الثلاثاء، 16 فبراير 2010

حركة الشواف في الموصل 1959




حركة الشواف في الموصل 1959


أ.د. إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث –جامعة الموصل


ليس القصد من كتابة هذه المقالة نكأ الجراح ،أو لوم الآخرين، أو النبش بالماضي.. وإنما القصد هو أخذ العبرة والاستفادة من الدرس وملخص هذا الدرس أن العراق لم يستفد يوما من التناحر والصراع الدموي.. وهو في كل الأحوال بحاجة إلى لم الشعث ،وتوحيد الصفوف، وشد الأحزمة للبناء وإعادة تأسيس الدولة وتحقيق متطلبات السيادة وتأمين الحرية للعراقيين كل العراقيين فهم يستحقون الكثير من الخير والسعادة والرفاهية .وعلى هذا الأساس نقول أن حركة الشواف المسلحة التي وقعت في الموصل سنة 1959 ويسميها الناس ثورة الموصل أو ثورة الشواف أو حركة الشواف لم تكن ثورة الضباط العسكريين بقيادة العقيد الركن عبد الوهاب الشواف آمر جحفل اللواء الخامس فحسب، بل كانت حركة القوى الوطنية، والقومية ،والإسلامية في الموصل وبالأحرى كانت ثورة جماهير الموصل كلها والتي عرف عنها تمسكها بعروبتها وبدينها الإسلامي وبمبادئها الاصيلة . ويقينا أن أهالي الموصل كانوا قد شعروا بتفرد الزعيم (العميد )الركن عبد الكريم قاسم، وكان آنذاك يشغل منصب رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة العراقية، وابتعاده عن أهداف ثورة 14تموز 1958، وتفريطه بزملائه من قادة وضباط قادة الثورة، وفسحه المجال لتنظيمات الحزب الشيوعي العراقي،والمقاومة الشعبية والاتحادات والنقابات ووسائل الأعلام المؤيدة لهم ، آنذاك، لإبعاد العراق عن محيطه العربي، ومعاداة الأحزاب والقوى القومية وترسيخ فكرة الجهورية العراقية الخالدة أي قطع الطريق أمام كل محاولة للوحدة أو الاتحاد مع الجمهورية العربية المتحدة( مصر وسوريا ) والتي كان قيامها في شباط 1958 ، يمثل استجابة لحلم العرب في الوحدة العربية .
لقد أطلق الزعيم الركن عبد الكريم قاسم ،العنان للشيوعيين (لكسر شوكة القوى القومية) على حد تعبير جريدة (اتحاد الشعب) في عددها الصادر يوم 28شباط 1959. وحين قرر الحزب الشيوعي ومنظمة أنصار السلام التي سيطر عليها الشيوعيين عقد مؤتمرهم لم يجدوا غير الموصل مدينة يعقدون فيها هذا المؤتمر ، فبدأت وفودهم تصل المدينة منذ مطلع آذار-مارس 1959، وصاروا يسيرون في شوارع الموصل ويعبثون بأمنها ويتهددون ويتوعدون بالقضاء على ممثلي التيار القومي_الإسلامي. وكان من المقرر أن يعقد المؤتمر في 6اذار 1959 استكمالاً لمؤتمر سابق عقدوه في الموصل كذلك في كانون الثاني 1959 وعرف بمؤتمر مار كوركيس ، والذي حضرته وفود وممثلون عن الأحزاب الشيوعية في بعض بلدان العالم . فضلا عن أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي وأعضاء اللجنة المحلية للحزب الشيوعي في الموصل، وقد كان من ابرز نتائج ذلك المؤتمر وضع الخطط الكفيلة بالقضاء على القوى القومية في الموصل والتي رفعت شعار المعارضة لحكم قاسم ،ولفرديته المطلقة، ولسيطرة الشيوعيين على مقدرات الدولة ومؤسساتها.ومما أكد ذلك ما جاء في كتاب حكمت الهيثم (اسم مستعار ) والموسوم : (مذكرات شيوعي عراقي ) والمنشور في القاهرة سنة 1960 من أن خالد بكداش السكرتير العام للحزب الشيوعي السوري، حضر المؤتمر وألقى كلمة قال فيها : (( جئنا اليوم لنتفق على الكيفية التي نزيح بها الفئات الرجعية المتآمرة من أمامنا ... )) .أما سكرتير حزب توده الإيراني سايم رضا فقال أن 850 عضوا مسلحا من أعضاء حزبنا على أتم الاستعداد لخوض المعركة ... )) .
حدثت خلال الأشهر الواقعة بين كانون الثاني-يناير وآذار-مارس 1959 مصادمات بين القوى القومية والإسلامية من جهة، والشيوعيين ومن والاهم من جهة أخرى، وبدت المدينة وكأنها كتلتين: كتلة قومية تنادي بشعار الوحدة العربية وبدعم نضال العرب وبعودة وجه تموز العروبي، وكتلة تنادي بشعار الاتحاد الفدرالي والصداقة السوفيتية والجمهورية العراقية الخالدة .وقد وجد الصراع طريقه إلى النقابات ومنها على سبيل المثال نقابة المعلمين ،فخلال انتخابات النقابة التي جرت في 23 كانون الثاني –يناير 1959 خاض التيار القومي –الديني في الموصل الانتخابات تحت اسم موحد وهو (القائمة الجمهورية )التي كان يمثلها محمد غانم العناز وعز الدين السردار وهشام الطالب ونذير حنون ورياض رشاد ألبنا عن البعث وكان يمثل الاتجاه الإسلامي غانم حمودات، وعبد الحافظ سليمان،واحمد الكبيسي (الاخوان المسلمين ). أما المستقلين فمعظمهم من ذوي الاتجاه القومي العربي ومنهم يوسف ذنون، وحسين الفخري ،ومحمد علي ذنون، وسالم محضر باشي ،في حين كانت (القائمة الديمقراطية ) تمثل الفئات والعناصر ذات التوجه الشيوعي وبعض عناصر الحزب الوطني الديمقراطي . وكان لكل كتلة وسائلها في الصراع من مقاه ومكتبات ونوادي، فللقوميين مكتبة باسم العروبة وللشيوعيين مكتبة باسم المهداوي(نسبة إلى العقيد فاضل عباس المهداوي رئيس المحكمة العسكرية العليا الخاصة المعروفة بمحكمة الشعب )، وهكذا أخذت الأمور تسير من سيء إلى اسوأ خاصة بعد أن تم الإصرار على إخضاع الموصل بقوة وعنف .وقد قام العقيد الركن عبد الوهاب الشواف بالاتصال بالعناصر الوطنية والقومية التي شكلت تجمعا قوميا _إسلاميا ضم القوميين بمختلف أجنحتهم من ناصريين وحركيين وبعثييين وممثلين عن التيار الإسلامي وعلماء الدين وممثلي عدد من الأحزاب العلنية مثل حزب الاستقلال. وقد سمي ذلك التجمع ب (التجمع القومي –الديني ) . وجرت اجتماعات هذا التجمع في دور بعض من كان يمثل تلك التيارات أمثال المحامي سعد الله الحسيني ويمكن الإشارة إلى أن من ابرز ممثلي التجمع القومي- الإسلامي فضلاً عن سعد الله الحسيني ،عبد الباري الطالب، وغانم حمودات، وهاشم عبد السلام، وقاسم المفتي، وفخري الخيرو.وقد اتصل قادة التجمع بتنظيم الضباط الأحرار في الموصل والذي أعيد تشكيله بعد فترة قصيرة من نجاح ثورة 14 تموز 1958 وجرى الاتفاق على تنسيق الجهود للوقوف ضد الشيوعيين .
في 22 شباط 1959 أقام الطلبة القوميون في المجموعة الثقافية- وكانت تضم دار المعلمين وثانويات الزراعة والصناعة والتجارة - احتفالاً كبيرا لمناسبة الذكرى الثانية لقيام الجمهورية العربية المتحدة وكانت بحق مناسبة استفاد منها القوميون لتأكيد أهدافهم ونشاطاتهم المناؤئة لسياسة قاسم الخارجية التي نأت بالعراق عن شقيقته الجمهورية العربية المتحدة وقد تحدث في ذلك الاحتفال عدد من الطلبة والمدرسين ولعل من أبرز الذين تحدثوا قحطان محجوب، ونديم احمد الياسين، ورافع دحام التكريتي. ولم يقتصر الأمر على طلبة المجموعة الثقافية فقد أقام طلبة الثانوية الشرقية احتفالاً مماثلا تحدث فيه بعض الطلبة أمثال عصام عايد، وعباس علي شريف، وأسامة الياور، وعماد الحسيني،وطالب احمد.وقد تأزم الوضع إلى درجة كبيرة وتطور الخلاف الفكري إلى اشتباكات بالأيدي بين الطلبة وجرح عدد من الطلبة وفصل وابعد عدد من المدرسين القوميين وجاءت لجنة تحقيقية من بغداد برئاسة الدكتور صديق الاتروشي (وزارة التربية ) وقررت نقل مدرسين من المجموعة إلى مدن الجنوب عقوبة لهم بتهمة التحريض ضد الحكومة .
وقد عبرت تلك الاحتفالات عن قوة التوجه الوطني والقومي في الموصل الأمر الذي جعل الشيوعيين يصرون على تفجير الموقف بالموصل بغية تحقيق أهدافهم في وضع حد لنشاطات القوميين والإسلاميين .
حاول العقيد الركن الشواف، تفادي المواجهة، وذهب الى بغداد واطلع الزعيم الركن عبد الكريم قاسم على حقيقة الموقف، لكن الزعيم أصر على عقد المؤتمر ، وإزاء الفوضى التي حدثت اثر انتشار عناصر أنصار السلام الذين وصلوا الموصل وتحديهم لأهلها الذين أغلقوا بوجوههم المطاعم والحوانيت، انعقد المؤتمر وألقيت الخطب المضادة للتوجهات الوطنية والقومية .ولم يكتف المؤتمرون بذلك بل اخذوا يطوفون في الشوارع ويرددون الشعارات المناوئة لأهل الموصل وللتوجه القومي ..وحدثت مصادمات في بعض محلات المدينة ،وحاول القوميون والإسلاميون التعبير عن استنكارهم لما يجري فردت العناصر الشيوعية ومن التف حولها من تجمعات أنصار السلام بإضرام النار في المكتبات والمقاهي القومية وعلى اثر ذلك اضطرت القيادة العسكرية في المدينة إلى وضع حد لهذه الفوضى ،فأصدرت أمرا بمنع التجوال ولكن الأمن لم يعد إلى حاله، عندئذ أقدم العقيد الركن عبد الوهاب الشواف صباح الأحد 8 من آذار 1959 على إعلان العصيان على بغداد مطالبا قاسم بالتنحي عن السلطة ودعوة مجلس السيادة القائم آنذاك لممارسة سلطاته الدستورية ،ومما جاء في البيان الأول الذي أذيع في وقت متأخر من صباح الأحد الثامن من آذار 1959 ووقعه العقيد الركن عبد الوهاب الشواف على انه قائد الثورة ) إن الزعيم خان ثورة 14 تموز، وعاث بمبادئها وأهدافها ،ونكث بالعهد وغدر بإخوانه الضباط الأحرار ونكل بهم،وابعد أعضاء مجلس الثورة الأشاوس ليحل محلهم زمرة انتهازية ... لاتملك من رصيد التأييد الشعبي غير التضليل والهتافات والمظاهرات ... وأطلق للإذاعة والصحف عنان الفوضى لتخاصم جميع الدول وتشنها حربا عدوانية على الجمهورية العربية المتحدة التي جازفت بكيانها من اجل إنجاح ثورتنا ودعم كيان جمهوريتنا واستهتر بدستور جمهوريتنا المؤقت وسلب مجلس السيادة ...كل مسؤولياته الدستورية ... )) .لكن قاسم اندفع وأرسل الطائرات لقصف مقر قيادة الشواف وقصف المدينة فحدث التراجع واختل التوازن وفشلت الثورة بعد استشهاد الشواف واستغل الشيوعيون الوضع وبدأوا صفحة دموية حيث قتلوا وسحلوا عددا من المواطنين وذهب ضحية هذه العملية أكثر من (102) مواطنا .وقدم قادة الثورة وضباطها وعدد من الضباط الأحرار إلى المحكمة العسكرية العليا الخاصة وصدرت أحكام الإعدام ضدهم فاعدموا رحمهم الله، ومنهم الشهيد ناظم الطبقجلي والشهيد رفعت الحاج سري والشهيد نافع داؤد والشهيد احمد شهاب.توسع الدكتور هاشم عبد الرزاق صالح الطائي في أطروحته الموسومة : (( ثورة الموصل 1959: دراسة تاريخية ) والتي قدمها إلى مجلس كلية الآداب –جامعة الموصل 1999في دراسة الأحداث، فأشار إلى أوضاع الموصل قبيل الحركة وأثناءها وبعدها ، ووقف عند تصاعد حدة الصراعات السياسية والتخطيط للحركة وتبلور فكرتها وإخفاقها وأسباب ذلك ثم صدى الحركة عربيا وإقليميا ودوليا وقال إن الشيوعيين شكلوا محاكم صورية في بناية مديرية الشرطة بالموصل أطلق عليها فيما بعد بالمحكمة القصابية نسبة إلى رئيسها عبد الرحمن القصاب(1927 -2007) العضو البارز في اللجنة المحلية للحزب الشيوعي العراقي في الموصل وكان من أعضاء المحكمة عادل سفر وشاكر أللهيبي، واستخدمت المقاومة الشعبية أداة لتنفيذ أحكامها ويذكر مدير شرطة الموصل آنذاك ياسين درويش في شهادته أمام المجلس العرفي العسكري الأول والذي شكل في معسكر الوشاش ببغداد سنة 1960 لمحاكمة المتهمين بحوادث الموصل 1959 : (( في صباح يوم 10 آذار 1959 احتل مهدي حميد غرفة نائب مدير الشرطة ومعه عبد الرحمن القصاب، وعمر الياس، وعدنان جلميران ،وخليل عبد العزيز رئيس اتحاد الطلبة، وبعض المقاومين الشعبيين وبعض الاهلين ومن ثن بادرت تلك الزمرة بجلب الأشخاص وإجراء المحاكمات الكيفية . ومما يجلب الانتباه أن العقيد فاضل عباس المهداوي رئيس المحكمة العسكرية العليا الخاصة بارك تلك المحاكم وقال : (( إن غضب الشعب إذا وصل منتهاه يكون التنفيذ السحل في الشوارع ،ولايمكن لأحد أن يحاسب الشعب مطلقا بل نقول مرحى وألف مرحى ... !! )) .ولاننكر أن بعض حوادث القتل كانت بدوافع ثأرية ،وتصفية حسابات ،ونتيجة أحقاد اجتماعية ناتجة عن وجود خلافات بين بعض الأسر الموصلية، أو بسبب التفاوت الاقتصادي والاجتماعي الذي كان سائدا آنذاك في المجتمع الموصلي .
كتب الكثير عن الحركة : أسبابها ونتائجها وقيل بأنها كانت بحق ردة فعل وطنية وقومية وإسلامية ضد توجهات عبد الكريم قاسم وانفراده بالحكم معتمدا على مساندة ومحالفة الشيوعيين ..وقيل أنها كانت مؤلفة من صفحتين تنفذ الأولى في الموصل،وتنفذ الثانية في مبنى وزارة الدفاع ببغداد حيث يعقد مجلس الوزراء اجتماعاته وتضمنت الصفحة الثانية قيام نخبة من الضباط بإحاطة المكان وإرغام قاسم على التنازل عن سلطاته. ولأسباب عديدة لم تنفذ سوى الصفحة الأولى فانتكست الثورة. كما قيل أن الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا) هي التي دفعت العقيد الركن عبد الوهاب الشواف للقيام بالثورة.
ومهما يكن من أمر فان فهم حركة الشواف 1959 لايمكن أن يكون إلا في النظر إليها على أنها: (صفحة من صفحات الصراع بين الحركة القومية العربية والحركة الشيوعية ) ذلك الصراع الذي شهده العراق، وبعضا من الدول العربية في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، لذلك فحركة الموصل حركة وطنية صرفة ،لكن ذلك لايعني أنها لم تكن ذات بعد قومي.. فلقد طلب قادتها العون من الجمهورية العربية المتحدة لأنها كانت ،آنذاك ، قاعدة لحركة التحرر العربية. ولايتسع هذا الحيز لمتابعة هذا الأمر لكن لابد من الإشارة إلى أن وسائل أعلام حكومة الزعيم الركن عبد الكريم قاسم (1958_1963) في بغداد رددت مقولة مفادها "إن ماحدث في الموصل يعد ( مؤامرة) قامت بها الجمهورية العربية المتحدة ( مصر وسوريا)، وان الرئيس جمال عبد الناصر قد وافق على نقل الأسلحة من سوريا إلى ( المتآمرين ) في الموصل" .
أن فهم حركة الموصل 1959، ،لايمكن أن يكون إلا في النظر إليها على أنها صفحة من صفحات الصراع بين الحركة القومية العربية والحركة الشيوعية ذلك الصراع الذي تميزت به سنوات الخمسينات والستينات من القرن الماضي. لذلك فحركة الموصل حركة وطنية صرفة بمعنى أنها عمل داخلي صرف ولم يكن لأي عامل عربي أو أجنبي تأثير مباشر فيها لكن هذا لايعني أنها لم تكن ذات بعد قومي عربي. لقد طلب قادة الحركة العون من سلطات الجمهورية العربية المتحدة لأنها كانت قاعدة للثورة العربية آنذاك.
