الثلاثاء، 9 أبريل 2013

السيد محمد باقر الصدر 1931-1980 واسهاماته في تطوير الفكر الاسلامي الحديث



 السيد محمد باقر الصدر  1931-1980 واسهاماته في تطوير الفكر الاسلامي الحديث
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث- العراق

      شهد العراق في تاريخه الحديث نخبة من المفكرين الذين كان لهم دورهم في تنمية  الاهتمام بتطوير  الفكر  السياسي الاسلامي .  و من أبرز هؤلاء السيد محمد باقر الصدر ، والشيخ امجد الزهاوي .وللاسف فأن  الاهتمام بدراسة هذا الجانب من تاريخ العراق الحديث لم ينل ما يستحقه من اهتمام . ولعل من اسباب ذلك"  طغيان السياسة على الفكر"  وايلاء رجال السياسة  اهتماما  اكبر من الاهتمام برجالات الفكر والثقافة.وهذا  مما يتطلب من المؤرخين الشباب الالتفات الى هذا الجانب ، والتفرغ لتوثيق حركة الفكر والثقافة في العراق الحديث والمعاصر .لقد كتبتٌ عن " الفكر السياسي الاسلامي عند الشيخ امجد الزهاوي" مقالا متاحا على النت ، وهنا افرد بعض الصفحات للحديث عن انجازات السيد محمد باقر الصدر الفكرية .

      ولد  آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر في مدينة الكاظمية المقدسة سنة 1931 م  . وقد عاش في بيئة علمية دينية فوالده  السيد حيدر الصدر كان عالما بارزا في المسائل الاصولية والفقهية.كما كان جده السيد اسماعيل الصدر ضالعا في قضايا الفقه وكانت والدته من ال ياسين هذه الاسرة المعروفة بمكانتها العلمية . وقد تلقى السيد محمد باقر الصدر دراساته الاولى في مدارس منتدى النشر بالكاظمية ،  ثم واصل دراساته الفقهية العليا في النجف الاشرف ودرس على ايدي كل من اية الله  الشيخ محمد رضا ال ياسين،  واية الله العظمى السيد ابو القاسم الخوئي رحمهما الله .
     بدأ السيد الصدر  بعد تخرجه  بتدريس " الفقه"  و" الاصول"  واخذ يدرس " البحث الخارج " في سنة 1965 . كما كان التحليل التاريخي والفلسفة وعلم الاقتصاد وعلم الاجتماع  من الموضوعات التي أهتم بها  واصبح له طلابا يعتد بهم  ومنهم اية الله السيد كاظم الحائري واية الله السيد محمود الهاشمي الشاهرودي .
    كان السيد الصدر استاذا متمكنا من مادته ، رحيما رؤوفا بتلاميذه،  زاهدا ، ورعا ، نظيفا،  متقشفا ، صادقا يحب لغيره كما يحب لنفسه .كما كان صبورا،  طيبا في تعامله مع الناس .ومما كان يميزه انه كان يحرص على قول الحق وكان يدعو الى الى يكون للمرجعية شأن في ادارة البلاد وصنع القرار لذلك اصطدم مع النظام السابق ودفع ثمنا باهضا اذ اعدم في 9 نيسان سنة  1980  .كتب عنه الاستاذ حميد المطبعي في " موسوعة اعلام وعلماء العراق في القرن العشرين " فقال انه " مستقل في فكره الاجتهادي ، موسوعي المعرفة ، مستنبط ، وله فتاوي كثيرة في باب اجتهاده الريادي ...كان مرجعية فذة في التخريج الفقهي والى علميته واستنباطاته الفكرية شرع بدور تعبوي واخذ يعظ الناس في الجوامع فألتف حول مرجعيته جمهور واسع ومقلدون لمنهجه الديني الاسلامي الفقهي مما شكل خطرا على السلطة فحوكم في محكمة أمن الدولة واصدرت حكمها عليه بالاعدام ونفذ في لحظته ".
        من أبرز مؤلفاته : "فلسفتنا " و" اقتصادنا " وكان من المؤمل ان يؤلف كتابا ثالثا بعنوان:  " مجتمعنا " . ومما أذكره اننا كنا في الستينات والسبعينات من القرن الماضي نتداول كتبه وكنا معجبين بكتابيه :" فلسفتنا " و" اقتصادنا ". ومن كتبه :"فدك في التاريخ " ، و" غاية الفكر في علم الاصول " . اقتنيت كتابه : "الانسان المعاصر والمشكلة الاجتماعية "  منذ سنوات ووجدت انه يلخص افكار السيد محمد باقر الصدر  وخاصة في تناوله عددا من المباحث  ابرزها :

الإنسان المعاصر وقدرته على حل المشكلة الاجتماعية.
مشكلة الانسانية اليوم
الانسانية ومعالجتها للمشكلة
رأي الماركسية
رأي المفكرين غير الماركسيين
الديموقراطية الرأسمالية
الاتجاه المادي في الرأسمالية
موضع الاخلاق من الرأسمالية
ماسي النظام الرأسمالي
الاشتراكية والشيوعية
المؤخذات على الشيوعية
التعليل الصحيح للمشكلة
الاسلام والمشكلة الاجتماعية
كيف تعالج المشكلة
رسالة الدين
موقف الاسلام من الحرية والضمان الاجتماعي
الحرية في الرأسمالية والاسلام
الحرية في الحضارة الرأسمالية
الحرية في المجال الشخصي
الحرية في المجال الاجتماعي
الضمان في الاسلام والماركسية

   يقول السيد الصدر في مقدمة مشروعه الفكري الذي أطلق عليه عنوان : "المدرسة الاسلامية "  : "وقد لاحظنا  ، من البدء ، مدى التفاوت بين الفكر الإسلامي في مستواه العالي وواقع الفكر الذي نعيشه في بلادنا بوجه عام حتى  صعب على الكثير مواكبة ذلك المستوى العالي إلا بشيء كبير من الجهد، فكان لابدّ من حلقات متوسطة يتدرج خلالها القارئ إلى المستوى الأعلى ويستعين بها على تفهم ذلك المستوى الأعلى وهنا نشأت فكرة (المدرسة الإسلامية)أي محاولة اعطاء الفكر الاسلامي في مستوى مدرسي ،ضمن حلقات متسلسلة تسير في اتجاه مواز للسلسلة الرئيسية "(فلسفتنا ،واقتصادنا ) وتشترك معها في حمل الرسالة الفكرية للاسلام وتتفق واياها في الطريقة والاهداف الرئيسية وان اختلفت في الدرجة والمستوى " .
كان لديه مؤلفات اخرى منها :
1 ــ البنك اللاربوي في الإسلام.
2 ــ الأسس المنطقية للاستقراء.
3 ــ بحث حول المهدي.
4 ــ بحث حول الولاية.
5 ــ دروس في علم الأصول.
6 ــ بحوث في العروة الوثقى (أربع مجلدات).
7 ــ تعليقة على منهاج الصالحين.
8 ــ لمحة فقهية عن دستور الجمهورية الإسلامية.
9 ــ المرسل والرسول والرسالة.
10 ــ غاية الفكر في الأصول (خمس أجزاء).
     كان يدعو الى اقامة دولة الحق والعدل والمساواة ، وكان يذهب الى ان العمل الثوري هو الطريق الامثل لاقامة هذه الدولة لذلك اصطدم بالدولة ومؤسساتها .كان يقول انه لابد من دم كدم الحسين عليه السلام  يعيد للامة نهضتها وحيويتها ومعنى هذا تيقنه بأن الاستشهاد من اجل ان تنهض الامة ، مسألة مبررة وضرورية  .وكان يقول ان الفكر الاسلامي فكر حركي له القدرة على مواجهة التحديات الفكرية الاجنبية . ويرى بأن  المرجعية الدينية كانت وستبقى قادرة على توجيه الناس والمجتمع فكريا وسياسيا   لذلك لخص –رحمه الله –اهداف المرجعية وواجباتها في ما يأتي :
1 ــ نشر أحكام الإسلام على أوسع مدى ممكن بين المسلمين.
2 ــ إيجاد تيار فكري واسع في الأمة.
3 ــ إشباع الحاجات الفكرية الإسلامية للعمل الإسلامي.
4 ــ القيمومة على العمل الإسلامي.
5 ــ إعطاء مراكز العالمية من المرجع إلى أدنى مراتب العلماء الصفة القيادية للأمة.
ومما كان يؤكده ان إن المرجعية من خلال نفوذها في عمق الأمة الإسلامية هي وحدها القادرة سياسياً على النهوض بالأمة، ومن ثم استلام زمام الحكم والدولة.
"إن الشعب.. يحقق نجاحه في نضاله بقدر التحامه مع قيادته الروحية، ومرجعيته الدينية الرشيدة التحاماً كاملاً."
هذا فضلا عن أن: المرجعية الدينية والقيادة الروحية هي الحصن الواقي من كثير من ألوان الضياع والانحراف. ومعنى هذا انه كان مؤمنا بولاية الفقيه وهذه الولاية  ليست لكل فقيه، إنما هي فقط للفقيه المرجع، الذي أعطته الأمة قيادها، ودانت له بالولاء والطاعة. يتحدث (رحمه الله) عن المرجعية قائلا:
"يجب أن يتوفر في الشخص الذي يجسد هذه المقولة:
أولاً: صفات المرجع الديني في الاجتهاد المطلق والعدالة.
ثانياً: أن يكون خطه الفكري من خلال مؤلفاته وأبحاثه واضحاً في الإيمان بالدولة الإسلامية وضرورة حمايتها.
ثالثا: أن تكون مرجعيته بالفعل في الأمة بالطرق الطبيعية المتبعة تأريخياً".  
    كان يعتقد ان ثمة فوارق بين العراق وايران في مسألة قيادة المرجعية للدولة والمجتمع  ، وحتى في تبني نظرية ولاية الفقيه لابد من أخذها بنظر الاعتبار .ومن هذه الفوارق اختلاف درجة الوعي  السياسي الاسلامي ،وموقف بعض العلماء من التحرك السياسي ،  وعدم قدرة المرجعية على استيعاب كل مكونات الشعب العراقي لعوامل  تاريخية واجتماعية  وسياسية ونفسية مختلفة .
   يقول السيد محمد باقر الصدر وهو يقدم لكتابه :" الانسان المعاصر والمشكلة الاجتماعية " والذي صدر عن مطبعة النعمان بالنجف الاشرف سنة 1384 هجرية -1968 :"قبل ثلاث سنوات قمنا بمحاولة متواضعة لدراسة الاسس التي   تقوم عليها مسألة العلاقة بين الاسلام والماركسية وكان كتاب فلسفتنا تعبيرا عن هذه المحاولة ،ونقطة انطلاق لتفكير متسلسل يحاول ان يدرس الاسلام من القاعدة الى القمة وهكذا صدر "فلسفتنا " وتلاه بعد سنتين تقريبا كتاب " اقتصادنا " ولايزال الشقيقان الفكريان بأنتظار اشقاء اخرين ،لتكتمل المجموعة الفكرية التي نأمل تقديمها  في اطار الرسالة الفكرية للاسلام .
كانت المدرسة الفكرية الاسلامية التي يطمح السيد محمد باقر الصدر تقديمها تتلخص في انها تعتمد على الاقناع اكثر من الابداع .. كما انها لاتتقيد بالصيغة البرهانية للفكرة دائما وتعالج نطاقا فكريا اوسع من المجال الفكري الذي تباشره "فلسفتنا " ، واشقائها لانها لاتقتصر على الجوانب الرئيسة في الهيكل الاسلامي العام وانما تتناول ايضا النواحي الجانبية من التفكير الاسلامي وتعالج شتى الموضوعات الفلسفية او التاريخية او الاجتماعية التي تؤثر في تنمية الوعي الاسلامي وبناء الشخصية الاسلامية .والاهم من ذلك اقامة النظام الاجتماعي الكفيل بسعادة الانسان لهذا تفرغ في كتابه هذا الى دراسة موقف الاسلام من الحرية وموقف الرأسمالية من الحرية وموقف الماركسية من الحرية  .
   لقد انطلق من فكرة مهمة وهي ان مشكلة العالم هي مشكلة النظام الاجتماعي وما هو النظام الذي يصلح للانسانية وتسعد به في حياتها الاجتماعية ، وهذه المشكلة عميقة الجذور ، وقد واجهها الانسان منذ ان وجد وقد دفعته الى خوض جهاد طويل وصراع حافل بمختلف الالوان وبشتى مذاهب العقل البشري وكان صراعا مرهقا يضج بالماسي والمظالم ، ويزخر بالمضحكات والدموع ..والواقع –يقول السيد محمد باقر الصدر : " ان احساس الانسان المعاصر بالمشكلة الاجتماعية اشد من احساسه بها في اي وقت مضى .فهو الان اكثر وعيا لموقفه من المشكلة ، واقوى تحسسا بتعقيداتها ..لقد أصبح يعي ان المشكلة من صنعه ، وان النظام الاجتماعي لايفرض عليه من الاعلى بالشكل الذي تفرض عليه القوانين الطبيعية .يتساءل السيد الصدر :كيف تستطيع الانسانية المعاصرة ان تدرك مثلا ان النظام الديموقراطي الرأسمالي او دكتاتورية البروليتاريا الاشتراكية او غيرها هو النظام الاصلح ؟.وهنا يتعرض لرأي الماركسية ، ورأي الرأسمالية بالتفصيل ثم يعرج على موقف الاسلام من المشكلة الاجتماعية . ويقول ان فكرة المصلحة المادية الخاصة هي الاساس الحقيقي للبلاء الاجتماعي وان كلا النظامين الماركسي والرأسمالي فشلا في تحقيق سعادة الانسان وتوفي كرامته .
        وبعد ان يؤكد السيد الصدر على ان فكرة "الحرية الاقتصادية " لاتنفصل عن فكرة " الحرية السياسية"  يقول ان موقف الاسلام من الحرية يختلف بصورة اساسية عن موقف الحضارة الغربية فهو يعني بالحرية تحرير الانسان من سيطرة الاخرين ويعد تحقيق هذا المدلول هدفا من الاهداف الكبرى للرسالة السماوية بالذات " يضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم " .( الاعراف :156 )..فالانسان عبد الله قبل كل شيء وهو بوصفه عبدا لله لايمكن  ان يقر سيطرة لسواه .والقاعدة الاساسية للحرية في الاسلام هي التوحيد والايمان بالعبودية المخلصة لله .في الحقل الاقتصادي نادى الاسلام بالحرية الاقتصادية وبالضمان الاجتماعب ومزج بينهما في تصميم موحد فالكل احرار في المجال الاقتصادي ، ولكن في حدود خاصة فليس الفرد حرا حين يتطلب ضمان الافراد الاخرين والحفاظ على الرفاه العام ..التنازل عن شيء من حريته وهكذا تالفت فكرتا الحرية والضمان في الاسلام .
   وفيما يتعلق  بالحرية الفكرية ، فالاسلام يسمح للفكر الانساني ان ينطلق ، ويعلن عن نفسه مالم يتمرد على قاعدته الفكرية التي هي الاساس الحقيقي لتوفير الحرية للانسان في نظر الاسلام ومنحه شخصيته الحرة الكريمة التي لاتذوب أمام الشهوات .
   ومن المعطيات الثورية للحرية الفكرية في الاسلام :الحرب التي شنها  على التقليد وجمود الفكر والاستسلام العقلي للاساطير أو اراء الاخرين دون وعي وتمحيص والهدف الذي يرمي اليه الاسلام من ذلك : تكوين العقل الاستدلالي او البرهاني  عند الانسان .
  وعن الضمان الاجتماعي في الاسلام قال السيد الصدر بأنه حق من حقوق الانسان بينما هو في الماركسية حق الالة وليس حقا انسانيا فالالة –وسائل الانتاج – متى وصلت الى درجة معينة يصبح الضمان الاجتماعي شرطا ضروريا في نموها واطراد انتاجها ، فما لم تبلغ وسائل الانتاج هذه المرحلة لامعنى لفكرة الضمان ولاجل ذلك تعتبر الماركسية الضمان خاصا بمجتمعات معينة في دورة محددة من التاريخ وفي الاسلام فأن الاخوة الاسلامية هي الاطار الذي تؤدي فريضة الضمان ضمنه .والضمان في الاسلام لايختص بفئة دون فئة فهو يشمل حتى اولئك الذين يعجزون عن المساهمة في الانتاج العام بشيء فهم مكفولون في المجتمع الاسلامي ، ويجب على الدولة ان توفر لهم وسائل الحياة .كما ان الضمان في الماركسية من وظيفة الدولة وحدها .واما في الاسلام فهو من وظيفة الافراد والدولة معا وبذلك وضع الاسلام مبدأين احدهما مبدأ التكافل العام والاخر مبدأ الضمان الاجتماعي .
   ليس من السهولة الوقوف عند كل الاسس التي تشكل الركائز العامة في فكر السيد محمد باقر الصدر ، وهذا يحتاج الى تفرغ وجهد ووقت  ، لكن مما ينبغي ان اؤكده بأن السيد محمد باقر الصدر قدم ، من خلال كتبه وارائه الى الفكر السياسي الاسلامي ، الكثير من الاضافات النوعية الامر الذي يضعه - حقا -في مصاف المفكرين المسلمين الافذاذ الذين رفدوا الفكر الانساني بالكثير من الاراء والافكار التي أسهمت في دفع حركة التغيير العربية والاسلامية الى مديات متقدمة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...