الأحد، 14 يونيو 2020

عبد الهادي صالح محمد النعيمي 1930 – 1983 وستوديو عبد الهادي في الموصل




عبد الهادي صالح محمد النعيمي 1930 – 1983 وستوديو عبد الهادي في الموصل 

ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس -جامعة الموصل


ومنذ سنوات طويلة ، كتبتُ دراسة عن (نشأة التصوير الفوتوغرافي في الموصل ) .وتحدثتُ عن المصورين الفوتوغرافيين الرواد . كما كنت اقف – بإستمرار – عند سير بعض المصورين الفوتوغرافيين الموصليين ومنهم الاستاذ مراد عبد الله الداغستاني ، والاستاذ نور الدين حسين ، والاستاذ وجيه حامد الخفاف ، والاستاذ صلاح شكر كوثر ، والاستاذ محفوظ عبد الرحمن والاستاذ كاكا محمد أمين وغيرهم .
كما تحدثتُ عن الجمعية العراقية للتصوير .. واليوم أريد ان أتحدث عن واحد من المصورين الفوتوغرافيين الذين كان لهم دور في تعزيز ( ثقافة الصورة ) في الموصل وهو الاستاذ عبد الهادي صالح محمد النعيمي ( أبو هدى ) .
ولد الاستاذ عبد الهادي صالح محمد النعيمي سنة 1930 وتوفي بحادث سيارة أليم يوم 13 من تشرين الاول سنة 1983 .
وبين السنوات (53) التي عاشها ، كانت له حياة حافلة قضاها بالعمل والسفرات الى خارج العراق وتوثيق الحياة في مدينة الموصل فوتوغرافيا فضلا عن علاقاته مع زملاء المهنة ودعم الجمعية العراقية للتصوير فرع نينوى .
الاستاذ عبد الهادي صالح محمد النعيمي ولد سنة 1930 من اسرة فقيرة . توفي والده وهو ابن تسع سنوات وكان الاخ الكبير في اسرته المؤلفة من والدته وثلاثة اخوة واخت واحدة لهذا تسلم عبء مسؤولية اعالة هذه الاسرة الكبيرة لذلك اتجه نحو العمل فعمل عاملا في معمل النسيج وعمره لم يزيد على (12) سنة .وكل زملاءه ومن عرفه يقولون انه كان ذكيا علم نفسه بنفسه وكان دوما يتطلع نحو المستقبل رغم الظروف القاسية التي احاطت به .كان يقرأ الكتب ويثقف نفسه بنفسه وقد بدأ الاهتمام بالتصوير وكان يعشق هذا اللون من المعرفة .
سارع الى فتح مكتبة في شارع النجفي هي ( مكتبة هدى ) وكان يبيع فيها الكتب والمجلات فضلا عن اقرطاسية وصارت المكتبة مكان يلتقي فيه عدد من شعراء وكتاب ونقاد ومؤرخي ومثقفي الموصل .كان هذا سنة 1956 .
لكنه وجد ان لابد ان يحقق امنيته في ان يكون مصورا فوتوغرافيا وان يفتتح ستوديو خاص به وفي سنة 1957 تحقق حلمه وفتح ستديو عبد الهادي في شارع نينوى والحق به اخاه عبد الجبار وعلمه مهنة التصوير وقد اتسع عمله شيئا فشيئا وصار ستديو عبد الهادي معروفا في مدينة الموصل واقضيتها ونواحيها وقصباتها .
مما ساعده على الشهرة انه عمل اول الامر مصورا متجولا وصارت الاسر والعوائل الثرية في الموصل تقصده لكي يصور لها حفلاتها ومناسباتها ومنها حفلات الخطوبة والزواج والمناسبات الاخرى وقد كانت تلك الاسر تثق بأمانته واحترامه للتقاليد والقيم الاجتماعية والاخلاقية .
اتسع عمله في الاستديو وصار يخصص بعض الاشهر للسفر وقد زار عددا كبيرا من البلدان العربية ومنها فلسطين ولبنان ومصر وكان يقصد لبنان للاصطياف كل سنة في الصيف وكان يسافر الى الاسكندرية في مصر ثم يأخذ الباخرة الى لبنان ومن حسن الحظ كان يسجل كل تلك السفرات في صور فوتوغرافية .
وايضا مما ينبغي علي ذكره ان الاستاذ عبد الهادي صالح محمد النعيمي كان يحرص على حضور الحفلات الغنائية في القاهرة والاسكندرية ومنها حفلات العندليب الاسمر عبد الحليم حافظ . كما التقي بالعديد من الصحفيين والمطربين والممثلين المصريين عرف محمد عبد الوهاب ومحمود المليجي ومحمد عبد المطلب وعبد الغني قمر وفؤاد المهندس ولديه صور التقطها معهم ، وكان يصور كل الحفلات التي يحضرها . وكذلك يوثق لقاءاته بالمطربين والممثلين فوتوغرافيا ، ولديه كم من الصور وحتى الافلام السينمائية عن رحلاته وعندما يعود يحرص على عرضها أمام اولاده وبناته وأصدقاءه .
كانت لديه إبنته الكبيرة ( هدى) سمى مكتبته الاولى التي فتحها في شارع النجفي بإسمها . وحين رزقه الله بولده ربيع سنة 1976 صار يعرف بأبي ربيع . وكانت آخر رحلة له الى تركيا قبل نشوب الحرب العراقية – الايرانية في ايلول 1980 بقليل . من الطريف ان الاستاذ عبد الهادي ( رحمة الله عليه وجزاه خيرا على ماقدم ) حرص على تعليم بناته الثلاث مهنة التصوير وكان قد اعد غرفة كبيرة في بيته بحي الزهور لتحميض الصور وغسلها وتنشيفها وكانت بناته يساعدنه في ذلك . وكان العمل واسعا ومن كان يقصده من الزبائن كبيرا لشهرته ومعرفته بين الناس .
تعرض لحادث سيارة على الجسر الثالث وتوفي يوم 13 من تشرين الاول سنة 1983 وتمكنت ابنته (هدى ) بدعم الجمعية العراقية للتصوير فرع نينوى اعادة افتتاح الاستديو الخاص به ومنحت الاجازة وكان عمرها عند وفاة والدها (28) سنة وبذلك ضربت مثلا عظيما للمرأة الموصلية القادرة على تولي المسؤولية والاستمرار في عمل والدها رحمة الله عليه وجزاه خيرا على ماقدم .
كان الاستاذ عبد الهادي انسانا طيبا بسيطا متفائلا يعمل بصمت وكان ابا حنونا وصديقا صادقا علاقاته بمن هم يعملون ضمن دائرة مهنته طيبة جدا وخاصة مع المرحوم مراد الداغستاني والمرحوم ابراهيم الدرويش .
ومما يجب ان اؤكده ان زملاءه وجيرانه وقفوا الى جانب إبنته هدى وهي تعيد إفتتاح الاستديو من جديد وقد ابتهجت كثير من اسر الموصل بهذا التصرف المسؤول ورحبت به وكانت (هدى عبد الهادي ) أول مصورة فوتوغرافية تمتلك ستوديو خاص بها هو ستديو والدها وبعد سنوات طويلة تعرضت للتعب ، فتولى ولده ربيع الاستديو وحوله الى محل لبيع العاب الاطفال وهكذا انطوت صفحة ستوديو عبد الهادي في الموصل لتظل واحدة من اوراق التاريخ ومدوناته التي نرويها للتاريخ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق