العراق في صور ، لمُعدِّهِ ومُصممهِ نوري الراوي
أعداد : كوثر جاسم
مجلة الموروث-دار الكتب والوثائق
العراق.. أرض مابين النهرين، موئل الأوائل في التأريخ.. إنه الارض التي وجدت عليها أول حياة زراعية مستقرة، فيه اكتشفت العجلة واستعملت لاول مرة في حياة الانسان، وفيه قامت اول جامعة، وخرج أول فلكي ، وسنت أول الشرائع، وأنشئت اول موسوعة.
هذه الارض العجيبة التي ولد عليها الانسان، وولدت معه المخيلة المجنحة، والحرف الرامز،والصوت المسربل بالمعاني في ارفع ادب عرفه العالم القديم.
عن المعالم الحضارية التي يزدهر بها وادي الرافدين جمع نوري الراوي معلومات وصوراً في كتاب ضم العديد من الشخوص الحضارية التي لازالت حتى الآن اثارا عتيقة تجدر بالاهتمام والدراسة، حمل الكتاب عنوان (العراق في صور) وهو في 140 صفحة وبالحجم المتوسط ، وقد صدر بغداد 1966 . تحدث جزؤه الاول عن الملوية وهي اهم آثار سامراء الباقية – وهو في الواقع اكبر جامع في العالم- فيشاهد منه الان اسواره الضخمة المشيدة بالاجر بابراجها نصف الدائرية وهي تحيط بساحة مستطيلة طولها 240 مترا وعرضها 160 مترا. وفي ظلال هذه الاسوار العالية، يحط الوافدون رحالهم ليستمتعوا بالاصداء الحية تنبعث من الاثر الباقي عبر القرون.
ومدينة الحضر وبقايا معبد الشمس كان لها مكان في هذا الكتاب اذ قال عنها معد الكتاب انها تقع في منخفض من البادية الواسعة بين النهرين وهي الارض المعروفة بـ(الجزيرة) على بعد ثلاثة كيلومترات من الضفة الغربية لوادي الثرثار،اشتهرت هذه المدينة بحارتها وتجارتها وكذلك بمناعة اسوارها وشجاعة اهلها، بحيث انها صدت هجوم الامبراطور الروماني (تراجان) في عام 117م،ان مدينة الحضر تداني بالجلال والعظمة وجمال الفن العماري معبد جوبتر في بعلبك، ويصبح قبلة السائحين والزائرين وموضعا فريدا لاقامة المهرجانات الدولية والعربية في قابل الايام.
وأيضا نقرأ في الكتاب عن القصر العباسي في هذا الكتاب الذي انشئ على ضفة دجلة اليسرى، وتكمن قيمة هذا القصر في انه البناء العباسي الذي ظل محتفظا رغم عوادي الزمان ببعض تفاصيله الزخرفية ومقرنصاته وعقوده، كما تتجلى في كونه النموذج المتفرد الذي نقل الى زمننا هذا فن البناء الاسلامي ومابلغه من احكام عمارة وجمال زخرف، ودقة فن يبلغ حد الاعجاز.
ومن اروع المشاهد التاريخية وانفسها واجملها نقوشا في بغداد، والذي كان له نصيب في كتاب (العراق في صور) مرقد الكاظمين، والذي يضم تحت قبتيه الهائلتين المغشاتين بالذهب الخالص ضريحي الامامين الطاهرين موسى الكاظم وحفيده محمد الجواد، كان موضعه في العصر العباسي الاول مدفنا يطلق عليه اسم (مقابر قريش)، وغشيت قبتاه ومناراته الاربع بالذهب الخالص، كما ازرت اسواره بالقاشاني الملون، وحليت عقوده ومقرنصاته بالبلور والمرايا البراقة، وغشيت ابوابه بالفضة ذات الكتابات والزخارف الدقيقة البارزة، وهو من المراقد المقدسة الشهيرة التي تحظى باكبار ملايين المسلمين حيث يؤمها الوف مؤلفة من الزوار كل عام.
وكذلك تحدث المعد عن مرقدي الامامين الهادي والعسكري في سامراء، هو البناء الجميل القائم الان بنقوشه البديعة وزخرفته الاسلامية التي تناظر مثيلاتها في مراقد الائمة الكرام.
وتحدث مؤلف الكتاب ايضا عن القبة المخروطية لتربة الشيخ الزاهد شهاب الدين ابي حفص عمر البكري السهروردي العالم الصوفي المشهور وهي تشبه من حيث الطراز البناء القبة التي تقوم اليوم في الكرخ على قبر السيدة زمرد خاتون زوجة الخليفة المستضئ بامر الله وام الخليفة الناصر لدين الله.
ومن المعالم الحضارية في وادي الرافدين عقرقوف (دور كوريكالزو)، التي يشاهد الزائر آثار برجها الهائل القائم وسط السهول المترامية الاطراف في الجانب الغربي من بغداد.
وكذلك طاق كسرى الذي يعود تاريخ هذا البناء الضخم الى حدود القرن الرابع بعد الميلاد، ويعد اوسع طاق شيد من الطابوق غير المسلح في العالم.
ومن الالات الموسيقة التي تعتبر معلما حضاريا قديما هي الة القانون التي يعشقها العرب بعد العود، ويقابل عند الشرقيين الة البيانو الغربية باعتبارها الة ثابتة الاصوات. ورجح الباحثون انه عراقي الاصل والمنشأ، فقد عرف الاشوريون في القرن السابع قبل الميلاد الة موسيقية كانت تدعى باللغة الاشورية (ايشيرلو).
وتطرق المعد الراوي الى نواعير الفرات وهي نوع من الروافع المائية البدائية التي مازالت تستعمل لارواء الاراضي الواقعة على جانبي الفرات الاعلى والتي هي في الغالب اعلى مستوى من مجرى النهر.
واخيراً كان للمدرسة المستنصرية نصيب في هذا الكتاب الذي ضم ابرز المعالم الحضارية في العراق، اذ تحدث عنها المعد قائلا انها تعتبر من الابنية العباسية المهمة الباقية اليوم في العراق،وكان لهذه المدرسة ساعة مائية عجيبة اقيمت في ايوان بني امامها سنة 633هـ ، وحفلت المستنصرية ايام عزها بمكتبة عظيمة بلغ عدد مجلداتها 80 الف مجلد ضاعت على مر العصور.
فضلاً عن هذه الشخوص الحضارية التي تطرق اليها المعد، فقد ضم الكتاب ملحقا بالصور الآثارية القديمة النادرة ومعها تعليق باللغتين العربية والانكليزية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق