حمامات الموصل في العصور الحديثة :
********************************
يرتبط انشاء الحمامات العامة وتطورها في المدن العربية والاسلامية، ومنها مدينة الموصل بأمرين اثنين: اولهما شروط الطهارة الواجبة في الدين الاسلامي. وثانيهما الوعي الواضح والاستجابة الحقيقية للحاجات الحضرية .. ومن الطبيعي فان تشييد الحمامات ، تعد عملية يتضح فيها اكثر مما يتضح في مؤسسات اخرى ، الاهتمام بالمصالح العامة للمواطنين. لهذا فقد كان هناك العديد من الحمامات التي شيدت كمؤسسات وقفية ، شأنها في ذلك شأن المدارس ، والمساجد ، والجوامع ، والتكايا ، والسبيلخانات . وتتوفر لدينا العديد من الحجج الوقفية التي تشير الى قيام الاثرياء ، وابناء البيوتات المعروفة بانشاء الحمامات التي كان بعضها يقع بالقرب من الجوامع والمساجـد والخانات والاسواق .
وتذكر المصادر المتداولة ان الموصل كانت تضم قبل سقوطها على يد المغول سنة 1260م (200) حمام للرجال و(200) حمام للنساء و(10) حمامات خاصة بالبنات الابكار. وقد عرف الموصليون باهتمامهم بالنظافة الى حد كبير ، كما حرصوا عبر تاريخهم على نظافة مدينتهم وتنسيقها والمحافظة على صحتهم وسلامة اجسامهم. هذا فضلا عن عنايتهم بدورهم الخاصة، وقد جاء ذلك، كما يقول الاستاذ سعيد الديو ه جي، وهو مؤرخ موصلي معاصر معروف ، نتيجة لما تتمتع به الموصل من طقس جميل، ووفرة في الغذاء، مع رخص في الاسعار . وكان لموقع الموصل الجغرافي بين اقاليم متباينة جبلية وسهلية وصحراوية دور كبير في النشاط التجاري المتزايد وتدفق الثروة على سكانها .. ولاننسى انها تسمى ، لاعتدال مناخها وطيب هوائها وعذوبة مياهها ،( مدينة ام الربيعين). ويشير نيقولا سيوفي في كتابه: ((مجموع الكتابات المحررة على ابنية الموصل)) والذي حققه ونشره استاذنا سعيد الديوجي في بغداد سنة 1956، ان الموصل كانت تعج في العهد العثماني بالحمامات العامة ومعظمها موقوف على الجوامع والمساجد ويضرب على ذلك مثلا وهو ان من اوقاف جامع الباشا التي اوقفها محمد امين باشا الجليلي حمام شهيرة تعرف بحمام القمريةوالتي عرفت فيما بعد بحمام العطارين لانها تقع داخل سوق العطارين الشهير في الموصل . ويذكر المؤرخ الموصلي محمد امين العمري في الجزء الاول من كتابه ((منهل الاولياء)) ان عدد الحمامات في الموصل اواخر القرن الثامن عشركان (20) حماما عاما ، اما الرحالة البريطاني جيمس بكنكهام الذي زار الموصل سنة 1820 فيذكر بان عدد حمامات الموصل يقدر بنحو (30) حماما . وقد اشار الرحالة هود A.Heudeفي كتابه الذي نشر سنة 1817 بعنوان : A voyage up (Arab) Gulf… وقد زار الموصل في الفترة ذاتها بحمامات الموصل وقال ان حمامات الموصل تعد من ((أحسن ما رأيت فاغلبها مغطى بالرخام ، وهي في غاية اللطف والنظافة )) وكان نيبور الذي زار الموصل سنة 1766 قد انتبه للملاحظة نفسها فاشارفي كتابه رحلة نيبور الى العراق في القرن الثامن عشر والذي ترجمه الى العربية من الالمانية الدكتور محمود امين ونشر ببغداد سنة 1965 ، الى ان القسم الاعظم من حمامات الموصل ((جميل وخلاب)). وقد جاء في سالنامة الموصل (الكتاب السنوي الذي تصدره سلطات ولاية الموصل )لسنة 1892 الى ان في مدينة الموصل وحدها (36 )حماما للرجال وللنساء .اما سالنامة الموصل لسنة 1325 للهجرة 1907 للميلاد فاوردت معلومة تفيد بان في مدينة الموصل انذاك (17 ) حماما. وقد احصى الاستاذالحاج عبد الجبار محمد جرجيس، وهو باحث في تراث الموصل ومدير للمكتبة المركزية العامة في الموصل سنوات طويلة ، في مقالته الموسومة :((الحمامات الشعبية في الموصل))والمنشورة في مجلة التراث الشعبي (الغدادية ) سنة 1975، عدد حمامات الموصل في العصور العثمانية المتاخرة ومطالع القرن العشرين فوجد انها (30 ) حماما (7) ،لعل من ابرزها حمام قره علي وتقع في محلة الرابعية وتعود ملكيتها الى احمد بك الجليلي ، وحمام عبيد أغا وتقع في محلة امام عون الدين وتعود ملكيتها الى عبيد اغا بن الحاج صالح اغا الجليلي ، وحمام السراي وتقع في محلة باب السراي ، وحمام الشيخ عمر وتقع في محلة الشيخ عمر المولى وتعرف كذلك بحمام الصابونجي ، وحمام القشلة وتقع في محلة الدندان قرب الثكنة او القشلة العسكرية التي هدمت في مطلع الثلاثينات من القرن الماضي واقيم مكانها مستشفى الموصل العسكري ، وحمام العطارين وتقع في سوق العطارين وتسمى كذلك بحمام القمرية وهي وقف على جامع محمد امين بك الجليلي ويرجع تاريخ انشاءها ،كما يقول عماد غانم الربيعي في كتابه عن(( محلة باب السراي)) الذي نشره في الموصل سنة 2007 ،الى سنة 1755 وحمام القلعة وتقع في محلة الميدان وهي وقف على جامع النعمانية ومدرسة يحيى باشا الجليلي وقد انشات سنة 1700 ، وحمام المنقوشة وتقع في محلة الجامع الكبير (المنقوشة ) ، وحمام باب لكش وتقع في محلة باب لكش وهي وقف يعود الى الاسرة الجليلية التي حكمت الموصل بين سنتي 1726-1834 ، وحمام العمرية وتقع في محلة الباب الجديد وهي وقف يعود الى الاسرة العمرية ، وحمام باب البيض وتقع في محلة باب البيض وهو احد ابواب الموصل وتعد وقفا لجامع باب البيض وحمام الخاتونية في محلة الخاتونية الحالية ، وحمام العكيدات وتقع في محلة العكيدات الحالية ، وحمام دكة بركة وتقع في محلة عبدو خوب ومالكها الاصلي مصطفى جلبي الصابونجي وقد هجرت قبل فترة قصيرة وكانت تسمى بحمام بور سعيد ، وحمام الاحمدية وتقع في محلة اليهود ومالكتها امراة اسمها خاتون خوقة او هكذا يسميها الناس ، وحمام التك وتقع في سوق البرذعجية ، وحمام يونس وتقع في محلة سوق الشعارين ، وحمام العلا وتقع في سوق الصياغ (الصاغة) ، وحمام الزوية وتقع في شارع الفاروق ، وحمام زرياب وتقع قرب جامع الخضر عليه السلام ، وحمام آل حديد وتقع في محلة باب السراي بناها الحاج حسين جلبي حديد وحمام الوداي وتقع في محلة الجولاق (الاوس او الساعة حاليا ) ، وحمام الصالحية وتقع في محلة باب السراي وتعود ملكيتها للاسرة الجليلية ويرجع تاريخ انشاءها الى سنة 1755 . وقد هدمت، للاسف الشديد ، معظم هذه الحمامات وانشأت على انقاض بعضها بنايات وحمامات حديثة لاتمت الى الحمامات السابقة بصلة . والملاحظ ان كثرة حمامات مدينة الموصل في العصر العثماني ، ترجع الى كونها مدينة تجارية يؤمها عدد كبير من التجار والرحالة الذين يحتاجون الى ارتيادها بعد اشهر طويلة من السفر في الطرق المعفرة .وفي مدينة لم يكن تعداد نفوسها يزيد آنذاك على الـ 300000 الف نسمة، فان عدد الحمامات يبدو مناسبا اذ ان هناك حمام واحدة لكل 10 آلاف نسمة .
*من بحثي عن "الحمامات في الموصل " وهو منشور ..........ابراهيم العلاف
.