يؤكد معظم الذين كتبوا عن حركة الموصل، ومنهم أستاذي الدكتور فاضل حسين في كتابه. "وسقوط النظام الملكي في العراق"، على أن الحركة تمثل رد الفعل القومي ضد انفراد عبد الكريم قاسم بالحكم معتمدا على مساندة الشيوعيين .مع العلم أن الضباط الأحرار من القوميين حاولوا تقويم تفرد قاسم وابتعاده عن أهداف ثورة 14 تموز 1958 وبدأوا يعملون من جديد وكان عملهم ينصب على مواجهة تفرد عبد الكريم قاسم وإعادة العراق إلى محيطه العربي .. وان من هؤلاء الضباط العقيد الركن عبد الوهاب الشواف أمر جحفل اللواء الخامس في الموصل إلا أنهم لم يوفقوا ،وثمة وثائق تشير إلى أن حركة الشواف تنطوي على صفحتين الأولى تنفذ في الموصل ،وتتمثل بإعلان العصيان على الحكومة المركزية. والثانية تنفذ في بغداد مباشر وفي مبنى وزارة الدفاع حيث يعقد مجلس الوزراء اجتماعه ويقوم أثناء الاجتماع مجموعة من الضباط بإحاطة مكان الاجتماع وإرغام قاسم على التنازل عن سلطاته واعتقاله. وقد نفذت الصفحة الأولى فقط . ولسنا الآن بصدد الكلام عن أسباب فشل الثورة ، لكن لابد من التأكيد على أن الرئيس جمال عبد الناصر استجاب لطلب العون والمساعدة ،ولعب الملحق العسكري المصري في بغداد العقيد عبد المجيد فريد ومساعديه محمد المصري والعقيد طلعت صدقي ومحمد كبول دورا رئيسا باتصالهم بالضباط الأحرار في بغداد وعلى رأسهم العقيد رفعت الحاج سري واتصالهم كذلك بضابط ركن الشواف الرائد الركن محمود عزيز في الموصل، وأسفرت هذه الاتصالات عن سفر عزيز إلى سوريا عدة مرات واجتماعه بمسؤول المكتب الثاني (المخابرات ) عبد الحميد السراج. ويروي الأستاذ محمود الدرة على الصفحة 108 من كتابه : " ثورة الموصل 1959: فصل في تاريخ العراق المعاصر" قصة هذه الاجتماعات وسفر محمود عزيز إلى سوريا يوم 3 آذار 1959 أي قبل قيام الثورة بخمسة أيام ليتلقى الوعد الأكيد من السراج بتجهيز الثائرين بمحطة إذاعة، و(300) متطوع من المغاوير، وبأسلحة خفيفة، وبسرب من الطائرات أذا اقتضى الأمر لحماية قاعدة الحركة : الموصل من أي هجوم جوي يأتي من بغداد ولم تصل سوى الإذاعة وكان جهازا بدائيا يعمل على الموجة القصيرة تعطل بعد لحظات من بدء إعلان الحركة . ولأسباب عديدة لم تنفذ سوى صفحة الموصل فانتكست الثورة وفشلت،لكن من الأمور التي لايمكن تجاهلها أن حركة الموصل وإعدام قادتها عجل في سقوط نظام حكم عبد الكريم قاسم وفسح المجال لسلسلة من الأحداث التاريخية التي شهدها العراق بعد ذلك ، والتي لابد من استخلاص الدروس والعبر منها وأبرزها أن وحدة العراقيين ،وتكاتفهم،وتعاطفهم مع بعضهم البعض ، وتمسكهم بثوابتهم الوطنية والقومية ،وحبهم لوطنهم والدفاع عن حياضه، ومواجهة التحديات الأجنبية ، هي ما يجب العمل من أجله والسعي لترسيخه حاضرا ومستقبلا .
*الصور هي للجماهير تستقبل ثورة 14 تموز -يوليو 1958 ..واول مؤتمر صحفي للزعيم الركن عبد الكريم قاسم ..وللضباط الشهداء الذين اعدموا بعد فشل حركة الموصل والصور من ارشيف كاتب هذه السطور لذلك يرجى الاشارة الى المصدر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية بقلم : الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف

  فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل أجا...