في معنى الحق !
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
الحق هو ما نسعى اليه ، والحق هو ما تسعى اليه الشعوب والحق في مقابل الباطل ...الحق : هو مفهوم من المفاهيم الانسانية ...والحق قيمة انسانية ...وقول الحق هو ما يجب ان يتمسك به الانسان حتى في اصعب الظروف والساكت عن الحق شيطان أخرس ، والتاريخ في وجه من وجوهه هو بحث الانسان عن الحق ، والجماهير تناضل من اجل ان يسود الحق وينتهي الباطل وهكذا .
الذي أُريد ان اقوله ونحن في هذا الشهر الفضيل شهر رمضان المبارك اننا يجب ان نكون مع الحق ليس قولا وانما فعلا وسلوكا ..كثيرون يدعون انهم مع الحق لكن عندما تأتي التجربة نجد انهم يصطفون مع الباطل ، ويقفون ضد الواقع . لذلك ؛ فالحق في اللغة العربية هو الحكم المطابق للواقع ويطلق على القيم والمبادئ والعقائد والاديان والمذاهب في صيغتها الانسانية . ويقابل الحق كما قلت الباطل البعيد عن الواقع وطبائع العمران التي كثيرا ما تحدث عنها الفلاسفة والمفكرين .
وهناك من يُعرف الحق فيقول ان الحق هو سلطة يمتلك قولها انسان يمتلك ارادة قوية .. وموضوع الحق يقوم على عنصرين اساسيين العنصر الاول شكلي والعنصر الثاني موضوعي والحق هو احد اسماء الله الحسنى وفي الاثر يقال الحق يعلو ولايُعلى عليه .
وحكماء اليونان رددوا مقولة مهمة تقول (قل الحق ولو على نفسك ) والسيد المسيح عليه السلام كثيرا ما دعا الى الحق وكان يردد الحق والحق اقول لكم .
وكثيرا ما كان الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يذكر اهمية قول الحق وتشجيع اهل الحق وشكرهم على ما يقولونه من حق ومن ذلك ما جاء في الحديث الشريف :" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ مَخَافَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِالْحَقِّ إِذَا رَآهُ" .
نعم الحق هو ما يستخدم للاشارة الى الشيئ الصحيح والامر الصواب وبعكسه الباطل .وكما ان للباطل من يدافعون عنه فإن للحق من يدافعون عنه ونحن يجب ان نساعد اهل الحق على قول الصحيح وفعل الصحيح .
والحق جمع حقوق وعلى الانسان واجبات ولديه حقوق فالحاكم مسؤول عن انفاذ سلطة الحق وحماية حقوق المواطنين الشخصية والمالية والاجتماعية وهناك حق الجيرة والحق في ان يعبر الانسان عن نفسه والحق في ان يعمل والحق في ان يساهم في تكوين اسرة والحق عند بعض فقهاء المسلمين هو المصلحة بمعنى انك عندما تبحث عن حقك فإنك تبحث عن مصلحتك في ان تعيش بكرامة وعز وحرية وعندما لايتيح لك المجتمع او لاتتيح لك السلطة ممارسة حقك المشروع الذي اعطاه الله لك كإنسان فمعنى ذلك ان السلطة تمارس بحقك الباطل المخالف للقيم الانسانية .
ومن المؤكد القول ان الحق مقيد بما يقره الواقع وبما يقره الشرع وحتى العرف فأنت لست محقا عندما تعتدي على جيرانك وانت لست محقا عندما تدعي انك تمتلك الحرية في ان تفعل ما تشاء وانت لست محقا عندما لاترعى زوجتك واولادك وانت لست محقا عندما لاتؤدي واجباتك تجاه المجتمع كما ينبغي وانت لست محقا عندما تمتد يدك الى اموال الدولة فمال الدولة اكثر حرمة من مال اليتيم .
اذا كما ان لك حقا فإن لرب العزة والجلال عليه حقوق عليك ان تشكره وتذكر نعمه ليل نهار وان تلتزم بأوامره ونواهيه ومن ذلك تأدية العبادات .
ان كلمة الحق ومفهوم الحق ولفظة الحق وردت في القرآن الكريم في ثلاثة وثمانين ومائتي (283) موضع ومن ذلك قول رب العزة ولجلال ( إنا ارسلناك بالحق ) البقرة 119 و(حتى جاءهم الحق ) الزخرف 29 و(وقل جاء الحق ) الاسراء 81 و( فإحكم بيننا بالحق ) و(وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} (الذاريات:19و( كان وعد ربي حقا ) الكهف 98 وكل هذه الايات تؤكد اهتمام القرآن الكريم بالحق تثبيتا لاحكام الاسلام من حيث رفض الباطل ورفض الضلال فمن يتبع طريق الحق هو من آمن بالله وعمل بأحكامه والا فهو في طريق الباطل والضلال .بسم الله الرحمن الرحيم ( وقل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا ) الاسراء 81 وهذه الاية وما يشابهها من الايات تؤكد على ان قوة الحق وغلبته على اهل الباطل والضلال عظيمة مهما طغوا ومهما تكبروا ومهما تجبروا والسبب ان الحق معهم القوي المتين وهو الله سبحانه وتعالى .
ولكن هناك حقيقة اخرى لابد ان نقف عندها وهي ان كثيرا من البشر لايعون قيمة واهمية الحق فهم يميلون الى الباطل والخطأ ويتوهمون انهم في الطريق الصحيح تغرهم الدنيا وتغرهم المناصب وتغرهم الاموال وهذا مرتبط بالنفس الانسانية الامارة في السوء والتي يجب علينا دائما ان نوقفها عن الظلم ونوقفها عن التسلط ونوقفها عن العدوان .
جاء في القرآن الكريم قول رب العزة والجلال ( واكثرهم للحق كارهون ) وهنا يتوجب علينا ان نمارس دورنا في توعية هؤلاء ووعظهم والتأكيد عليهم بإستمرار ان سلوك طريق الحق والصدق هو طريق النجاة وان لافائدة تُذكر من اتباع الكذب والتدليس والضلال ففي الصدق النجاة وفي اتباع طريق الحق السعادة والهناء وراحة البال والخير والبركة . اما الذين يتبعون الضلال فهم دوما في حيرة وضياع ويأس .
الحق هو الله والحق هو الوحي بأمر الله والحق هو الطريق القويم والحق هو ما يجعلنا مطمئنين في حياتنا راضين عن انفسنا سعداء في حياتنا لانظلم احدا ولانحب ان يظلمنا أحدْ .
من هنا اؤكد على وجوب اتباع طريق الحق والسير فيه ففيه نجاة الانسان وفيه طمأنينة الانسان .
أنهي كلمتي هذه بالقول ان مجتمعاتنا اليوم للاسف الشديد تعاني غيابا للحق وطغيانا للباطل والزيف والضلال ويظهر هذا في ما نراه في الشارع او في العمل او في وسائل الاعلام وهنا تأتي مهمة المصلحين والمفكرين ورجال الدين في ان يكون لهم دورهم في رد الحق الى نصابه من خلال وضع الحدود بين الفعل الصحيح والفعل فير الصحيح والسلوك الصحيح والسلوك غير الصحيح والقول الخاطي والقول الصحيح .الحق حق والباطل باطل ولايمكن الخلط بينهما مهما ادلهمت الخطوب وضاعت المقاييس ودعوات الاصلاح والتغيير يجب ان تعود الى المنبع الى الجذور الى منهج الحق الواضح البين وكما قيل في الاثر : لايصح الا الصحيح والامة لايمكن ان تتفق على الضلال والباطل اي ان الجمهور المؤمن هو الفيصل وهو المقياس وهكذا الامة في كل مرحلة من مراحل تاريخها تحتاج الى وقفة تستعيد فيها المبادئ القويمة ومنها مبدأ الحق ومبدأ الصدق ومبدأ الاستقامة ويقينا ان الاستقامة ( فإستقم كما أُمرتْ ) هو طريق الحق فالمستقيم في حياته هو من يعرف الحق والحق أولى بأن يُتبع .
اللهم أعنا على قول الحق والثبات عليه . صيامكم مقبول ودعائكم مستجاب والى حلقة اخرى من برنامج ( ماقل ودل ) والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق