الثلاثاء، 10 أغسطس 2010

الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف :تاريخ في رجل ورجل في التاريخ


الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف :تاريخ في رجل ورجل في التاريخ
بقلم :الأستاذ صلاح سليم علي
اختصاص ترجمة -بريطانيا
حراب وقناديل: الدكتور إبراهيم العلاف من منظور شخصي تحية إلى الأستاذين الكريمين الأستاذ الدكتور احمد عبد الله الحسو الذي كتب مقالة عن الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف وعقب فيها على ما كتبه الدكتور ذنون الطائي عن جهود الدكتور العلاف ومنهجه التاريخي وآراءه التربوية .. كلاهما رجل في التاريخ وكلاهما تاريخ في رجل. إن التنوع الهائل في خبرات الدكتور إبراهيم خليل العلاف واهتماماته يضعه على قدم المساواة مع أكثر عبقريات القرن العشرين أهمية ولاسيما في ميدان التأويل التاريخي الحضاري للحوادث المعاصرة في تاريخ العراق الحديث..إذ لاتنحصر اهتماماته في ميدان اختصاصه الأكاديمي بل تتجاوزها إلى الفكر الاجتماعي والسياسي والتربوي والجغرافي والأنثروبولوجي فضلا عن الأعلام، أو بالأحرى تاريخ الصحافة والأعلام. وهو بتنوع اهتماماته هذا يقدم نقدا بناءا وموضوعيا للوضع الثقافي العربي بأسره ومفاد هذا النقد: أن المعرفة الأكاديمية وحدها لاتعوض عن الفضاءات المعرفية الواسعة التي تقدمها التجربة والتفاعل اليومي مع الحدث التاريخي.
فالأستاذ إبراهيم خليل العلاف تاريخ في رجل ورجل في التاريخ. ولعله أول أو من أوائل الدعاة إلى التنوع المعرفي والكتابة في ميادين الأدب والفلسفة والنقد الفني والأدبي بل نجد ان كتاباته تقع في هذا الإطار وتشهد لهذا التنوع مما وسع دائرة قرائه خارج ميدان الدراسات التاريخية. ونحن في قراءتنا له لاتأسرنا الأفكار وحدها بل أسلوب عرضه لهذه الأفكار. والأسلوب هو الرجل كما يقال.. فنصه ليس وليد ساعة ابتكاره ابدا بل هو ثمرة طرق واعادة طرق وكتابة ..وهو لن يستخدم مايسميه الصاغة بالقالب (الخشتيك) إلا عندما يضطره المنهج التدريسي المحدد بجدول زمني ومادة امتحانيه إذ نلمس من قراءة ثانية وثالثة ورابعة أحيانا لكتاباته مراجعة حثيثة لما يكتب بهدف تأكيد جوانب معينة يتوقف عندها الفكر فيخط تحتها بالفسفور الأصفر أو الأخضر وأحيانا ألأحمر والهدف إزالة اللبس وإعطاء المعنى حقه من المفردات ووزن المفردات في عباراتها الضرورية من المعنى ..ف (لعل) و(ربما) و (من المرجح) تختلف عن (قطعا) و(يقينا) في سياق النص التاريخي والتدوين التاريخي.
وسواء إن نظرنا إلى الأستاذ إبراهيم في مضمار بيئته المعرفية، وفي سياق جيله، أو في سياق الفضاء المعرفي التاريخي بما يتضمن المؤرخين والمستشرقين على مدى القرون الخمسة الماضية، فأننا سنلاحظ حقيقة مهمة للغاية وهي قدرة الأستاذ إبراهيم خليل العلاف على التمييز بين النص المؤدلج ،والنص المحايد ،أو النص الموضوع لهدف والنص الوصفي أو المجرد عن الأهداف. وبينما تقع شريحة واسعة من المستشرقين تحت طائلة الصنف الأول أي المؤدلج، تقع طائفة قليلة جدا خارج نطاق الآيديولوجيا مما يضفي صعوبات كبيرة على عمل الأستاذ ولاسيما عندما أنيطت به مسؤولية إدارة مركز الدراسات التركية- الإقليمية في الوقت الحاضر.. وتلكم كانت الحلقات الذهبية التي جمعتني في مؤسسة واحدة للعمل مع الأستاذ إبراهيم خليل العلاف حيث كلفت بمهمة إدارة شعبة الترجمة في مركز الدراسات التركية .
أما الحلقة الأخرى والمهمة فتلك التي أتاحت لي المجال للاطلاع على عمله الأكاديمي من خلال الترجمة لعدد من طلبته وترجمة مقدمات اطاريحهم إلى الانكليزية ..واهم ما تعلمت فيها ومنها ألنظرة المتميزة إلى التاريخ والتي أشار إليها الدكتور ذنون الطائي وهي أن التاريخ ليس تدوينا للحدث بل معايشة للحدث بطريق الاستبطان والاستقراء والمقارنة والشمولية والنقد وعلى ضوء الوثيقة..فالتاريخ نص يروي لوقائع غائبة مما يجعل إعمال العقل وأساليب الفكر النقدي والمنطق الفلسفي ضرورة للتوصل إلى الواقعة أو إلى مقاربة أو تصور مقارب للحقيقة أو الواقعة التاريخية..والهدف التمييز بين ماهو افتراضي وماهو واقعي عبر التجربة التاريخية.
وكان الامتحان الأكبر لأستاذنا الفاضل، إدارته للحلقات الدراسية، والنشاطات المعرفية والبحوث والدراسات ذات الصلة بتركيا ولاسيما في ضوء خصوصية تركيا في التاريخ العربي الحديث والمعاصر من جهة ولقرب الموصل جغرافيا من تركيا وتلاقي تركيا مع الوطن العربي والعراق حضاريا واجتماعيا وعقيديا واقتصاديا..فتركيا في محور تجاذب عالمين وقوتين وإرادتين حضاريا وجغرافيا ومستقبليا هما الشرق والغرب ..وبينما تتجه القوى الاجتماعية في تركيا نحو الشرق التي تشترك معه بالمنشأ الحضاري والعقيدي لايوجد مايشركها بالغرب غير الاقتصاد والتكنولوجيا والكمالية التي أصبحت من الأحفوريات السياسية في الواقع التركي..وبينما يضع الغرب شروطا لقبول تركيا في أسرته، لايضع الشرق أية شروط لعودة تركيا إلى حاضنها العقيدي والتاريخي والحضاري..لذا جاء وضع الأستاذ الدكتور إبراهيم العلاف والأستاذ الأخ عوني السبعاوي والمعلم السامي والدكتور الحسو ويشرفني أن أكون قد عملت معهم جميعا اختبارا لهذه العقول والإرادات في تغليب أحدى نقاط التجاذب التي تتوسطهما تركيا على الأخرى.. مما يدعونا إلى النظر إلى انعطاف تركيا الأخير نحو الشرق ليس باعتباره مبادرة تركية مستقلة عن التأثيرات التي لعبها العرب والموصليين بوجه خاص في ذلك الاتجاه ولاسيما من خلال توثيق العلاقات الأكاديمية والأواصر الشخصية والتأكيد على القواسم المشتركة العظمى التي جعلت الأتراك ينظرون إلى العرب نظرة تتجاوز الشرخ البريطاني- الهاشمي في مطلع القرن الماضي واستغلال الصهيونية وأعداء العرب لهذا الشرخ لتعميق الفرقة والكراهية بين العرب والأتراك..ويضاف إلى الجهد الموصلي الجهود التي بذلها الأستاذ عبد الجليل التميمي في تونس وجهود الجامعة العربية والأكاديميين العرب في المراكز البحثية الأخرى. فكان ديدن السادة مدراء المركز استضافة أساتذة متخصصين في العلاقات التركية العربية والجوار العراقي التركي الى جامعة الموصل لتبادل الآراء معهم والتوصل الى قواسم مشتركة تقرب ولاتبعد تركيا عن وسطها الحضاري بل تجاوز نشاط المركز آنذاك ذلك إلى دعوة أساتذة من مختلف أنحاء العالم متخصصين بالدراسات التركية لطرح قضايا تركيا والوصول إلى تفاهم معها يعين العراق على إنقاذ ثرواته المائية في دجلة والفرات إزاء الحرب المائية التي تشنها عليه جارته الشرقية ..ويعين تركيا في الوقت نفسه على إيجاد شريك تجاري مشهود له بالأمانة والثقة بأبن الموصل خصوصا والعراقي عموما..فجاء الأستاذ" أودو شتاينبك" من معهد الشرق الألماني والأستاذ "جون نورتن "مدير مركز الدراسات التركية في درهام من المملكة المتحدة "وعمر كوركجي اوغلو "رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة أنقرة وغيرهم إلى الموصل لإلقاء المحاضرات وتبادل الآراء وتقريب وجهات النظر..وعندما استضاف الدكتور عبد ألإله الخشاب ومعه أستاذنا ومرشدنا الروحي الدكتور احمد الحسو الأستاذ الجليل إحسان دوغرمجي طلب الأخير إلغاء حجزنا له في فندق الموصل وفضل بدلا من ذلك المبيت في بيت صديقه الدكتور محمود الجليلي الذي أخذته إليه بصحبة الأخ مشرف وسمي الشمري..وليس مصادفة أن يمنح مدير المعهد العالمي للفكر الإسلامي بلندن ورئيس جمعية علماء الأجتماعيات المسلمين الدكتور انس الشيخ علي جائزة المعهد السنوية لكلا السيد رجب طيب اردوكان رئيس الوزراء التركي وللسيد أكمل الدين احسان أوغلو رئيس منظمة المؤتمر الإسلامي..بما يصب في تحسين العلاقات العربية التركية ويحيي جهود الدكتور إبراهيم العلاف وزملائه ويريح العين العربية وهي ترى أردوغان يوبخ بيريز أمام أنظار العالم كله..أو يرى سفينة الحرية تشق عباب البحر صوب غزة.
ولابد أن اختتم مقالي المختصر جدا بذكر سمة شخصية مميزة للدكتور إبراهيم هي المرؤة والوفاء في تعامله مع أصدقائه وزملائه ووقوفه معهم في السراء والضراء..فنحن في تصفحنا لمدونته نلاقي أساتذتنا وزملائنا في العراق وفي كلية الآداب.. فأن عزت الصورة، أرفدنا بصورة لهم وأن قل الكلام وتبلدت غيوم النسيان على الذاكرة، نرى القلم الخصب وهو يغدق علينا صفحات إثر أخرى في سفر الإبداع عن أحبائنا بناة الثقافة والفكر الموصلي..فهو يشعل قنديلا هنا،ويشهر حربة هناك ،وهو في هذا وتلك، فارسا نبيلا من فرسان الكلمة الحرة والفكر الإنساني الأصيل.
*الصورة للاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف يتسلم درع التميز لجهوده في تطوير العلاقات العراقية -التركية ،من الاستاذ الدكتور محمد الحمداني المستشار الثقافي العراقي في انقرة ويقف
الى جانبه الاستاذ الدكتور جزمي ارسلان مدير مركز اتاتورك للدراسات والبحوث في حزيران 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الطبقة البرجوازية في العراق حتى سنة 1964 ...............أ.د إبراهيم خليل العلاف

                                                            الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف الطبقة البرجوازية في العراق حتى سنة 1964 أ....