استفتاء جنوب السودان : ملامح الموقف الاميركي ومبرراته
د. ذاكر محي الدين عبد الله العراقي
مركز الدراسات الإقليمية/ جامعة الموصل
يعد السودان أكبر الدول العربية والإفريقية في القارة الأفريقية من حيث المساحة التي تبلغ أكثر من(5,2) مليون كيلومتر مربع، وتعادل مساحته ثلاثة مرات مساحة ألمانيا وإيطاليا وإنكلترا مجتمعة، وبما يقارب مساحة أوربا الغربية كلها. وله حدود مشتركة مع تسع دول عربية وإفريقية، يتوزع سكانه على 600 قبيلة، يتكلمون 115 لغة ولهجة محلية، تتفرع منها لهجات أخرى، وهذه القبائل يتحكم فيها زعماء محليون من شيوخ وسلاطين وأمراء، ولكل منهم عالمه الخاص، الذي لا علاقة له بالضرورة بالسلطة المركزية في الدولة.
والسودان بلد غني، بمياهه ونفطه وغازه وغاباته ومعادنه التي تتراوح بين اليورانيوم والذهب والنحاس والفسفور والمنغنيز والكروم..وغيرها من المعادن. وإلى جانب ذلك فثروته الزراعية والحيوانية لا حدود لها، زادت على 200 مليون فدان صالحة للزراعة و50 مليون رأس من الغنم والماعز، إضافة إلى 23 مليون من الأبقار و35 مليون من الإبل. كما زاد من أهميته موقعه الإستراتيجي في المحيط الإفريقي، وإطلالته على البحر الأحمر بساحل طوله 644 كيلومتراً، كل ذلك جعل السودان مطمعا للدول الكبرى وساحة لصراعاتها، ونقطة جذب للمتآمرين والمغامرين والمبشرين، ولاسيما في جنوب السودان.
تبلغ مساحة جنوب السودان حوالي 700 ألف كيلومتر مربع بنسبة(28% من مساحة السودان)، وله حدود مشتركة تمتد إلى 2000 كم تقريباً مع خمس دول مجاورة للسودان هي: إثيوبيا، وكينيا، وأوغندا، والكونغو، وأفريقيا الوسطى.
يتحدث سكان الجنوب 12 لهجة محلية أهمها اللغة العربية المحلية التي تنطق بلكنة أفريقية وهي لغة أغلب سكانه تقريباً، إلى جانب اللغة الإنكليزية لغة النخبة. وتنقسم قبائله إلى ثلاث مجموعات تتداخل مع دول الجوار تداخلا واضحا ومؤثرا، وهي:
- المجموعة النيلية: تضم قبائل (الدينكا – النوير – الشلك).
- مجموعة النيليون الحاميون: أطلق عليهم هذا الاسم نظراً لاشتراكهم مع المجموعة النيلية في كثير من السمات السلالية واللغوية ونمط الحياة الاقتصادية.ومن أهم قبائلها (الباري- والمنداري – والتو بوسا – والتوركاتا).
- المجموعة السودانية : تنتمي إلى هذه المجموعة قبائل (الزاندي – المور – المادي – البون جو– القريش)،وعبارة (المجموعة السودانية) اصطلاح سلالي عرقي، وليس اصطلاحاً سياسياً.
حظي الإقليم باهتمام القوى العظمى ومنذ أواخر القرن التسع عشر،وتضاعفت هذه الأهمية في حقبة الحكم البريطاني – المصري المشترك (1899-1956)، وبما اتبعته الإدارة البريطانية من إجراءات وما أصدرته من أنظمة وقوانين كرست وبشكل واضح التمايز والتنافر وعززت الفرقة والاختلاف بين أبناء البلد الواحد، وباعتراف الجنوبيين أنفسهم،زاد من حدتها فيما بعد فشل الأنظمة السودانية الحاكمة في تحقيق الاندماج والتكامل بين شمال البلاد وجنوبها وجنوح غالبية هذه الأنظمة إلى الحلول العسكرية في حروب أضفيت عليها هالة القداسة بين الجانبين.
لعل من اخطر الإجراءات البريطانية، مذكرة المناطق المقفلة التي أصدرها السكرتير الإداري البريطاني هارولد ماك مايكل، والتي اعتبرت بموجبها مديريات الجنوب الثلاث: بحر الغزال، أعالي النيل، (الاستوائية) مناطق مقفلة على أبناء شمال السودان بحجة "..إنشاء سلسلة من الوحدات القبلية أو الجنسية (الأثنية) القائمة بذاتها على أن يكون قوام النظام فيها مرتكزاً على العادات المحلية والتقاليد والمعتقدات بقدر ما تسمح به ظروف العدالة المحلية والتقاليد والمعتقدات والحكم الصالح..''، فكانت هذه المذكرة الخطيئة الأولى التي غرست بذور التفرقة بين شقي السودان، وأدت إلى حروب كارثية نشبت بين الجانبين منذ عام 1955 والى عام 2005، راح ضحيتها أكثر من مليوني سوداني، وقلّ ما توجد أسرة في الجنوب لم تفقد أحد أفرادها أو أحد أقاربها، بل إن هناك أُسراً لم يبقَ منها إلا فردٌ واحد.
المشهد السياسي العالمي الحالي وبعد أحداث 11 أيلول 2001، يؤشر حدوث تبدل واضح في توجهات الإدارة الأمريكية تجاه القضايا الساخنة في العالم.غير أن المتتبع لطبيعة الإستراتيجية الأمريكية ومشاريعها السياسية الدولية، يجدها شديدة الصلة بالتطور التاريخي للنظرة الأمريكية لواقع الأحداث والأزمات في مختلف بقاع العالم، ومنها الاستفتاء في جنوب السودان .
لاسيما وأن الفكر السياسي الأمريكي المعاصر قام أساسا على إخضاع أية نظرة للأحداث العالمية للأهداف العملية البحتة، وبما ترسخ لدى إدارته من قناعة تامة بان بروز الولايات المتحدة كقوى عظمى وحيدة في العالم يحتم عليها تطبيق ما أطلقت عليــها بـ(إستراتيجية شاملة عالمية)،مع تركيز الجهد الأمريكي في اتجاه المنطقة المعروفة بقلب العالم القديم، بعَّدها المنطقة الأكثر ديناميكية في العالم.
كما لعبت البراغماتية الأمريكية دورها في توجيه الإدارات الأمريكية لاتخاذ المواقف الخاصة تجاه قضية هامة وحساسة كمسالة الاستفتاء على وحدة أو انفصال جنوب السودان لحل مشكلة استهدفت الطاقات والأموال،وعانى من جرائها الملايين بين تشريد وتهجير ونزوح وقتل وسلب. دون أن يتحرك أحد إلا بمقدار ما تمليه المصلحة الإستراتيجية للإدارة الأمريكية، والأسوأُ من ذلك،انه وعلى ارض جنوب السودان تلاقت مصالح الغرب والشرق ( المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي ) في دعم قوى التمرد بالمال والسلاح،الأمر الذي طرح أكثر من تساؤل حول الأسباب والدوافع .
اتبعت إدارة الرئيس بيل كلينتون Bell Clinton( 1993-2000م ) سياسة خاصة تجاه السودان والحرب في الجنوب أطلقت عليها ( سياسة الاحتواء ) استخدمت الإدارة الأمريكية في سبيل تطبيقها إجراءات عديدة.كان الهدف الأساسي منها احتواء النظام في السودان والسعي لإسقاطه أو تطويقه إقليميا ودوليا على اقل تقدير.وظل المسؤولون الأمريكان يصنفون السودان بوصفه الدولة الوحيدة في أفريقيا التي تهدد المصالح الأمريكية في خط جنوب الصحراء. وأعقب ذلك صدور قرار في 24 آذار 1999 في الكونكرس ضم (33 ) فقرة اتهام ضد الحكومة السودانية التي بدت عاجزة تماما عن اتخاذ أي موقف في مواجهة المواقف الأمريكية المعادية لها والمتلاحقة خلال تلك الفترة .
عدت المتغيرات الإيجابية في العلاقات السودانية – الأمريكية أكثر وضوحاً، مع مجيء إدارة جورج بوش (الابن) الى السلطة في مطلع فترة حكمه الأولى (2001-2004 ) فبادرته حكومة السودان بالترحيب مع التأكيد على حل القضايا التي تخص البلدين، والتأكيد على التزام الحكومة السودانية بالحل السلمي لمشكلة الجنوب بدعم وإسناد أمريكي والمطالبة برفع العقوبات ورفع اسم السودان من لائحة الدول الداعمة للإرهـاب.
في الحقيقة إن هذه الرؤية الأمريكية الجديدة لحسم مسألة جنوب السودان لم تكن وليدة مرحلتها الآنية، وإنما جاءت حصيلة تطورات سياسية مهمة شهدتها مسيرة السلام في السودان ذاته، والتي بدأت منذ تشرين أول 1993، حين اغتنمت الحكومة السودانية فرصة انعقاد (مؤتمر منظمة الإيجاد)، والطلب منها التدخل لحل مشكلة الجنوب، عن طريق تحقيق التقارب والحوار بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان.
تعزز هذا التقارب أكثر بين الطرفين اثر توقيع الطرفين وبرعاية أمريكية،اتفاق مشاكوس بالقرب من العاصمة الكينية في 20 حزيران 2002، وتم فيها الاتفاق بينهما على قضيتين أساسيتين :
• الأولى: منح الجنوب حق تقرير المصير بعد مدة انتقالية أمدها ست سنوات يجري بعدها استفتاء شعبي حول ذلك .
• والثانية:الاتفاق على إطار دستوري خاص يجمع بين دستورين الأول خاص بالشمال على أساس الشريعة الإسلاميـة،والثاني خاص بالجنوب وفق الأنظمة والقوانين الخاصة به، على أن يجمع هذين الدستورين دستور سوداني موحد.
على خلفية مفاوضات مشاكوس وما رافقها من اتفاقيات، تحركت الإدارة الأمريكية لإصدار(قانون سلام السودان )، والذي قدم للرئيس الأمريكي جورج بوش ( الابن ) للتوقيع عليه بصيغته النهائية في يوم 3 تشرين ثاني 2002، وأصبح بذلك قانونا نافذا ساري المفعول. وجاء صدوره كمحاولة واضحة لهذه الإدارة للضغط على الحكومة السودانية والمتمردين بزعامة جون قرنق، لأجل تحقيق السلام في الجنـوب.
لقد كان للولايات المتحدة دورها الهام والبارز في الحرب وإحلال السلام في السودان وحسم مسالة الجنوب حسب مصلحتها ووفق رؤى وتصورات تتعلق بالدرجة الأساس بصناع القرار والحملات الانتخابية ومراكز الضغط ( اللوبي ) المختلفة، وذلك وفق إستراتيجية أمريكية،وقد تحصل بعض المتغيرات من إدارة أمريكية الى أخرى،إلا أن سياستها في إطارها العام ثابتة تتفق على ثوابت عديدة. لعل ابرز ما فيها توجيه اللوم والاتهام الى أنظمة الحكم المتعاقبة في السودان، مع وجود تعاطف ملحوظ وبارز مع قوى التمرد المختلفة، ولاسيما في الجنوب، التي جنحت قياداتها نحو الانفصال والتشجيع عليه في عموم ولايات جنوب السودان، بدعم وإسناد أمريكي قوي سواء داخل المؤسسة الحاكمة وخارجها لأسباب ومبررات عديدة، يأتي النفط وضغوطات مجلس الكنائس العالمي ومجلس الكنائس الأفريقي واللوبي الأفريقي في الولايات المتحدة وخارجها، فضلا عن خضوع السودان لإملاءات خطط الإدارة الأمريكية في احتواء الأنظمة العربية وتفتيت أقطارها في إطار ما أطلق عليه بـ(مشروع الشرق الأوسط الكبير)، مع إدامة زخم الضغط – وكما يقول الدكتور حامد ربيع - على الأطراف لتخفيف الضغط على إسرائيل في قلب الوطن العربي .
كل هذه الدوافع الأمريكية وغيرها يحاول البحث مناقشتها ودراستها بالتفصيل من خلال محاور عديدة
الملخص
استفتاء جنوب السودان : ملامح الموقف
الأمريكي ومبرراته
د. ذاكر محي الدين عبد الله
مركز الدراسات الإقليمية/ جامعة الموصل
يعد السودان أكبر الدول العربية والأفريقية في القارة الأفريقية، وهو بلد غني بمياهه ونفطه وغازه ومعادنه خاصة الذهب واليورانيوم والنحاس والفسفور وغيرها، فضلاً عن ثرواته الزراعية والحيوانية، وهي (المجموعة النيلية، ومجموعة النيلون الحاميون، والمجموعة السودانية)، وحظي جنوب السودان باهتمام القوى العظمى منذ أواخر القرن التاسع عشر، ثم تضاعفت هذه الأهمية في الحقب اللاحقة، وبعد أحداث 11 أيلول 2001 حدث تبدل في توجهات الإدارة الأمريكية، وخاصة فيما يتعلق بجنوب السودان، حيث أخلف الرئيس بيل كلينتون سياسة خاصة أطلق عليها (سياسة الاحتواء)، ومع مجيء بوش الابن أصبحت العلاقات أكثر وضوحا، حيث أكدت على التزام حكومة السودان بالحل السلمي لمشكلة جنوبه.
***** *****
Referendum of South Sudan :U.S.
Attitude and Its Justifications
Dr. Thaker Muhi-din Abdullah
Sudan is one of the biggest Arab states in Africa. It is a Country rich in water, oil, gas and minerals especially gold, uranium, copper and phisphor. Its population is distributed into 600 tribes. Sudan has got the attention of the great powers since late of 19th century and this importance increased later.
After events of September 11, 2001, a change in American adminstration took place especially with regard to South Sudan, Bill clinton adopted a special policy called "Containment policy". When George Bush Came to office the relations was more clear and confirmed the peaceful settlement for the problem of the South.
نشرة ""شؤون اقليمية "" يصدرها مركز الدراسات الاقليمية بجامعة الموصل وسكرتيرة تحريرها الدكتورة سناء عبد الله عزيز الطائي
رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد 1032 لسنة 2008
تحياتي لك استاذ ذاكر ارجو ان تكون بتمام الصحة والعافية ومزيد من التقدم. فرهاد محمد احمد
ردحذف