الاثنين، 16 يونيو 2025

السادة وبعويزة ........أنموذج في السلم المجتمعي والاخاء الإنساني ا.د.ابراهيم خليل العلاف












 



السادة وبعويزة ........أنموذج في السلم المجتمعي والاخاء الإنساني*
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
وقريتي السادة ، وبعويزة من القرى القديمة والعريقة في الموصل . بعويزة ذكرها المؤرخ الموصلي الكبير ياسين بن خير الله الخطيب العمري 1744-1821 من مؤرخي القرن التاسع عشر في كتابه ( منية الادباء في تاريخ الموصل الحدباء ) والذي حققه ونشره استاذنا وشيخنا الأستاذ سعيد الديوه جي وقال بعويزة من قرى شرقي الموصل أهلها سادة (سادات) .
وسبب تسمية قرية السادة انها موطن لسكن السادة الاعرجية ، وسبب تسمية بعويزة هو ان كلمة بعويزة وهي كلمة سريانية اصلها (بيث عويزة ) أي (بيت العز ) .
الأخ الاثاري والمؤرخ الأستاذ الدكتور عامر عبد الله الجميلي يقول :" بلدة #ܒܥܘܝܙܐ_بعويزا : ويعني إسمها باللغة الآرامية - السريانية : بيث عويزا أي (بيت وموضع القوة والعِزّة) ، ورد ذكرها عند المؤرخ أبو زكريا الأزدي المتوفى سنة ٣٣٤ هجرية – 945 ميلادية في كتابه ( تأريخ الموصل ) بصيغة (باعوسا ) ، وقال عنها انها كانت في العصر العباسي من ضياع (بني صدقة ) ، وهم بطن من قبيلة الازد العربية وذلك في مطلع القرن الثالث الهجري التاسع الميلادي ، كما أشار إليها المؤرخ الموصلي ياسين العمري في العصر الجليلي العثماني ، بقوله : " بعويزا : شرق الموصل ، أهلها سادة ( سادات ) " . ولا تزال البلدة تحتفظ بإسمها إلى اليوم، وهي تقع إلى جوار حي الحدباء والكفاءات وتتبع قضاء تلكيف في محافظة نينوى . " .واضاف ان ما جاء به مستل من بحث الزميل والصديق الأستاذ الدكتور يوسف جرجيس ألطوني D Yousif Altony Yako : قرى ريف الموصل - مستدرك على معجم البلدان - مجلة المورد ، العدد الأول ، ٢٠٠٥ ، الصفحة( ٨٥ ) .
وقريتي السادة وبعويزة اليوم محاددة لمدينة الموصل لابل هي جزء من جوار الموصل ، ولاتبعد عن مركز مدينة الموصل سوى 13 كيلومترا . وهي ملاصقة ومجتاورة مع حي الحدباء وقد امتدت لتتصل بحي الحدباء وهي أيضا في سهل نينوى وأهلها مزارعون ومربون للأغنام والماشية وهم أناس طيبون مضيافون متمسكون بأهداب الدين والأخلاق القويمة.
وقد أنجبت منطقة السادة وبعويزة عددا من الرموز والشخصيات الذين أسهموا في كثير من مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية.
وفي تاريخ منطقة السادة وبعويزة محطات تاريخية مهمة نحتاج الى صفحات عديدة لكي نتحدث عنها لكن اكتفي بذكر واحدة من هذه المحطات وهي حين وقع حصار نادر شاه على الموصل سنة 1743 أجاز الوالي والي الموصل الحاج حسين باشا الجليلي لأهل السادة (سيدلر او سدلر SayyidLar وبعويزة ان يكونوا ضمن جيش الموصل المواجه للحصار وذكرت وثيقة تاريخية عثمانية تعود للسنة 1743 تقول ان هناك مجاميع من قرى الموصل كانت تمثل قوى احتياطية منها قرية يارمجة وقرية نينوى وقرية القاضية وقرية بعويزة وتشير الوثيقة الى تعداد قوة السادة وبعويزة تبلغ (70) مقاتل و(60) من الفرسان (السباهية) وان قرية بعويزة مسؤولة عن اطعام (2100 ) من الأهالي .وقد امر الوالي الحاج حسين باشا الجليلي بجلب عدد من مقاتلي السادة وبعويزة للدفاع عن القلعة الرئيسة في الموصل وهي (باش طابية ) وكما تعلمون فإن الحصار استمر اكثر من 40 يوما وفشل وانسحب نادرشاه دون ان يحقق أهدافه وهو اقتحام مدينة الموصل .
في منطقة السادة وبعويزة كل مظاهر الحياة المدنية من مدارس للبنين والبنات منها مدرسة السادة الابتدائية التي تأسست سنة 1957 ، وكان للسيد يحيى هاشم الاعرجي دور كبير في تهيئة مكان لهذه المدرسة من خلال تخصيصه جانبا من داره للتلاميذ .
وهناك مدرسة بعويزة الابتدائية للبنين تأسست سنة 2002 ومديرها اليوم الأستاذ احمد عبدالسلام محمد ومدرسة السادة الابتدائية للبنات وهناك ثانوية بعويزة للبنات وثانوية بعويزة للبنين .وفي المنطقة ، شوارع ودكاكين ومستوصف ، ومحطة تعبئة وغسل وتشحيم وجوامع ومساجد منها جامع السادة ومسجد آل البيت ومنذ سنة 2020 قرأت ان بلديات الموصل قامت بتأهيل وتبليط الشارع الرئيسي وبطول كيلومترين مع عملية تنظيم المجاري ويقينا ان المنطقة ما تزال تحتاج الى الخدمات البلدية والصحية والتربوية .
في منطقة السادة وبعويزة نشاط رياضي وقد تابعت نشاطات منتخب بعويزة لكرة القدم. وهناك في بعويزة ملعب جيد. وفريق منتخب بعويزة كان وما يزال متصدر فرق سهل نينوى .والعقل المدبر للفريق ومدربه هو الأستاذ رياض احمد حسوني توريس ومسؤول اعلام الفريق الأستاذ قائد عمار .
أقول ان منطقة السادة وبعويزة تحتل منطقة جغرافية ستراتيجية مهمة فهي تضم قرى منسجمة مع بعضها تمتد من قرية الفاضلية وعلى امتداد نهر الخوصر حيث اراضي السادة وبعويزة وهذه المنطقة تشكل قوسا زراعيا كان يسمى سابقا (مرج الموصل ) لكثافة الزراعة ، ووفرة المياه الجوفية ، والسطحية .
لي كلمة اقولها عن السادة في الموصل وقد سبق ان نشرتها ومضمونها أن القرن الخامس الهجري –الحادي عشر الميلادي كان تاريخا حاسما في امتداد نقابة العلويين التي كان مقرها الكوفة الى مناطق واسعة من العالم الاسلامي. ففي سنة 431 هجرية -1039 ميلادية هاجر ابن لنقيب الكوفة وهو الامام محمد ابو البركات من احفاد عبيد الله الاعرج الى مدينة الموصل ليؤسس فيها نقابة . ولأهمية موقع الموصل الاستراتيجي ولثرائها الحضاري، والبشري، والتاريخي برز نقباء الموصل وكان معظمهم يتمتع بمزايا علمية واجتماعية حببت الناس بهم.
وكما هو معروف فأن في "اتحاد المؤرخين العرب" ومقره بغداد "هيئة عربية لكتابة تاريخ الانساب " ،وقد اطلعت الهيئة على كتاب الفه المرحوم الأستاذ وليد النقيب بعنوان (نقباء الموصل ) ، وامتدحته ووضحت في مقدمتها التي وقعها الدكتور أحمد خضر سلمان العباسي الدوري مقرر الهيئة ان ثمة قوى خارجية استهدفت اضعاف الامة العربية من خلال التشكيك بالأنساب واتهام بعض النسابين بالوضع وكثيرا ما تعرضت كتب الانساب الى التدمير وهذا ما وضع على كاهل النسابة مهام كبيرة أبرزها السعي لحفظ الانساب والتدقيق فيها وإعادة توثيق ما ضاع من خلال دراسة مؤلفات النسابين ومشجرات الانساب للقبائل والعشائر والأسر وتحقق فيها وتبين الرأي الصريح فيها ثم تصادق عليها أو تصححها .
لقد أرخ المرحوم الاستاذ وليد قاسم النقيب وهو من السادة الاعرجية من ذرية السيد النقيب الزاهد محمد أبي البركات نقيب الكوفة وحاكمها وامامها الاعظم لنقباء الموصل ووثق انسابهم واعتمد على العديد من المخطوطات وقسم كتابه على 45 فصلا عدا الفهارس .تابع تاريخ ال النقيب في الموصل ووقف على بطونهم ،وأفخاذهم ومساكنهم وأعمدتهم وترجم لقرابة 501 شخصا وتطرق الى موضوعات مهمة منها اهمية النسب والانتماء الى الاصول وأهمية النسب وطبقات الانساب وبيان اصطلاحات النسابين ونشأة نقابة الاشراف في الموصل واتساع مهامها لتشمل مناطق ديار بكر ونصيبين ودمشق ومرو وكربلاء والنجف وتطرق الى قيامهم بوظائف الافتاء والقضاء والتعليم وأشار الى ترب نقباء الموصل ولم يترك كبيرة ولا صغيرة مما يتعلق بنقباء الموصل إلا احصاها .كتب عن الاسر النقيبية في الموصل ، ومنهم ال النقيب ، وال المفتي ،وال العريبي وال السردار وال سيد علي وال خليفة وال مرتضى وال عباس صاحب الحقيقة وال حيدر صاحب التقوى وال سيد خليل وال العبيدي وال الاعرجي وال القاضي وال الفخري وال سيد محمود وال الحسيني وال موسى الحدادي وغيرهم مما ورد ذكرهم في الكتاب . كما وقف عند نقباء الاشراف وحسب تسلسلات ادائهم لوظائفهم زمنيا ، وأرخ لهم ، وذكر ادوارهم ، وتابع سيرهم الذاتية بكل دقة وتفصيل .ومما يسجل لصالح الكتاب كذلك انه ضم الكثير من شجرات النسب والملاحق المفيدة .
أدلى الصديق السيد جواد هبة الدين الحسيني الشهرستاني ، نقيب النقباء للسادة العلويين الاشراف في العراق بدلوه ، وقال كلمته في الكتاب ومما قاله انه لايسعه إلا ان يردد ما سبق ان قاله الشاعر الموصلي الشهير عبد الباقي العمري الفاروقي في بائيته الرائعة بحق (ال العباء ) في مئتين وستين من روائع ابياته الخالدة ..
هذا الكتاب المنتقى والمجتبى
من نعت اهل البيت أصحاب العبا
ومما عرف عن العمري الفاروقي مدحه لآل بيت النبوة وآخر ما نظمه قبل وفاته بيومين سنة 1279 هجرية 1862
ال العبا كم لهم أياد
فاضت على الخلق من يديهم
إني إليهم أحن شوقا
أحن شوقا إني إليهم
أما نقيب السادة الاشراف في الموصل السيد جمال الدين يحيى قاسم النقيب، فقد اكد بأن تدوين تاريخ نقباء الموصل ضرورة علمية ودينية وإنسانية خاصة بعد سنوات مضت من الاهمال في هذا المضمار.
*في الساعة التاسعة من مساء يوم الاربعاء 11-6-2025 وبدعوة من مكتب الاستاذ الدكتور عقيل يحيى هاشم الاعرجي القى الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف محاضرة في مضيف المرحوم الحاج قاسم عبود في قرية بعويزة بعنوان ( الحوار والسلم المجتمعي في قريتي السادة وبعويزة بين الماضي والحاضر ) حضرها جمع كبير من ابناء قريتي السادة وبعويزة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

في مقهى الادباء بشارع حلب -الموصل

  في مقهى الادباء بشارع حلب -الموصل اقول تعليقا على ما كتبه اخي وصديقي العزيز الناقد والكاتب الاستاذ صباح سليم علي عن اولئك المنتقدين لجلسات...