رحيل القاص والروائي العراقي عبد الستار ناصر
أ.د. إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث –العراق
علمت قبل قليل 3-8-2013 بوفاة القاص والروائي العراقي الكبير الاستاذ عبد الستار ناصر في أحد مستشفيات كندا ..أعزي بوفاته كل احبتي، مثقفي العراق وكتابه وروائيه وادباءه وادعو الله ان يتغمده برحمته واقول جزاه الله خيرا على ماقدم لوطنه وادبه .. وقد سبق ان كتبت عنه مقالا في حياته بعنوان :" عبد الستار ناصر بين محلة الطاطران وسوق السراي " قلت فيه : وإنا في مدينة مندلي بمحافظة ديالى، قرأت لعبد الستار ناصر، القاص والروائي العراقي الكبير،وأعجبت بما قرأت، ووجدت أن الرجل يمسك بتلابيب الحدث ويظهره للقارئ، وكأنه يخرج من عدسة مصور فوتوغرافي محترف، وأيقنت بعيداً عن ما يكتبه النقاد والباحثين، إن عبد الستار ناصر، يقف علماً شامخاً في عالم القصة والرواية العراقيين، ومنذ مطلع الثمانينات من القرن الماضي،وإنا أتابع واقرأ لعبد الستار ناصر، كما أتابع واقرأ ما يكتب عنه.. وقد قرأت قبل أيام أحدث كتاب صدر له وكان بعنوان:"سوق السراي"، فوجدت أن الأستاذ عبد الستار ناصر قد أطر بعضاً من مقالاته النقدية في كتاب يوثق لجانب مهم من جوانب المشهد العراقي المعروف بغناه ،وعمقه ،وحيويته.
وعلمت مما قرأت أن عبد الستار ناصر، مع انه بعيداً عن هذا المشهد جسدياً، حيث انه يسكن في عمان بالأردن منذ مدة، إلا انه قريب من المشهد روحيا.. وحسناً فعل عندما أطلق على كتابه سوق السراي، فسوق السراي يشبه سوق الأزبكية أو سور الأزبكية في القاهرة، فعلى أرصفته وعلى جنبات السوق ينتشر الفكر العراقي وتتنوع اتجاهاته.. هذه كتب في الفلسفة ،وتلك في الرواية ،وأخرى في النقد،ورابعة في الاقتصاد.. نجد مصطفى جواد، ونجد علي الوردي، وفي الوقت نفسه، نجد غارثيا ماركيز، و نزار قباني . يجول عبد الستار ناصر في كتب محمد خضير ،وأرشد توفيق وعزيز الحاج، وفاتح عبد السلام ،وبتول الخضيري.. ويقف عند مقولات جان بول سارتر حول القصة، وأوهام وإلام غالب هلسا وحيدر حيدر وديستوفسكي وغيرهم.
ولد عبد الستار ناصر جدوع الزوبعي في السابع من حزيران _يونيو سنة 1947، فهو إذن من جيلي، جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية، ومن حسن حظ جيلنا هذا ،والذي لا يزال واثقاً على قدميه في ساحة الفكر، والسياسة، والأدب، والثقافة، والاقتصاد، والاجتماع، والهندسة في العراق، انه جيل معطاء.. جيل مبدع.. جيل خبر الحياة وعاشها بكل دقائقها ولا يزال يعاني ويكابد ويتواصل، عين عبد الستار ناصر في وظائف عديدة منها مدير تحرير (مجلة التراث الشعبي) البغدادية.
كتب عنه صديقنا الأستاذ حميد المطبعي في موسوعته إعلام العراق في القرن العشرين فقال:انه قاص وكاتب.. بدأ الكتابة مبكراً: أصدر العديد من كتب القصة والرواية والنقد منها: (لا تسرق الورد رجاءاً) 1978_دمشق،و(الحب رمياً بالرصاص) 1985_دمشق، و(نساء من مطر) 1987،كتب عنه الكثيرون منهم مالك المطلبي ، وياسين النصير له نشاطات عديدة منها عضويته في اتحاد الأدباء والكتاب وحضوره ندوات ومؤتمرات وحلقات نقاشية.
وهو ألان (2010) في قمة عطائه حتى انه في سنة (2007) أصدر ستة كتب .. ويقول إن مازال لديه الكثير، رغم ما يعانيه من مرض في القلب، ولجوئه إلى عملية جراحية أجراها في إحدى مستشفيات عمان 2009.
من إنجازاته الجديدة (الشماعية)... انها رواية صدرت عن دار المدى بدمشق 2009، والعراقيون يعرفون الشماعية أنها مستشفى الإمراض النفسية والعقلية ببغداد.. أنها ليست تحقيقاً صحفياً بل مقاربة أدبية ترصد ما كان يحدث، ويمكن أن يحدث في الحياة هناك ،في ظل الزلزال الذي عصف بالعراق اثر الاحتلال، فنزلاء مستشفى الشماعية انفلتوا من قفصهم ،وباتوا يسرحون في طرقات بغداد وأزقتها.. الرواية تحكي ما جرى في العراق أثناء الاحتلال وبعده .
في كتابه (سوق الوراقين) يقدم الأستاذ عبد الستار ناصر شهادات لكتاب ،وأدباء، وقصاصين ،وروائيين تركوا بصماتهم في عالم الثقافة الإنسانية الرحب وفي كل تلك الشهادات تبرز حقيقة لابد من معرفتها وهي أن الحياة في تغيير دائم.. في صيرورة دائمة.. لاشى مؤكد.. الكتاب بحد ذاته عبارة عن رحلة مع المبدعين.. أما في كتابه:"الهجرة نحو الأمس" فهو أقرب إلى كتاب السيرة من أي كتاب آخر.. في محلة الطاطران البغدادية، حيث ولد تبدأ الحكاية ومع قصص أرسين لوبين ينشأ الفتى يقول:" بداياتي مدهشة بأوجاعها وإفلاسها وزينة أخطائها..." علاقاته مع الخطيئة فتحت باب الكتابة أمامه وعمره لما يزل صغيراً لا يتجاوز الـ (15) عاماً.. نشر قصته الأولى في مطلع الستينات من القرن الماضي في جريدة" الانباء الجديدة".. والغريب في الأمر إن الناقد اللبناني غسان كنفاني كتب عن مجموعته القصصية الأولى التي صدرت سنة 1969 بعنوان:" الرغبة في وقت متأخر"،وقال بالحرف ((انه كاتب يجوس بفانوسه الطابق السلفي من المدينة" وانتشى عبد الستار ناصر وفرح وأصر على الذهاب سريعاً في عالم القصة عندما قال عنه (كنفاني) انه من أحسن كتاب القصة القصيرة في الوطن العربي.. وكان من الطبيعي إن يكثر الحساد، وتنتعش روح الغيرة في البعض ممن لا يعجبهم العجب ولا الصوم في رجب.. لكن عبد الستار ناصر مضى وصرنا نقرأ له قصصاً قصيرة مفعمة بالانفعالات الإنسانية..أتذكر بأنني قرأت له كثيراً في الثمانينات من القرن الماضي.. وكنت أحس بأن عبد الستار ناصر ليس كاتباً عادياً.. وليس كاتباً مطواعاً انه كاتب ثائر، وكاتب بناء.. وكاتب محاط بالزوابع دائماً، كما وصفه الناقد الأستاذ علي جعفر العلاق. لم يكن عبد الستار ناصر كاتباً فاشلاً، كما يحب إن يصف نفسه.. هذا الكاتب الذي تزخر كنانته بقرابة (40) عملاً في النقد والقصة والرواية كيف يكون كاتباً فاشلاً ؟.. انك يا عبد الستار ناصر (وثيقة).. بها نؤرخ حياتنا وما جرى فيها طيلة الـ (60) سنة الماضية فكيف تكون فاشلاً ؟!.. ويقيناً أن هذا ليس رأيي وحدي وإنما رأي كل منصف .. قد استطيع في هذا المقال إن أبشرك بأنك قد حفرت لنفسك طريقاً ،وبنيت لك مكانة ليس من السهل المرور من أمامها مر الكرام في تاريخ حركة الثقافة العراقية المعاصرة. يقينا أن لعبد الستار ناصر بصمة وبصمة كبيرة في جدار حركة الفكر والثقافة في العراق .. فتاريخه القصصي، والروائي ،والنقدي جزء من تاريخ العراق الثقافي المعاصر، وهذا ليس منة من المؤرخين وإنما هي الحقيقة.. فيما كتب فؤاد التكرلي من روايات وقصص عبر المدة من 1947 وحتى 2009.. أرخ للعراق ولما جرى فيه، وفيما كتبت أنت استكمال لم بدأه التكرلي ومن قبلكما محمود أحمد السيد وذو النون أيوب وإضرابهما من مبدعي العراق وقادته الثقافيين.
أ.د. إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث –العراق
علمت قبل قليل 3-8-2013 بوفاة القاص والروائي العراقي الكبير الاستاذ عبد الستار ناصر في أحد مستشفيات كندا ..أعزي بوفاته كل احبتي، مثقفي العراق وكتابه وروائيه وادباءه وادعو الله ان يتغمده برحمته واقول جزاه الله خيرا على ماقدم لوطنه وادبه .. وقد سبق ان كتبت عنه مقالا في حياته بعنوان :" عبد الستار ناصر بين محلة الطاطران وسوق السراي " قلت فيه : وإنا في مدينة مندلي بمحافظة ديالى، قرأت لعبد الستار ناصر، القاص والروائي العراقي الكبير،وأعجبت بما قرأت، ووجدت أن الرجل يمسك بتلابيب الحدث ويظهره للقارئ، وكأنه يخرج من عدسة مصور فوتوغرافي محترف، وأيقنت بعيداً عن ما يكتبه النقاد والباحثين، إن عبد الستار ناصر، يقف علماً شامخاً في عالم القصة والرواية العراقيين، ومنذ مطلع الثمانينات من القرن الماضي،وإنا أتابع واقرأ لعبد الستار ناصر، كما أتابع واقرأ ما يكتب عنه.. وقد قرأت قبل أيام أحدث كتاب صدر له وكان بعنوان:"سوق السراي"، فوجدت أن الأستاذ عبد الستار ناصر قد أطر بعضاً من مقالاته النقدية في كتاب يوثق لجانب مهم من جوانب المشهد العراقي المعروف بغناه ،وعمقه ،وحيويته.
وعلمت مما قرأت أن عبد الستار ناصر، مع انه بعيداً عن هذا المشهد جسدياً، حيث انه يسكن في عمان بالأردن منذ مدة، إلا انه قريب من المشهد روحيا.. وحسناً فعل عندما أطلق على كتابه سوق السراي، فسوق السراي يشبه سوق الأزبكية أو سور الأزبكية في القاهرة، فعلى أرصفته وعلى جنبات السوق ينتشر الفكر العراقي وتتنوع اتجاهاته.. هذه كتب في الفلسفة ،وتلك في الرواية ،وأخرى في النقد،ورابعة في الاقتصاد.. نجد مصطفى جواد، ونجد علي الوردي، وفي الوقت نفسه، نجد غارثيا ماركيز، و نزار قباني . يجول عبد الستار ناصر في كتب محمد خضير ،وأرشد توفيق وعزيز الحاج، وفاتح عبد السلام ،وبتول الخضيري.. ويقف عند مقولات جان بول سارتر حول القصة، وأوهام وإلام غالب هلسا وحيدر حيدر وديستوفسكي وغيرهم.
ولد عبد الستار ناصر جدوع الزوبعي في السابع من حزيران _يونيو سنة 1947، فهو إذن من جيلي، جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية، ومن حسن حظ جيلنا هذا ،والذي لا يزال واثقاً على قدميه في ساحة الفكر، والسياسة، والأدب، والثقافة، والاقتصاد، والاجتماع، والهندسة في العراق، انه جيل معطاء.. جيل مبدع.. جيل خبر الحياة وعاشها بكل دقائقها ولا يزال يعاني ويكابد ويتواصل، عين عبد الستار ناصر في وظائف عديدة منها مدير تحرير (مجلة التراث الشعبي) البغدادية.
كتب عنه صديقنا الأستاذ حميد المطبعي في موسوعته إعلام العراق في القرن العشرين فقال:انه قاص وكاتب.. بدأ الكتابة مبكراً: أصدر العديد من كتب القصة والرواية والنقد منها: (لا تسرق الورد رجاءاً) 1978_دمشق،و(الحب رمياً بالرصاص) 1985_دمشق، و(نساء من مطر) 1987،كتب عنه الكثيرون منهم مالك المطلبي ، وياسين النصير له نشاطات عديدة منها عضويته في اتحاد الأدباء والكتاب وحضوره ندوات ومؤتمرات وحلقات نقاشية.
وهو ألان (2010) في قمة عطائه حتى انه في سنة (2007) أصدر ستة كتب .. ويقول إن مازال لديه الكثير، رغم ما يعانيه من مرض في القلب، ولجوئه إلى عملية جراحية أجراها في إحدى مستشفيات عمان 2009.
من إنجازاته الجديدة (الشماعية)... انها رواية صدرت عن دار المدى بدمشق 2009، والعراقيون يعرفون الشماعية أنها مستشفى الإمراض النفسية والعقلية ببغداد.. أنها ليست تحقيقاً صحفياً بل مقاربة أدبية ترصد ما كان يحدث، ويمكن أن يحدث في الحياة هناك ،في ظل الزلزال الذي عصف بالعراق اثر الاحتلال، فنزلاء مستشفى الشماعية انفلتوا من قفصهم ،وباتوا يسرحون في طرقات بغداد وأزقتها.. الرواية تحكي ما جرى في العراق أثناء الاحتلال وبعده .
في كتابه (سوق الوراقين) يقدم الأستاذ عبد الستار ناصر شهادات لكتاب ،وأدباء، وقصاصين ،وروائيين تركوا بصماتهم في عالم الثقافة الإنسانية الرحب وفي كل تلك الشهادات تبرز حقيقة لابد من معرفتها وهي أن الحياة في تغيير دائم.. في صيرورة دائمة.. لاشى مؤكد.. الكتاب بحد ذاته عبارة عن رحلة مع المبدعين.. أما في كتابه:"الهجرة نحو الأمس" فهو أقرب إلى كتاب السيرة من أي كتاب آخر.. في محلة الطاطران البغدادية، حيث ولد تبدأ الحكاية ومع قصص أرسين لوبين ينشأ الفتى يقول:" بداياتي مدهشة بأوجاعها وإفلاسها وزينة أخطائها..." علاقاته مع الخطيئة فتحت باب الكتابة أمامه وعمره لما يزل صغيراً لا يتجاوز الـ (15) عاماً.. نشر قصته الأولى في مطلع الستينات من القرن الماضي في جريدة" الانباء الجديدة".. والغريب في الأمر إن الناقد اللبناني غسان كنفاني كتب عن مجموعته القصصية الأولى التي صدرت سنة 1969 بعنوان:" الرغبة في وقت متأخر"،وقال بالحرف ((انه كاتب يجوس بفانوسه الطابق السلفي من المدينة" وانتشى عبد الستار ناصر وفرح وأصر على الذهاب سريعاً في عالم القصة عندما قال عنه (كنفاني) انه من أحسن كتاب القصة القصيرة في الوطن العربي.. وكان من الطبيعي إن يكثر الحساد، وتنتعش روح الغيرة في البعض ممن لا يعجبهم العجب ولا الصوم في رجب.. لكن عبد الستار ناصر مضى وصرنا نقرأ له قصصاً قصيرة مفعمة بالانفعالات الإنسانية..أتذكر بأنني قرأت له كثيراً في الثمانينات من القرن الماضي.. وكنت أحس بأن عبد الستار ناصر ليس كاتباً عادياً.. وليس كاتباً مطواعاً انه كاتب ثائر، وكاتب بناء.. وكاتب محاط بالزوابع دائماً، كما وصفه الناقد الأستاذ علي جعفر العلاق. لم يكن عبد الستار ناصر كاتباً فاشلاً، كما يحب إن يصف نفسه.. هذا الكاتب الذي تزخر كنانته بقرابة (40) عملاً في النقد والقصة والرواية كيف يكون كاتباً فاشلاً ؟.. انك يا عبد الستار ناصر (وثيقة).. بها نؤرخ حياتنا وما جرى فيها طيلة الـ (60) سنة الماضية فكيف تكون فاشلاً ؟!.. ويقيناً أن هذا ليس رأيي وحدي وإنما رأي كل منصف .. قد استطيع في هذا المقال إن أبشرك بأنك قد حفرت لنفسك طريقاً ،وبنيت لك مكانة ليس من السهل المرور من أمامها مر الكرام في تاريخ حركة الثقافة العراقية المعاصرة. يقينا أن لعبد الستار ناصر بصمة وبصمة كبيرة في جدار حركة الفكر والثقافة في العراق .. فتاريخه القصصي، والروائي ،والنقدي جزء من تاريخ العراق الثقافي المعاصر، وهذا ليس منة من المؤرخين وإنما هي الحقيقة.. فيما كتب فؤاد التكرلي من روايات وقصص عبر المدة من 1947 وحتى 2009.. أرخ للعراق ولما جرى فيه، وفيما كتبت أنت استكمال لم بدأه التكرلي ومن قبلكما محمود أحمد السيد وذو النون أيوب وإضرابهما من مبدعي العراق وقادته الثقافيين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق