سوق الشعارين وشارع النبي
جرجيس في مدينة الموصل
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
وسوق الشعارين او كما يلفظه اهلنا في الموصل ( سوق
الشعيغين ) من اسواق الموصل القديمة التي ذكرها المؤرخون ومنهم المؤرخ الموصلي
المرحوم الاستاذ احمد الصوفي في كتابه ( خطط الموصل ) وصدر سنة 1953 ولي في هذا
الشارع ذكريات منذ الطفولة في الاربعينات والخمسينات من القرن الماضي حيث كنت
اسلكه وانا اتوجه لدارنا في محلة رأس الكور او اسلكه عندما اعود لأذهب من رأس
الكور الى شارع النجفي وعلوة سوق الحنطة الجديد في باب الطوب .
وسوق الشعارين مثل سوق القتابين ( تباع فيه وتصنع اقتاب الابل) وسوق الاربعاء وسوق الحشيش
او سوق التبن سوق قديم وتاريخي كان موجودا في العصر الاسلامي وما يزال يعرف بنفس
الاسم الذي كان يعرف فيه ويقع في شارع النبي جرجيس عليه السلام .وقد سمي السوق
بسوق الشعارين لأنه كان سوقا يُباع فيه ( الشَعْر) و(الصوف) ويمتد هذا السوق من مدخل شارع نينوى الى شارع
النبي جرجيس الى جامع النبي جرجيس ولا نستطيع ان نتحدث عنه الا من خلال الحديث عن
شارع النبي جرجيس وخاصة في مدخله من جهة شارع نينوى .
وقد ادركتُ انا كاتب هذه السطور هذا الشارع مزدحما
بالدكاكين التي تبيع اللحوم والفواكه والخضراوات واللبن والقشطة والقيمر وادركت
محلاته ومنها للخياطين ومنها للحلاقين ومنها للصيادلة والاطباء .فيه عيادة الدكتور
ناجي سرسم وفيه دكان الحلاق الصوفي وفيه دكان الخياط طه نجم وفيه محل بيع الاخشاب
لذنون الطبو وكل هؤلاء اعرفهم ولي صلة بهم
بشكل أو بآخر .
وعندما كتبت عن المحامي الاستاذ محمود توفيق
الجليلي رئيس بلدية الموصل 1952-1954 قلتُ ان في عهده افتتح شارع النبي جرجيس
(عليه السلام) في الجانب الايمن من مدينة الموصل وقد ذكر هذا المؤرخ الموصلي
الكبير شيخي واستاذي الاستاذ أحمد علي الصوفي في الجزء الاول من كتابه الجميل (
تاريخ بلدية الموصل ) والذي طبع في الموصل سنة 1970 .
اذا شارع النبي جرجيس افتتح في السنوات الاولى من
خمسينات القرن الماضي القرن العشرين (1954) ، وامتد هذا الشارع من مدخل شارع
نينوى عند سوق الشعارين لينتهي عند دورة المستشفى الجمهوري وكان شارعا مهما وحيويا
واستراتيجيا ربط بين جنوب مدينة الموصل وشمالها في محلة الشفاء المعروفة .
ومما يجب علي ذكره وانا اكتب عن شارع النبي جرجيس القول
ان هذا الشارع قديم له جذور في شارع او ما كان يسمى في مدينة الموصل القديمة
المسورة (درب سوق الشعارين ) وبلهجة اهالي الموصل المحلية ( سوق الشعيغين ) .وسوق
الشعارين من الاسواق التاريخية في الموصل وقد ورد ذكره في كتاب المؤرخ
الموصلي الكبير عز الدين بن الاثير الموسوم (الكامل في التاريخ ) عندما تحدث عن
قصر لوالي الموصل الاموي الحر بن يوسف بن الحكم الذي تولى الموصل سنة 105 هجرية أي
724 ميلادية حيث يقول ان قصر الحر بن يوسف بن الحكم الاموي كانت عند سوق الشعارين
وكلمة الشعارين جاءت نسبة الى من يقومون بصنع بيوت الشعر التي تستخدم
في البادية من ( شعر الماعز ) ومن المؤكد ان هذه المهنة انقرضت في يومنا هذا .
وشارع النبي جرجيس سمي نسبة الى جامع النبي جرجيس
ومحلة النبي جرجيس عليه السلام ويسميها اهالي الموصل (محلة باب النبي) ويشير
الاستاذ ازهر العبيدي في كتابه ( الموصل أيام زمان ) وطبع سنة 1990 الى ان
شارع النبي جرجيس من الشوارع المهمة في الموصل ويمتد من التقاءه بشارع نينوى عند
سوق الشعارين حتى شمال المدينة في المستشفى وهو نفسه شارع سوق الشعارين القديم
الذي يمر قرب جامع النبي جرجيس وقد شرع في توسيع الشارع سنة 1914 في عهد الوالي
العثماني سليمان نظيف لكن قيام الحرب العظمى اي الحرب العالمية الاولى 1914-1918
كان سببا في توقف العمل حتى منطقة محلة رأس الكور (الكوازين) ولكن بعد ذلك اكمل
سنة 1954 الى دورة المستشفى الجمهوري ولهذا فان الدكاكين والمحلات التجارية
وعيادات الاطباء والصيادلة ومحلات النجارين والخياطين والبقالين
وافران الخبز والمطاعم ومنها مطعم للباجة ودكاكين للقصابين وبائعي الفواكه
والخضراوات وبائعي المؤونة والمستلزمات المنزلية وصالونات الحلاقة تركزت في قسمه
الجنوبي عند سوق الشعارين اكثر مما تركزت في قسمه الشمالي .
من معالم شارع النبي جرجيس ، بناية جامع النبي
جرجيس ، ومسجد الرفاعي ، ومسجد الياس بك ، ومسجد الشيخ كعوب ، ومسجد
ابو ذر الغفاري ومسجد مصعب بن عمير ، والتكية الفيضية ، ومقبرة جامع
النبي جرجيس ، ومدرسة الطاهرة الابتدائية المختلطة والخاصة بالسريان
تأسست سنة 1856 ميلادية ثم اصبحت سنة 1910 مدرسة حكومية وهي من المدارس
الموصلية العريقة ، وهناك بيوت ال طاهر الصابونجي ، وحمام اليونس وقد
اندثرت ، و محل لغسل وكوي الملابس (لوندري حديث وهو اول لوندري في الموصل )
، ومركز شرطة النبي جرجيس ، وحمام بورسعيد ، وبيت الصابونجي وبيت الجادر
وبيت الفيضي وبيت جليميران وبيت الديوه جي وبيت حامد الراوي وبيت حماوي وبيت ال
زكريا وبيت ال الوكيل وبيت ال الجميل وبيت احمد الحامد العلاف حمو
الجمعة وبيت ال حيو وبيت ال الدبوني وال زيتو ، وال سيالة ، وال الصائغ
اعقاب الملا حسن بن الحاج حارث ، وال الصائغ اعقاب سلطان افندي ، وال كسو ، وال
فخري النعيمي وبيت ال العذيباني ، ودكة بركة ، وجامع عبد الله بك ، وجامع
بكر افندي ، وصالون حلاقة الصوفي ، وخياطة الاجريسي ، ومعمل خياطة حمدان العلاف ،
والامومة والطفولة ، وجامع الامام محسن ، وقاعة النقيب ، وحدائق ال توحلة ،
وماكينة الماء ، ومرقد عيسى دده ، وعوجة النصارى ، وعيادة الدكتور عيسى سرسم ،
وخياطه طه ياسين ، ومقهى المهداوي ، ومعمل الحاج محمد علي ، وبيوت ال الدرزي ،
والسوق العصري في دكة بركة ودائرة الامومة والطفولة ودائرة مصلحة نقل الركاب سابقا
في دورة المستشفى .
مما كتبته سابقا عن جامع النبي جرجيس قلت جامع نبي الله جرجيس
عليه السلام من الجوامع القديمة في الموصل ، ويقع في شارع سوق الشعارين في الجانب
الايمن من المدينة القديمة الموصل . وفي الجامع مرقد يقال انه مرقد النبي
جرجيس وقد شيد على المرقد مسجد صغير يعود في تاريخه الى سنة 1127 ميلادية اي القرن
12 ميلادي السادس الهجري وثمة تاريخ للجامع وقصص ولازلت اتذكر وانا طفل صغير في
الاربعينات من القرن الماضي حيث يحتف الموصليين بإخراج شعرات النبي محمد صلى الله
عليه وسلم وتوزيع الشوربة على الفقراء ورفع الاعلام الخضراء من قبل افراد من اسرة
(شيال العلم ) كما لازلت اذكر كلما مررت من امامه وانا في طريقي الى بيتنا القريب
منه في محلة رأس الكور انني اشاهد ابياتا مكتوبة على بوابة الجامع علمت
بعدها انها لشاعر الموصل الكبير الملا حسن البزاز تقول :
زر حضرة ملئت نورا وتقديسا .. وأذكر نبي الله جرجيسا
ما جاءه قاصد يشكو ملامته الا .. ونفس عنه الكرب
تنفيسا
زاره الرحالة الاندلسي ابن جبير وذكره المؤرخون واقام فيه الجليليون
: الاسرة التي حكمت الموصل من سنة 1726 الى 1834 ميلادية ، مدرسة هي
(المدرسة الجرجيسية ) ، واقدم ذكر لهذه المدرسة كان سنة 1082 هجرية - 1671 ميلادية
ومما اوردته المصادر التاريخية انه كان نبيا ارسل الى ملك في بلاد الشام كان يعبد
الاصنام وتروى عنه كرامات وله موقع في ذاكرة الموصليين وقد فجرته عناصر داعش عندما
سيطرت على الموصل 2014-2017 بحجة وجود قبور فيه وكانت الى جانبه مقبرة كبيرة ازيلت
عندما فتح شارع النبي جرجيس .
ولجامع النبي جرجيس ثلاثة ابواب والباب الكبير هو الذي يطل على
شارع النبي جرجيس وكانت فيه قنطرة هدمت سنة 1918 وجدد بناء الباب اكثر من مرة
ومنارته التي هدمت كانت قد بنيت سنة 1853 ميلادية -1270 هجرية بنيت من حجر
الحلان على طراز المنائر التركية .
دائرة اوقاف الموصل باشرت الان بإعماره من خلال شركة السعد
الهندسية التابعة لوزارة الاعمار والاسكان .
دَرَسَ
الاستاذ الدكتور هاشم خضير الجنابي استاذ جغرافية المدن في جامعة الموصل
وعدد من تلاميذه من خلال كتابه (التركيب الداخلي لمدينة الموصل ) وصدر في الموصل
سنة 1982 (شارع النبي جرجيس ) وقال ان شارع النبي جرجيس يعتبر ثالث اطول الشوارع
الحديثة في الموصل بعد شارع نينوى وشارع الفاروق ، فهو يربط جهة المدينة الجنوبية
الشرقية بشمالها بعد ان يمر بعدة محلات -احياء سكنية هي على التوالي :
حوش الخان –باب النبي – امام ابراهيم – رأس الكور – المكاوي – عبدو خوب –الخاتونية
– الشفاء وكما سبق ان اشرت فان هذا الشارع قديم وكان يطلق عليه شارع سوق الشعارين
. واضاف انه خطط لتوسيع هذا الشارع الضيق واقصد شارع او درب سوق الشعارين في سنة
1914 أي في الفترة نفسها التي خطط فيها لفتح شارع نينوى الا ان العمل توقف في
الشارع هذا عند محلة رأس الكور وكما قلت ان ظروف الحرب العظمى ادت الى توقف
العمل ويقينا ان ظروف تكامل المستشفى الجمهوري بعد الحرب العالمية الثاني تطلب
تمديد شارع النبي جرجيس حتى ساحة المستشفى او دورة المستشفى كما تسمى اليوم .
كان
شارع النبي جرجيس في الثمانينات من القرن الماضي وعند تأليف الكتاب المذكور
آنفا تضم (84) محلا منها (35) محلا متخصصا بالبقاليات و(23) خياطا ز(26) نجارا
و(5) صالونات حلاقة و(7) مقاه شعبية و(8) مطاعم و( 8) محلات لبيع
الاجهزة الكهربائية وتصليحها و(7) مخابز وافران صمون و(9) محلات لبيع الفواكه
والخضراوات و(6) محلات لتصليح الاحذية القديمة ..اسكافية وكذلك كان في الشارع
محلات تجارية اخرى قليلة العدد ومنها محلات لبع المرطبات ومحلات لبيع الدقيق
ومحلات لبيع المواد الانشائية والمصوغات ولعب الاطفال وتصليح الدراجات الكهربائية
(بايسكلجية ) ومحلات لبيع الاسماك وغيرها .
اما
بالنسبة لوظائف الطوابق العلوية القليلة الي كان يضمها الشارع فغالبيتها من الشقق
والبيوت السكنية كما ان هناك عددا قليلا من عيادات الاطباء ومحلا لخياطة السيدات
وبشكل عام كان شارع النبي جرجيس يضم محلات تلبي متطلبات سكان المنطقة المرتبطة به
بينما نجد ان شارع نينوى مثلا يغري ممن ليس هو من المنطقة بالمجيئ والتسوق منه .
يذكر
الاخ الاستاذ احمد نظام محمد في كتابه ( تراث الموصل العمراني )وصدر سنة 2017 ان
في شارع النبي جرجيس وضمن محلة الامام ابراهيم وهي واحدة من المحلات التي
يمر الشارع امامها ثلاثة قناطر هي ( قنطرة الديوه جي) وتتوسط محلة
الامام ابراهيم ويعود تاريخ بنائها الى سنة 1908 ، وقنطرة الامام ابراهيم الاولى ،
وقنطرة الامام ابراهيم الثانية التي تقع على الطريق الرابط بين شارع النبي جرجيس
ومحلة باب النبي بعد مفترق الطريق الذي يفضي الى شارع المكاوي وطبيعي هذه القناطر
ذات وظائف معمارية ابرزها انها تشكل اداة ربط واتصال بين دارين متقابلين يملكهما
شخص واحد او عائلة واحدة وفي هذه الحالة تكون القنطرة بمثابة ممر للدور المتقابلة
فيتصلون مع بعضهم البعض .
·
الصورة لمدخل سوق الشعارين من جهة شارع نينوى
سنة 1962
·
لقطة من سوق الشعارين 1952
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق