صادق البصام ..سيرة شخصية وطنية عراقية
بقلم : ا.د.إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث-جامعة الموصل
استغربت عندما سألني -عبر بريدي الالكتروني- أمس 25 شباط –فبراير2010 احد طلبة الدراسات التاريخية العليا في إحدى جامعات العراق الجنوبية عن الأستاذ صادق البصام رحمه الله .وفي رسالة أخرى لاحقة أكد بأنه لايملك إلا النزر القليل عن هذه الشخصية الوطنية العراقية الفذة.. وعندئذ قمت بإرسال ملخص مكثف عنه، وألحقه الآن بهذا المقال الذي أهدف من ورائه، تعريف أبنائنا برموز العراق الذي كان لهم دورهم في تأسيس الدولة العراقية الحديثة وحمايتها .
صادق البصام ،هذا الرجل الذي خدم العراق، ليس على الصعيد السياسي والإداري والنيابي وحسب بل وحتى على الصعيد التربوي والتعليمي والثقافي ..هو صادق بن محمد بن حسين البصام من مواليد بغداد سنة 1897 .أكمل دراسته الأولية في بغداد، وحين انتدب للخدمة العسكرية في استانبول دخل كلية ضباط الاحتياط (الرديف )كما كان يسمى وكان العراق عندئذ تابعا للدولة العثمانية بولاياته الثلاث الموصل وبغداد والبصرة منذ أوائل القرن السادس حتى انتهاء الحرب العالمية الأولى .وخلال الحرب شارك البصام في معركة أزمير، وبعد انتهائها عاد إلى بلده: العراق وهو مصمم على خدمة وطنه، وإقامة دولته الوطنية الحديثة .
عمل لفترة قصيرة في التجارة، وكان له دور في تأسيس المدرسة الجعفرية وهي مدرسة أهلية أسهها نخبة من المثقفين الوطنيين أمثال الشيخ شكر، والشيخ عبد الحسين الازري، والسيد سلمان أبو ألتمن. وقبيل سنة 1918 كان للمدرسة بناية جميلة في محلة سوق الغزل ببغداد. وقد أشار دليل الجمهورية العراقية لسنة 1960 إلى أن صادق البصام ،هو احد العاملين في خدمة هذه المؤسسة التربوية والثقافية ومن المخلصين لأهدافها السامية في تخريج جيل واع يخدم وطنه. وقد أدار المدرسة وتطورت لتصبح جمعية تتبعها مدارس ابتدائية ومتوسطة وثانوية، صباحية ومسائية وقد تسلم الإدارة بعده السيد عبد النبي الدهوي، وكان فيها في مطلع الستينات من القرن الماضي الآلاف من الطلبة .ومما جاء في الدليل أن صادق البصام أجهد نفسه في الوفاء لتلك المؤسسة، وانه عرف بتوجهاته الوطنية .
في سنة 1922 دخل البصام كلية الحقوق (وكانت تسمى مدرسة الحقوق وتأسست سنة 1908 ببغداد ) ،وتخرج فيها سنة 1925، وعمل بعد تخرجه في سلك المحاماة فضلا عن إدارته المدرسة الجعفرية حتى سنة 1933 . كما اتجه إلى الصحافة وأصبح رئيس تحرير جريدة الوقائع العراقية، وهي الجريدة الرسمية للحكومة العراقية سنة 1924 . كان يجيد الانكليزية والتركية والفرنسية .
حاول أن يجد لنفسه وسيلة فضلى لخدمة بلده ،فرشح للانتخابات التشريعية ،وانتخب نائبا عن الكوت (مركز محافظة واسط في الوقت الحاضر ) للدورة الانتخابية الثالثة التي ابتدأت في الأول من تشرين الثاني 1930 حتى 19 أيار 1931 .كما انتخب سنة 1933 نائبا عن الديوانية (مركز محافظة القادسية في الوقت الحاضر ) ،وأصبح نائبا عن الديوانية لدورتين الأولى ابتدأت في 8 آذار 1933 وانتهت في 8 تموز 1933 والثانية ابتدأت في 29 كانون الأول 1934 وانتهت في 11 آذار 1935
اختاره ياسين الهاشمي وزيرا للمعارف في الوزارة الهاشمية الثانية، التي تكونت في 29 تشرين الأول 1936، واستقالت في 17 آذار 1935 وكان قبل ذلك يشغل منصب مدير الأملاك الأميرية. وقد جاء اختياره خلفا للشيخ محمد رضا الشبيبي الذي استقال في 15 أيلول 1935 .
وفي سنة 1938 اختاره نوري السعيد وزيرا للاقتصاد في الوزارة السعيدية الثالثة التي تألفت في 25 كانون الأول 1938 واستقالت في 6 نيسان 1939 كما تقلد أكثر من وزارة بعد ذلك، فكان وزيرا في وزارة رشيد عالي الكيلاني الثالثة التي تشكلت في 31 آذار 1940، واستقالت في 31 كانون الثاني 1941 وفي وزارة السيد محمد الصدر التي تشكلت في 29 كانون الثاني 1948 واستقالت في 16 حزيران 1948 وفي وزارة مزاحم الباجه جي التي تشكلت في 16 حزيران 1948 واستقالت في 6 كانون الثاني 1949 كان وزيرا للدفاع .
مما يسجل من مواقف وطنية واضحة المعالم للسيد صادق البصام إصراره على الاستقالة من منصب وزير الدفاع احتجاجا على الموقف المتخاذل للحكومة العراقية وعدم تحملها تصريحاته لجريدتي الزمان والإخبار يومي 22 و23 أيلول سنة 1948 والتي قال فيها وهو وزير للدفاع : "إن خيانة الانكليز المستمرة لمصالح العرب وإصرار الاميركان على مساعدة اليهود وطرد العرب من فلسطين توحي إلى العرب أن يتجهوا إلى الشرق حيث الاتحاد السوفيتي " .
عاتبه رئيس الوزراء مزاحم الباجه جي على تصريحاته، فقرر الاستقالة ووجه كتاب استقالته إلى رئيس الوزراء قائلا : "عطفا على المذاكرات التي جرت في الجلسات الثلاث التي عقدها مجلس الوزراء بتاريخ 22 و23 أيلول 1948 بشان فلسطين وبناء على ما لمسته من شعور مضاد قابلتم تصريحي المنشور في جريدتي الزمان والأخبار ...وبالنظر إلى موقف البعض من الوزراء من الإجراءات ...المتخذة من الصهاينة خاصة الموظفين منهم رأيت من الضرورة الانسحاب من الوزارة ... "
ثم عاد لفسر موقفه من القضية الفلسطينية فقال : "أن عقيدتي في حل قضية فلسطين لن يكون إلا بقوة السلاح وهذه العقيدة هي التي دفعتني إلى قبول تمثيل العراق لدى جامعة الدول العربية في جميع الجلسات التي عقدتها ولجانها السياسية لهذه الغاية وتنفيذا لما ساهمت في المسؤولية في أول وزارة أقرت مبدأ الكفاح المسلح ... فأي تلكؤ يصدر عن أية دولة عربية او من الجامعة ذاتها في تنفيذ قرارها المتعلق باستمرار القتال عند وقوع غدر الحلفاء بنا ،يجب أن نصارح الشعوب العربية لان إخفاء الحقائق عن أعين الناس وكتمها يؤدي حتما إلى الرضوخ إلى رأي الانخذاليين أو المساومين على حساب فلسطين ... " .
وفي مساء يوم 27 أيلول 1948 صدرت الإرادة الملكية بقبول استقالة السد صادق البصام من منصب وزير الدفاع وعى اثر قبول الاستقالة عم الاستياء جميع الأوساط الشعبية والحزبية والوطنية واضطرت الحكومة إلى إعلان الأحكام العرفية في جميع أنحاء العراق . وهنا لابد من نؤكد بان البصام سبق الكثيرين من السياسيين العراقيين في نبالة وعمق مواقفه الوطنية والقومية وخاصة قضية فلسطين .
شغل البصام عضوية مجلس الأعيان. وقد كتب عنه الكثيرون منهم السيد عبد الرزاق الحسني في كتابه : "تاريخ الوزارات العراقية " والشيخ محمد مهدي كبه في : " مذكراتي في صميم الأحداث " والأستاذ حميد المطبعي في : "موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين " ومما قاله المطبعي أن البصام ،اشتهر بمواقفه المستقيمة الصريحة في كل الأدوار التي اشترك فيها كما عرف عنه حرصه على المصلحة العامة للوطن ،حتى انه لم يتزوج وظل أعزبا طيلة حياته.. وقد توفي بالسكتة القلبية أوائل سنة 1960 عن عمر 64 سنة ،رحمه الله، وجزاه خيرا على ماقدمه لوطنه وأمته وعزاءنا أننا نشيد اليوم بأعماله الوطنية وإسهاماته في بناء العراق والدفاع عن مصالحه ومصالح الأمة العربية القومية ليظل قدوة للأجيال القادمة .
*الرجاء زيارة مدونة الدكتور إبراهيم العلاف ورابطها التالي :
http://wwwallafblogspotcom.blogspot.com/2010/02/1908-1995.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق