الاثنين، 13 أكتوبر 2025

أحمد الحاج يونس 1929-2015 من الوطنيين الاقتصاديين الموصليين ا.د.ابراهيم خليل العلاف


 


أحمد الحاج يونس 1929-2015 من الوطنيين الاقتصاديين الموصليين
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
منذ اكثر من عقدين ، وأنا مهتم بالتوثيق لمن أسميهم (الوطنيين الاقتصاديين ) الموصليين والعراقيين والعرب . وقد وجهت أحد طلبتي وهو الاخ الدكتور صلاح عريبي عباس العبيدي ان يكتب اطروحته للدكتوراه عن الدور الاقتصادي للبرجوازيين العرب بإشرافي وقد تحولت الاطروحة والحمد لله الى كتاب . كما وجهت طالبي الاخر الدكتور جوني يوسف حنا للكتابة عن ( تاريخ الصناعة الوطنية في العراق وعلاقتها بالتطور السياسي حتى سنة 1958 ) .
ومما قلته ان هؤلاء الاقتصاديين الوطنيين واجهوا المحتلين والمستعمرين بالاقتصاد وليس بالسياسة ، فأقاموا المشاريع الصناعية ، وحققوا نتائج باهرة في هذا الاتجاه الذي يجعل المواطنين يستغنون الى حد كبير عن المنتوج الاجنبي ويوفروا الاموال لإقتصادهم . وللاسف هذا التوجه قمع بإعلان قرارات التأميم سنة 1964 ، فإضمحلت الطبقة البرجوازية ، وتلاشت فتخلل البناء الاجتماعي والاقتصادي للعراق الى حد بعيد ، وصرنا اليوم نُطالب بإعادة الاعتبار الى القطاع الخاص ، لكي يسهم في عملية إعادة البناء : البناء الاقتصادي والبناء الاجتماعي .
تحدثتُ عن كثير من هؤلاء الاقتصاديين الذين عرفتهم الموصل خلال تاريخها الحديث ...تحدثت عن مصطفى الصابونجي ، ومحمد نجيب الجادر ، وهاشم الحاج يونس ، وحمدي جليميران . واليوم أريد أن أتحدث عن الوطني الاقتصادي الصناعي ، ورجل الاعمال ورئيس مجلس ادارة عدد من الشركات المرحوم احمد الحاج يونس 1929- 2015 .
ابتداء أقول أنني عرفت الرجل معرفة دقيقة ورافقته الى بغداد خلال الحرب العراقية – الايرانية 1980-1988 مع وفد محافظة نينوى الذي حمل تبرعات اهل المحافظة للمجهود الحربي ويومها القيت كلمة عن تاريخ الموصل وصمودها بوجه التحديات الاجنبية كما كنت التقيه في مكتبة الصديق المشترك المرحوم الاستاذ عبد الباسط يونس ، وكنت أجد فيه الرجل الملتزم الكيس ذو اليد الممدودة لمن يحتاجها من الناس .
وتقديرا لمواقفه في التبرع بالمال دعما للمجهود الحربي والدفاع عن الوطن فقد مُنح (شارة المتبرعين من الدرجة الاولى ) من ديوان رئاسة الجمهورية بتاريخ 7 من كانون الاول – ديسمبر سنة 1988 . كما حظيت شركة الحاج يونس بالتكريم تقديرا لدورها في دعم المنتوج الوطني ولأكثر من مرة .
والمرحوم الاستاذ احمد الحاج يونس سليمان الملا عبد الله ال يحيى الطائي ، من مواليد مدينة الموصل سنة 1929 . واسرة الحاج يونس ( 1902- 1935 ) اسرة طائية سنبسية معروفة ووالده الحاج يونس كان من الاقتصاديين الوطنيين الموصليين الكبار وكانت لديه شركة بإسمه هي (شركة الحاج يونس للنسيج ) تأسست سنة 1952 وهي شركة مساهمة تقوم بإنتاج الاقمشة الحريرية والعباءات النسائية والاطلس واليشماغ والاقمشة القطنية والاقمشة الرجالية البولستر الممزوج بالفايبر أو الصوف على اختلاف انواعها وثمة خطوط ومكائن تضمها الشركة لصباغة وتحضير الاقمشة وكانت تضم قرابة ( 700) عامل وكانت الشركة تقع قرب محطة السكك الحديد في محلة العكيدات وتعد ثاني شركة للنسيج في الموصل بعد شركة محمد نجيب الجادر وكانت تعد من اكبر شركات القطاع الخاص في الموصل وكانت فيها لجنة نقابية للعمال منذ تأسيسها في الخمسينات من القرن الماضي .
كما ان ولده هاشم الحاج يونس طور العمل الصناعي وهو اول من بنى مصنع السمنت في بادوش مع شريكه المرحوم مصطفى الصابونجس وانشأ ايضا شركة معمل دباغة الحاج يونس سنة 1949 ومعمل لحج الاقطان سنة 1950 واسهم في تأسيس المصرف الصناعي وكان من الداعمين للجنة الدفاع عن فلسطين ولجنة مناصرة جهاد الجزائر ومن مؤسسي جمعية الشبان المسلمين
يقول الاستاذ محمد طيب الحاج يونس في حديث له الى مندوب جريدة (الاتحاد ) البغدادية نشرته بعددها (114) في 13 اذار –مارس سنة 1989 ان معمل اليشماغ والذي تأسس سنة 1952 في الموصل واسسه الحاج يونس واولاده هو اول مشروع متكامل في الوطن العربي بعد اليابان وعند انشاء المعمل الذي استوردنا معداته من اليابان واستقدمنا الخبراء اليابانيين لنصب معداته ليكون اول معمل اسس على اساس ان المواد الاولية محلية 100% عدا الاصباغ .
توفي الحاج يونس وولده احمد الحاج يونس في عمر الست سنوات اي انه توفي سنة 1935 لذلك اهتم به وبنشأته اخيه الاكبر المرحوم الحاج هاشم الحاج يونس وقد ترك الدراسة في المدارس الرسمية مبكرا واعتمد على نفسه في تثقيف نفسه وانصرف للعمل التجاري والصناعي الذي تميزت به اسرته واعرف انه كان يمتلك مكتبة كبيرة شأنه شأن اقرانه ومجايليه ممن اهتموا بالقراءة والمطالعة والمتابعة وكان مما يتميز به انه كان واسع الاطلاع ولديه علاقات واسعة مع ابناء الموصل وله مواقف مشرفة وانسانية مع الكثيرين الذين كانوا يحتاجونه ومما ساعده على ذلك انه كان يحب مدينته الموصل ويفخر بها ويستذكر مع جلساءه تاريخها وتراثها وقد خبرت ذلك بنفسي من خلال مجالستي له .
ومما كنت اذكره عنه انه كان يتمتع بشخصية فذه لديه اعتداد قوي بنفسه يقول الحق ومجلسه كان مكانا يرتاده الكثيرون سواء من المثقفين او رؤساء العشائر او ابناء المهن والاصناف وكنت المس عنده قدرة في ابداء الرأي الصحيح ولديه النظرة الواقعية لما يدور حوله لذلك كثيرا ما كان المسؤولون يستشارونه في قضايا اقتصادية وصناعية تتعلق بالموصل .
كان انسانا متواضعا قريبا من الناس مجاملا صريحا طيب النفس والمعشر لايمكن ان يمل منه محدثه او من يجالسه وكان لايجامل من اجل قول الحقيقة وفوق هذا وذاك كان وطنيا عراقيا وعروبيا قوميا .
إهتم احمد الحاج يونس بالتجارة منذ وقت مبكر من حياته .كما اهتم بالصناعة والزراعة وتربية المواشي ووعمل مع اخيه الحاج هاشم الحاج يونس بوضع الاسس لمشروع ومعمل الغزل والنسيج في الموصل سنة 1952 ولعل من ابرز هذه الاسس اعتماد المشروع على المواد الاولية المحلية ومنها القطن الذي اتسعت زراعته في الموصل انذاك بشكل كبير كما اعتمد المشروع في انتاجه على غزول الحرير من معمل سدة الهندية وقد ترأس الاستاذ احمد الحاج يونس مجلس ادارة شركة الحاج يونس للنسيج ومن الطريف ان كثيرا من المسؤولين الكبار في الدولة العراقية ومنهم رؤساء جمهورية كانوا يزورون المعمل ويشيدون بالجهود المبذولة لذلك اشتهر معمل الحاج يونس للنسيج وزادت مبيعات انتاجه وخاصة اليشماغ الذي صار يصدر الى الدول المجاورة .
ومن الطريف الاشارة الى ان مؤسسي الشركة دأبوا على ارسال شباب الاسرة اسرة الحاج يونس الطائي الى الخارج لاكمال دراساتهم العليا خارج العراق وخاصة في دول الغرب ومنذ الخمسينات من القرن الماضي .
اسهم الاستاذ احمد الحاج يونس بتأسيس شركة لصناعة ورق الكاربون ولوازمها كما اسهم سنة 1964 مع المرحوم عبد القادر العبيدي بتأسيس ( شركة الموصل للتعبئة والتعليب) ، والمعروفة في الموصل ب (معمل المشن ) ، واستمر رئيسا لمجلس إدارتها لحين وفاته ، وكان إنتاج هذه الشركة من المشروبات الغازية من أنجح المشروعات على مستوى العراق .
ومن المشاريع التي كان للاستاذ احمد الحاج يونس دور في انشائها (شركة ومصنع لإنتاج اقمشة الفرش والموبيليا وكذلك أسس شركة تعنى بإنتاج الطابوق الجيري وكان من المقررأن يفتح في حاوي الكنيسة إلا ان الظروف السياسية اعاقت ذلك .
كان للاستاذ أحمد الحاج يونس إهتمام كبير بالشؤون الزراعية ومارس الزراعة في أراض تقع ضمن منطقة العشائر السبعة بعقرة وأسس في مطلع الستينات (شركة الاعمال الفنية ) وكان لها مقران احدهما في الموصل والاخر في بغداد ووفرت الشركة الالات الزراعية الحديثة من تراكتورات وحاصدات للحنطة والشعير ، وظلت هذه الشركة تتمتع بسمعة طيبة في مجال الزراعة وكان هو رئيسا لمجلس إدارة فرعها في الموصل لكنها واجهت صعوبات أواخر الستينات بسبب تقييد الاستيراد من الخارج وخاصة من الدول الغربية .
كما عمل في قطاع المقاولات وأسس شركة مقاولات استمرت طويلا . وكان ايضا واحدا من مؤسسي مدينة العاب الموصل والتي كانت بلدية الموصل في عهد مديرها غانم علي الداؤد (1982- 1990 ) ، تساهم فيها بنسبة (51 % من رأسمالها المقترح والبالغ مليوني دينار ) . وقد تقرر ان يكون عضوا في هيئتها التأسيسية .
وعلى الصعيد المجتمعي ، كان للمرحوم الاستاذ احمد الحاج يونس حضور طاغٍ في المناسبات الاجتماعية ، وفي حل النزاعات والمشاكل وكان يتمتع بحس وطني ، واهتمام بالفقراء وشكل لجنة لاغاثة المهجرين من بعض المناطق الشمالية خلال الستينات ووفر لكثير منهم فرص عمل لائقة وخاصة في المشاريع التي تعود اليه وشكل مع نخبة من ابناء الموصل لجنة لفتح اول كلية اهلية في الموصل وهي كلية الحدباء الجامعة ولابد لي ان اقول في ختام هذا الحديث انه تبرع مع اخوته اولاد الحاج يونس في انشاء المدارس وتقف متوسطة الحاج يونس للبنات في الجوسق والقائمة حتى الان كمثال على ذلك .
الاستاذ احمد الحاج يونس توفي يوم 26 من ايلول – سبتمبر سنة 2015 رحمه الله وجزاه خيرا على ماقدم لبلده العراق ولمدينته الموصل
* احمد الحاج يونس ، وابن العم جعفر احمد والشيخ ثائر
**عبد الباسط يونس ومحمود ابراهيم الجلبي وأحمد الحاج يونس
صورة تاريخية تعود الى الستينات من القرن الماضي تجمع من اليسار الصحفي الكبير الاستاذ عبد الباسط يونس وبجانبه الصحفي الكبير محمود ابراهيم الجلبي المحامي فقائد الفرقة الرابعة فالوجيه والوطني الاقتصادي الاستاذ أحمد الحاج يونس رحمهم الله كانوا من رموز الموصل الطيبون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

في مقهى الادباء بشارع حلب -الموصل

  في مقهى الادباء بشارع حلب -الموصل اقول تعليقا على ما كتبه اخي وصديقي العزيز الناقد والكاتب الاستاذ صباح سليم علي عن اولئك المنتقدين لجلسات...