الخميس، 21 مايو 2015

العلاقات العراقية -الروسية في ضوء زيارة الدكتور حيدر العبادي الى موسكو ابراهيم العلاف

العلاقات العراقية -الروسية 
ابراهيم العلاف 
يقوم رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي مع وفد كبير بزيارة جمهورية روسيا الاتحادية حاليا وكما هو متداول وفي الموقع الرسمي فإن الزيارة رسمية وتستغرق يوما واحدا ..وتتم بناء على دعوة رسمية وأنه سيلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الخميس 21-5-2015 لبحث تطوير العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات ، وفي مقدمتها توسيع التعاون العسكري والأمني ودعم القوات العراقية في مواجهة التحديات ، الى جانب بحث تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والطاقة والاستثمار . ويضم الوفد الرسمي السادة وزراء الداخلية والكهرباء والنقل والثقافة وعددا من المستشارين المدنيين والعسكريين . 
وقد حاول الدكتور ابراهيم الجعفري وزير الخارجية (لايرافق الدكتور العبادي وهذا أمر مستغرب ) ان ييؤطر الزيارة بإطار وطني مستقبلي فقال :" أن الزيارة تأتي في إطار تعزيز العلاقات العراقيّة-الروسيّة، مُعبِّراً عن أمله في أن تمضي باتجاه تحقيق حُضُور نوعيٍّ مُتميِّز يمتدُّ في جغرافية التعامُل السياسيِّ والدبلوماسيِّ من دون أن يتعثـَّر بهذه الدولة أو تلك، وينأى بنفسه عن التقاطعات الدوليّة والإقليميّة" . 
ومن اجل وضع الزيارة في إطارها التاريخي فأن العلاقات العراقية -الروسية قديمة وتاريخية وترجع الى 9 ايلول -سبتمبر سنة 1944 .وقد وصل اول سفير عراقي وبلغة ذلك الزمان وزير مفوض ومندوبا فوق العادة وممثلا للمملكة العراقية الهاشمية  الى موسكو سنة 1945 وهو المرحوم الاستاذ عباس مهدي 1898-1961 وبقي فيها الى سنة 1947 ممثلا للمملكة العراقية .وبعد ثورة 14 تموز 1958 كان الاستاذ عبد الوهاب محمود هو السفير العراقي . 

وثمة اتفاقيات مهمة عقدت بين الطرفين وابرزها ماتم بعد ثورة 14 تموز 1958 . واقصد " اتفاقية التعاون الاقتصادي والفني بين الجمهورية العراقية واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية التي وقعت 1959 وصدر قانون تصديقها في 18 آب 1960"  .
ولم تكن العلاقات بين الطرفين خلال العهد الملكي 1921-1958 على مايرام فالاتحاد السوفيتي السابق وهو الذي ورثته روسيا وقف من سياسة العراق المؤيدة للغرب مواقف معارضة وكان يعد حلف بغداد الذي يربط العراق بتركيا وايران وبريطانيا والباكستان والولايات المتحدة الاميركية خلفا موجها ضده لذلك سعت موسكو الى منع العراق من الارتباط بالحلف قبل انعقاده ووجهت السفارة السوفيتية في بغداد مذكرة الى الحكومة العراقية في اذار 1954 جاء فيها ان انشاء الحلف عمل عدائي موجه للاتحاد السوفيتي ولم تجد المعارضة السوفيتية للحلف في بغداد اذنا صاغية بل بالعكس قطع العراق علاقاته مع الاتحاد السوفيتي في كانون الثاني -يناير سنة 1955 .
وتوجهت روسيا نحو سوريا واقامت معها علاقات استراتيجية قوية وقال مولوتوف وزير خارجية الاتحاد السوفيتي في 23 اذار 1955 ان الاتحاد السوفيتي يعمل من اجل حماية استقلال سورية وضمان وحدتها وسيادتها .وهكذا كانت العلاقات مع سوريا استراتيجية في حين ظلت مع العراق تكتيكية حتى ان دعم روسيا للحزب الشيوعي العراقي لم يكن بمستوى دعم الاحزاب الشيوعية الاخرى وقد تخلى الروس عن اصدقاءهم العراقيين وهم يواجهون قدرهم في العراق بعد سقوط حكم الزعيم عبد الكريم قاسم في 8 شباط 1963 واقتصر الدعم على الاعلام .
تحسنت العلاقات بين العراق والاتحاد السوفيتي بعد الانقلاب الذي وقع في 17 تموز 1968 وتبادل الطرفان الزيارات وحاول الرئيس العراقي السابق صدام حسين اقامة علاقات وثيقة مع الاتحاد السوفيتي ..وقد تعاون الطرفان بنشاط في الفترة ما بين سنة 1958 وسنة 1990، لا سيما في المجال العسكري التقني. وكان العراق من أهم مستوردي المعدات الحربية السوفيتية. وقد بلغ حجم المبيعات العسكرية للعراق في تلك الفترة قيمة 30.5 مليار دولار. والى جانب ذلك فان الخبراء السوفيت كانوا يقومون بإصلاح المعدات العسكرية الخاصة، وقد انشئت بمساعدة الاتحاد السوفيتي في العراق المصانع العسكرية، وبينها مصنع مدافع هاوتزر ومصنع الرشاشات كلاشنيكوف ومصنع ذخائر المدفعية. كما تم إعداد الكادر الوطني العراقي.وبحسب تقييمات الخبراء فان العراق اشترى في الاتحاد السوفيتي على مدى 30 عاما معدات حربية وأسلحة بمبلغ 30.5 مليار دولار وحصل على 60 ترخيصاً بصنع الأسلحة الروسية.
لكن السوفييت والروس ظلوا يشكون في نوايا العراق بالرغم من بيعهم السلاح للعراق بأثمان باهظة ولربما كانوا يشككون في العلاقة بسبب موقف الحكومة العراقية السلبي من الشيوعيين . وقد اتضح ذلك بعد اجتياح العراق للكويت في اب 1990 وفرض مجلس الامن الدولي فياب -اغسطس 1990 العقوبات على العراق التي قضت بحظر التعاون مع العراق في المجال العسكري وتصدير واستيراد السلع، وكذلك توجيه الاموال إلى العراق. والتزام الاتحاد السوفيتي بتنفيذ الحصار حرفيا وبشكل حازم على العراق .لابل وصل الامر بالمبعوث الروسي بريماكوف ان يفاتح الرئيس العراقي الاسبق بضرور الانصياع للغرب والتخلي عن الحكم . 
ظلت السياسة الروسية وحتى بعد سقوط الاتحاد السوفيتي السابق تظر الى العراق بعين الريبة وكان ما يحركها هو مصالحها مع تركيا ومع ايران ومع الغرب لذلك لم تقف معه في حروبه التي خاضها الا بالقدر الذي يخدم مصالحها وديمومة الابقاء على علاقات جيدة مع الغرب من خلال فتح الاسواق الغربية لمنتوجاتها واعادة بناء الثقة الاوربية بروسيا الجديدة امام الاستثمارات الغربية .وما ساعدها على ذلك الانفتاح التركي عليها .وبعد الاحتلال الاميركي للعراق سنة 2003 تقلصت العلاقات العراقية -الروسية وتعرضت البعثة الدبلوماسية في بغداد لمشاكل عديدة وجرت محاولات غير ناجحة لاعادة العلاقات الى سابق عهدها وحدث نوع من التحسن في التبادل التجاري حتى ان الرئيس فلاديمير بوتين اشار في لقاءه بالدكتور العبادي اليوم 21-5-2015 الى إنه "رغم الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد العالمي وقضايا المنطقة، تتطور علاقاتنا بشكل ناجح جدا. وعلى الرغم من أن حجم التبادل التجاري ليس كبيرا جدا حتى الآن، إلا أنه ازداد بـ10 أضعاف خلال السنتين الماضيين".
أريد ان اقول ان روسيا لاتزال تنظر الى العراق على انه ليس ساحتها الرئيسة ، ففيه من اللاعبين الاقليميين والدوليين مالايجعلها تتحمس بالدخول في صراع معهم وهي تعرف بأن الحكومة العراقية المرتبطة بالحليف الاقليمي ايران وبالحليف الدولي الولايات المتحدة ليست على استعداد ان تغير مساراتها بإتجاه روسيا التي فقدت الكثير من اسس بقائها في العراق وعلى مختلف الاصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية ولسنا بحاجة الى ان نورد الكثير من الامثلة على ذلك .

هذا فضلا عن ان العراق سبق وفي عهد حكومة المالكي السابقة  ان  وقّع في أكتوبر/تشرين الأول 2012  صفقة  أسلحة مع روسيا بقيمة 4.2 مليارات دولار.وكان  بموجب هذا الصفقة  أن يتم تزويد العراق بثلاثين مروحية هجومية تستطيع الطيران في كل الأحوال الجوية من طراز "Mi-28NE night و50" ونظام دفاع جوي من طراز "بانستير" يحمل صواريخ قصيرة المدى. لكن هذه الصفقة علقتها السلطات العراقية بعد أسابيع قليلة من التوقيع عليها بسبب شبهات فساد، وبدأ البرلمان عمليات تحقيق مع عدة مسؤولين يشتبه في أخذهم رشاوى مرتبطة بالصفقة.
ومن هنا فإنني ارى ان زيارة الدكتور العبادي لن تنجم عن نتيجة فلا موسكو مستعدة لان تعطي السلاح بالاجل ولاالعراق مستعد لان يخاطر ويغير منظومته وتسليح جيشه من التسليح الاميركي الى التسليح الروسي فالوقت كما يقال -قد فات والعطار لايستطيع ان يصلح ما افسده الدهر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية بقلم : الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف

  فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل أجا...