الثلاثاء، 9 ديسمبر 2025

الدكتور عبد الاله أحمد والتأريخ لحركة الادب القصصي في العراق



 



الدكتور عبد الاله أحمد والتأريخ لحركة الادب القصصي في العراق


ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل

ليس كمثل الأستاذ الدكتور عبد الإله احمد (1940ـ2007) ، الكاتب والناقد ، والاديب ، والاستاذ الجامعي الذي رحل عن دنيانا  رحمه الله وطيب ثراه ، في السادس عشر من مايس- أيار – مايو سنة  2007 ، من وثق للأدب القصصي في العراق المعاصر .

وبالرغم من عظم انجازاته ، وابداعاته في مجال الكتابة والنقد ، الا انه كشأن زملائه ، وأقرانه الادباء ، والمفكرين ، والشعراء والأساتذة ، والأكاديميين لم يحظ بما يستحقه من إهتمام ، وقد عاش ، ومات كما قال احد تلاميذه ، وهو الدكتور حمزة عليوي في دائرة "   الصمت والعزلة"   .

 

لقد خسرت الحركة الادبية والثقافية في العراق والبلدان العربية ، بحق واحدا من نقادها ، وباحثيها البارزين ، كانت له يد طولى في الكثير من البحوث ، والدراسات ، والاطروحات الجامعية التي نجم عنها عدد كبير من الباحثين والاساتذة والدارسين الذين رفدوا جامعاتنا ، والجامعات العربية بالكثير من العطاء سواء في مجال البحث ، أو التأليف ، أو التدريس . وكان لعبد الاله احمد ، كما جاء في بيان نعيه الذي اصدره الاتحاد العام للادباء والكُتّاب في العراق "  فضل الريادة في توثيق الحركة القصصية" ،  وخاصة في كتابيه الشهيرين: ( نشأة القصة وتطورها في العراق 1908 ـ1939 ) ، و  (الادب القصصي في العراق منذ الحرب العالمية الثانية  )  .

 

ومما يزيد من قيمة هذين العملين الرائدين ؛ أن الاستاذ الدكتور عبد الاله احمد " لم ينهج نهج المؤرخ المكتفي بالتوثيق ، بل نهج منهج الناقد المحلل .. فاستطاع ان يعكس تطورات القصة العراقية ، وان يرصد رصدا دقيقا تياراتها الفنية ، وتنوعاتها ، وقيمها الفكرية ، والجمالية "  .

 

وقد امتلك "  حضورا بينّا في الاوساط الادبية " ، وكان " لأراءه  وقع كبير في محافل تلك الاوساط وانشطتها لما اتسمت به من الجرأة والقوة"  . وما تركه الدكتور احمد يعد جهدا رائعا لم يظهر مثله في " كتاب أو دراسة اكاديمية تناقش وترصد تطورات هذا الفن وتحيط باساليبه المختلفة"  .

 وقد ظل الدكتور احمد بعيدا عن السلطة السياسية في بلاده ، فمزاجه الحاد ، ونفوره من الخطأ ، والمعايب ، وحرصه على قول الكلمة الصادقة ، حال دون ان ينال في حياته من التكريم ، والاشادة ، والتشجيع الا في مرات قليلة جدا ، لكن هذا لم يمنع من ان يظل استاذا متمكنا ، وباحثا جادا ، ومحاورا حقيقيا ، وقبل هذا انسانا طيبا ، وكريما .


ولقد قوّمه احد زملائه في التدريس ، وهو الاستاذ الدكتور محمد حسين آل ياسين بموضوعية عالية حين قال ان الدكتور عبد الاله احمد ، كان يتمتع بامكانات علمية عالية ، وحسناته ومزاياه في " المنظور العلمي الجامعي او الانساني ، كثيرة ومهمة ، اولها موضوعيته في النظر الى الاشياء التي تخضع للدرس ، فهو لاينحاز فيها الا الى الابداع الذي يبحث عنه في النص ، قصة كانت او رواية ، دون ان يميل ميل المصلحة الخاصة ، أو التعصب أو الدخول في الرأي الشائع المشهور عن العمل الذي لايستحق الشهرة ، وقد طبعت هذه الموضوعية العلمية اعماله المنشورة ، وشهد له بها اساتذته في بغداد والقاهرة وزملائه ، وطلبته  ، وتلمسها قراؤه ، ومتابعوه . كما امتازت جهوده في البحث بالمنهجية الاكاديمية الدالة على العقل العلمي المنظم ، والثقافة الجامعية العميقة"   .  

 

 ويقينا انه في هذا قد تأثر باستاذه ومثله الاعلى الاستاذ الدكتور علي جواد الطاهر رحمه الله ، والذي كان يزرع أُسس المنهج العلمي ، والروح المنهجية في نفوس وعقول طلابه في كل خطوة من خطوات البحث في الدرس الاولي والجامعي .


كتب عنه صديقنا  المرحوم الاستاذ حميد المطبعي بضعة اسطر في الجزء الاول من ( موسوعة اعلام العراق في القرن العشرين ) ، والذي نشرته دار الشؤون الثقافية العامة التابعة لوزارة الثقافة والاعلام ( العراقية ) ببغداد سنة 1995 يقول  :   ان الدكتور عبد الاله احمد باحث وناقد في القصة ، فهو الدكتور عبد الاله احمد محمد صالح ، ولد في بغداد سنة 1940 ، حاصل على دكتوراه آداب من جامعة القاهرة سنة 1976 . عين استاذا في الاداب والنقد الحديث في كلية الاداب بجامعة بغداد ... منهجه في الحياة يقوم على الصدق مع النفس ، والصدق مع الاخرين "  . ومع انه كان صادقا مع نفسه ومع الاخرين الا انه لم ينل من الاخرين ما يستحقه من قبول واهتمام

 .
اما الاستاذ جميل الشبيبي فقد قال عنه بانه كان " ناقدا موسوعيا في كتاباته المتميزة عن القصة القصيرة ، وكذلك الرواية العراقية. واهم صفة فيه علميته وقدرته على الحوار مع الاخر دون حساسيات "  .
وقد خلد باعماله النقدية اسماء الكثير من رواد القصة في العراق ، ونقب عن قصصهم وانتشلهم من وهدة النسيان وثبت اسماءهم في خارطة السرد في التاريخ العراقي المعاصر.  "  وكتبه تعد مرجعا اساسيا في الدراسات الفكرية والعلمية عن القصة في العراق . ويمكن القول بكل ثقة ان كتب ومتابعات الناقد عبد الاله احمد "  تؤسس لمبدأ ادبي وثقافي في العراق ينظر الى الادب والثقافة العراقية نظرة نسق متصـل من الابداع " .

 

وتحدثت تلميذته الباحثة العراقية الدكتورة نادية العزاوي في الجلسة الاستذكارية التي نظمها الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق ( تموز 2007) عن استاذها الدكتور عبد الاله احمد قائلة : "  فجيعتي برحيله كانت اشد، كوني تلميذته"   . واضافت: كان الاولى بنا الاحتفاء به قبل رحيله .. نحن العراقيون لانجيد فهم أعلامنا ورموزنا ، والله لو كان عبد الاله احمد موجودا في مصر او لبنان لكان له شأن آخر ، كان الراحل لايحسن لعبة المجاملة على المستويين الشخصي والرسمي ، وكان متمسكا بثوابت فكرية ، فقد ظل مؤمنا بعمق بعراقيته منهجا ، ورؤيا .. وظلت القصة العراقية شغله الشاغل يُشخّص أسباب مساراتها ، صعودا وهبوطا ، كل ذلك برؤية نقدية صادقة "   .


لم يحدد احد من النقاد توجه عبد الاله احمد الفكري والسياسي ، لكننا نستطيع القول ، ومن خلال متابعة اعماله انه لم ينتسب لحزب معين ،  أو اتجاه فكري محدد ، وكان ذو نزعة ( تقدمية) ، و( واقعية) ؛ فهو اقرب الى اليساريين في نظرته الى الحياة ، والكون ، والمجتمع ، والانسان ، ويقرر الدكتور مالك المطلبي جانبا من هذه الحقيقة في قوله : "ان الدكتور عبد الاله احمد كان اكاديميا صرف ، ووثائقيا يسمى الاشياء ولايحكم عليها ، وميزته انه غير راض على أي شيء" .


حاول الاستاذ مهدي صالح الشمري في مقال له عن عبدالاله احمد نشر في جريدة الزمان ( العراقية)   عدد  يوم 28 من ايار 2007 ان يتغلغل في داخلية هذا الناقد والكاتب الكبير فوصفه بانه حاد الطباع ، ربما انعكس ذلك في التشدد في علاقاته مع زملائه وطلبته ، وقد اثر ذلك على مجمل حياته ، وحرمه من حميمية مودة الاخرين الذين قد يخرجون عن الموضوعية لمصلحة ، او مجاملة ، او علاقة اجتماعية .


وبشأن تعامله مع مادة دراسته ، وهي القصة والادب القصصي العراقي ، فان الدكتور عبد الاله احمد ، تبنى توجه استاذه الطاهر فاقبل على دراسة الظواهر الادبية الحية ، والشخصيات الموجودة على قيد الحياة ولم يكن هذا التوجه في حينه ، أي في اواخر الستينات واوائل السبعينات من القرن الماضي مستساغا في اقسام اللغة العربية بالجامعات العراقية ، خوفا من ان ينعكس ذلك سلبا على الناحية الموضوعية ، لكن عبد الاله احمد اقتحم الميدان مسلحا بنصائح ودعوات استاذه الطاهر .

 

وقد اشار الى شيء من هذا القبيل في كتابه ( نشأة القصة وتطورها في العراق (1908 ـ 1939) حين قال : " واذا كان هناك من يرى خطورة ، في دراسة أدب معاصر ، شديد اللصوق بالمدة التي يعيش فيها الباحث ، لما يمكن ان يؤدي اليه هذا اللصوق من ابتعاد عن الموضوعية التي يقتضيها البحث الاكاديمي "   .

 

الا ان هذا التوجه في المعاصرة له فوائد كثيرة منها وجود الاديب نفسه واصدقاءه واقاربه واعداءه " تجمع وتناقش ، ورائدك الحقيقة ، وتنتفع من وسائل النشر المعاصرة الجرائد والمجلات والاذاعة والتلفزيون والافلام "  ،  وهكذا يكون بحثك في جانب اواخر من جوانبه شهادات في واقع ادب معين في مدة من المدد من تاريخه يمكن ان تشكل مادة اولية تفيد باحثين يتناولون هذا الادب في فترات قادمة .


ويصف الدكتور عبدالاله احمد، الاديب العراقي "  بانه سريع الغرور ، سريع الشعور بانه حقق غاية بعيدة المدى ، وأصبح استاذا في اقصر وقت ، ثم انه كسول فاتر الهمة ، قليل المطالعة ، والكتابة بحيث لايأخذ مأخذا جديا ، ولا يأخذ مسؤولية تجاه فنه ، على المستوى نفسه من الجدية مما يمكن لمسه بسهولة لدى العديد من الادباء . في العراق ، ويكاد الامر فيه ان يكون صفة مميزة لاكثرهم "  .


في كتابه  (  نشأة القصة وتطورها في العراق 1908 ـ1939)  ، والذي هو بالاصل رسالة ماجستير التي تقدم بها الى جامعة القاهرة خريف سنة 1966 باشراف الاستاذة الدكتورة سهير القلماوي ، يؤكد على ان الباحث لايستطيع كتابة تاريخ القصة العراقية المعاصرة ، وبحدود العوامل المؤثرة التي أدت الى نشوئها بدون العودة الى دراسة القرن التاسع عشر ، هذا القرن الذي هو بداية النهضة الحديثة . كما ظهرت فيه اوائل طلائع الاصلاح مع اولى بوادر اليقظة الفكرية .

 

 ويحدد عدة تيارات ثقافية شهدها العراق آنذاك اولها (تيار تقليدي) هو امتداد لتيار الفكر العربي القديم. وثانيها (تيار التحديث) الذي بدأت به الدولة العثمانية واستهدفت اعادة بنى الدولة بمؤسساتها المختلفة على اسس غربية ، وثالثها هو   (التيار الغربي) الذي بشر بالفكر والثقافة الغربية . ويحدد مسألة مهمة وهي ان القصة الحديثة ظهرت في العراق متأخرة .


ويقف الدكتور عبد الاله احمد عند البواكير الأولى العراقية  في مجال كتابة القصة ، ويؤرخ لمجهودات سليمان فيضي ، وعطا امين، ويناقش القصة بين الحربين العالميتين الأولى 1914-1918 والثانية 1939- 1945 ، ويتناول ( الاتجاه العاطفي) في القصة المتمثل في قصص يوسف متي ، وشالوم درويش ، و  (الاتجاه الاجتماعي) المتمثل بقصص ذو النون ايوب ، و(الاتجاه الفردي) الذاتي وابرز كتابه عبدالوهاب الامين و ( الاتجاه الرمزي) المتمثل بما كتبه نديم الاطرقجي ، و( الاتجاه الرمزي) المتمثل بما تركه خلف شوقي الداودي ، و  (الاتجاه التاريخي) المتمثل بقصص  المطران سليمان صايغ الموصلي .. اما الرواد من القصاصين الكبار في رأيه فهم كل من محمود احمد السيد، وانور شاؤول، وذو النون ايوب، وعبد الحق فاضل .
وفي كتابه : ( الادب القصصي في العراق منذ الحرب العالمية الثانية) ، وهو بالاصل اطروحته للدكتوراه المقدمة الى كلية الاداب بجامعة القاهرة سنة1975 وقد نشرت ببغداد سنة 1977 بجزئين ، يتعرض لواقع الادب القصصي ، منذ بداية الحرب العالمية الثانية ، واثر ثورة 14 تموز 1958 في طبيعة ما كتب من قصص ، والعوامل المؤثرة في الادب القصصي ، والاتجاهات التي كتبت بموجبها القصة العراقية والمتمثلة بالاتجاه التقليدي والاتجاه الرومانسي والاتجاه الواقعي .

 

 ولم ينس الدكتور عبد الاله احمد ان يؤرخ للحياة السياسية في العراق وانعكاساتها في الحياة الادبية ، وموقف السلطة من الكتاب والادباء ، وجذور الواقعية السياسية في انتاج القصاصين العراقيين ابان الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي ، واخيرا تباشير انتاج جيل الخمسينات من رواد الادب القصصي . ولعبد الاله احمد رأي في جيل الستينات من الادباء الشباب فهو يرى بانه "  جيل ... كثير الصخب والادعاء ، يكتب لونا من الادب يختلف عن سابقيه ، وهو أمر ليس صحيحا تماما "  .


ويُتوّج عبد الاله احمد أعماله باصداره ( فهرست القصة العراقية ) بـ ( 329) صفحة من القطع الكبير، وهو جهد وثائقي مهم جدا للباحثين والمهتمين بهذا اللون من الوان الثقافة العراقية المعاصرة ،  وقد صدر الفهرست ببـغداد سنة 1973 .


وللدكتور عبد الاله احمد كتب ودراسات اخرى مهمة منها على سبيل المثال نشره للمجموعة الكاملة لاعمال القاص الرائد المبدع محمود احمد السيد (بغداد 1978) ، وكتابه ( في الادب القصصي ونقده ) ( بغداد ، 1993) ، ودراسته ( النقد القصصي في العراق : دراسة في نشأته وتطوره) .

 

بعد ان كتبتُ مقالي هذا ونشرته  سنة 2010 اطلعت على بعض المقالات ومنها مقال منشور في جريدة ( المدى) البغدادية للاستاذة الدكتورة ناديا هناوي بعنوان

(من منسيات النقد الأدبي في العراق ) ، نشر في 5من كانون الأول -ديسمبر سنة 2025 عابت فيه الناقدة المعروفة على المرحوم الأستاذ  الدكتور عبد الاله أحمد ، انه تجاهل دراسة  الاستاذ عبد القادر حسن أمين الموسومة  ( القصص في الأدب العراقي الحديث) ، وهي دراسة رائدة  في الدرس البحثي الأكاديمي، افتتح فيها باكورة  النقد القصصي العراقي وفيه تحرى الدقة ، والموضوعية ،  والاستقصاء  والدراسة بالاصل  رسالة  ماجستير بإشراف الأستاذ  الدكتور محمد يوسف نجم.. واستند في دراسته    إلى مصادرو مراجع ونصوص ومقابلات  لها صلة بالموضوع  . فضلا عن نصوص مخطوطة تمكن الباحث من الحصول عليها ، ومرجعيات شفوية كمقابلة المعنيين بشؤون الأدب في العراق، واعتمادا على منهج فني ابتغى الباحث من ورائه الموضوعية ، والدقة العلمية، اللتين هما أهم مقوم من مقومات أي بحث أكاديمي، تجنبه الانزلاق نحو التاريخ أو الايديولوجيا . كما تمكنه من ضبط تسرب الذاتية إليه مع تحاشي نوازع العقل الباطن.

 

وتقول الناقدة الدكتورة نادية هناوي ان الدكتور عبد الإله أحمد في كتابه ( نشأة القصة وتطورها في العراق 1908ـ 1939) الذي هو  أيضا رسالة ماجستير نالها من إحدى الجامعات المصرية ، لم يعترف بهذا الجهد القيم الذي بذله الباحث الأستاذ عبد القادر حسن أمين في دراسة القصة العراقية، مع أنه اعتمد النهج النقدي عينه الذي انتهجه الباحث عبد القادر حسن أمين. وتعلق لتقول :" إن تغاضي عبد الاله أحمد عن الإشادة بجهد الباحث أمين يعني عدم الاقرار له بالفضل، إذ لم يذكره في أية مقدمة من مقدمات كتابه الذي طبع أكثر من مرة. أما ذكره أمينا في كتابه ( فهرست القصة العراقية) وأنه أول جهد( يفهرس) لأعلام القصة بملحق، فلم يكن تاما  كونه استدرك على ذلك السبق، في الهامش مُغيرا المعلومة، قائلا: ( في الواقع إن الإشارات المهمة  إلى الأدب القصصي العراقي ، وردت في بحث الدكتور سهيل ادريس( القصة العراقية الحديثة) .. وكتاب  الدكتور جميل سعيد ( نظرات في التيارات الادبية الحديثة في العراق..) ، والأمر عينه نجده عند  ناقد عراقي مرموق هو  الأستاذ عبد الجبار عباس الذي تغاضى عن ذكر دراسة عبد القادر حسن أمين وهو يرسم في كتابيه  ( في النقد القصصي) ، و( مرايا جديدة) خارطة للنقد الأكاديمي من الخمسينيات إلى نهاية السبعينيات من القرن الماضي ، واضعا (فرشة)  نقد نقدية لكثير من الدراسات الأكاديمية التي تصب في باب النقد الشعري والقصصي وبعضها صارت كتبا ، فوقف عند الدكتور علي جواد الطاهر،  والدكتور شجاع العاني،  والدكتور عبد الاله أحمد ، والاستاذة عاتكة الخزرجي ، والاستاذة نادية رؤوف فرح والدكتور جليل كمال الدين ، والدكتور إحسان عباس ،والدكتور علي عباس علوان ، والأستاذ محمد حسين الاعرجي ، والأستاذ رزاق حسن ابراهيم، باستثناء إشارة خافتة وسريعة أخذ فيها على الأستاذ عبد القادر حسن أمين أنه وقف عند القصة ، وأهمل الرواية بقوله: "  يلاحظ المتتبع للدراسات الأكاديمية التي وضعت عن القصة العراقية أنها وقفت عند القصة القصيرة فلم تتجاوزها إلى الرواية، التي لم تنل من اهتمام الدارسين ما ناله الشعر والمسرح وفن القصة القصيرة، .. فلو قرأنا كتب جميل سعيد ، وعبد القادر حسن أمين ، وباسم عبد الحميد حمودي ، وشجاع العاني في القصة العراقية لوجدناها تمر مرورا عابرا على النتاج الروائي العراقي" ، مشيدا بكتاب الأستاذ الدكتور عمر الطالب  الموسوم  : ( الرواية العربية في العراق) واصفا إياه  بأنه "  أول جهد مستكمل الجوانب أحاط بجميع ما كتب في فن الرواية العراقية" . وفي هذا إجحاف بحق الباحث الأستاذ عبد القادر حسن أمين الذي تناول مختلف أشكال القصة، ولعل السبب أن عباسا لم ينظر إلى كتاب  ( القصص في الادب العراقي الحديث) عن كثب، فعبد القادر أمين درس الروايات تحت باب القصة، وشخّص فيها مناحي فنية ليست بالقليلة.


ومعروف أن لعبد الجبار عباس وعيا نقديا عاليا، وهو الذي أشّر ضمور النقد الأدبي العربي المعاصر بسبب غياب النظرية ، وضياع القواعد ، والملامح المميزة للتنظير ، والفحص، ووقف عند كتاب الدكتور إحسان عباس ( تاريخ النقد الأدبي عند العرب) ، ووجد فيه استكمالا لجهود الأستاذ  أحمد طه إبراهيم في النقد المنهجي عند العرب، مؤكدا أنّ هذه خطوة ضرورية ولها مثيلاتها في الدرس الأوربي النقدي ، فلماذا إذن تجاهل هذا الأمر مع  الأستاذ عبد القادر حسن أمين، معدا الأستاذ الدكتور عبد الإله أحمد وحده الذي قدم  ( جهدا يؤهله بحق مركز الريادة في دراسة  فن القصة في العراق) ؟
!!
إن عدم الاعتراف لأمين بالريادة ليس مطلقًا عند كل الباحثين، فالدكتور شجاع العاني أقرّ بالريادة لعبد القادر أمين في أكثر من مناسبة، وأشار في كتابه ( المرأة في القصة العراقية ) إلى آرائه ، ووافقه على بعض منها.

مشكلة الريادة مشكلة فيها بعض الجوانب الذاتية النفسية وعندما يريد أحد ، ان يتحدث عنها ، وهو قد قدم في مجال تخصصه نراه يركز على من يراهم الأنسب والأفضل او انه نفسه  يخاف من ذكر من سبقه ويُخيّل اليه ان ذكر من سبقوه قد  يُبعد  الريادة عنه ، وهذا حسب رأيي كامن في العقل الباطني لمن يكتب ولهذه القضية قصة ليس الحديث عنها سهلا .

مع هذا كله يكفي الاستاذ الدكتور عبد الاله احمد ، ان قدم للمكتبة العراقية ، من خلال كتبه ، ودراساته ، وفهرسه ، ما ساعد على فهم جوانب مهمة من تراثنا القصصي المعاصر ، ولا شك في ان المؤرخ يفيد من اعماله في تسجيل صفحات مهمة من التاريخ الثقافي العراقي المعاصر .
 

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الدكتور عبد الاله أحمد 1939 -2007 ..ريادة أُخرى ا.د.ابراهيم خليل العلاف

  الدكتور عبد الاله أحمد 1939 -2007 ..ريادة أُخرى ا.د.ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس -جامعة الموصل كتاب نقدي مهم ، وعمل اد...