الأحد، 21 يونيو 2020

الكيش والملفع




الكيش والملفع                                                                                  

ا.د. ابراهيم خليل العلاف*

في كانون الثاني سنة 2014 ، نشرت مجلة ( الف باء ) البغدادية مجلة العائلة العراقية صورة لفتاة قد التحقت بمدارس محو الامية في العراق خلال سنوات السبعينات من القرن الماضي .ولعل من التقطها الفنان الفوتوغرافي الكبير المرحوم الاستاذ سامي النصراوي . وقد اعدت نشر الصورة قبل ايام فعلق الكثيرون منهم الاخ الدكتور صالح الارديني عميد كلية التربية الاساسية في جامعة الموصل يقول: " تراث لزي شعبي ربما لم يعد موجوداً للأسف، تظهر الفتاة وهي تلبس الثوب والصاية، وتضع على رأسها (الكيش) ،الذي كان يحتاج إلى الكثير من الجهد لصنعه، وتعلق فيه قطعة ذهبية (الدلاعة)، وبجوارها مغلف لورقة (تعزومة) من العين أو الحسد، أو بسبب مرض،ومن مكملات ارتداء الكيش .. (الملفع الأسود) الذي يغطي منطقة الصدر.. واضاف :" موضوع الكيش والملفع موضوع شيق، وهو لصيق الذاكرة، اذ كان قسم كبير من النساء يشترين القطعة السوداء، وباقي المستلزمات، ويَقُمنَ بشده بأنفسهن، على أوقات الفراغ، مما يستغرق وقتا طويلا، وكان لبسه يتيح لخصلات من الشعر ان تظهر، فتلتف على شكل ذوائب صغيرة على الأذان، وكان من مكملاته الدلاعة إن وجدت، والتمائم عند البعض، منذ زمن لم أرَ امرأة ترتدي الكيش والملفع. سلمت يداك دكتور على هذه اللقطة النادرة".

وقد وجدت ان من الممكن أن اخصص حلقة من برنامجي هذا للحديث عن ( الكيش والملفع ) مع انني سبق ان تحدثت عن ملابس الموصليين وازياءهم رجالا كانوا أم نساءَ .

ومن حسن الحظ ان الازياء الشعبية العراقية ، والموصلية من ضمنها قد نالت اهتمام عدد من الباحثين العراقيين والاجانب .. ولااريد ان اذهب معكم بعيدا . لكن اقول ان الكاتب والمؤرخ التراثي الموصل الف كتابا بعنوان (أضواء على الالبسة الشعبية الموصلية ) طبعه سنة 2007 وكان لي شرف كتابة تقديم لهذا الكتاب المهم، الذي تحدث فيه عن البسة الموصليين الشعبية رجالا ونساءَ ووقف عند العرقجين والعمامة والكشيدة والعقال والايشماغ والغترة والدمير والزبون واللفي والشاش والبشنوقة والبويمي والبلوز والجبة والدشداشة والشروال والصديري والجاروكة والبشت والعبايي والكمر والايمني والكلاش والقبقاب .ولم ينس ايراد نماذج من الالبسة الموصلية التي شاعت في العصر العثماني كالسيدارة والفيس والسترة والبطلون وما شاكل ذلك .

الذي يهمني هنا هو ان اتحدث عن نوع من لباس الرأس للموصليات وهو ( الكيش والملفع) فأقول ان الكيش ليس الا قطعة من نسيج حريري سوداء اللون مطرزة بخيوط طولية فضية اللون وقد تكون ذهبية مربعة الشكل في حافتها كراكيش حريرية وهدبات تختلف مساحتها حسب رغبة المرأة فأحيانا يكون طولها اكثر من متر بقياس القديم (ذراع وست عقد ).

 
وكانت المرأة عندما تشتري القماش ترسله الى (المربدجية ) وذلك لتربيده وصناعته .
وهنا لابد ان نقول ان هناك اكثر من كيش ويصح ان نقول ان هناك الكثير من (الكيوش او الكيشات ) جاهزة وحاضرة مع الكراكيش المزينة له .
وعند بائع الاقمشة في سوق السواد في الموصل وهو سوق يتفرع من سوق العطارين توجد هناك عدة انواع من الكيشات منها ما يسمى (كيش حبر او الكريب ساتان ) وهو قماش حريري يباع في الاسواق يختلف عن الاول بسمكه وثقله .

وتوجد بعض الكيوش المستورة من الكيش اليزدي وهو من الحرير احمر اللون قرمزي خشن ويستعمل من قبل النساء في الريف وحتى هناك من تلبسه من داخل المدينة واطرافهت وقد ورد هذا النوع من الكيش في الغناء الشعبي (محلى حبي من لبس كيش الحبري ) .
وهناك انواع من الكيش المستورد منه الكيش الكاشاني نسبة الى مدينة كاشان في ايران والمشهورة ايضا بالزوالي الكاشان . وهناك الكيش التبريزي من تبريز بأذربيجان .
كانت المرأة تتفوط بالفوطة السوداء ثم تعصب رأسها بالكيش حيث تطوي قطعة الكيش المربعة قطريا فيحصل لديها مثلثان متساويان على الوجه اللماع فتضع القطعة المثلثة على رأسها بحيث يكون رأس المثلث الى الخلف وقاعدته على الجبين فوق الحاجبين بقليل ثم تلف رأسي المثلث حول رأسها وتشدهما مع بعضهما في مقدمة الرأس وتسمى (عقدة ونص) وعندئذ تتدلى الشراشيب على جبين من تلبس الكيش والملفع كما ترون في الصورة المرفقة الى جانب هذا الكلام .


في تراثنا الشعبي الموصلي الكثير من الاقوال والاغاني الشعبية وخاصة البدوية فيها ذكر للكيش والملفع ومن ذلك :
هله بالواردة يم الجدايل
يامحلة الكيش فوك الراس مايل
لو تكف لي الناس حايل
لجر سيفي واعمل لي طلابة

النساء الموصليات عرفن بملابسهن الزاهية والجميلة التي تبرز انوثتهن . ومن الطريف ان اقول ان لدينا في الموصل قرابة تسعة انواع من اغطية الرس عند النساء فهناك الملفع والعصابة والجرغد والكيش واليازمة والصمادة والايشار وغالبا ما تلبس الموصلية الكيش والملفع او اليازمة,
 
ولازلت اذكر ما كانت تلبسه جدتي واقصد الايزاغ والخيلية والايزاغ من قماش اسود ويغطي جسم المرأة كله من الرأس الى الورك.
 
يقول الاخ الاستاذ عبد العزيز الخطابي معلقا على ما كتبته مرة عن الكيش والملفع :"للأسف دكتور الكيش هو في طريقه إلى الانقراض لا ترتديه الان سوى النساء الكبيرات في السن من تولد الأربعينيات والخمسينات ولكن الجانب الإيجابي ان بعض الفتيات يرتدينه بوصفه تراث تقليدي في الأعراس والمناسبات فقط ... ما ذكرته على الأقل موجود في مناطق غربي الموصل" .

ولاننسى ما كانت المرأة الموصلية تلبسه عندما تخرج وهو العباءة والبوشية او البرقع والبرقع ليس الخيلية .وتكاد الملابس تتقارب من حيث النوع ولانلمس اختلافا كبيرا بين ما تلبسه المرأة التي تنتمي الى الطبقة الغنية او الطبقة المتوسطة او حتى الفقيرة لكن الغنيات يتفنن في نوعية الالبسة ويحرصن على ان تكون من الحرير المزخرف بأشكال والوان مختلفة .وتفضل الشابات الالوان البراقة. أما النساء الكبيرات في السن فالاسود هو اللون المفضل .

* استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق