الخميس، 21 مايو 2015

الدكتور خليل عبد العزيز -الموصل

شهادات ومذكرات

عن بعض العراقيين الذين مرٌوا بموسكو (13) الدكتور خليل عبد العزيز -الموصل 



بدأت بنشر هذه السلسلة من مقالاتي قبيل الذكرى السبعين لاقامة العلاقات العراقية – الروسية (ايلول / سبتمبر 1944 – ايلول/ سبتمبر 2014)، الا انني استلمت الكثير من الرسائل التي أشارت الى ضرورة الاستمرار بهذه السلسلة (بغض النظر عن تلك المناسبة المحددة) لانها تؤرٌخ بشكل عام العلاقات العراقية – الروسية من وجهة نظر مبتكرة وفريدة، ولأن هناك العديد من الاشخاص الآخرين الذين يستحقون ان نكتب عنهم في اطار هذا الموضوع، وانا اتفق مع هذه الآراء فعلا ، ولهذا فانني قررت ان اقدم حلقات جديدة من هذه السلسلة، و هذه واحدة منها والتي ستكون مكرٌسة للدكتور خليل عبد العزيز .
سبق لي ان ذكرت اسم الدكتور خليل عبد العزيز في حلقة سابقة من هذه السلسلة تحت رقم (2)، عندما تحدثت عن كتاب سفير العراق الاسبق في موسكو صالح مهدي عماش والذي صدر في بغداد عام 1972 بعنوان – (موسكو عاصمة الثلوج)، وأشرت هناك الى انه كان يعمل في معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية، واود ان اضيف هنا انه كان اول عراقي عمل في هذا المعهد، وثاني أجنبي بعد الشاعر التركي الكبير ناظم حكمت، ولا اعرف لحد الان – حسب علمي المتواضع - عراقيا آخرا عمل في هذا المعهد الاكاديمي العتيد.
لقد وصل خليل عبد العزيز الى موسكو في بداية الستينات من القرن الماضي، بعد ان ساهم – وبشكل واسع وفعٌال - في الاحداث المتشابكة والمعقدة في الموصل عام 1959 والمرتبطة بحركة التمرد التي قام بها الشواف، وقد صدر ضده حكما بالاعدام آنذاك، وقام الحزب الشيوعي العراقي بترتيب اخراجه (او بالاحرى تهريبه) من العراق وارساله الى موسكو لاكمال دراسته الجامعية، وهكذا ظهر فجأة عراقي شاب بيننا في جامعة موسكو في بداية الستينات اسمه يوسف الياس، وكنا نسميه طبعا (ابو يعقوب)، ولكن الاسرار – مع الاسف - في اوساط العراقيين لا تصمد طويلا كما هو معروف، وهكذا كان العراقيون في جامعة موسكو - بعد فترة قصيرة - يتهامسون فيما بينهم عندما يمر يوسف الياس امامهم قائلين - انه (خليل عبد العزيز) وليس (ابو يعقوب) ...
درس (ابو يعقوب) بشكل مثابروملتزم و جديٌ وناجح جدا، وحصل على شهادة الدكتوراه في الصحافة بعد دراسة دامت سنوات طويلة، وتم تعينه عام 1971 في معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية، وكان رئيس هذا المعهد آنذاك الاكاديمي السوفيتي المعروف غفوروف، المستعرب الشهير، واصبح خليل عبد العزيز مساعدا له فيما يخص شؤون الشرق العربي بحكم كونه عراقي عربي وحاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة موسكو، وقد كان يحضر طبعا كل اللقاءات التي تحدث بين غفوروف والسفراء العرب والوفود العربية الرفيعة المستوى في المعهد، ومن أبرزها تلك التي حدثت بمناسبة الاحتفالات العالمية لمناسبة الذكرى الالفية للفارابي. لقد اقترحت ايران آنذاك ان تتبنى هذه الاحتفالية تحت عنوان – الفيلسوف الفارسي الفارابي، واقترح العراق ان يتبنى تلك الاحتفالية تحت عنوان – الفيلسوف العربي الفارابي، أما الاتحاد السوفيتي فقد اقترح ان يكون الاحتفال تحت عنوان – فيلسوف الشرق الفارابي . كان السفير العراقي صالح مهدي عماش يتفاوض مع غفوروف باسم الرئيس العراقي أحمد حسن البكر، وكان الاتحاد السوفيتي يميل الى عقد هذه الاحتفالية في بغداد لاسباب سياسية بالطبع ايام ايران زمن الشاه ، وهكذا قرر معهد الاستشراق ان يرسل خليل عبد العزيز الى العراق للتفاوض حول التفصيلات باسم المعهد، اي باسم الاتحاد السوفيتي واقعيا، وقد حاول عماش ان يقنع خليل عبد العزيز بعدم الموافقة على قبول هذه المهمة والاعتذار عنها، ولكنه لم يستطع اقناعه بذلك، اذ أصرٌ المعهد على اقتراحه هذا بتنسيق دقيق ومحدد مع الجهات السوفيتية العليا بالطبع، وهكذا اضطر سفير العراق ان يفاتح الجهات العراقية برأي الجانب السوفيتي حول ذلك، وقد وصل الموضوع طبعا الى رئيس الجمهورية احمد حسن البكر، اذ ان الموافقة على ذلك المقترح كان يقتضي اولا وقبل كل شئ الغاء احكام الاعدام الصادرة في العراق بحق خليل عبد العزيز عام 1960، والاعتراف بان هذا المواطن العراقي يمثٌل الان الاتحاد السوفيتي، وبالتالي يتمتع بكافة حقوق المواطن السوفيتي وحصانته امام المفاوض العراقي في بغداد نفسها. استجاب العراق لتلك الشروط التي وضعها معهد الاستشراق السوفيتي، وحضر السفير العراقي عماش الى المعهد واخبرهم بذلك بصورة رسمية وارسل صورة من القرار الذي نشر في صحيفة الوقائع العراقية للامر الرئاسي بالغاء احكام الاعدام على خليل عبد العزيز، وتم اتخاذ كافة الاجراءآت اللازمة في سفارة العراق بموسكو بشأن سفره رسميا الى بغداد باسم الاتحاد السوفيتي . وهكذا عاد المواطن العراقي الدكتور خليل عبد العزيز الى بغداد (الذي تركها عام 1960 بعد صدور الحكم بالاعدام ضده نتيجة مشاركته باحداث الموصل عام 1959) ليتفاوض مع رئيس الجمهورية العراقية أحمد حسن البكر باسم الاتحاد السوفيتي، وهو شئ حدث لاول مرة في تاريخ العراق - حسب علمنا المتواضع – والذي لم يتكرر لحد الآن في تاريخ العلاقات العراقية - الروسية. لقد سألت الدكتور خليل عن ردود فعل احمد حسن البكر عندما استقبله في بغداد، فقال انه أشار في اللقاء الاول الى أحداث الموصل ومساهمتي بها وموقفي المضاد تجاه البعثيين، وقد اضطر الدكتور خليل طبعا ان يدافع عن موقفه وذكر له بعض الارقام الرسمية حول الضحايا من الجانبين وقد كان الاجتماع متوترا، اذ ان البكر أشار الى استغرابه (بقيامي بمهمة التفاوض باسم السوفييت وانا العراقي، فقلت له انني موظف في المعهد وأنفذ اوامره)، ولكن البكر لم يكرر هذا الحديث في اللقاءآت الاخرى . لقد كانت المهمة محددة للدكتور خليل من قبل الاكاديمي غفوروف وهي – عدم الخوض مع البكر في مواضيع تخص مهرجان الفارابي، وانما طرح أسئلة سياسية تتعلق بمدى صدقية التعاون مع القوى الوطنية العراقية وبالذات مع الشيوعيين والاكراد، أما فيما يخص مهرجان الفارابي، فيجب عليه طرحها تفصيلا مع وزير الثقافة والاعلام طارق عزيز، وقد تم عقد أربعة اجتماعات مع البكر على مدى اربع ساعات كل يوم . لقد سألت الدكتور خليل عن انطباعاته حول البكر، فقال انه كان صريحا، وانه لم يكن مخلصا في التعاون مع الشيوعيين وتلبية الحقوق القومية للاكراد وانه كان يطمح في بسط نفوذ حزب البعث في العالم العربي .
هناك جوانب اخرى كثيرة في حديثي مع الدكتور خليل عبد العزيز (الذي يسكن الان في السويد) حول عمله في معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية، منها اللقاء مع هيكل – رئيس تحرير جريدة الاهرام المصرية آنذاك، وسفره الى القاهرة واللقاءات مع الشخصيات المصرية الرسمية مثل جمال عبد الناصر وبقية أعضاء القيادة المصرية، ومنها متابعة رسائل الدكتوراه لبعض الشخصيات العربية في موسكو مثل رفعت الاسد ومكرم الطالباني وفاضل البراك وغيرهم وعلاقة ذلك بالسياسة السوفيتية بشأن اعداد الكوادر الوطنية في العالم العربي .. واتمنى ان تسنح لي الفرصة للحديث عن ذلك لاحقا...  
* عن المصدر التالي ورابطه : http://almothaqaf.com/
تعليق :في أحد كناشاتي كتبتُ عن خليل عبد العزيز وقلت:" كان خليل عبد العزيز رئيسا لاتحاد الطلبة العام في الموصل قبل السيد مثري طه العاني وقد اعتقل سنة 1959 واصبح بعد هربه الى موسكو سكرتيرا شخصيا للعلامة غفوروف مدير معهد الاستشراق وكان خليل عبد العزيز قد حصل على الدكتوراه وعنوان اطروحته :" دور السياسة السوفيتية ازاء العرب وخصوصا في اليمن الجنوبي " وقد قيل بأنه ذكي وديناميكي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية بقلم : الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف

  فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل أجا...