودراسات عديدة في صحف الموصل وبغداد ويقتضي الواجب العلمي جمعها واصدارها في كتاب أو كتب احياء لذكرى هذا الرجل الرائد.
لم يكن الصوفي مؤرخا محترفا، بمعنى أنه لم يدرس مادة التاريخ دراسة أكاديمية منظمة تساعده في ان يتخذ من دراسته هذه حرفة يعتاش منها، بل كان مؤرخا هاويا اتخذ التأريخ وسيلة من وسائل التثقيف والتربية الوطنية والقومية للناشئة الذين حرص كل الحرص على ان يحبوا تاريخهم ويستلهموا رموزه وقيمه بشرط عدم التفريط بشروط ومواصفات الكتابة التاريخية. وكان الصوفي يقدم التاريخ بأسلوب قصصي ماتع لذلك أحبه طلبته لطرافته وأسلوبه ولطفه وقوة شخصيته.
ومن خلال متابعة ما أنجزه من كتب ودراسات يمكن القول أنه كان يدرك بأن التاريخ مجرى الحياة، وان ما يجري في حقبة معينة له تأثير على حياة الناس في الحقبة الزمنية التالية ومن هنا جاء اهتمامه بكل حقب وتاريخ فترات الموصل. ولم يكن الصوفي بعيدا عن قواعد المنهج التاريخي فقد عرف بان التاريخ، كما قال في أحد كتبه قد غدا اليوم (يدرس كعلم من العلوم لا مجموعة من الحوادث والحروب التي تدرس وقائعها اعتباطا واهتبالا). وفي كل كتبه سعى الصوفي الرجوع الى المصادر الاصلية وبلغات متعددة كلما استطاع الى ذلك سبيلا. كما انه كان يضع خطة واضحة للبحث ويرتب الاحداث ترتيبا زمنيا منطقيا، ولا يغفل التحليل والتفسير وابداء الاراء. واهتم الصوفي بما يسمى اليوم بـ(التأريخ المحلي)، فقد كانت معظم كتاباته تدور حول الموصل وأوضاعها السياسية والاقتصادية والادارية والعمرانية وهذا اللون من الدراسات حديث النشأة. ولم يقف الصوفي عند التاريخ السياسي بل أهتم بالجوانب الحضارية والاجتماعية فكتب عن تاريخ المباني والمحاكم والبلدية وخطط المدينة والامراض والفيضانات والحكايات الشعبية وله في كل ما كتب فضل الريادة،. ولجأ الصوفي الى التاريخ الشفهي فجمع حكاياته من (الصدور التي أنهكها كبر السن) ولم يكتف بما هو مسطور في الكتب، فتحرى الروايات وحلل مضامينها. ولم يكن الصوفي بعيدا عن أحداث مجتمعه، فقد أرتبط في العشرينات من القرن الماضي بجمعية العهد فرع الموصل وفي الثلاثينات نشط في تنظيمات نادي المثنى المعروف بتوجهاته القومية. كما أنضم الى حزب الاخاء الوطني 1933. وكان من الاعضاء المؤسسين لجمعية التراث العربي التي تأسست في الموصل في 16 حزيران 1973 وكان من أهدافها تشجيع الدراسات المتعلقة بتاريخ الموصل وتراثها. وقد ظل على صلة بشخصيات فكرية وثقافية عراقية وعربية وأجنبية بارزة. وأحتفظ بالرغم من كبر سنه بذاكرة وقادة ولم يتوقف عن الكتابة والتأليف حتى أتته المنية مساء يوم الثلاثاء الثامن من كانون الاول 1982 عن عمر يناهز الثامنة والثمانين.
وقد أبنه طلابه وزملائه، وكتبت تلميذتي لقاء فتحي عبد الله العبادي عنه رسالة ماجستير بأشراف كاتب هذه السطور قدمتها الى مجلس كلية التربية بجامعة الموصل 2004 وأشارت الى مجهوداته، وأبرزت صفاته ومنها سعة علمه، وقوة شخصيته، وأهمية كتاباته التي تشكل بحق مجموعة قيمة من المعطيات التي يفيد منها الباحثون والمؤرخون في تاريخ العراق عامة وتاريخ الموصل خاصة فرحم الله الصوفي وجزاه الله عن ما كتبه ونشره وتركه خــير جزاء .
*جزء من المادة منشور في كتابي الموسوم : " شخصيات موصلية " ،دار ابن الاثير للطباعة والنشر ، (الموصل ،2008 ) .علما بأن لدي عدة مقالات منشورة عن المؤرخ الصوفي في جريدة الحدباء وجريدة فتى العراق وموسوعة المؤرخين العراقيين المعاصرين (الالكترونية ) ، وموسوعة الموصل الخضارية (الجزء الخامس ) ، وفي بعض المواقع الالكترونية . واهتمامي به يرجع الى اوائل السبعينات من القرن الماضي حينما كان حيا .والقصد من هذه الملحوظة ان الصوفي قد نال اهتمام المؤرخين ولايزال . وللاسف لم يردني أي تعقيب أو تعليق من ولده سفيان أو من أي شخص قريب منه وللعلم كذلك ان الاستاذ الخطاط الكبير يوسف ذنون من الذين كان الصوفي نصب اعينهم كما اهتم به استاذنا الدكتور عمر محمد الطالب والاهتمام لم يكن مقتصرا على اهل الموصل من الباحثين والمؤرخين بل ان هناك باحث جورجي اهتم به وباحثة المانية وكذلك كان الاستاذ عبد الحميد العلوجي من المهتمين به واخرون لايتسع المجال لذكر اسمائهم . ويقينا ان اهل الموصل لاينسون رموزهم ورجالاتهم ،لذلك فقول البعض - بعدم الاهتمام بالصوفي وغيره -ممن لم يواكب حركة الاهتمام بالموصل تاريخا وتراثا غير واقعي ويدل على الجهل للاسف الشديد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ومساؤكم خير وعز

  ومساؤكم خير وعز والصورة في الشارع المؤدي الى دورة البكر وجامع محمد طاهر زيناوة-الجانب الايسر من مدينة الموصل التقطتها لكم ظهر اليوم الاثن...