الجمعة، 12 ديسمبر 2025

مدرسة الامير عبد الاله النموذجية في الموصل مرة اخرى مع ذكريات المربية الفاضلة الاستاذة ندوة عبد الجبار محمود

كادر وملاك مدرسة الفتوة النموذجية  3 حزيران -يونيو سنة 1971
شهادة تخرج التلميذة شكيبة حموشي من الصف السادس الابتدائي 1949   
فرقة الموسيقى في مدرسة الامير عبد الاله النموذجية   
الست خديجة الخالدي مؤسسة مدرسة الامير عبد الاله النموذجية واول مديرة لها  
الست سالمة نامق مديرة مدرسة الفتوة النموذجية    

                               كادر وملاك مدرسة الفتوة النموذجية التقطت يوم 3 من حزيران - يونيو سنة 1971




مدرسة الامير عبد الاله النموذجية في الموصل مرة اخرى مع ذكريات المربية الفاضلة الاستاذة ندوة عبد الجبار محمود
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
وقد يتذكر بعض القراء ، والمتابعين ، والاحبة ، أنني كتبتُ عن ( مدرسة الامير عبد الاله النموذجية ) في الموصل وهي اليوم ( مدرسة الفتوة النموذجية) . وما كتبته قبل بضعة سنوات منشور في مدونتي (مدونة الدكتور ابراهيم العلاف) ورابط المقال هو التالي : http://wwwallafblogspotcom.blogspot.com/2022/12/blog-post_33.html
واليوم الجمعة 12-12-2025 تلقيتُ من ابنتي الاستاذة الدكتورة لمى ابراهيم العلاف رئيسة فرع التشريح السابقة في كلية طب الموصل رسالة حملتها من الاخت الاستاذة المساعدة المتقاعدة ندوة عبد الجبار محمود -فرع الكيمياء الحياتية - كلية طب الموصل - جامعة الموصل مؤرخة في 5 كانون الاول 2025 ، وفيها تعقبْ على ما كتبته وقلته بشأن تاريخ مدرسة الامير عبد الاله النموذجية -مدرسة الفتوة النموذجية في الموصل حاليا وانا اشكرها لاهتمامها واقول لزاما علي ان اطلعكم على مضامين رسالتها ، وملاحظاتها ، وانطباعاتها عن هذه المدرسة ذات التاريخ المجيد والاخت الاستاذة المساعدة المتقاعدة ندوة عبد الجبار محمود هي زوجة الدكتور كمال يونس شقيق الفنان التشكيلي الصديق الاستاذ نزار يونس.
تقول في رسالتها الموجهة لي انا الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف ؛ انها تود ان تدلي بشهادتها عن مدرستها مدرسة الامير عبد الاله النموذجية ؛ فهي كانت تلميذة في هذه المدرسة حتى تخرجت في الصف السادس الابتدائي وتقول انها كانت " شاهدة عيان على ميلاد المدرسة ونموها وتطورها ، وان مؤسستها ، وأولى مديراتها هي المرحومة الاستاذة خديجة الخالدي وهي خالة الاستاذة ندوة "كانت سيدة جمعت بين حكمة القيادة ، وطيب النفس ، وحزم الادارة ما جعل لها في النفوس مكانة " .
وتضيف :" اذكر انني بدأت مسيرتي التعليمية في الصف الاول بمدرسة الوطن للبنات في محلةباب لكش وكانت الاستاذة خديجة الخالدي مديرتها الناظمة لشؤونها ولما نجحت الى الصف الثاني ... كلفت الست خديجة الخالدي بتأسيس مدرسة الامير عبد الاله النموذجية في منطقة الثلمي -باب لكش في دار الموحوم آصف العمري عضو مجلس النواب آنذاك وكانت الدار آية في السعة والجمال ؛ بيتا كبيرا تتوسطه حديقة مربعة ، فسيحة ،جُعلت فيما بعد ملعبا للفرح تعلقت فيه المراجيح لترفيه الناشئة " .
الاستاذة ندوة تعلق على تأسيس هذه المدرسة ، فتقول ان مديرة المدرسة اجتهدت في انتقاء كوكبة متميزة من المعلمات منهن الاستاذات نجاة يونس شريف بك ، وسعاد الدباغ وكانتا معاونين للمديرة والاستاذات سالمة نامق ورمزية احمد عزت وفبرونيا وسلمى زكريا وسلمى جليميران وجولي وفتوح البكوع ومعزز حمدي ورقية محمد وفخرية الدليمي وسعدية العمري وعفت الخالدي وعصمت . رحم الله من انتقلت الى جواره واطال في عمر الباقيات .
كما تحدثت الاستاذة ندوة عن تلميذات هذه المدرسة عند فتحها سنة 1948 وقالت منهم بريهان سعيد قزاز ابنة متصرف الموصل ، وعنان ومهند ابراهيم المفتي ابنا مدير معارف (تربية) الموصل ، ونزار فهمي سعيد ابن مدير شرطة الموصل وأُسيمة سعيد الحدبائي ابنة رئيس صحة الموصل وسلام ابن الاستاذة بدرية عادل المفتشة -المشرفة التربوية وهالة واروى عبد الله السنوي بنتا رئيس المحاكم ومنى حازم ابنة الاستاذة امينة حسن ترك مديرة اعدادية الموصل للبنات وغيرهن .
وكثير من التلميذات هن من بنات الاسر والعوائل الموصلية المعروفة والعريقة ، ومنهن دعد الجادر وسهير الجادر وهناء حميد حديد وندى يونس زكريا وميادة زهير الدملوجي ونشوان وسهى عقراوي ومحمد رضا الحاج نعمان الدباغ ( اصبح رئيسا لبلدية الموصل) وجنان سالم نامق وآمال النائب ووصال النائب ونبيل خليل سلمان ورافدة محمد صالح الدباغ وراجحة محمد صالح الدباغ ونهى يحيى الملاح وآمال بديع اسعد بكر ونداء بديع اسعد بكر وناهدة شريف العمري ولقاء شوكت الدليمي ونوال كامل يحيى ورياض حمدي عبيد اغا ونضال عبد الجبار محمود عبيد اغا ونوار فتاح جليميران ومنى فتاح جليميران " .
طبعا الاخت الاستاذة ندوة عبد الجبار محمود تتحدث في رسالتها عن ان المدرسة كانت محط انظار المشرفين التربويين أي المفتشين بلغة ذلك الزمان ومنهم الاستاذ سعيد الديوه جي ، والاستاذة سعدية الصباغ ، والاستاذة بدرية عادل ، والاستاذة برثه خوشابا وكانت زياراتهم للمدرسة وتفقدهم لشؤونها حافزل لتميز المدرسة والحفاظ على ذلك التميز .
ايضا تحدثت عن دروس الفن والموسيقى وما قام به الاساتذة البير افندي وجميل ججو .كما ان الفرق الصحية والطبية كانت تزور المدرسة بإستمرار وتتم حملات التطعيم ضد الجدري والتيفوئيد في مواسمها ولم تنس الفراشة (فطوش) وكانت الاستاذة سلمى جليميران تتابع التلاميذ والتلميذات وكانت ثمة وجبة حليب وكعك بإشراف المعلمات اللواتي كن يستغلن تلك الوجبات لترسيخ قيم آداب الطعام والاتيكيت والسلوك الراقي.
وكان للمدرسة مشاركات في الفعاليات الرياضية والفنية وكانت الاستاذة رمزية احمد عزت تشرف على الفعاليات الفنية ومنها تقديم واخراج مسرحيات من قبيل مسرحية (ولادة بنت المستكفي ) ومسرحية (الملكة بلقيس ) ومسرحية (سندريلا ) وكان من يشرف على هذا كله الست آمال النائب والاستاذة رمزية احمد عزت وكان من يشرف على الانشطة الرياضية ويتعاون مع المديرة والمعلمات الاستاذ شفيق الجليلي والمدرسة تميزت بأنها تدرس اللغة الانكليزية بدءا من الصف الثاني لا من الصف الخامس كما كان ذلك شائعا في بقية المدارس وكل هذا يتم تحت اشراف الاستاذ معزز حمدي حتى انها كانت تدرب التلميذات على التحدث باللغة الانكليزية . كان للمدرسة فراشات منهن ماهي وخديجة وحمدية وفطوش وللمدرسة باص سائقه داؤود وروت قصة الفراشة ماهي وهي التي عادت بكتاب ارسلته المدرسة الى مديرية التربية فيه خطأ لغوي فصحح واعيد الى مديرية التربية .
المدرسة كان لها دورها الفاعل في تخريج نخب مهمة فمن خريجاتها الدكتورة ميادة زهير الدملوجي والدكتور رياض حمدي والدكتور نضال عبد الجبار محمود وهو شقيق الدكتورة ندوةعبد الجبار محمود والمهندس نداء ربيع والمهندس والاكاديمي الاستاذ الدكتور نبيل خليل سلمان والصيدلانية سهى عقراوي والمهندس نشوان عقراوي ورئيس بلدية الموصل السابق المهندس محمد رضا الدباغ ومديرة البنك الاستاذة جنان نامق ومديرة مكتب رئيس جامعة الموصل لسنوات سهير الجادر والمربية الاستاذة نهى الملاح ومديرة الشؤون العلمية في كلية العلوم - جامعة الموصل الاستاذة آمال بديع " .
وهنا توقفت الاخت والزميلة العزيزة الاستاذة المساعدة ندوة عبد الجبار محمود عن الكلام وقال :"ارجو ان اكون قد وفيت بعض حق هذه المدرسة العريقة مدرسةالامير عبد الاله النموذجية - مدرسة الفتوة النموذجية منذ سنة 1958 وهيئتها التعليمية واعتذر ان قصرت في ذكر بعض الاسماء ممن اسهموا في تأسيسها ونموها وتطورها " واقول بارك الله بالاخت العزيزة وانا سعيد جدا لهذه المعلومات الثرة وادعو للاخت المربية الفاضلة بالعمر المديد والعافية والبركة وراحة البال .
*صورة تضم الكادر التعليمي لمدرسة الفتوة النموذجية التقطت في الثالث من حزيران -يونيو سنة 1971 والصورة من صفحة الاستاذ ايليا طالب
ELLIA TALIB

 

الثلاثاء، 9 ديسمبر 2025

الدكتور عبد الاله أحمد 1939 -2007 ..ريادة أُخرى ا.د.ابراهيم خليل العلاف



 


الدكتور عبد الاله أحمد 1939 -2007 ..ريادة أُخرى
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس -جامعة الموصل
كتاب نقدي مهم ، وعمل ادبي متميز ، واسهامة نقدية متميزة قدمها الاخ الدكتور عباس رشيد الدده بعنوان : ( الدكتور عبد الاله أحمد ..ريادة أُخرى ) ، صدر ضمن سلسلة سيرة -وزارة الثقافة العراقية -دار الشؤون الثقافية العامة -بغداد .
ولقد قرأتُ الكتاب بامعان ، ورأيته يعتمد مصادر نقدية كثيرة منها دراستي الموسومة (الدكتور عبد الاله أحمد والتأريخ لحركة الادب القصصي في العراق ) وهي منشورة في مدونتي وفي أماكن اخرى منها جريدة (المدى) والرابط هو التالي :https://almadasupplements.com
.ومما يلحظ ان ثمةَ من نال من سمعة ، وعلمية ، وسلوكية هذا الناقد الكبير من خلال علاقاته وممارساته تجاه تلاميذه من طلبة الدراسات العليا -الماجستير والدكتوراه ، والرجل كان استاذا حصيفا ، حازما ، جادا ، وعلى التلميذ ان يتعلم من استاذه ، ولايحق له طالما هو يتعلم الا ان يسمع استاذه ويحترمه ويجله ويضعه فوق رأسه لا ان يتطاول عليه والا فليتركه ويذهب الى استاذ آخر غير مأسوف عليه .
مرة اراد طالب ان يعمل معي في الدكتوراه ، واخترت له موضوعا يتلائم مع قدراته واهتماماته ، وبعد فترة جاء واراد تغيير الموضوع فوافقتُ وكتبتٌ الى رئيس القسم المعني انه يريد تغيير الموضوع ، واضفت والاستاذ فهب آسفا وقال لا يا استاذ فقط الموضوع قلت له والمشرف ايضا انا قبلت الاشراف عليك في الموضوع الذي اتفقنا عليه ، لكن وانت تريد تغيير الموضوع لابد ان اعتذر عن الاشراف عليك فندم الطالب كثيرا .
الاستاذ المشرف ، ليس كما قال تلميذ الدكتور عبد الاله احمد ، دكتاتورا بل موجها معلما ونقطة اخرى لابد ان اشير اليها والاخ الناقد الدكتور عباس رشيد الدده وهي ان الدكتور عبد الاله احمد ، رحمة الله عليه، كان معتزا بنفسه وبعلميته لا كما يقول احد طلبته انه كان مريضا نفسيا .. والاعتزاز بالنفس صفة محمودة .
ما علينا ؛ الدكتور عباس رشيد الدده حسنا فعل عندما اورد لنا في كتابه عن الدكتور عبد الاله احمد كل هذا ليتعلم الاخرون ، فالدكتور عبد الاله احمد وخير من قيمه استاذه الاستاذ الدكتور علي جواد الطاهر ، استاذ قدير ، وناقد كبير ، وانسان نبيل ويكفيه انه ارخ ادبيا وفكريا ل(نشأة القصة وتطورها في العراق 1908-1939) صدر عن دار الشؤون الثقافية ببغداد 2001 ويكفيه انه أرخ ل(الادب القصصي في العراق منذ الحرب العالمية الثانية اتجاهاته الفكرية وقيمه الفنية ) وصدر عن وزارة الاعلام العراقية سلسلة دراسات سنة 1977 وهو من كتب (في الادب القصصي ونقده ) وصدر عن دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد 1993 .
المجد للدكتور عبد الاله أحمد ..الرحمة للدكتور عبد الاله أحمد .. كان (رمزا) ولم يكن (رقما ) ، ويستحق منا ان نخلده ونقيم له تمثالا ونقضي الساعات تلو الساعات ندرس منجزه ، وما قدمه من آراء ، وافكار ، ورؤى في حقل تخصصه وحقل اهتماماته اليس هو - كما اتفق المنتدون في جامعة بابل -قسم اللغة العربية في كلية الاداب وهم يدرسون منجز عبد الاله أحمد - اليس هو (معمار القصة العراقية)  ؟! .

*https://www.facebook.com/photo/?fbid=10229961893768410&set=pcb.10229961872047867

الدكتور عبد الاله أحمد والتأريخ لحركة الادب القصصي في العراق



 



الدكتور عبد الاله أحمد والتأريخ لحركة الادب القصصي في العراق


ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل

ليس كمثل الأستاذ الدكتور عبد الإله احمد (1940ـ2007) ، الكاتب والناقد ، والاديب ، والاستاذ الجامعي الذي رحل عن دنيانا  رحمه الله وطيب ثراه ، في السادس عشر من مايس- أيار – مايو سنة  2007 ، من وثق للأدب القصصي في العراق المعاصر .

وبالرغم من عظم انجازاته ، وابداعاته في مجال الكتابة والنقد ، الا انه كشأن زملائه ، وأقرانه الادباء ، والمفكرين ، والشعراء والأساتذة ، والأكاديميين لم يحظ بما يستحقه من إهتمام ، وقد عاش ، ومات كما قال احد تلاميذه ، وهو الدكتور حمزة عليوي في دائرة "   الصمت والعزلة"   .

 

لقد خسرت الحركة الادبية والثقافية في العراق والبلدان العربية ، بحق واحدا من نقادها ، وباحثيها البارزين ، كانت له يد طولى في الكثير من البحوث ، والدراسات ، والاطروحات الجامعية التي نجم عنها عدد كبير من الباحثين والاساتذة والدارسين الذين رفدوا جامعاتنا ، والجامعات العربية بالكثير من العطاء سواء في مجال البحث ، أو التأليف ، أو التدريس . وكان لعبد الاله احمد ، كما جاء في بيان نعيه الذي اصدره الاتحاد العام للادباء والكُتّاب في العراق "  فضل الريادة في توثيق الحركة القصصية" ،  وخاصة في كتابيه الشهيرين: ( نشأة القصة وتطورها في العراق 1908 ـ1939 ) ، و  (الادب القصصي في العراق منذ الحرب العالمية الثانية  )  .

 

ومما يزيد من قيمة هذين العملين الرائدين ؛ أن الاستاذ الدكتور عبد الاله احمد " لم ينهج نهج المؤرخ المكتفي بالتوثيق ، بل نهج منهج الناقد المحلل .. فاستطاع ان يعكس تطورات القصة العراقية ، وان يرصد رصدا دقيقا تياراتها الفنية ، وتنوعاتها ، وقيمها الفكرية ، والجمالية "  .

 

وقد امتلك "  حضورا بينّا في الاوساط الادبية " ، وكان " لأراءه  وقع كبير في محافل تلك الاوساط وانشطتها لما اتسمت به من الجرأة والقوة"  . وما تركه الدكتور احمد يعد جهدا رائعا لم يظهر مثله في " كتاب أو دراسة اكاديمية تناقش وترصد تطورات هذا الفن وتحيط باساليبه المختلفة"  .

 وقد ظل الدكتور احمد بعيدا عن السلطة السياسية في بلاده ، فمزاجه الحاد ، ونفوره من الخطأ ، والمعايب ، وحرصه على قول الكلمة الصادقة ، حال دون ان ينال في حياته من التكريم ، والاشادة ، والتشجيع الا في مرات قليلة جدا ، لكن هذا لم يمنع من ان يظل استاذا متمكنا ، وباحثا جادا ، ومحاورا حقيقيا ، وقبل هذا انسانا طيبا ، وكريما .


ولقد قوّمه احد زملائه في التدريس ، وهو الاستاذ الدكتور محمد حسين آل ياسين بموضوعية عالية حين قال ان الدكتور عبد الاله احمد ، كان يتمتع بامكانات علمية عالية ، وحسناته ومزاياه في " المنظور العلمي الجامعي او الانساني ، كثيرة ومهمة ، اولها موضوعيته في النظر الى الاشياء التي تخضع للدرس ، فهو لاينحاز فيها الا الى الابداع الذي يبحث عنه في النص ، قصة كانت او رواية ، دون ان يميل ميل المصلحة الخاصة ، أو التعصب أو الدخول في الرأي الشائع المشهور عن العمل الذي لايستحق الشهرة ، وقد طبعت هذه الموضوعية العلمية اعماله المنشورة ، وشهد له بها اساتذته في بغداد والقاهرة وزملائه ، وطلبته  ، وتلمسها قراؤه ، ومتابعوه . كما امتازت جهوده في البحث بالمنهجية الاكاديمية الدالة على العقل العلمي المنظم ، والثقافة الجامعية العميقة"   .  

 

 ويقينا انه في هذا قد تأثر باستاذه ومثله الاعلى الاستاذ الدكتور علي جواد الطاهر رحمه الله ، والذي كان يزرع أُسس المنهج العلمي ، والروح المنهجية في نفوس وعقول طلابه في كل خطوة من خطوات البحث في الدرس الاولي والجامعي .


كتب عنه صديقنا  المرحوم الاستاذ حميد المطبعي بضعة اسطر في الجزء الاول من ( موسوعة اعلام العراق في القرن العشرين ) ، والذي نشرته دار الشؤون الثقافية العامة التابعة لوزارة الثقافة والاعلام ( العراقية ) ببغداد سنة 1995 يقول  :   ان الدكتور عبد الاله احمد باحث وناقد في القصة ، فهو الدكتور عبد الاله احمد محمد صالح ، ولد في بغداد سنة 1940 ، حاصل على دكتوراه آداب من جامعة القاهرة سنة 1976 . عين استاذا في الاداب والنقد الحديث في كلية الاداب بجامعة بغداد ... منهجه في الحياة يقوم على الصدق مع النفس ، والصدق مع الاخرين "  . ومع انه كان صادقا مع نفسه ومع الاخرين الا انه لم ينل من الاخرين ما يستحقه من قبول واهتمام

 .
اما الاستاذ جميل الشبيبي فقد قال عنه بانه كان " ناقدا موسوعيا في كتاباته المتميزة عن القصة القصيرة ، وكذلك الرواية العراقية. واهم صفة فيه علميته وقدرته على الحوار مع الاخر دون حساسيات "  .
وقد خلد باعماله النقدية اسماء الكثير من رواد القصة في العراق ، ونقب عن قصصهم وانتشلهم من وهدة النسيان وثبت اسماءهم في خارطة السرد في التاريخ العراقي المعاصر.  "  وكتبه تعد مرجعا اساسيا في الدراسات الفكرية والعلمية عن القصة في العراق . ويمكن القول بكل ثقة ان كتب ومتابعات الناقد عبد الاله احمد "  تؤسس لمبدأ ادبي وثقافي في العراق ينظر الى الادب والثقافة العراقية نظرة نسق متصـل من الابداع " .

 

وتحدثت تلميذته الباحثة العراقية الدكتورة نادية العزاوي في الجلسة الاستذكارية التي نظمها الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق ( تموز 2007) عن استاذها الدكتور عبد الاله احمد قائلة : "  فجيعتي برحيله كانت اشد، كوني تلميذته"   . واضافت: كان الاولى بنا الاحتفاء به قبل رحيله .. نحن العراقيون لانجيد فهم أعلامنا ورموزنا ، والله لو كان عبد الاله احمد موجودا في مصر او لبنان لكان له شأن آخر ، كان الراحل لايحسن لعبة المجاملة على المستويين الشخصي والرسمي ، وكان متمسكا بثوابت فكرية ، فقد ظل مؤمنا بعمق بعراقيته منهجا ، ورؤيا .. وظلت القصة العراقية شغله الشاغل يُشخّص أسباب مساراتها ، صعودا وهبوطا ، كل ذلك برؤية نقدية صادقة "   .


لم يحدد احد من النقاد توجه عبد الاله احمد الفكري والسياسي ، لكننا نستطيع القول ، ومن خلال متابعة اعماله انه لم ينتسب لحزب معين ،  أو اتجاه فكري محدد ، وكان ذو نزعة ( تقدمية) ، و( واقعية) ؛ فهو اقرب الى اليساريين في نظرته الى الحياة ، والكون ، والمجتمع ، والانسان ، ويقرر الدكتور مالك المطلبي جانبا من هذه الحقيقة في قوله : "ان الدكتور عبد الاله احمد كان اكاديميا صرف ، ووثائقيا يسمى الاشياء ولايحكم عليها ، وميزته انه غير راض على أي شيء" .


حاول الاستاذ مهدي صالح الشمري في مقال له عن عبدالاله احمد نشر في جريدة الزمان ( العراقية)   عدد  يوم 28 من ايار 2007 ان يتغلغل في داخلية هذا الناقد والكاتب الكبير فوصفه بانه حاد الطباع ، ربما انعكس ذلك في التشدد في علاقاته مع زملائه وطلبته ، وقد اثر ذلك على مجمل حياته ، وحرمه من حميمية مودة الاخرين الذين قد يخرجون عن الموضوعية لمصلحة ، او مجاملة ، او علاقة اجتماعية .


وبشأن تعامله مع مادة دراسته ، وهي القصة والادب القصصي العراقي ، فان الدكتور عبد الاله احمد ، تبنى توجه استاذه الطاهر فاقبل على دراسة الظواهر الادبية الحية ، والشخصيات الموجودة على قيد الحياة ولم يكن هذا التوجه في حينه ، أي في اواخر الستينات واوائل السبعينات من القرن الماضي مستساغا في اقسام اللغة العربية بالجامعات العراقية ، خوفا من ان ينعكس ذلك سلبا على الناحية الموضوعية ، لكن عبد الاله احمد اقتحم الميدان مسلحا بنصائح ودعوات استاذه الطاهر .

 

وقد اشار الى شيء من هذا القبيل في كتابه ( نشأة القصة وتطورها في العراق (1908 ـ 1939) حين قال : " واذا كان هناك من يرى خطورة ، في دراسة أدب معاصر ، شديد اللصوق بالمدة التي يعيش فيها الباحث ، لما يمكن ان يؤدي اليه هذا اللصوق من ابتعاد عن الموضوعية التي يقتضيها البحث الاكاديمي "   .

 

الا ان هذا التوجه في المعاصرة له فوائد كثيرة منها وجود الاديب نفسه واصدقاءه واقاربه واعداءه " تجمع وتناقش ، ورائدك الحقيقة ، وتنتفع من وسائل النشر المعاصرة الجرائد والمجلات والاذاعة والتلفزيون والافلام "  ،  وهكذا يكون بحثك في جانب اواخر من جوانبه شهادات في واقع ادب معين في مدة من المدد من تاريخه يمكن ان تشكل مادة اولية تفيد باحثين يتناولون هذا الادب في فترات قادمة .


ويصف الدكتور عبدالاله احمد، الاديب العراقي "  بانه سريع الغرور ، سريع الشعور بانه حقق غاية بعيدة المدى ، وأصبح استاذا في اقصر وقت ، ثم انه كسول فاتر الهمة ، قليل المطالعة ، والكتابة بحيث لايأخذ مأخذا جديا ، ولا يأخذ مسؤولية تجاه فنه ، على المستوى نفسه من الجدية مما يمكن لمسه بسهولة لدى العديد من الادباء . في العراق ، ويكاد الامر فيه ان يكون صفة مميزة لاكثرهم "  .


في كتابه  (  نشأة القصة وتطورها في العراق 1908 ـ1939)  ، والذي هو بالاصل رسالة ماجستير التي تقدم بها الى جامعة القاهرة خريف سنة 1966 باشراف الاستاذة الدكتورة سهير القلماوي ، يؤكد على ان الباحث لايستطيع كتابة تاريخ القصة العراقية المعاصرة ، وبحدود العوامل المؤثرة التي أدت الى نشوئها بدون العودة الى دراسة القرن التاسع عشر ، هذا القرن الذي هو بداية النهضة الحديثة . كما ظهرت فيه اوائل طلائع الاصلاح مع اولى بوادر اليقظة الفكرية .

 

 ويحدد عدة تيارات ثقافية شهدها العراق آنذاك اولها (تيار تقليدي) هو امتداد لتيار الفكر العربي القديم. وثانيها (تيار التحديث) الذي بدأت به الدولة العثمانية واستهدفت اعادة بنى الدولة بمؤسساتها المختلفة على اسس غربية ، وثالثها هو   (التيار الغربي) الذي بشر بالفكر والثقافة الغربية . ويحدد مسألة مهمة وهي ان القصة الحديثة ظهرت في العراق متأخرة .


ويقف الدكتور عبد الاله احمد عند البواكير الأولى العراقية  في مجال كتابة القصة ، ويؤرخ لمجهودات سليمان فيضي ، وعطا امين، ويناقش القصة بين الحربين العالميتين الأولى 1914-1918 والثانية 1939- 1945 ، ويتناول ( الاتجاه العاطفي) في القصة المتمثل في قصص يوسف متي ، وشالوم درويش ، و  (الاتجاه الاجتماعي) المتمثل بقصص ذو النون ايوب ، و(الاتجاه الفردي) الذاتي وابرز كتابه عبدالوهاب الامين و ( الاتجاه الرمزي) المتمثل بما كتبه نديم الاطرقجي ، و( الاتجاه الرمزي) المتمثل بما تركه خلف شوقي الداودي ، و  (الاتجاه التاريخي) المتمثل بقصص  المطران سليمان صايغ الموصلي .. اما الرواد من القصاصين الكبار في رأيه فهم كل من محمود احمد السيد، وانور شاؤول، وذو النون ايوب، وعبد الحق فاضل .
وفي كتابه : ( الادب القصصي في العراق منذ الحرب العالمية الثانية) ، وهو بالاصل اطروحته للدكتوراه المقدمة الى كلية الاداب بجامعة القاهرة سنة1975 وقد نشرت ببغداد سنة 1977 بجزئين ، يتعرض لواقع الادب القصصي ، منذ بداية الحرب العالمية الثانية ، واثر ثورة 14 تموز 1958 في طبيعة ما كتب من قصص ، والعوامل المؤثرة في الادب القصصي ، والاتجاهات التي كتبت بموجبها القصة العراقية والمتمثلة بالاتجاه التقليدي والاتجاه الرومانسي والاتجاه الواقعي .

 

 ولم ينس الدكتور عبد الاله احمد ان يؤرخ للحياة السياسية في العراق وانعكاساتها في الحياة الادبية ، وموقف السلطة من الكتاب والادباء ، وجذور الواقعية السياسية في انتاج القصاصين العراقيين ابان الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي ، واخيرا تباشير انتاج جيل الخمسينات من رواد الادب القصصي . ولعبد الاله احمد رأي في جيل الستينات من الادباء الشباب فهو يرى بانه "  جيل ... كثير الصخب والادعاء ، يكتب لونا من الادب يختلف عن سابقيه ، وهو أمر ليس صحيحا تماما "  .


ويُتوّج عبد الاله احمد أعماله باصداره ( فهرست القصة العراقية ) بـ ( 329) صفحة من القطع الكبير، وهو جهد وثائقي مهم جدا للباحثين والمهتمين بهذا اللون من الوان الثقافة العراقية المعاصرة ،  وقد صدر الفهرست ببـغداد سنة 1973 .


وللدكتور عبد الاله احمد كتب ودراسات اخرى مهمة منها على سبيل المثال نشره للمجموعة الكاملة لاعمال القاص الرائد المبدع محمود احمد السيد (بغداد 1978) ، وكتابه ( في الادب القصصي ونقده ) ( بغداد ، 1993) ، ودراسته ( النقد القصصي في العراق : دراسة في نشأته وتطوره) .

 

بعد ان كتبتُ مقالي هذا ونشرته  سنة 2010 اطلعت على بعض المقالات ومنها مقال منشور في جريدة ( المدى) البغدادية للاستاذة الدكتورة ناديا هناوي بعنوان

(من منسيات النقد الأدبي في العراق ) ، نشر في 5من كانون الأول -ديسمبر سنة 2025 عابت فيه الناقدة المعروفة على المرحوم الأستاذ  الدكتور عبد الاله أحمد ، انه تجاهل دراسة  الاستاذ عبد القادر حسن أمين الموسومة  ( القصص في الأدب العراقي الحديث) ، وهي دراسة رائدة  في الدرس البحثي الأكاديمي، افتتح فيها باكورة  النقد القصصي العراقي وفيه تحرى الدقة ، والموضوعية ،  والاستقصاء  والدراسة بالاصل  رسالة  ماجستير بإشراف الأستاذ  الدكتور محمد يوسف نجم.. واستند في دراسته    إلى مصادرو مراجع ونصوص ومقابلات  لها صلة بالموضوع  . فضلا عن نصوص مخطوطة تمكن الباحث من الحصول عليها ، ومرجعيات شفوية كمقابلة المعنيين بشؤون الأدب في العراق، واعتمادا على منهج فني ابتغى الباحث من ورائه الموضوعية ، والدقة العلمية، اللتين هما أهم مقوم من مقومات أي بحث أكاديمي، تجنبه الانزلاق نحو التاريخ أو الايديولوجيا . كما تمكنه من ضبط تسرب الذاتية إليه مع تحاشي نوازع العقل الباطن.

 

وتقول الناقدة الدكتورة نادية هناوي ان الدكتور عبد الإله أحمد في كتابه ( نشأة القصة وتطورها في العراق 1908ـ 1939) الذي هو  أيضا رسالة ماجستير نالها من إحدى الجامعات المصرية ، لم يعترف بهذا الجهد القيم الذي بذله الباحث الأستاذ عبد القادر حسن أمين في دراسة القصة العراقية، مع أنه اعتمد النهج النقدي عينه الذي انتهجه الباحث عبد القادر حسن أمين. وتعلق لتقول :" إن تغاضي عبد الاله أحمد عن الإشادة بجهد الباحث أمين يعني عدم الاقرار له بالفضل، إذ لم يذكره في أية مقدمة من مقدمات كتابه الذي طبع أكثر من مرة. أما ذكره أمينا في كتابه ( فهرست القصة العراقية) وأنه أول جهد( يفهرس) لأعلام القصة بملحق، فلم يكن تاما  كونه استدرك على ذلك السبق، في الهامش مُغيرا المعلومة، قائلا: ( في الواقع إن الإشارات المهمة  إلى الأدب القصصي العراقي ، وردت في بحث الدكتور سهيل ادريس( القصة العراقية الحديثة) .. وكتاب  الدكتور جميل سعيد ( نظرات في التيارات الادبية الحديثة في العراق..) ، والأمر عينه نجده عند  ناقد عراقي مرموق هو  الأستاذ عبد الجبار عباس الذي تغاضى عن ذكر دراسة عبد القادر حسن أمين وهو يرسم في كتابيه  ( في النقد القصصي) ، و( مرايا جديدة) خارطة للنقد الأكاديمي من الخمسينيات إلى نهاية السبعينيات من القرن الماضي ، واضعا (فرشة)  نقد نقدية لكثير من الدراسات الأكاديمية التي تصب في باب النقد الشعري والقصصي وبعضها صارت كتبا ، فوقف عند الدكتور علي جواد الطاهر،  والدكتور شجاع العاني،  والدكتور عبد الاله أحمد ، والاستاذة عاتكة الخزرجي ، والاستاذة نادية رؤوف فرح والدكتور جليل كمال الدين ، والدكتور إحسان عباس ،والدكتور علي عباس علوان ، والأستاذ محمد حسين الاعرجي ، والأستاذ رزاق حسن ابراهيم، باستثناء إشارة خافتة وسريعة أخذ فيها على الأستاذ عبد القادر حسن أمين أنه وقف عند القصة ، وأهمل الرواية بقوله: "  يلاحظ المتتبع للدراسات الأكاديمية التي وضعت عن القصة العراقية أنها وقفت عند القصة القصيرة فلم تتجاوزها إلى الرواية، التي لم تنل من اهتمام الدارسين ما ناله الشعر والمسرح وفن القصة القصيرة، .. فلو قرأنا كتب جميل سعيد ، وعبد القادر حسن أمين ، وباسم عبد الحميد حمودي ، وشجاع العاني في القصة العراقية لوجدناها تمر مرورا عابرا على النتاج الروائي العراقي" ، مشيدا بكتاب الأستاذ الدكتور عمر الطالب  الموسوم  : ( الرواية العربية في العراق) واصفا إياه  بأنه "  أول جهد مستكمل الجوانب أحاط بجميع ما كتب في فن الرواية العراقية" . وفي هذا إجحاف بحق الباحث الأستاذ عبد القادر حسن أمين الذي تناول مختلف أشكال القصة، ولعل السبب أن عباسا لم ينظر إلى كتاب  ( القصص في الادب العراقي الحديث) عن كثب، فعبد القادر أمين درس الروايات تحت باب القصة، وشخّص فيها مناحي فنية ليست بالقليلة.


ومعروف أن لعبد الجبار عباس وعيا نقديا عاليا، وهو الذي أشّر ضمور النقد الأدبي العربي المعاصر بسبب غياب النظرية ، وضياع القواعد ، والملامح المميزة للتنظير ، والفحص، ووقف عند كتاب الدكتور إحسان عباس ( تاريخ النقد الأدبي عند العرب) ، ووجد فيه استكمالا لجهود الأستاذ  أحمد طه إبراهيم في النقد المنهجي عند العرب، مؤكدا أنّ هذه خطوة ضرورية ولها مثيلاتها في الدرس الأوربي النقدي ، فلماذا إذن تجاهل هذا الأمر مع  الأستاذ عبد القادر حسن أمين، معدا الأستاذ الدكتور عبد الإله أحمد وحده الذي قدم  ( جهدا يؤهله بحق مركز الريادة في دراسة  فن القصة في العراق) ؟
!!
إن عدم الاعتراف لأمين بالريادة ليس مطلقًا عند كل الباحثين، فالدكتور شجاع العاني أقرّ بالريادة لعبد القادر أمين في أكثر من مناسبة، وأشار في كتابه ( المرأة في القصة العراقية ) إلى آرائه ، ووافقه على بعض منها.

مشكلة الريادة مشكلة فيها بعض الجوانب الذاتية النفسية وعندما يريد أحد ، ان يتحدث عنها ، وهو قد قدم في مجال تخصصه نراه يركز على من يراهم الأنسب والأفضل او انه نفسه  يخاف من ذكر من سبقه ويُخيّل اليه ان ذكر من سبقوه قد  يُبعد  الريادة عنه ، وهذا حسب رأيي كامن في العقل الباطني لمن يكتب ولهذه القضية قصة ليس الحديث عنها سهلا .

مع هذا كله يكفي الاستاذ الدكتور عبد الاله احمد ، ان قدم للمكتبة العراقية ، من خلال كتبه ، ودراساته ، وفهرسه ، ما ساعد على فهم جوانب مهمة من تراثنا القصصي المعاصر ، ولا شك في ان المؤرخ يفيد من اعماله في تسجيل صفحات مهمة من التاريخ الثقافي العراقي المعاصر .
 

 


الاثنين، 8 ديسمبر 2025

تاريخ الصحافة الساخرة في العراق ورموزها .....بقلم : ابراهيم خليل العلاف







 




تاريخ الصحافة الساخرة في العراق ورموزها
ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس -جامعة الموصل
للصحافة العراقية تاريخ حافل وعريق يمتد لاكثر من قرن من الزمان .. ولقد ابتدأت الصحافة بجريدة "زوراء" التي صدر عددها الاول في 15 حزيران سنة 1869 وسبق لي ان خصصتُ حلقة كاملة من برنامجي هذا للحديث عن جريدة الزوراء .. ومما يلفت النظر ونحن نوثق للصحافة العراقية انها أي الصحافة العراقية شهدت أنماطا وأنواعا من الصحف فكانت هناك صحافة سياسية واخرى ادبية وثالثة اقتصادية كما اننا وجدنا بأن العراق يمتلك تراثا ضخما من الصحافة الساخرة أو ما تسمى في بعض الادبيات ب" الصحافة الفكاهية" أو " الصحافة الهزلية " . ولعل ما بيدنا من وثائق يدلنا على ان "مرقعة الهندي " تعد اول جريدة ساخرة في العراق وقد صدرت باللغة العربية في البصرة في 21 تشرين الثاني سنة 1909 وكان صاحبها الحاج احمد حمدي المشرافي ومديرها محمد حمدي .وقد جاء في ترويستها انها :" جريدة فكاهية انتقادية اسبوعية مصورة " وقد سميت كذلك نسبة الى الهنود المرقعة ثيابهم والذين كانوا يعملون في ميناء البصرة وقد اراد صاحبها ان يقول ان جريدته ستكون بمثابة تلك الرقع المأخوذة من اقمشة شتى فهي كالكشكول تأخذ معلوماتها وطرائفها وفكاهاتها من هنا وهناك .
كما كانت الموصل موطنا لصحيفة ساخرة اخرى تلك هي صحيفة جكه باز ومعناها باللغة التركية " المهذار " أو " الثرثار " . وسنقف عندها قليلا .
ان جريدة جكه باز تعد –بحق وحقيق - جريدة هزلية رائدة صدرت في العراق في سنة 1911 وكانت الموصل مكان إصدار هذه الجريدة وجاء في ترويستها أنها :" جريدة سياسية ، علمية ، فنية ، أدبية فكاهية " ..وقد صدرت بحجم 41 في 28سم وباربع صفحات وباللغتين العربية والتركية ، وكانت جريدة أسبوعية صاحب إمتيازها ومديرها المسؤول ( عبد المجيد خيالي ) ، وقد احتوت الصفحة الواحدة من الجريدة على ثلاثة اعمدة طويلة . وحينما أصدرت كتابي ( نشأة الصحافة العربية في الموصل ) سنة 1982 ذكرت بأنني لم أحصل على أية نسخة من هذه الجريدة ، الا أن الدكتور وائل النحاس الذي أشرفت على رسالته للماجستير عن تاريخ الصحافة الموصلية استطاع حين الاعداد لرسالته العثور على العدد 13 من ( جريدة جكـه باز ) الصادر يوم 25 رمضان 1329هـ ( 6 ايلول 1911 ) وقد اتضح لنا بأن الجريدة سياسية ، كذلك الى جانب كونها جريدة هزلية ، وضم العدد في قسمه العربي مقالات منها على سبيل المثال مقالة عن مرض التيفوئيد في الموصل بقلم كاتب أسمـه(فرج الله ) ومن أبوابها باب إسمه ( إنتقاد ).. ومما يلفت النظر ، أنها كانت تعالج الأخبار السياسية بنوع من الأنتقاد والسخرية .
حين الفتُ كتابي ( نشأة الصحافة العربية في الموصل ) الذي طبعته جامعة الموصل سنة1982 ، اشرتُ في الفصل الثالث ، وكان معنونا بـ : ( صحافة الموصل في عهد حكومة الاتحاديين 1908ـ1918 )، الى أن الموصل شهدت بعد الانقلاب العثماني الذي تم في23 تموز سنة1908 ظهور عدد لاباس به من الصحف ، فقد إستمرت (جريدة موصل ) التي صدر عددها الاول في25 حزيران1885 ، وظهرت الى جانبها ثلاث صحف هي : نينوى( صدر عددها الاول في15 تموز1909) والنجاح(صدر عددها الاول في12 تشرين الثاني1910 )، وجكه باز . وقد حصلت على جريدة الموصل ، وكانت أعدادها محفوظة لدى المرحوم الاستاذ الدكتور محمد صديق الجليلي ، وحصلت على جريدة النجاح لدى المرحوم الاستاذ حسن خير الدين العمري ، أما جريدة نينوى فحصلت على أعدادها لدى المرحوم الاستاذ متي سرسم ، وبحثت عن جريدة جكه باز ( وتلفظ جنه باز) دون جدوى ، وسألت في حينه رائد الصحافة الموصلية في الخمسينات المرحوم الاستاذ عـبد الباسط يونس ولم أجد جوابا .
كتبت في كتابي آنف الذكر عن ( جريدة جنه باز) مانصه :((.. وكان الى جانب تلك الصحيفتين السياسيتين اللتين صدرتا بعد إعلان الدستور العثماني في23 تموز1908 جريدة هزلية تركية ـ عربية باسم (جنه باز) أي الثرثار . وقد ظهر عددها الاول في27 حزيران سنة1911 ، ورئيس تحريرها عبد المجيد خيالي )) . وقد إعتمدت في هذه المعلومات على كتاب المرحوم الاستاذ عبد الرزاق الحسني ( تاريخ الصحافةالعراقية ) الذي لم يذكر عن جريدة جنه باز غير تلك الاسطر القليلة .
وقد ذهبتُ في كتابي الى أن صاحب جريدة جنه باز ( عبد الله جنباز) هو رجل موصلي نشر بيانا دعا فيه أهل البادية الى القيام بثورة ضد العثمانيين ، وقد بعث بنسخ من هذا البيان الى ديار بكر والسليمانية وكركوك واقضية ولاية الموصل . وقد قبض والي ديار بكر على عدة نسخ منه وعليها طابع بريد الموصل . فارسل به الى والي الموصل فكبست دار ( عبد الله جنباز) وأرسل مخفورا الى الاستانة ليحاكم أمام ديوان الادارة العرقية بتهمة الاخلال بالامن العام) ، وقد وردت هذه المعلومات في مجلة لغة العرب ، حـ3 ، سنة(3) ، صفر1332 (كانون الاول1914).
وقفت عند هذا الحد ، وأنتظرت قرابة(6) سنوات ، ولم أحصل على اي عدد من جريدة (جكه باز) .. وبعد أن سجل تلميذي ( وائل علي أحمد النحاس) رسالته للماجستير في قسم التاريخ بكلية الاداب/ جامعة الموصل بعنوان : (تاريخ الصحافة الموصلية1926 ـ1958) وكانت بأشرافي ، طلبت منه السعي للحصول على الجريدة وقد بحث طويلا ولم يعثر إلا على عدد واحد منها وقد فرحت كثيرا بذلك واخبرت المرحوم عبد الباسط يونس بذلك ، فشاركني فرحتي .
صدرت جريدة جكه باز وتعني ( الثرثار) أو ( المهذار ) في الموصل بتاريخ27 من حزيران سنة1911 وقد جاء في ترويستها أنها 🙁 جريدة سياسية علمية فنية أدبية ، فكاهية ) كان صاحب الامتياز والمدير المسؤول لها هو ( عبد المجيد خيالي) .. إحتوت الجريدة أربع صفحات أثنتان باللغة العربية وإثنتان باللغة التركية ، وضمت كل صفحة ثلاثة أعمدة طويلة وحجم الجريدة كان(41 × ل28سم) .. والعدد الذي عثرنا عليه هو العدد(13) الصادر في25/رمضان/1329هـ الموافق ليوم6 أيلول1911 .
مع أن الجريدة ثبتت في صدر صفحتها الاولى بالتركية إنها جريدة (مِزاحي غزته) أي جريدة فكاهية أو هزلية ، لكنها وضعت هذه الصفة بعد عبارة (جريدة سياسية ، علمية ، فنـية ، ادبية ) لذلك وجدنا أن العدد الذي اشرنا اليه يضم مادة إخبارية كثيرة ، كما انه ضم ابوابا عديدة منها ( حوادث) و( مقتطفـات) و( إنتقاد) .
وقد نشر في القسم التركي من الجريدة أنباء الترقيات . وفي باب حوادث أخبار عن رعايا الدولة العثمانية ، وثمة أخبار عن تجريد حملة عسكرية ضد عشيرة شمر وأخبار عن وضع الحدود العثمانية ـ الفارسية .. وفي القسم العربي ثمة مقال عــــن ( مرض التيفوئيد في الموصل ) كتبه رجل إسمه ( فرج الله ) وهناك أخبار عن اليمن ومصر والاناضول وإستانبول نشرت تحت باب ( مقتطفات).
لانعرف متى توقفت (جريدة جكه باز) عن الصدور ، الا أن جريدة صدى بابل البغدادية لصاحبها داؤد صليوا ( الموصلي) نشرت خبرا في عددها الصادر يوم5 تموز1912 جاء فيـــه :(( وقفنا على خبر تعطيل جرائد الموصل لاسباب واهية يرفضها العقل السليم ويمجها الذوق السليم ..)). وأضافت تقول :(( قاتل الله الغايات وبخ بخ لها من جرائد حرة أوقفت نفسها خدمة للأمة والوطن ..‍‍‍‍‍‍)) والجرائد الثلاثة التي إحتجبت هي ( نينوى، النجاح ، جكه باز ).
ويبدو ان ثمة عوامل سياسية تتعلق بالصراع بين جماعة حزب الاتحاد والترقي الحاكم والمعارضة المتمثلة بالحزب الحر المعتدل وحزب الحرية والائتلاف كانت وراء توقف تلك الصحف التي كانت ، بحق ، علامة من علامات النهوض الثقافي في العراق إبان تلك الفترة الحالكة.
وفي بغداد صدرت جريدة ساخرة بأسم "النوادر " وجاء في ترويسة العدد الاول الذي صدر في 25 حزيران سنة 1911 انها :" جريدة عربية هزلية انتقادية مصورة تصدر مرة في الاسبوع مؤقتا " .وكان صاحبها هو محمد الوهيب نورجه جي .وقد اهتمت بنقد الاوضاع السلبية في المجتمع وفي السلطة ولفتت الانظار اليها .
وقد صدرت في البصرة في شباط 1913 مجلة بأسم :" الغرائب " وكانت كما جاء في ترويستها " مجلة فكاهية انتقادية نصف شهرية " .وقد صدر منها اثنا عشر عددا فقط وتعد المجلة العراقية الاولى من نوعها لتخصصها باللون الفكاهي ومن الطريف انها كانت تنشر الروايات الغرامية ومن طريف ما نشرت سلسلة من المقالات الانتقادية لوالي بغداد ناظم باشا بعنوان :" المحاق في ترجمة ناظم باشا والي العراق " .
وفي السنة ذاتها اي في سنة 1913 صدرت ببغداد مجلة فكاهية تحمل عنوان "مجلة الرصافة " وكان صاحبها محمد صادق الاعرجي وجاء في ترويستها انها : "مجلة شهرية علمية ادبية تاريخية فكاهية " صدرت بأربعين صفحة .
خلال السنوات الاولى من الحكم الوطني في العراق أي سنوات العشرين وحتى اندلاع ثورة 14 تموز 1958 وتأسيس جمهورية العراق وسقوط النظام الملكي ( 1921ـ 1958 ) ، صدرت في العراق جرائد ومجلات هزلية عديدة منها على سبيل المثال : (بابل15 تموز 1923 للسيد حسين ال كتاب ) و(البدائع 30 ايلول 1923 للسيد داؤود العجيل ) و(المراقب16 تشرين الاول 1923 للسيد عثمان زهير ) و (النديم ) و(ابو الشمقمق ) و(جحا الرومي19 تشرين الاول 1923 للسيد رشيد الصوفي ) و(الحقائق 23 شباط 1924 للسيد عباس حسين الجلبي ) و(الادب ) و(الهزل 24 تشرين الاول 1924 للسيد علاء الدين عوني ) و(بالك 28 آب 1925 للسيد عبد الحميد فخري ) و(المداعب3 كانون الثاني 1926للسيد حسين يحيى ) و(الكرخ 10كانون الثاني 1927 للشاعر ملا عبود الكرخي) و(التهذيب ) و( كناس الشوارع 1 نيسان 1925 للسيد ميخائيل تيسي ) و (صدى الحقائق ) و(الناظرة ) و(الشباب ) و( حبزبـوز ) و (البهلول 27 شباط 1932 للسيد محمد حسن القطيفي ) و (المثل 8مايس 1932للسيد محمد حسن صبري ) و (أبو حمد 19 تشرين الاول 1933 للسيد عبد القادر المميز )و والقسطاس ) و(العندليب ) و( قرنـــدل 1954 للسيد صادق الازدي ) و(الرياحين ) و(الرصافة 2 حزيران 1930 للسيد كمال نصرت ) و( الناقد 13 حزيران 1929 للسيد سليمان الشيخ داؤود ) و ( الفكاهــة ) و ( الكشـكول ) .
ومن حسن الحظ ان الصحافة الساخرة في العراق حظيت بالكثير من الاهتمام فلقد انتدبت نفسي للكتابة عنها مرات عديدة كما تناولها بالايجاز والاقتضاب كل من كتب عن الصحافة العراقية وكرس الدكتور حمدان خضر السالم رسالته للماجستير في تاريخ الصحافة للكتابة عن "صحافة السخرية والفكاهة في العراق 1909 -1939 " والتي ظهرت سنة 2010 في كتاب نشرته دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد.كما كتب الاستاذ فيصل لعيبي مقالة في النت بعنوان :" فن الكاريكاتير وصحافته الساخرة في العراق " . وللاستاذ الدكتور صباح مهدي رميض القريشي فصل عن جريدة "حبزبوز " في كتابه :" صحافة العهد الملكي مصدر لدراسة تاريخ العراق المعاصر " 2010 .
ليس من السهولة ان اقف عند كل الصحف الفكاهية التي صدرت في العراق لكني سأقف عند بعضها وأقول انه في الاول من نيسان سنة 1925 صدر العدد الاول من جريدة ( كناس الشوارع ) وكان صاحبها ومديـرها المسـؤول ( ميخائيل تيسي ) وكان نقدها منصبا على شؤون الحياة المختلفة ، التي أدت الى تأخر العراق ثقافياً واقتصادياً ودارت معظم مقالاتها على ضرورة الاهتمام بالنظافة وانارة الشوارع ، وتبليط الطرق وردم المستنقعات وكشف المتلاعبين بقوت الشعب . كما انتقدت البدع والخرافات ودعت الى الاهتمام بتربية الجيل تربية صحيحة ، وكثيراً ما استخدمت ( الشعر الشعبي ) والغمز واللمز كاساليب للنقد السياسي وقد احتجبت في 2 كانون الاول 1926 اثر تعرض صاحبها لمحاولة اغتيال . ولد ميخائيل تيسي سنة 1895 وتوفي في سنة 1962 وبين هذين التاريخين كانت له حياة حافلة بالمتاعب والشدائد وقد خلقت منه تلك الحياة واحدا من ابرز رواد النقد الهزلي الصحفي في العراق .. ومن مفارقات القدر انه عمل في مطلع حياته بالتجارة لكنه لم يفلحْ . فأتجه الى الوظيفة الحكومية وعين سنة 1918 رئيس كتاب في دائرة الاوقاف ثم انتقل للعمل في ديوان وزارة الدفاع وبعدها أختير ليكون قائمقاما لقضاء الشيخان في الموصل لكنه استقال من وظيفته - كما يقول الاستاذ حميد المطبعي - ليتوجه نحو المهنة التي أحبها وهي : الصحافة ؛ فأصدر جريدته "كناس الشوارع " في الاول من نيسان سنة 1925 .كما أصدر جريدة اخرى بأسم :" سينما الحياة " في 17 كانون الاول سنة 1926 وبعدها اصدر مجلة بعنوان :" مرآة الحال " في 15 تشرين الاول 1926 وقد اتخذها ساحة للنقد الاجتماعي الصارخ . وكان يستهدف من وراء ذلك - كما كان يقول - تعرية الاوضاع الاجتماعية البالية ؛ لذلك تعرض للملاحقة والمطاردة القانونية ولم يجعله ذلك يتوانى عن اداء رسالته فأصدر جريدة "الناقد " سنة 1936 .لم يكتفِ بما اصدر من صحف بل توجه نحو الكتابة فألف كتابه :" ماهية النفس ورابطتها بالجسد " سنة 1922 وكتاب :" نقدات كناس الشوارع " ويقع في خمسة أجزاء وطبعه في القاهرة وبغداد بين سنتي 1922 و1926 .وقد مارس كتابة القصة وله :" ضحية العدالة " وهي قصة طويلة اقرب ما تكون الى الرواية أصدرها سنة 1929 . وله ايضا روايات مطبوعة وكتب مترجمة أخرى .
يقول الاستاذ جميل الجبوري في كتابه "حبزبوز في تاريخ صحافة الهزل والكاريكاتير في العراق " أن عبد القادر المميز المعروف ب "أبو حمد " يحتل المكانة الثانية في عالم الصحافة الساخرة في العراق فقد اصدر جريدة بعنوان "أبو حمد " في 19 تشرين الاول سنة 1933 وجاء في ترويستها انها " جريدة فكاهية اسبوعية " وكان مديرها المسؤول نبيه المميز وكانت تحاكي جريدة حبزبوز في الكثير من ابوابها وتوجهاتها وابو حمد شخصية بغدادية حقيقية كان يعمل حارسا في محلة حملت اسمه فيما بعد ويقال انه توفي سنة 1927 وكان شخصية فكهة خفيفة الروح بريئة ساذجة وقد ذكر عبد القادر المميز في كلمته الافتتاحية للعدد الاول :" عزمنا على اصدار جريدة هزلية لاعتقادنا ان الناس يميلون الى الهزل اكثر من الجد فنستطيع بهذه الطريقة ان نقدم لهم اجل خدمة يقدمها المخلص الى مواطنيه في سبيل الاصلاح ".وقد عطلت الحكومة الجريدة عدة مرات بسبب نقدها القاسي والموجع الذي كثيرا ما كان يعرضها للحساب والعقاب .ومن الطريف انها كتبت تنتقد الوزارات بقولها وعلى لسان ابو حمد :الوزارات عندنا مثل دولاب الهوا..وحده اصعدي ..وحدة انزلي ..وحدة يريدج اسطه علي !!!ثم يستدرك ليقول ان الاسطه ابو علي صاحب الدولاب ثابت في محله !!!!وفي هذا معنى الاستبداد والتشبث بالكرسي الازلي .
ومن رواد صحافة الهزل والسخرية في العراق الملا عبود الكرخي الشاعر الشعبي وصاحب جريدة "الكرخ " التي صدر عددها الاول في 10 كانون الثاني سنة 1927 وقد صدر عددها الاول متوجا ببيت شعر يقول :
أول ماتوكلنا على الرحمن
نشتم كل عنود وخائن الاوطان
وهكذا كرس الملا عبود الكرخي كما فعل نوري ثابت وعبد القادر المميز وغيرهم من كتاب الصحافة الساخرة صفحات جرائدهم للنيل من السلطة الملكية الرجعية وادانة الفساد الاداري والمالي والتوصل والواسطة والنفاق والاستغلال لكنهم ما كانوا يمسون "الذات العليا " المتمثلة بالملك لامن قريب ولا من بعيد .وقد ترضت جريدة الكرخ هي الاخرى للتعطيل مرارا وفي 23 تموز 1933 توقفت الجريدة نهائيا .
كان عبود الكرخي شاعرا شعبيا يتداخل في شعره النقد الجارح مع السخرية والهزل لذلك احبه الناس وحفظوا اشعاره ومنها قصيدته المجرشة وقصيدة المستحيلات .
قال مرة وهو يعلق على رفع سعر الوحدة الكهربائية :
لاتلقلق يحبسوك ويلعنون امك وابوك
لاتكول الكهرباء غالي ياملا عزاء
يصلخوك ابهل شتاء وللشمال يسفروك
صير عاقل مع السلطة شوية استعمل (سلوك )
الكهرباء رخيص أكتب بالجريدة ولو تكذب
ودائما للسطرة علب يارجل من يضربوك
اما جريدة ( حبزبوز ) الاسبوعية فتعد من ابرز الجرائد الهزلية ذات الطابع السياسي . وقد جمعت بين الكاريكـــاتير الانتقادي والمقال الهزلي الساخر ، صدر عددها الاول في 29 ايلول 1931 ولأن صاحبها ومديرها المسؤول ( نوري ثابت ) الملقب ( حبزبوز ) أي (الشاطر ) أو ( النبيه ). وسلكت الجريدة الاسلوب الرمزي لكشف مساوئ الادارة الحكومية وتقاعس الموظفين . ولعل من ابرز رسامي الكاريكاتير الذين عملوا في الجريدة ،( كان هذا الفن قد دخل الصحافة العراقية آنذاك لاول مرة ) سعاد سليم وعبد الجبار محمود ، ومحمود ابو طبرة. وفي 12 تشرين الاول 1938 توفي صاحبها فاحتجبت عن الصدور وكان لها تأثيرها الفاعل في المجتمع خاصة وانها قـد لاقت انتشاراً واسعاً ورواجاً شديداً .
كتب الاستاذ جميل الجبوري كتابا كبيرا عن جريدة حبزبوز نشرته وزارة الثقافة والاعلام في بغداد سنة 1986 بعنوان :" حبزبوز في تاريخ صحافة الهزل والكاريكاتير في العراق " .ويعد من الكتب الرائدة المعمة والتي تعد مصدرا رئيسا من مصادر الصحافة الساخرة في العراق .وقد قال في كتابه : ان حبزبوز كانت منذ سنة 1961 شغله الشاغل ، فبدأ بجرد الجريدة وجمع الوثائق عنها ، وعن مؤسسها نوري ثابت .كما التقى - خلال تلك الفترة وحتى تأليفه الكتاب - عددا من الذين عملوا في هذه الجريدة ومنهم رسامها الكاريكاتيري مصطفى أبو طبرة ، والذي قدم له كل ما يملكه من معلومات ووثائق نادرة وصور خاصة . كما ساعده في الاتصال بمن كان يعرف نوري ثابت .وقف المؤلف عند صحافة الهزل والكاريكاتير في العراق بشكل عام وعَرف بأبرز أعلامها وقدم نماذج من انتاجاتهم الصحفية .كما تناول نوري ثابت –حبزبوز – منذ ولادته وحتى وفاته وجرد المقالات التي كتبها مستنبطا منها مكونا الرأي فيه ،له أو عليه .وقد وصل الى نتيجة مهمة وهي ان نوري ثابت كان يحمل رسالة مقدسة وهي تعميق الوعي عند قرائه ومتابعيه وكاشفا لهم مساؤئ مجتمعهم بأسلوب ساخر يساعدهم في ايجاد الحلول لابرز مشكلاته وهمومه فكان –بحق جوادا ، واصيلا في مهمته .. وقد ناء بأعباءِ ثقال ، فما نكص ، ولا وهن ، ونزه نفسه عن التكسب ، والتوصل وما ارتضى لكرامته ان تُباع في سوق المنافع الخاصة .
وكان نوري ثابت يكتب بتواقيع عديدة منها (ابن ثابت ) و(بياع شراي ) و(جدوع بن دوخه ) و(خادمكم المعلوم ) و(احمد حبزبوز ) و(غشيم ) و(ابو احمد ) . خاطب النواب الجدد مرة وهم يستعدون لحضور جلسات مجلس النواب فقال :" يا فتاح يا رزاق ..رب يسر ولا تعسر ..اهلا وسهلا بالنواب ..افتحوا عيونكم قبل كل جلسة ولاترفعوا الاصابع الا بعد وخزة الضمير ودمتم لخادمكم افندم " . وكان ينتقد اداء الحكومة ويرى ان اكثر الوظائف يشغلها غير الاكفاء وان الحكومة تهمل الشركات الوطنية ولاتساعدها وان سوق الرجاء والالتماس والمحسوبية والمنسوبية لاتزال في رواج وان المدارس ضيقة لاتتسع للطلاب وان البطالة متفشية والملاريا حدث عنها ولاتخف والجيش بحاجة الى تعزيز ورواتب المسؤولين كبيرة "والشعب هلكان " وحال المستشفيات لايتلاءم وروح العصر " . كانت جريدة حبزبوز تطبع 4000 نسخة ورجل الشارع في بغداد ينتظرها بلهفة شديدة لانها كانت تعبر عن مشاعره بشكل دقيق لذلك استحقت هذه الجريدة كل اهتمام مؤرخي الصحافة والمهتمين بالشأن العراقي العام .
من المحطات البارزة في تاريخ الصحافة الساخرة مجلة "الوادي " التي اصدرها الكاتب الساخر خالد الدرة 1909-1996 والذي قال عنه صديقنا الموسوعي حميد المطبعي في موسوعته :"أعلام العراق في القرن العشرين " أنه كاتب ساخر.. ولد ببغداد وقد ُمنح عواطف الناس في حقبة الاربعينات والخمسينات من القرن الماضي .. ابتدأ نشره سنة 1938 في الصحافة العراقية تخرج في كلية الحقوق سنة 1941 .. كتب عنه ، وترجم له كل من الصحفي الرائد روفائيل بطي والدكتور يوسف عز الدين وله قصص منها "المشعوذ " 1938 و "قتل الضجر " 1940 ومجموعة اقاصيص بعنوان :" طبيعة الاشياء "1942 و"افول وشروق " قصص طويلة 1945 وله كتاب بعنوان :" حول المنهج القومي " 1950 وفلسفته في الحياة تقوم على "السخرية في حياته وسط هذه الجموع "
في 20 شباط 1947 صدر العدد الاول من جريدة ساخرة بغدادية بأسم ( قرندل ).. ويعد صاحبها ( صادق الازدي) من أبرز العراقيين الذين استخدموا النقد المشوب بالسخرية في الكشف عن اعداء البلاد وتحديد مواطن الفساد والخيانة في مؤسسات ودوائر الحكم الملكي المرتبط بالاستعمار البريطاني . وقد جاء في ترويسة المجلة انها : (مجلة فكاهية أسبوعية ) وصدرت في 24 صفحة وبغلاف ذي لونين وقد اسهم في تحريرها عدد من الكتاب والادباء المعروفين منهم عبد المجيد لطفي وجعفر الخليلي وعبد الرزاق الهلالي وخالد قادر وسعاد الهرمـزي وحـافـظ القباني ، وقد استمرت في الصدور حتى اندلاع ثورة 1958 .
وسرعان ما صدرت في العراق صحفاً هزلية اخرى نذكر منها " مجلة الفكاهة" لصاحبها ( حميد المحل ) .. وقد صدرت سنة 1963 وتوقفت في 13 شباط 1971 وقد ترأس تحريرها محمود بهجت ورشيد النجار .كان حميد المحل فضلا عن كونه صحفي ساخر رسام كاريكاتيري وناقد اجتماعي من الطراز الاول ولد في مدينة الخالص بمحافظة ديالى سنة 1930 ..تخرج في معهد الفنون الجميلة سنة 1948 وسافر الى باريس حيث دخل كلية الفنون العليا اواخر الخمسينات وبعد عودته الى العراق ، عمل في التلفزيون رئيسا لقسم الديكور .. وقد أحب الصحافة وقيل بأنه اول من ادخل رسوم الكاريكاتير الى الصحافة العراقية سنة 1950 .كما كان من اوائل الذين صمموا الديكور في تلفزيون بغداد .اصدر فضلا عن مجلة الفكاهة مجلة "صندوق الدنيا " .وله كتاب بعنوان :"شوف عندك ياسلام " وكتاب "الامثال في صور " .كان من مؤسسي جمعية "اصدقاء الفن " سنة 1939 .
وقد يكون من المناسب ان اشير الى انني احتفظ بنسخة من مجلة الفكاهة ولكن هذه النسخة لاتحمل فكاهة او سخرية بل بالعكس انها تحمل سمة الحزن وقد اصدرها صاحبها ليوثق فيها احداث الموصل بعد ثورة الشواف 1959 وماوقع من قتل وسحل الجثث في الشوارع وتعليقها على اعمدة الكهرباء وقد حمل العدد وهو نادر جدا عنوان "عدد باكِمن مجلة الفكاهة " .
أما ( الكشكول ) التي أصدرها ( حمادي الناهي ) في الموصل لاول مرة في الاول من نيسان سنة 1939 فكانت جريدة هزلية رئيس تحريرها المحامي يوسف النجدي وقد توقفت لتعود ثانية في 12 نيسان 1962 فكانت جريدة متميزة لها دورها الفاعل في ترسيخ قيم النقد والسخرية لكل مظاهر الفساد والا نحراف .وقد اصدر الناهي بعد غلق جريدته بسبب انقاداتها اللاذعة للحكومة في سنة 1954 جريدة هزلية بدلها بعنوان :" لسان الكشكول " والتي تعد استمرارا لجريدته :"الكشكول " الملغاة .
قلنا ان الصحافة العراقية حفِلت منذ صدور جريدة الزوراء ببغداد في الخامس عشر من حزيران سنة 1869 بالكثير من الا نماط .. فالى جانب الصحافة الجادة ، كانت هناك صحافة ساخرة او هزلية .. وتعد جريدة جكه باز أي الثرثار التي صدرت في الموصل سنة 1911 اول صحيفة عراقية ساخرة . ولقد توالى صدور العديد من الصحف الهزلية في العراق ، لعل جريدة حبزبوز التي اصدرها الصحفي المقتدر نوري ثابت بين سنتي 1931 ـ 1938 من اهمها .. ومن الطبيعي ان يتربى في احضان هذه الجريدة صحفيون اتخذوا من السخرية والهزل اسلوبا في مناقشة قضايا الحياة والمجتمع والسياسة في العراق ومن هؤلاء المرحوم الاستاذ حمادي الناهي .
ولد حمادي بن مريح بن سلم بن سعيد الناهي الطائي في البصرة ، سنة 1915 لكنه لم يبق كثيرا هناك ، اذ سافرت اسرته الى الموصل وفيها أكمل دراسته الاعدادية ، وقد كتب صديقنا الاستاذ علي حسين الجابري مقالة متميزة عن حمادي الناهي في جريدة العراق (البغدادية) (15 نيسان1992) بعنوان : ((حمـادي الناهي: رحيل صامت لرجل صاخب )) جاء فيه قبل رحيله أن حمادي الناهي اودعه قبل رحيله جانبا من ((اسراره)) و((افكاره)) وذلك في حوار بينهما جرى يوم 27 تموز سنة 1987 في بغداد.
عمل حمادي الناهي مع نوري ثابت في حبزبوز ، وبعد وفاة ثابت نقل حمادي الناهي نشاطه الصحفي الى الموصل فاصدر جريدة ( الكشكول) بعد ان فشل في اصدار جريـدة ببغـداد باسم ( البهلول) بعد وفاة نوري ثابت سنة 1938 ، اذ ان الحكومة وكانت انذاك حكومة جميل المدفعي الرابعة في الحكم ( تالفت في 17 آب 1937 واستقالت في 24 كانون الاول 1938) .
الف غالب الناهي كتابا سنة 1954 ارخ فيه لمجموعة من مفكري العراق ، تحدث فيه عن عمه ( حمادي الناهي) واحتسبه من صحفي ومثقفي الموصل وقال عنه ((ان إسم حمادي الناهي الكاتب الساخر الذي استطاع ان يلج النفوس ، ويسيطر على القلوب باسلوبه الساخر الغني ، هو عندي شبيه ببرنادشو ، الكاتب الايرلندي الساخر . فلقد وظف حمادي الناهي ، كما قال الجابري ، حسه النقدي ، وبلاغته التراثية الثرة ، ودعابته الحاضرة المعاصرة ، واسـلوبه اللاذع في عــرض افكـاره ( الاخلاقية والوطنية والقومية) في مرحلة خطيرة من مراحل التاريخ العربي المعاصر ، حيث المواجهـة مع الاستعمار والصهيونية . وقد عكس حمادي الناهي افكاره هذه في كتاب كبير ما يزال ، للاسف ، مخطوطا وهو بعنوان : ((حربنا مع الانكليز)) وقد الفه سنة 1941 ابان ثورة مايس المعروفة . ومما قاله في هذا الكتاب المخطوط في حق العرب ((من الحكمة السرمدية الالهية البالغة ، ان الله جل شأنه قد اوعز الى النبي الاعظم محمد صلى الله عليه وسلم ان لاينطق عن الهوى ((ان هو إلا وحي يوحى ، علمه شديد القوى )) النجم(53،54) وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان بقاء العرب نور للاسلام و ((اذا ذلت العرب ذل الاسلام )) و((من غش العرب لم يدخل في شفاعتي ولم تنله مودتي)) اخرجه الترمذي في جامعه ..
وحول توجه حمادي الناهي الوطني والقومي قال بانه قد تأثر بهذه الافكار منذ صغره و((لقد تغذيت من لبان الروح القومية وفهمتها فهما وثيقا .. ولكل عربي وطنان ((صغير وكبير) فالوطن الصغير هو بلده الذي ولد فيه ، وترعرع في ربوعه . اما الوطن الكبير فهو البلاد العربية باجمعها )) .
أسهم حمادي الناهي في ثورة مايس 1941 وكانت له علاقة بالضباط الذين قادوا هذه الثورة ومنهم صلاح الدين الصباغ وزملائه ، وبعد فشل الثورة هرب الى سوريا وانخرط هناك في العمل السياسي وكانت له صلات مع قادة فلســـطين وسوريا ولبنان امثال الحاج امين الحسيني وفوزي القاوقجي وامين رويحة وسعد الله الجابري وعبد الرحمن الكيالي وبشارة الخوري ورياض الصلح . كما تعاون مع عدد من الرواد القوميين والاشتراكيين الذين جعلوا من ( الساحة الشامية) مكانا لنضالهم السياسي ومنهم ( محمد اليتيم من البحرين) و(عباس كاشف الغطاء من العراق) و( خالد بكداش من سوريا) . ومما يلحظ ان ثمة تباين في اتجاهات اولئك السياسيين لكن هذا لم يمنع من ان يؤكد حمادي الناهي في مذكراته غير المنشورة والتي تحمل عنوان : ( مذكرات عن الحركة القومية في بلاد الشام : سوريا ولبنان وفلسطين) انه احتفظ بموقفه الوطني والقومي وهذا ما دعاه الى إنتقاد المواقف الشيوعية والنازية والرأسمالية الغربية من القضايا العربية ومنها قضية فلسطين .
اصدر حمادي الناهي بعض الكتب ، طبع منها كتابيـه الاول : ( ثمانون والف ليلة في السجون) وهو بجزئين . والثاني مقررات حزب الحمير وهو بجزأين ، طبع الجزء الاول فقط ، اما الجزء الثاني فلا يزال مخطوطا . وقد قام حمادي الناهي بقرابة (77) رحلة الى مناطق العراق المختلفة ، فلقد جال العراق من أقصاه الى اقصاه ، وكتب عن المدن والقرى والارياف والمصايف والجبال والانهار والاهوار والصحراء .. من اقصى الزبير الى حدود زاخو ونشر جانبا من وصف تلك الرحلات في جريــدته الكشكول . وقد اتقن الناهي اللغة الكردية الى جانب اللغة العربية .. كما زار الناهي عددا من البلدان العربية , ونشأت بينه وبين صحفييها علاقات وثيقة استفاد منها في مقالاته . استقر في الموصل اواخر حياته وتعرض للمرض وفقد بصره وتوفي في كانون الاول سنة 1990 تاركا الكثير من المقالات التي تعالج قضايا العراق والبلدان العربية باسلوب ساخر وبناء . رحمه الله وجزاه عنا خير الجزاء فلقد قدم ما يفيد وطنه وامته .
فقط اقول ان من الصحف الساخرة لما بعد الاحتلال الاميركي للعراق هي صحيفة (الكاروك) التي اصدرها الاعلامي والاكاديمي الاستاذ الدكتور كاظم المقدادي اصدرها ببغداد سنة 2007 ولدي مقال عنها منشور في موقع الحوار المتمدن والرابط هو :https://www.ahewar.org/debat/s.asp?aid=847609

مدرسة الامير عبد الاله النموذجية في الموصل مرة اخرى مع ذكريات المربية الفاضلة الاستاذة ندوة عبد الجبار محمود

كادر وملاك مدرسة الفتوة النموذجية  3 حزيران -يونيو سنة 1971 شهادة تخرج التلميذة شكيبة حموشي من الصف السادس الابتدائي 1949    فرقة الموسيقى ف...