مستقبل الوحدة العربية
- حوار مع حبيب عيسى
روعة قاسم :
نشرت صحيفة الصباح التونسية ملفاً خاصاً حول مستقبل الوحدة العربية تضمن هذا الحوار الذي نفرش له بساط هذا الثلاثاء كما ورد في الصحيفة :
المحامي والمناضل السوري حبيب عيسى :
المواطن العربي بدأ يكتشف وحدة المشكلات القومية، ووحدة الطغاة
يعد الحقوقي والمفكر حبيب عيسى من رواد الفكر القومي العربي وهو من المعجبين بجمال عبد الناصر، ويعتبر واحدا من تلامذة عصمت سيف الدولة المخلصين لنهجه. انتسب إلى الاتحاد الاشتراكي العربي سوريا في عقد الستينات من القرن الماضي، لكنه أعلن انسحابه منه بعد دخول ذلك الحزب في جبهة مع النظام الحاكم في سوريا ليتابع الدعوة لبناء التنظيم القومي عبر ما عرف في ذلك الوقت بـ " بيان طارق " وحركة أنصار الطليعة العربية. وفي عام 2000 لعب دورا بارزا فيما عرف في ذلك الوقت بـ " ربيع دمشق " واسهم بتأسيس " منتدى جمال الأتاسي للحوار الديموقراطي " إلى أن تم اعتقاله ضمن الحملة لإجهاض «ربيع دمشق» في سبتمبر 2001 حتى تم الإفراج عنه في سنة 2006 بسبب تدخل من اتحاد المحامين العرب، فعاد إلى ممارسة مهنة المحاماة حتى صدر قرارعن نقابة المحامين السورية بمنعه من ممارسة المهنة حتى اليوم . ويعد حبيب عيسى من رواد المنهج الإنساني الجدلي واعتماده كمنهج لبناء التنظيم القومي لبناء دولة الوحدة العربية. وقد خص «الأسبوعي» بهذا الحوار الشامل عن الوحدة العربية مباشرة من دمشق عبر الهاتف رغم صعوبة الاتصالات والمضايقات التي يتعرض لها.
- لقد اشعلت الثورات العربية وحدة في التعاطف بين شعوب المنطقة ، فهل يمكن ان تنفض الرماد مجددا عن مشروع الوحدة القومية العربية؟ وفي أوروبا يتم التوحيد بين أمم ودول قومية متباينة بينما يتم منع الأمة العربية الواحدة من التوحد؟
• برأيي؛ إن مشروع الوحدة العربية ليس مشروعاً سياسياً آنياً حتى يقوم، أو ينتهي. إنه مشروع وجود وهوية، مشروع تاريخ وحاضر ومستقبل سيبقى قائماً، الحامل له يتجدد دورياً من جيل عربي إلى جيل عربي آخر، حتى يتمكن جيل عربي ما، من إنجازه...إن مشروع الوحدة يرتبط تلازماً مع وجود الأمة العربية، فإذا كانت الأمة العربية موجودة، فإن مشروع الوحدة ملازم لهذا الوجود، وهي عندنا موجودة، وبالتالي فإن مشروع الوحدة العربية موجود، ومن حق الشعب العربي على تنوع أروماته الإثنية، وعقائده الدينية والطائفية والمذهبية، أن تتنوع أهدافه السياسية : بين اليمين واليسار، بين المذاهب الاشتراكية ومذاهب الأسواق المفتوحة، بين الأحزاب التقدمية والأحزاب المحافظة، بين وبين.....، لكن، وكما في كل أمم الأرض، أن يكون ذلك التنوع في إطار الوجود التاريخي للأمة، لا انتقاصاً من ذلك الوجود، ولاعدواناً على أية أمة أخرى... يترتب عن ذلك أن مشروع الوحدة العربية ليس مشروعاً سياسياً يقتصرعلى فصيل سياسي عربي دون غيره، وإنما هو مشروع جميع أبناء الأمة العربية بجميع توجهاتهم السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، حتى لوكان البعض منهم لا يدرك ذلك. فوحدة الوجود القومي للأمة العربية تحـتم وحدة المشكلات فيها، وبالتالي وحدة الحلول، وبما أن غائية المشاريع السياسية تتمثل في حل المشكلات الاجتماعية، فإن المشاريع السياسية التي لا تعالج تلك المشكلات بشموليتها تسقط في امتحان حل المشكلات جزئياً.
وتجربة فشل النظام الإقليمي في الوطن العربي على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتنموية ماثلة في الأذهان، حيث الوطن العربي الآن على صعيد الأجزاء، وعلى صعيد الكل مرتهن للطغاة وللغزاة وللعصابات الناهبة المفسدة تتساوى في ذلك جمهوريات الصمت والإفقار مع ممالك النهب والثراء، مما جعل الأفق العربي مسدوداً، ولا حل إلا بالثورة العربية المباركة التي انطلقت من تونس، ولن تكتمل إلا برفع راياتها بين المحيط والخليج. هذه هي المعادلة الحقيقية، وماعدا ذلك مجرد زيف، مجرد زبد سيذهب جفاء عن هذه الأرض العربية الطهور، سيرحل مع رحيل الطغاة، فالشعب العربي أراد، والشعب العربي يريد، ولا راد لإرادته...
- ان الاخفاقات التي تعرض لها مشروع الوحدة جعل البعض يتشآم من امكانية تحقيقه ومن جدوى قيامه ، فما رأيكم؟
• إنني أستنكرمن حيث المبدأ، أن يكون مشروع الوحدة العربية، مجالاً للسؤال، لكنني أقدرعمق المحنة التي تمر بها الأمة، ومدى الطغيان الذي مارسه، ويمارسه طغاة تثبت الأحداث الراهنة أنهم من أسفل فصائل الوحوش، أنت تعرفين أنني أنتمي إلى جيل ولد في النصف الأول من القرن الماضي، لم أتذكر أنه في لحظة واحدة من طفولتي، أو شبابي، أن أحداً كان يتجرأ على طرح السؤال عن وجود الأمة العربية من عدمه ؟ أوعن حقنا في إقامة دولة تتطابق حدودها مع حدود الأمة، وطناً، وشعباً؟ كان السؤال في ذلك الوقت، وحتى الاختلاف كان ينحصرفي : ما هوالسبيل إلى دولة الوحدة؟ وفي طبيعة نظامها السياسي والاقتصادي؟ لم يكن أحد في هذا الوطن العربي يتجرأ على التساؤل عن حقنا في تحرير فلسطين والاسكندرونة والأحواز وجزرالخليج وسبته ومليلة، وسائرالأرض العربية؟ وإنما كان السؤال: كيف نحررها؟ إلى أن استقرالطغاة على عروشهم منذ عقود، وانحسرمشروع النهوض والتحرير والتوحيد والتنوير القومي العربي التقدمي، وحلت محله مشاريع الأقلمة والمذهبية والطوائف والخلط بين الانتماء الديني والانتماء الوطني، مما سهل الصفقات والتسويات مع الصهاينة، وغيرالصهاينة، وباتت التبعية للقوى الإقليمية والدولية وتنفيذ مخططاتها، وجهة نظر،عندها وجدنا أنفسنا أمام نظريات تتحدث علناً عن أنه لا وجود أصلاً للأمة العربية، وأنها كانت في طورالتكوين، لكنها لم تتكون، ولا وجود للوطن العربي، وإنما نحن أمام ممالك وجمهوريات وجماهيريات شرق أوسطية وشمال إفريقية وقبائل وأقليات وطوائف ومذاهب وإثنيات شرق أوسطية، وأنه لا وجود لا للأمة العربية، ولا للوطن العربي، وبالتالي، فليبحث كل كائن في هذه الأرض الممتدة بين المحيط والخليج عن جحر طائفي، أو مذهبي، أو إثني أو ديني يحتمي به، وليترك الشعب العربي للطغاة تسيير مصالح الخارج، وإدارة السلطات والتسلط، وتنظيم عمليات النهب والفساد والإفساد والقمع... لقد كان ليلاً عربياً طويلاً، لكننا، كنا ندرك أنها محنة وستمضي، وهاهي الثورة العربية في طابعها الجديد تعيد الأمور إلى نصابها، صحيح أننا مازلنا في البدايات، ومازالت الثورة تتعثر في بعض المواقع، لكن المواطن العربي بدأ يخرج من القمقم، ويكتشف وحدة المشكلات القومية، ووحدة الطغاة والغزاة، وفي الوقت ذاته وحدة الثوار، ووحدة الحلول...
أردت من ذلك أن أقول بكل ثقة : أن مشروع الوحدة العربية، هو مشروع مستقبل هذه الأمة العربية، وعنوان وجودها.
- هل يمكن لهذا المعطى المذهبي والقبلي الذي برزإلى السطح في بعض الأقطار ان يعرقل قيام الوحدة العربية رغم ان الثورات العربية انجبت نوعا من وحدة التعاطف بين الشعوب العربية. فماذا تقولون؟
• أولاً. أرجو أن تسمحي لي أن اختلف معك في مصطلح «الثورات العربية»، فنحن الآن أمام ثورة عربية انطلقت من تونس وتمتد لتشمل الوطن العربي، وهي إما أن تنجح بين المحيط والخليج، وإما أن تفشل بين المحيط والخليج، وثانياً. أن أختلف في مصطلح «الشعوب العربية»، فالشعب العربي بين المحيط والخليج شعب واحد، وثالثاً : أن أختلف في أن»المعطى المذهبي والأثني والقبلي» قد برز إلى السطح، كما أنني ألحظ تناقضاً بيناً بين الشق الثاني، والشق الثالث من السؤال : إذ كيف يمكن التوفيق بين : أن المعطى المذهبي والأثني والقبلي قد برز إلى السطح، وبين أن الثورات... قد أنجبت نوعاً من وحدة التعاطف بين الشعوب العربية ؟، وللبيان في الاختلاف الذي لا يفسد للود قضية ولحل هذا التناقض، لا بد من توضيح النقاط التالية :
فالمعطى المذهبي والأثني والقبلي لم يبرزالآن، وإنما هو من إنتاج نظم الطغيان والاستبداد والفساد، وذلك المعطى هومشروع تلك النظم المتهالكة الذي اعتمدته كنقيض للمشروع القومي العربي التقدمي التوحيدي التنويري، وبالتالي فإن الثورة العربية الراهنة هي التي ستعيد ذلك المعطى إلى وضعه الطبيعي في إطار الأمة العربية الواحدة حيث الانتماءات المذهبية والأثنية والقبلية تنتظم في إطار المواطنة والمساواة. ولعل هذا ما يزيل التناقض الذي تحدثنا عنه، ويفسرأن الثورة العربية الراهنة قد أنجبت وحدة التعاطف بين أبناء الشعب العربي، وأسقطت المعطى التقسيمي والفتنوي بين المذاهب والإثنيات والقبليات، والتفصيل في ذلك لا يمكن إيجازه في هذه العجالة. فقط أشير إلى أنني عالجت هذا الموضوع بالتفصيل في كتابي «الدولة القومية، شرعية الأساس، مشروعية التأسيس»، ويمكن الرجوع إليه.
- ما هو تصوركم لمشروع الوحدة ؟ وهل يمكن ان يكون مشابها للنموذج الاوروبي ؟
• إن مشروع الوحدة العربية كما أراه هو مشروع سياسي، اجتماعي، اقتصادي، ثقافي، حضاري. دولة واحدة تتطابق حدودها مع حدود الوطن العربي أرضاً، ومع حدود الأمة العربية شعباً. دولة ديمقراطية تحقق العدالة والمساواة بين مواطنيها على مختلف انتماءاتهم الدينية والأثنية والمذهبية والطائفية والقبلية والمناطقية، تفرض سيادتها على كامل الأرض العربية. دولة مستقلة تديرها سلطة منتخبة من الشعب العربي تستثمرالثروات العربية لتحقيق التنمية والتقدم وعدالة التوزيع، بحيث يعيش الشعب العربي بما يملك لا يعتدي، ويصون البلاد من كل عدوان.
وهنا لا وجه للشبه مع النموذج الأوروبي، ذلك أن قارة أوروبا شهدت صراعات عديدة حتى انتقلت من الدوقيات والإقطاعيات إلى الدول القومية، ثم هاهي تنتقل من الدول القومية إلى الدولة القارية التي بدأت بالوحدة الاقتصادية وهاهي تتجه إلى الوحدة السياسية.
أما في الوطن العربي، وبسبب عوامل عديدة داخلية وخارجية تم إعاقة قيام الدولة القومية العربية الواحدة. في أوروبا يتم التوحيد بين أمم ودول قومية بينها من الصراعات التاريخية والدماء ما لا يمكن حصره، بينما يتم منع الأمة العربية الواحدة من التوحد، إما بالغزوالخارجي أو بالفتن الداخلية، لكن الثوارالعرب الجدد من الشباب العربي قرروا أن يقلعوا شوكهم بأيديهم، وهم يدركون مدى المخاطر. لكن وبعد التجارب المريرة أدركوا أن الطريق إلى الحرية والتقدم والعدالة والكرامة يمرعبر الوحدة، أما كيف سيحققون ذلك وما هي أدواتهم ووسائلهم وأسلحتهم فهذا شأنهم، وهم على قدر المسؤولية.وقد أثبتت الفصول الأولى من الثورة العربية الراهنة، حتى الآن، أن الشباب العربي الثائرلا يتقيدون بنصوص جامدة ولا يقلدون وإنما يبدعون أساليبهم وأدواتهم وأنهم يحثون الخطى على الطريق إلى دولة الوحدة العربية، وهم يدقون أبوابها هذه الأيام.
*نقلا عن جريدة الصباح (التونسية ) بعددها الصادر في 11 -4-2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق