القدرات النووية الإسرائيلية
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
مركز الدراسات الاقليمية -جامعة الموصل -العراق
نشرت قبل فترة الطبعة العبرية من كتاب الدكتور أفنير كوهين الموسوم : "إسرائيل والقنبلة"، الذي سبق ان صدرت طبعته الإنكليزية في نيويورك. وفي هذا الكتاب كشف هذا الباحث اليهودي المتخصص بالطاقة النووية الكثير من تفاصيل وأسرار صناعة السلاح النووي في إسرائيل. وقد أثار كوهين حفيظة المسؤولين الإسرائيليين لنشره هذا الكتاب ومتابعته لقصة امتلاك إسرائيل للسلاح النووي منذ بداية الخمسينات من القرن الماضي، وكيف ان المخابرات المركزية الأميركية وبعض الرؤساء الأمريكيين أمثال دوايت ايزنهاور، وجون كندي، وليندون جونسون، وريتشارد نيكسون، كانوا على علم بهذا المشروع(1).
ان ما كشفه (أفنير كوهين) في الحقيقة لم يكن مجهولاً، بل ان المراقبين والمتتبعين لهذا الموضوع يعرفون بان إسرائيل تمتلك ترسانة ضخمة من الأسلحة النووية (200 قنبلة على الأقل)، فضلاً عن امتلاكها لأسلحة الدمار الشامل الأخرى (الكيمياوية والجرثومية). وقد اعتمدت إسرائيل على سياسة باتت تعرف في الأدبيات السياسية بـ (سياسة الغموض النووي). وكما تكتمت الولايات المتحدة على مشروع بدء إسرائيل بتصنيع السلاح النووي منذ ما يقارب الخمسين سنة وفرضت على الموضوع ستاراً من الكتمان، فإنها اليوم تفعل الشيء ذاته، خاصة بعد ازدياد الضغط العربي والدولي على إسرائيل بضرورة التوقيع على معاهدة حظر وتحريم انتشار الأسلحة النووية لسنة 1968
Nuclear Non- proli feration Treaty.
والجدير بالملاحظة ان إسرائيل نجحت الى حد الآن وبدعم مباشر من الولايات المتحدة في الإفلات من أية رقابة دولية على أسلحتها النووية ، وكذلك من الموافقة على أي نظام لإخلاء منطقة الشرق الأوسط برمتها من أسلحة الدمار الشامل. هذا في حين يزداد الضغط الأميركي على الدول العربية والإسلامية من أجل منعها من امتلاك الأسلحة الحديثة ذات القدرات التقنية العالية ومنها الأسلحة النووية التي تمكنها من تحقيق التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل.
ويبدو ان إسرائيل مرتاحة لما انتهجته من سياسة في هذا الشأن، فالغموض والكتمان والتمويه قد أفادها كثيراً، وهي مصرة اليوم على الاستمرار فيها. فهذا (الجنرال عوزي عيلام) المدير الأسبق للمجلس الإسرائيلي للطاقة الذرية يقول في حديث له مع صحيفة (ها ارتس) الإسرائيلية في شباط 1998: ((إنها لا تزال سياسة جيدة، وليست هناك حاجة لتغييرها)). اما (جدعون عزرا)، عضو لجنة الشؤون الخارجية والعسكرية في الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي فيعترض على بعض من يريدون كشف ما تمتلكه إسرائيل من قنابل نووية وذلك في إطار توضيح طبيعة وأهداف الردع الإسرائيلي لمن يمتلك هذا السلاح في المنطقة على حد رأيهم، فيقول : ((كلما ازددت غموضاً، كانت قدرتك على الردع أفضل!! )).
لقد دأب المسؤولون الإسرائيليون منذ سنوات طويلة، على ترديد جواب محدد لكل من يسألهم عن ما إذا كانت إسرائيل تمتلك الأسلحة النووية ام لا، وقيل ان شيمون بيريز رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، حينما كان مديراً عاماً لوزارة الدفاع الإسرائيلية، هو صاحب ذلك الجواب وملخصه: ((إن إسرائيل لن تكون أول من يدخل سلاحاً نووياً الى المنطقة!! )). وقد عقب بيريز نفسه مرة على ذلك عندما قال سنة 1995 : ((سنتخلى عن الخيار النووي إذا أعطونا السلام)). وفي هذا إشارة صريحة على ان إسرائيل تمتلك الخيار النووي، لكنه عاد واستدرك ليقول في أثناء مقابلة صحفية أجرتها معه جريدة الحياة التي تصدر بلندن باللغة العربية (22 من كانون الأول 1995) : ((إن السرية التي تحيط بالبرنامج النووي الإسرائيلي أفادت في خلق عامل الردع المطلوب لدى الدول العربية !! )). وكان بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أكثر إفصاحاً لما تفعله إسرائيل حينما صرح في 26 من كانون الثاني 1996 برفضه ((التخلي عن قدرات بلاده النووية والكيمياوية والجرثومية حتى ولو وقعت الدول العربية كلها على معاهدة سلام مع بلاده)). وجاء ايهودا باراك رئيس الوزراء الأسبق (1999) ليؤكد : ((ان سياسة إسرائيل النووية لن تتغير))(2).
ان قصة امتلاك إسرائيل للأسلحة النووية، قصة طويلة ابتدأت منذ اول يوم وطأ فيه الغزاة الإسرائيليون ارض فلسطين. ففي سنة 1949، أي بعد سنة واحدة من إعلان تأسيس كيانهم نشرت تقارير علمية تقول ان الاهتمام بالبحوث العلمية النووية في إسرائيل ابتدأ قبل انتهاء الحرب العربية- الإسرائيلية الأولى سنة 1948 عن طريق حاييم وايزمان والجيل الأول من علماء الذرة أمثال تيلر واوبنهايمر. وكان هذا انعكاساً للأهمية التي أولتها الحركة الصهيونية للعلم والتقنية الحديثة في مواجهة ما أطلق عليه آنذاك بـ (متطلبات الأمن الإسرائيلي).
وقد أدرك وايزمن، وهو عالم في الكيمياء ترأس الكيان الإسرائيلي فيما بعد، أبعاد استعمال الذرة كسلاح عسكري وسياسي واقتصادي حينما قال في مذكراته المنشورة سنة 1950 بعنوان: (التجربة والخطأ) : ((إن (الذرة الإسرائيلية) ينبغي ان تحل محل (النفط العربي) )) و ((إن بالامكان جعل فلسطين مركزاً لهذا التطور العلمي الذي يمكن ان يخلص العالم من احتكار العرب للنفط!! )).
وفي أوائل سنة 1949 فتح (معهد وايزمن)، وهو مؤسسة بحثية، مركزاً لبحوث النظائر، ثم بدأت حملة مسح جيولوجي في صحراء النقب لتحديد حجم تراكيز اليورانيوم، وفي 13 من حزيران سنة 1952 تألفت (لجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية) في إطار وزارة الحرب وزودت بميزانية مستقلة ومختبرات خاصة ووضع على رأسها الدكتور ارنست ديفيد برغمان الذي اكتشف اليورانيوم في النقب. وفي مطلع سنة 1953 وقعت إسرائيل مع فرنسا اتفاقية للتعاون المشترك وتبادل الخبرات العلمية في مجال الطاقة النووية. وفي السنة ذاتها أعلن الرئيس الأميركي دوايت ايزنهاور أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بان بلاده لا تعترض على استعمال الذرة من اجل السلام وإنها مستعدة لوضع ما لديها من معلومات ومنشآت في متناول الدول الأخرى. وقد استفادت إسرائيل من هذا التوجه الاميركي، فوقعت على اتفاقية ثنائية للتعاون النووي مع الولايات المتحدة.
وفي سنة 1955 وافقت الحكومة الفرنسية على تزويد إسرائيل بمفاعل أبحاث حراري وقد أسس في منطقة ديمونة بصحراء النقب وقيل ان قدرته (25) ميكا واط. وفي 1960 افتتح مفاعل آخر بالتعاون مع الخبراء الأمريكيين ويقع في جنوب تل أبيب واسمه (ناحال سوريك) قرب معهد وايزمان للبحث النووي في رحوبوت. ومنذ ذلك الوقت والخبراء الإسرائيليون يعملون للتغلب على مشكلة الحصول على مورد كاف ومستمر من اليورانيوم الطبيعي والماء الثقيل وبدون ان ينتبه المجتمع الدولي لذلك. وقد أستطاعت إسرائيل ان تقيم علاقات جيدة مع جنوب أفريقيا وزائير والغابون ومن خلال هذه العلاقات حصلت على ما تريد. كما اعتمدت على المصادر الموجودة داخل فلسطين من اليورانيوم وخاصة في صحراء النقب، وقد أشار الدكتور هورنج في دراسة خاصة عن (التوازن العسكري في الشرق الأوسط) نشرت سنة 1969 ، أعدت خصيصاً لمؤسسة راند الأميركية الى إن إسرائيل تمكنت من التوصل الى إمكانية مختبرية لفصل البلوتونيوم وذلك يوفر لها كميات كبيرة من الوقود المشع لإنتاج القنابل الذرية.
ولم ينكر الدكتور ادوارد تيلر، العالم الذري الاميركي المعروف بعد زيارته لاسرائيل في 12 من ديسمبر- كانون الأول 1965 ان تكون اسرائيل قد صنعت القنبلة الذرية، بل وقامت باجراء تجارب لتفجيرها. كما ان اسرائيل توجهت سنة 1975 الى ان تطلب من الولايات المتحدة، نوعاً من الصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية، وبدأت المعلومات منذ سنة 1976 تتوالى عن امتلاك إسرائيل لـ (10-20) قنبلة نووية، وفي 13 من ابريل- نيسان 1976 ارتفع العدد الى (23) وهناك اليوم من يتحدث عن ان إسرائيل تمتلك خمسة مفاعلات نووية ونحو (200) قنبلة نووية.
وفي 26 من كانون الثاني- يناير 1978 حررت وكالة المخابرات المركزية الأميركية تقريراً جاء فيه : ((ان هناك معلومات تؤيد ان إسرائيل قد أنتجت سلاحاً نووياً)). وفي تقرير صدر عن مركز الدراسات الإستراتيجية في كانبيرا باستراليا تحت عنوان: (الحالة الاستراتيجية للسنة 1980)، جاء فيه ان إسرائيل ستكون قوة نووية سنة 1980 ان هي أرادت ذلك.
وجاء (مردخاي فانونو) ذلك التقني الإسرائيلي الذي عمل قرابة سبع سنوات في مفاعل ديمونة ليكشف لصحيفة صنداي تايمز سنة 1986 عن تفاصيل النشاط النووي في إسرائيل قائلاً: ((ان الإسرائيليين اجروا تجارب نووية تحت سطح الأرض)). وقد حكم على فانونو بالسجن (18) عاماً بتهمة التجسس. وقد عقب (شاي فيلدمان) رئيس معهد جافي للدراسات الإستراتيجية في إسرائيل ان ما كشف عنه فانونو، أضر بسياسة الغموض النووي التي تنتهجها إسرائيل بنسبة (80٪)، وانه إذا أُميط اللثام عن الـ (20٪) الباقية، فان هذا يعرض للخطر المساعدات الاميركية التي تحصل عليها إسرائيل وقدرها ثلاثة مليارات دولار سنوياً، وربما تضر جهود إسرائيل والولايات المتحدة للحيلولة دون امتلاك الدول العربية او إيران للقنبلة الذرية!!
لقد أصبح معلوماً ان إسرائيل تمتلك ترسانة ضخمة من الأسلحة النووية، فضلاً عن امتلاكها ترسانات من أسلحة الدمار الشامل الأخرى، وتعتمد إسرائيل (سياسة الغموض النووي)، ويساعدها الغرب ويتستر عليها، ولا يجبرها على إخضاع ترسانتها النووية لأية رقابة دولية، كما يساعدها على التهرب من إقامة نظام لإخلاء المنطقة برمتها من أسلحة الدمار الشامل من جهة أخرى، هذا في حين تمنع إيران ويمنع العرب من امتلاك أية أسلحة تمكنهم من تحقيق توازن استراتيجي مع إسرائيل.
ان من الحقائق التي أصبحت واضحة للعيان، ان الدول النووية الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة هي التي ساعدت إسرائيل على امتلاك الأسلحة النووية، انطلاقاً من كونها قاعدة للغرب. وطبيعي ان هذا الانتشار النووي هو الذي دفع دولاً أخرى للحصول على الطاقة النووية، فليس من المعقول ان يضم (الشرق الأوسط) دولة نووية واحدة فقط هي إسرائيل. كما يقول جارلس ماينز في مقاله المنشور في مجلة (السياسة الدولية) العدد 82 لسنة 1991 ويبرز ماينز سياسة الكيل بمكيالين التي مارسها الأميركان ولا يزالون يمارسونها فهم قد دعموا إسرائيل نووياً، وحاربوا العراق واستخدموا مختلف أسلحة التدمير ضده بحجة امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل!!
يعلق الجنرال الكساندر هيغ وزير الخارجية الأمريكية الأسبق في حديثه مع محمد سلماوي المنشور في جريدة الأهرام يوم 22 من شباط 1999 على ذلك قائلاً: ((ان سياسة المعيار المزدوج التي تتبعها الولايات المتحدة عامل فعال في الانتشار النووي... دعني أقول لك بصراحة إن السياسة الأميركية الحالية في هذا الشأن يشوبها بعض السذاجة، فالتصور إننا عن طريق الابتزاز والحصار والمقاطعة يمكن أن نقضي على أسلحة الدمار الشامل هو تصور غير سليم وينم عن جهل بالدوافع التي توجد وراء رغبة الدول في الحصول على هذه الأسلحة)).
في 29 من نيسان 1999 قال وزير الدفاع الأميركي الأسبق (وليم كوهين) في تصريح نقلته جريدة الأهرام (المصرية) بأنه بحث مع نظيره الأسرائيلي آنذاك، موشي ارنز برامج التحديث العسكري في اسرائيل والتزام الولايات المتحدة بالحفاظ على التفوق النوعي لتل أبيب على الدول المجاورة. ويعلق الدكتور بكر مصباح تنيره في بحثه الموسوم: ((تطور الصراع الاستراتيجي بين القوى الإقليمية الدولية في الشرق الأوسط وأثره في مستقبل الوطن العربي)) على قول كوهين آنذاك، بقوله : ((ان هذا تحيز فاضح من جانب الولايات المتحدة لإسرائيل لا يساعد على حل مشكلات الصراع في المنطقة. كما انه سيؤدي الى اختلال توازن القوى ويشجع إسرائيل على رفض تطبيق قرارات (الشرعية الدولية) واستمرار احتلالها لأجزاء واسعة من الأرض العربية واغتصابها حقوق السيادة للشعب الفلسطيني وتنفيذها استراتيجية التوسع الإقليمي بأحداثها تغييرات جغرافية وسكانية في الأراضي المحتلة وهو ما يمثل تحديا قويا للحقوق العربية وللامن القومي العربي بل ولدور الوطن العربي على الصعيدين الأقليمي والدولي))(4).
ويضيف الدكتور تنيرة الى ذلك قوله : ((ان استمرار الأعمال العسكرية التي تقوم بها كل من الولايات المتحدة وبريطانيا ضد العراق دون تخويل صريح لهما من مجلس الأمن صاحب الاختصاص الأول في المحافظة على الأمن والسلام في العالم، وغض الطرف عن امتلاك اسرائيل أسلحة الدمار الشامل ومنها السلاح النووي، والإصرار على تجريد العراق من أسلحته الاستراتيجية، يمثل تهديداً خطيراً لمصالح الأمة العربية على المديين القريب والبعيد)).
لقد أصبح معروفا للجميع إن إسرائيل تمتلك مالايقل عن خمسة مفاعلات نووية ولديها رؤوس نووية تكفي لتدمير العالم كله كما إن أخبارا مؤكدة تشير الى قيامها بإجراء سلسلة من التجارب النووية تحت الأرض وقد كشف السفير محمد صبيح مندوب فلسطين الدائم لدى جامعة الدول العربية في اجتماعات الدورة السابعة للجنة العربية الفنية المكلفة من قبل وزراء الخارجية العرب بمتابعة ورصد النشاط النووي الإسرائيلي المخالف لاتفاقية منع الانتشار النووي عن معلومات خطيرة تتعلق بقيام إسرائيل باستقدام 92 ألف عالم وخبير من الاتحاد السوفيتي (السابق) خلال السنوات الثلاث الماضية منهم عشرة آلاف عالم متخصص في الأسلحة النووية والأقمار الصناعية. وقال في تصريحات صحفية نقلتها جريدة الثورة (البغدادية)(5): ((إن إسرائيل تقوم حاليا بنشاط نووي ملحوظ على إحدى الغواصات الألمانية من طراز دولفين التي تسلمتها من اصل ثلاث غواصات)). وقد حذر صبيح من التبادل العسكري الإسرائيلي مع بعض الدول سواء الأطراف الموقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي ام غيرها لان ذلك التعاون يضر بالأمن القومي العربي كما طالب الولايات المتحدة بان لا تكيل بمكيالين في قضية أسلحة الدمار الشامل.
لقد ناقشت اللجنة المذكورة على مدى يومين (23-25) من كانون الثاني 2000 في القاهرة عدداً من القضايا المتعلقة بمتابعة ورصد النشاط النووي الإسرائيلي وفي مقدمتها التعاون العسكري النووي بين إسرائيل وبعض الدول الأعضاء في هذه المعاهدة وخطورة ذلك على مصداقيتها وعالميتها. وطالبت اللجنة الدول الأطراف في معاهدة منع الانتشار النووي ببذل الجهود الحثيثة لتحقيق انضمام إسرائيل الى مؤتمر مراجعة عدم الانتشار النووي المقرر عقده في نيويورك في نيسان 2000. وقد صرح السفير محمد زكريا إسماعيل الأمين العام المساعد للجامعة المكلف بملف أسلحة الدمار الشامل، ان اللجنة وضعت مشروعا لمعاهدة مقترحة، الهدف منه استبعاد خطر استخدام الطاقة النووية في الأغراض غير السلمية في المنطقة. وأوضح ان الدول العربية ومعها الدول الصديقة تسعى خلال مؤتمر المراجعة القادم في نيويورك، تأكيد ممارسة الضغوط بشكل أقوى من اجل التأثير في الموقف الإسرائيلي. وقال : ((انه لايمكن أن نتصور حالة تعيش فيها الدول العربية تحت تهديد السلاح النووي الإسرائيلي الذي يتخذه هذا الكيان أداة للابتزاز السياسي في المنطقة))(6).
في كانون الأول 2002 كشفت صحيفة (يديعوت احرونوت) التي تصدر في تل ابيب، وهي على صلة وثيقة بمصادر صنع القرار السياسي في إسرائيل، عن خبر إنشاء مفاعل نووي جديد في صحراء النقب وعلى مقربة من مناطق الحدود مع مصر. وفي البداية قالت المصادر الإسرائيلية ان المفاعل يخدم اغراضاً سلمية من قبيل توليد الطاقة الكهربائية، لكن الصحيفة عادت ثانية لتؤكد ان المفاعل الجديد هو للاستخدام العسكري، وان الجهة المشرفة عليه هي وزارة الدفاع الإسرائيلية، وهيئة الطاقة الذرية في رئاسة الأركان العامة(7). ومع ان تلك الأخبار عن النشاط النووي الإسرائيلي تعد جديدة بل ومثيرة كون ان الإسرائيليين، كما سبق أن قدمنا، ومنذ قرابة نصف قرن يتبعون سياسة الغموض في ما يتعلق بسياستهم النووية، إلا أن المراقبين والمتتبعين لهذا الموضوع يعرفون إن إسرائيل تمتلك ترسانة ضخمة من الأسلحة بلغت على وفق آخر التقديرات الأميركية 400 رأس نووي، فضلاً عن امتلاكها أسلحة الدمار الشامل الأخرى الكيمياوية والبيولوجية.
إن مما يثير العجب والاستغراب حقاً أن تلاحق الولايات المتحدة إيران اليوم بسبب رغبتها في امتلاك القدرات النووية كما لاحقت العراق بناء على شكوك مفتعلة واتهامات باطلة وافتراضات مغرضة في حين يتم السكوت على قيام إسرائيل كل يوم بتعزيز وتطوير أسلحة الدمار الشامل وقذائف إيصالها. كما إن إسرائيل، كما هو معروف، لا تزال تمتنع عن توقيع معاهدة حظر وتحريم انتشار الأسلحة النووية لسنة 1968.
ان من الأمور التي ينبغي الوقوف عندها، ان امتلاك إسرائيل للسلاح النووي، وإصرارها على احتكاره وقيامها بالحيلولة دون امتلاك اية دولة عربية لهذا السلاح ، بل وتدميره ان وجد كما فعلت عندما شنت هجومها على مفاعل تموز النووي السلمي في العراق وإقدامها على قتل العديد من الخبراء العرب في حقل الذرة، ان ذلك كله يهدد الأمن القومي العربي ويهدد مستقبل السكان في هذه المنطقة ورغبتهم في امتلاك ناصية العلم والتقنية، هذا فضلاً عن إنه يسهم في زعزعة الاستقرار في المنطقة، ويترك المجال مفتوحاً أمام العدوان الإسرائيلي المستمر على الدول العربية. كما إن النشاط النووي الإسرائيلي والتجارب التي تتم تحت سطح الأرض تترك، بدون شك، اثاراً سلبية على الإنسان والبيئة في هذه المنطقة المهمة من العالم.
لذلك كله، كان لابد من ان تدرك الدول العربية مخاطر السياسة النووية الإسرائيلية وأهدافها على وجودها ومستقبلها، ومما يسجل في هذا الصدد ان هناك حملة جيدة، ينبغي لها أن تتواصل سواء على صعيد جامعة الدول العربية او الدول العربية منفردة، وخاصة مصر والعراق وسوريا ودولة الأمارات العربية المتحدة، لتوضيح مخاطر امتلاك إسرائيل للأسلحة النووية. كما إن المثقفين العرب باتوا يشعرون، أكثر من غيرهم، بخطورة الأمر ويمكن الإشارة الى هذه المجهودات فيما نجم عن الاجتماع السادس للجنة متابعة النشاط النووي الإسرائيلي التابعة لمجلس جامعة الدول العربية والمنعقد في آب – أغسطس 1999 ومناقشة اللجنة لخطة التحرك العربية التي اتفق على طرحها في مؤتمر عام 2000 الخاص بمراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي والمنعقد في نيويورك في ايار – مايو سنة 2000.
لقد بذلت الجهود في ذلك المؤتمر لضمان ادراج بند تطبيق ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الشرق الأوسط، وبند القدرات الإسرائيلية في جدول الأعمال. كما أن مؤتمراً علمياً عقد يوم 20 من تشرين الثاني- نوفمبر 1999 في جامعة أسيوط بمصر حول مستقبل الخيار النووي في الشرق الأوسط، أكد ضرورة تحقيق التوازن الإستراتيجي في ظل امتلاك إسرائيل ترسانة نووية وضرورة التزامها بالقرارات الصادرة في هذا المجال. وقد دعا المؤتمر، الدول العربية الى عدم التوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة الكيمياوية، وممارسة الضغوط من أجل موازنة نصوصها التي تفرض عقوبات على غير الموقعين عليها بإضافة الالتزام نفسه الى معاهدة منع الانتشار النووي أو تعديل نصوصها بالإضافة الى دعم موقف بعض الدول العربية المتمثل في عدم الانضمام إليها. وأعرب عن رفضه لفكرة التعايش مع الترسانة النووية الإسرائيلية لكونها مسألة خطيرة تهدد الأمن القومي العربي وتجعل إسرائيل في وضع استثنائي في المنطقة. كما أوصى المؤتمر ببناء قدرة نووية عربية في مجال الاستخدام السلمي، وعدم استبعاد أية خيارات، وتحديث القوة الذاتية خاصة في مجال الأسلحة التقليدية وفوق التقليدية غير النووية، وبما يحقق التوازن العسكري في المنطقة.
ولعل آخر ما صدر في مجال ضرورة التأثير على مسار امتلاك إسرائيل للأسلحة النووية، ما ورد في قرارات مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية الذي انعقد في كوالالمبور واختتم أعماله يوم 30 حزيران- يونيو 2000 من مطالبة المجتمع الدولي ومجلس الأمن بإلزام إسرائيل بالانصياع لقرارات الأمم المتحدة وبالانضمام الى معاهدة حظر وتحريم انتشار الأسلحة النووية لسنة 1968 وتنفيذ قرارات الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وفي ما يتعلق بمفاعل النقب الجديد، فان على الدول العربية تذكير المجتمع الدولي المتمثل بهيئة الأمم المتحدة ومنظماتها بمسؤوليته في حماية العالم ومنطقة الشرق الأوسط خاصة من مخاطر النشاط النووي الإسرائيلي ليس على الأمن القومي العربي وامن الشرق الأوسط وحسب بل وعلى الصحة والبيئة والإنسان كذلك. وقد أشارت مجلة الأهرام العربي (كانون الأول 2002) الى أن مصادر هيئة الطاقة الذرية المصرية وأدارة نزع السلاح في وزارة الخارجية المصرية بدأت بالتحرك ضد إنشاء هذا المفاعل، وأخذت بإجراء معاينات وقياسات عاجلة على طول الحدود في منطقة النقب لتحديد الأخطار الصحية والبيئية وان المخاوف المصرية تنحصر في مشكلتين عاجلتين اولاهما تتعلق بالتهديد المباشر للأمن الوطني المصري والأمن القومي العربي. وثانيهما تزايد المخاوف من حدوث تسرب إشعاعي في هذا المفاعل ومخاطره على صحة وحياة المواطنين القاطنين على الحدود المصرية، وطبيعي فان السلطات المصرية المسؤولة ستلجأ الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس الأمن والجمعية العامة للامم المتحدة للإبلاغ عن هذا المفاعل وطلب فرض عقوبات دولية على إسرائيل خاصة وإنها لم تنضم، كما قلنا، الى معاهدة حظر أسلحة الدمار الشامل وبالتالي يحظر عليها إقامة هذه المفاعلات والقيام بأية برامج لأسلحة الدمار الشامل بشكل كامل وبالتالي فان من حق مصر ان تطلب اجراءاً تفتيشياً ومراقبة دولية لمناطق الحدود وخاصة صحراء النقب في حالة صدور قرار من مجلس الأمن لحماية الحدود والمصالح المصرية والعربية.
الهوامش والمصادر:
(1) للتفاصيل انظر : إبراهيم خليل العلاف، ((طبيعة السياسة النووية الإسرائيلية وأهدافها))، نشرة متابعات إقليمية، يصدرها مركز الدراسات الإقليمية، جامعة الموصل، العدد (8) ، تموز 2004.
(2) انظر : إبراهيم خليل العلاف، ((الكيان الصهيوني وسياسة الغموض النووي))، جريدةٍ الثورة (البغدادية) 5 كانون الأول 1999.
(3) انظر : إبراهيم خليل العلاف، "مفاعل النقب الجديد"، جريدة الثورة، 17 كانون الأول 2002.
(4) انظر مجلة شؤون عربية ، القاهرة، العدد (100)، كانون الأول 1999.
(5) انظر العدد الصادر في 24 كانون الثاني 2004.
(6) انظر : إبراهيم خليل العلاف، ((الفقرة 14 من القرار 687 ومخاطر النشاط النووي الصهيوني)) ، جريدة الثورة 20 شباط 2000.
(7) انظر : إبراهيم خليل العلاف، ((مفاعل النقب الجديد))، جريدة الثورة 17 كانون الأول 2002.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق