الخميس، 29 ديسمبر 2022

تاريخ الاعدادية الشرقية للبنين في الموصل



 



تاريخ الاعدادية الشرقية للبنين في الموصل

 
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل


اولا يجب ان نُفرق بين ( الاعدادية الشرقية)  و( بنايتها الحالية) ،  فبناية الاعدادية الشرقية الحالية اشغلتها المدرسة الاعدادية (موصل اعدادي مكتبي )  في العهد العثماني ثم اشغلتها (المدرسة الخُضرية)  نسبة الى جامع الخضر عليه السلام والقريب منها   في عهد الاحتلال البريطاني 1918- 1920 ، واشغلتها (ثانوية الموصل) في العهد الملكي ، وبعدها (الاعدادية المركزية )حتى سنة 1954 عندما بنيت لها بناية خاصة في باب سنجار قرب البارودخانة ومطبعة جامعة الموصل سابقا .

ولفهم كل ذلك اقول ان ( بناية الاعدادية الشرقية) الحالية والشامخة حاليا   بنيت في عهد والي الموصل مصطفى يمني  باشا العابد وهو عربي من ال العابد بدمشق –سوريا وبنيت بتبرعات الاهالي  اهالي الموصل  وقد سبق أن افتتحت في احتفال مهيب في الخامس عشر من ايلول سنة 1908 هي التي نتحدث عنها ولكن بالتسميات التي اشرت اليها لكن البناية هي نفسها التي هي شامخة بالرغم من عوادي الزمن وما لحق بها من التخريب خلال سيطرة عناصر داعش وحرب تحرير الموصل منهم 2014-2017

ولقد كتبت كثيرا عن الاعدادية الشرقية وبنايتها – بحكم تخصصي فأنا كتبت اطروحتي للدكتوراه سنة 1979 عن التعليم في العراق 1914-1932 ومما قلته عن بناية الاعدادية الشرقية أن  بناية الإعدادية الشرقية في مدينة الموصل  ترتبط بأذهان الموصليين على أنها فصل مهم من فصول التربية والتعليم في العراق، وكما يعرف المتخصصون بالتاريخ أن أول مدرسة في الموصل تأسست سنة 1895 بأسم (موصل إعدادية مكتبي) وقد شغلت في بداية الأمر بناية مستاجرة تقع في محلة باب لكش كانت تداوم فيها المدرسة الرشدية (المتوسطة) وكان من مدرسيها حسن خير الدين، وإبراهيم أفندي(جد الأستاذ الدكتور محيى الدين توفيق إبراهيم عميد كلية التربية الأسبق ) ، واحمد عزت آل اغا(السعرتي ) ، وعندما ضاقت بطلابها فكرت إدارة المدرسة بضرورة اختيار بناية جديدة تستوعب الأعداد المتزايدة من الطلاب، وتليق بمكانه ودور المدرسة الإعدادية الوحيدة في الولاية.
ويشير كاتب هذه السطور في بحثه الموسوم (إعدادية الموصل للبنين 1908-1954: فصل من تاريخ التربية والتعليم في العراق المعاصر)والمقدم إلى مركز دراسات الموصل قبل بضعة سنوات إلى أن سلطة الولاية قررت إنشاء بناية على قطعة ارض قريبة من بناية القشلة الملكية (السراي المدني) والتي كانت تضم مديرية المعارف (التربية ) ايضاً، ولم تكن هذه الأرض سوى بناية التي يقوم عليها (الإعدادية الشرقية) الحالية.
وقد جرى احتفال كبير عصر يوم الأحد 16 شعبان 1323هـ الموافق لليوم الخامس من تشرين الأول-اكتوبر سنة 1905 م، وضع فيه الحجر الأساس من قبل والي الموصل آنذاك نوري باشا (1903- 1905) .وقد ألقى الوالي كلمة أكد فيها أهمية العلوم وفوائدها ..واختتم الاحتفال بدعاء ردده الشيخ محمد أفندي الشعار ،ونحرت الذبائح وصدحت موسيقى الجيش بالألحان الحماسية وقد تشكلت لجنتان للإشراف على البناء الأولى برئاسة عمر لطفي رئيس المحاكم وكانت تضم الحاج محمد باشا الصابونجي  وإسماعيل بك الجليلي وهما من وجهاء المدينة. أما اللجنة الثانية فترأسها محمود بك آل شريف بك آل ياسين أفندي قاسم أغا مدير البنك الزراعي، وقد بذلت اللجنة المشرفة على جمع التبرعات هذه جهودا كبيرة من اجل حث الناس على التبرع بالأموال والمستلزمات الأخرى لبناء المدرسة التي أنجزت سنة 1908 وتم إشغالها من الطلاب في الخامس عشر من أيلول-سبتمبر سنة 1908.
وبشأن طراز البناية المعماري اقول  ان المدرسة بنيت على الطراز المعماري الإسلامي حيث الأقواس والفضاءات ، وقد استخدم في بناءها أسلوب حديث في البناء يسمى عند المعماريين بـ (الساندوج وول
Sandwich_ Wall) أي الجدار العازل وهذا الأسلوب يقوم على أساس البناء من جدارين يفصل بينهما عازل يتألف من مادة مغايرة. وقد أعطى هذا الأسلوب في البناء ميزة الهدوء في داخل المدرسة بالرغم من وقوعها في منطقة مزدحمة بالحركة. ويتضح من البناء كذلك أن الأقواس والفناء الداخلي المحاط بالصفوف قد أعطت نوعا من البساطة وعدم التعقيد الذي ينعكس ايجابيا على نفسية الطلبة فيدفعهم إلى الدراسة وتلقي العلم دون أية مشكلة .

كتب الدكتور علي نجم عيسى في كتابه ( مدارس الموصل ) عن الاعدادية الشرقية وقال ان  مساحتها الكلية  اكثر من ( 3) دوانم ، والدونم 2500 متر مربع ومساحة البناء ( 2400 ) متر مربع ومساحة حديقتها 600 متر مربع و800 مساحة العابها وعدد صفوفها (26) صفا منها (16) للفرع العلمي و(10) للفرع الادبي وعدد غرفها الكلية (50) غرفة في الجناحين الداخلي والخارجي وهي من طابقين وفيها اواوين اما الصفوف وحوش واسع واستخدمت الغرف للمختبرات وللحانوت ولموظفي الخدمات وفيها قاعة للاحتفالات و(17) من المرافق الصحية وكاتب هذه السطور هو احد خريجيها  وولدي الدكتور نشوان والدكتور هشام وهما اطباء متخصصون من خريجيها والمدرسة خضعت خلال تاريخها لكثير من حالات الترميم  منها الترميم الذي حدث سنة 2005 وهي ملك صرف لوزارة المالية واول مدير لها هو الاستاذ  سعيد صفو والاستاذ نجم الدين جليميران ومن مدراءها المشهورين الاستاذ عبد العزيز جاسم الحافظ والاستاذ كمال صدقي  عبد الغني والاستاذ محمود شيت الجومرد والاستاذ سعيد عزيز الملاح والاستاذ عبد الاله سعيد والاستاذ سعيد سليمان والاستاذ حازم عمر وقد تولاها بين سنتي 1960-1967 والاستاذ فخري بشير المختار والاستاذ عبد الله محمد علي القليه جي والاستاذ حقي اسماعيل ياسين والاستاذ عبد الماجود احمد السلمان والاستاذ اسماعيل جمعة خميس والاستاذ طارق فضل والاستاذ جاسم محمد الصوفي تولاها منذ سنة 1982 الى سنة 1992 توفي سنة 1992 في حادث اصطدام سيارة والاستاذ عدنان محمد حسن والاستاذ عبد الوهاب محمد علي والاستاذ موفق رسول عبد الحافظ والاستاذ صبحي شيت حسين  منذ سنة 2006 . وكان يدرس فيها نخب من التدريسيين الفضلاء المتميزين . وقد اصدرت عددا من المجلات منها مجلة (الشروق) وكانت مجلة ثقافية طلابية صدر عددها الاول سنة 1970 .

الاعدادية الشرقية اسهمت في كل النشاطات السياسية وكانت في كل تاريخها (بؤرة) للتظاهرات والنشاطات السياسية المعارضة للسيطرة الاجنبية وللطبقة الحاكمة المستبدة . وقد تعرض عدد من طلبتها للاعتقال والطرد والفصل .

كان للإعدادية الشرقية في كل تاريخها  ، دور متميز في رفد مؤسسات الدولة والمجتمع العراقي بآلاف من المتخرجين الذين تسلم كثير منهم بعد اكمالهم الدراسة العالية مهام ومسؤوليات جسيمة، فكان من بين المتخرجين رؤساء وزارات ووزراء وأطباء ومهندسين وصيادلة وشعراء وكتّاب ومؤرخون وتربويون وعسكريون وفلاسفـة وصحفيون وغيـر ذلك.. ويتباهى كـل خريج من الاعدادية الشرقية  اليوم بمدرسته ويذكر أساتذته بفخر، وجدير منّا اليوم ان نحيي ذكرى تأسيس هذا الصرح العلمي ليظل شامخاً أما أعين أبناءنا وأحفادنا وكل الأجيال القادمة

 

 

 

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق