السبت، 27 يونيو 2020

الملا حسن البزاز ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل


الملا حسن البزاز

ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل

اليوم أريد أن أتحدث لكم عن رمز آخر من رموز الموصل عاش في اواخر القرن التاسع عشر ، وكان شاعرا ، وعالما دينيا انه الملا حسن افندي البزاز الموصلي الخزرجي 1845-1887 ميلادية . ومن حسن الحظ ان حفيده الصديق الدكتور فاتح عبد السلام أعاد اصدار ديوانه مع دراسة قيمة لشعره سنة 1988 وقد خصني بنسخة من الكتاب مع ان ذكر الملا حسن البزاز ورد في كثير من المصادر منها كتاب المطران سليمان صائغ الموسوم (تاريخ الموصل ) والذي اصدره بثلاث اجزاء في القاهرة خلال العشرينات من القرن الماضي .
ومما قاله المطران سليمان صائغ في الجزء الثاني من كتابه ( تاريخ الموصل ) ان الملا حسن بن الملا حسين الشهير بالبزاز من مواليد محلة حسان البكري في السرجخانة في الموصل سنة 1845 (1261 هجرية ) وانه اكمل حفظ ودراسة القرأن الكريم واخذ العلوم عن علامة عصره صالح بن الحاج طه الخطيب وان الشعر قد غلب عليه ، فإشتغل به مع اشتغاله في حرفة البزازة وما زال شعره يرق ويروق حتى اشتهر به وذاع صيته .اهتم ايضا بالتصوف وبالطرق الصوفية واخذ الطريقة الرفاعية عن الشيخ حاجي سلطان والطريقة النقشبندية عن الشيخ محمد النوري .
فقد الملا حسن البزاز بصره في آخر ايامه وساءت احواله فقال :
وقعتُ من البزازة في خمول اطال علي الزمان به عتابي
أيسلبني الزمانُ ثياب عزي وأكسو اهلهُ جُدد الثياب ِ ؟
وظل كذلك حتى توفي رحمة الله عليه سنة 1888 وقد ورد في كتاب ( العقود الجوهرية في مُداح الحضرة الرفاعية) لإحمد عزت باشا العمري الموصلي ، ان عموم اهل الموصل خرجوا في جنازته صغيرا وكبيرا ، لانهم كانوا يجدون فيه داعيا للصلاح والخير .
اتسم شعر الملا حسن البزاز بأنه رائق بليغ واكثره في مديح الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وفي التصوف وقد طبع تلميذه الحاج محمد شيت الجومرد الموصلي ديوانه في القاهرة سنة 1305 هجرية اي سنة 1887 اي قبل وفاته بسنة .ومن شعره :
العلم اشرف ما يسمو به السامي لذاك اترعت ُ من صهبائه جامي
إظهاره ُ حجه للمرء كافية من محنة الجهل بين الخاص والعامِ
لم لااميل ُ الى تحصيله وبه أسودُ مابين اترابي واقوامي
فأصرف زمانك نحو العلمِ مجتهدا ولايصدكَ عنه جهل لوا امي
فلعلم ينصب مخفوض المحل على تمييزه نصب توقير ٍ وإكرام ِ
ومما قاله انه طر بيتي الشافعي (من الكامل ) :
"
اني بليتُ باربع ياسيدي " وبك التجائي من عظيم بلائي
عنها تفرعَ كل ما اشكوه إذ " هي اصل كل بليةٍ وعناءِ "
"
ابليس والدنيا ونفسي والهوى " كلٌ يروم اساءتي وشقائي
إن لم تخلصني بلطفكَ منهم ُ "كيف الخلاص واربع خصمائي
تحدث الدكتور فاتح عبد السلام وهو حفيد الشاعر عن ديوان جده وقدم له بذكر اسمه ونسبه وولادته ووفاته وبيئته ونشأتهوثقافة عصرهوشعرهوطبع ديوانه واغراض شعره وومضات من سيرته .ومما وقف عنده ان الشاعر الملا حسن البزاز هو حسن بن حسين بن الملا علي البزاز من اسرة عربية خزرجية ازدية اصيلة ترجع بنسبها الى الصحابي الجليل انس بن مالك رضي الله عنه . وقد سكنت اسرته بمحلة حسان البكري في السرجخانة وفيها مسجد تاريخي يعرف بمسجد حسان البكري .وكانت اسرة الملا حسن تمتهن البزازة وزاولتها وعرف الملا حسن بالزهد والتقوى والورع الشديد شأنه شأن مجايليه فالعصر الذي عاش فيه كان عصر دين وادب وتصوف لذلك كان الملا حسن البزاز ابرز شاعر عراقي في القرن التاسع عشر ترك لنا شعرا في مديح الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وقد اشتهرت قصيدته التي يقول فيها :
هذا العقيقُ وهذا البانُ والعلم ُ فإخلع نعالك فيه إنه حرمُ
وقف على الجزع نقض حق اربعةٍ فإنها اربع عندي لها ذِممُ
وهوبهذا يستشف روح قصيدة البردة وفحواها دون ان يقلدها فنيا .
الملا حسن البزاز ، مات ، وهو في بداية العقد الخامس من عمره تاركا سيرة وضاءة فهو - بحق - رجل صاغ حياته بإسلوب روحاني فلسفي خاص به ملتزم بالرسالة الاسلامية الحقة وسائرا في سبيلها .. وللاسف لاتوجد لدينا معلومات مفصلة عن حياته وكثيرا مما قيل عنه أُخذ شفاها وقد عرف بين الناس كرجل صالح ووقور حتى تحدث البعض عن كرامات له .
ومما اريد ان اقوله ان الرجل كان واقعيا في حياته لم يعرف عنه التطرف او الغلو كان رجلا واقعيا في سلوكه اليومي ، وتعاملاته مع الناس وابتدأ حياته مزارعا له اراض زراعية في قرية جيلوخان وكان يلتزم زراعة الاراضي المجاورة لهذه القرية من املاك اسر الموصل ويقال ان السلطان عبد الحميد الثاني 1876-1909 اهداه ارضا في حاوي الكنيسة لكن تلك الاراضي لم تسجل في الطابو لوقوع الاحتلال البريطالي وقد عانى من الخسارة المالية عندما زرع اراض كثيرة لم يحصد منها شيئا فالسنة كانت مجدبة فترك الزراعة واتجه نحو مهنة ( البزازة) أي بيع الاقمشة في سوق البزازين ، ومنها جاء لقبه البزاز ومن الطريف انه كان يعمد الى غلق دكانه بعد فترة قصيرة من فتحها في الصباح ، وينصرف الى الدراسة وعندما كان الناس يسألونه يقول انه باع اشتروا من جاري الذي لم يستفتح بعد .
وقد عكس كل هذه الاوضاع في قصيدة له يقول فيها :
وقالوا كنتَ ذا مال جزيل وانتَ اليوم تشكوه انتزاعا
تراك أضعته في ارض فقر فقلتُ نعم لزمتُ به الضياعا
تنبأ بوفاته ، واخبر اهله بهذا ، وطلب ان يحفروا له القبر يوم الخميس ، وكانت وفاته رحمة الله عليه وجزاه خيرا في اليوم نفسه الذي حدده وتحدث عنه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق