الخميس، 29 ديسمبر 2022

خان الغزل في محلة السرجخانة في الموصل ا.د. ابراهيم خليل العلاف

                                                             خان الغزل في محلة السرجخانة - الموصل 



خان الغزل في محلة السرجخانة في الموصل
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
والموصل ، أقصد مدينة الموصل تسمى (كوجك اسطنبول ) ، بمعنى انها اسطنبول الصغيرة . والسبب في هذه التسمية انها تضم اسوق وخانات ، وقيصريات تشبه ما هو موجود في اسطنبول .وفي الموصل خانات كثيرة وقديمة . والخانات كانت منذ العصور الاسلامية وحتى في العهد العثماني بمثابة (فنادق ) للمسافرين ، وهي تأوي اصحاب القوافل التجارية الذين يأتون الى الموصل اما للتبضع وشراء منتوجات الموصل او بيع ما لديهم من منتوجات وقسم من هذه القوافل كانت تأتي من داخل العراق وقسم من خارجها .
شيء مهم يجب ان نقوله هو ان كلمة (الخان)كلمة بابلية قديمة تعنى (المكان ) وهناك من يقول انها كلمة فارسية تعني (البيت ) . وهناك من يقول انها سريانية تعني مكان ( الاقامة او النزول) ، لذلك كان اجدادنا يسمون الخان ب (النُزل) .وانا ارجح انها سريانية . وللعلم فان الاتراك العثمانيين يسمون الخان (كروان سراي Caravanserai ) ، و( الكروان سراي) أي محل اقامة الكروان ، والكروان ( القافلة) باللغة العربية والسراي أي محل او مكان القوافل .
والنقطة الاخرى التي يجب ان نعرفها ان الخان عادة ما يكون مؤلفا من طابقين الطابق الارضي يكون مربطا للحيوانات من قبيل الخيول والجمال والحمير والطابق الثاني يكون للمسافرين والتجار . كما ان لدينا خانات بثلاث طوابق يستخدم الطابق الثالث لأغراض خزن البضائع والسلع .
وللخانات باب واحد أو بابان أو ثلاثة ابواب وابواب الخانات كبيرة مرصعة بالمسامير وهي قوية وغالبا ماتكون من صفاقتين كبيرتين .. وفي الخان فناء داخلي أي (حوش)  وعادة يكون غير مسقف وحول الحوش العديد من الغرف .. والخان اما ان يكون مربع المساحة أو مستطيل المساحة مع مدخل يسمى (دهليز) وحول المدخل من اليمين غرفة ومن اليسار غرفة وهذه الغرف تكون لبواب وحرس الخان .وهناك امام الغرف اروقة جمع رواق أي اواوين جمع ايوان . والخانات تكون قريبة من الاسواق التجارية وتُعد جزءا منها .

النقطة الثالثة التي يجب ان نقولها ونقف عندها ان الخانات اما ان تكون داخل المدن ، واما ان تكون على طريق القوافل كدار استراحة لهم . ولدينا الكثير من الخانات في العراق تأسست على طرق القوافل كمكان لسكنى واستراحة التجار والمسافرين والرحالة وعابري السبيل وغالبا ما تكون عند مجاري الانهار او العيون عيون الماء .
وفي الموصل وعبر تاريخها الطويل ، خانات كثيرة اقف اليوم عند احد اشهر خاناتها وهو (خان الغزل) ويقع في محلة السرجخانة بالجانب الايمن من مدينة الموصل .ويذكر اللواء الركن المتقاعد ازهر سعد الله العبيدي في مقالة له عن خانات الموصل القديمة منشور في موقع (بيت الموصل) ورابطه التالي :
https://www.baytalmosul.com/
ان (خان الغزل ) في السرجخانة ، كان متخصصا ببيع الغزول والقطن ، وكان موطنا لتجمّع النساء اللواتي يحملن غزولهن ليسلمنها إلى الخان خان الغزل يومياً، ومن الطبيعي أن يكون الضجيج من طابع هذا المكان الذي يزدحم بالنساء الكثيرات أو ما يسمى ب (الدوي) .وثمة قصص وحكايات عن اولئك النسوة وهن يتجمعن في هذا السوق ليبعن غزولهن ومنذ الصباح الباكر . وكان خان الغزل يقع قبالة جامع النعمانية وقد يكون من المناسب الاشارة الى ان خان الغزل كان ملك صرف لآل الجليلي الاسرة الموصلية التي حكمت ولاية الموصل في العهد العثماني وبين سنتي 1726-1834 وهو أي الخان وقف على جامع النعمانية . ويقول الاستاذ سعيد الديوه جي في كتابه (جوامع الموصل وطبع في مطبعة شفيق ببغداد وصدر سنة 1963 ان خان الغزل لم يزل يعرف بهذا الاسم ويباع فيه الغزل والقطن ويسمى ايضا سوق القطن وجامع النعمانية بناه نعمان بك بن سليمان باشا بن محمد امين باشا الجليلي سنة 1212 هجرية أي سنة 1788 ميلادية أي في القرن الثامن عشر الميلادي . وكما هو معروف ان جزءا من ارض خان الغزل اقيمت عليه مديرية ضريبة نينوى – الجانب الايمن لفترة من الزمن . وخان القطانين كان يسمى سوق الغزل لان هناك في الطابق الثاني للخان من كان يعمل وينتج الغزل وهي خيوط اما من الصوف او القطن .

ويذكر الدكتور اكرم محمد يحيى في بحثه الموسوم :  (خطط خانات الموصل خلال العهد العثماني ) والمنشور في مجلة (دراسات موصلية) العدد (28) ،تشرين الاول 2012 الى ان خان الغزل  يقع في محلة السرجخانة مركز مدينة الموصل القديمة قبالة جامع النعمانية وهو ملك صرف ووقف على جامع السرجخانة الـشهير بجـامع نعمـان باشا الجليلي وتعود ملكيته الى الحاج إسماعيل بك بن صديق الجليلي والحاج أمين بك وعائشة خاتون واحمد بك أولاد أيوب بك الجليلي، ويشتمل علـى طـابقين، الطـابق    الأرضي يضم اثنتي عشر حجرة وفناء واسع وقنطرة وبئر مـاء، فيمـا أشـتمل الطابق الثاني العلوي على ثمان وعشرين غرفـة و ثلاثـة عنـابر للخـزن وثلاثـة وعشرين رواقا، ويعد خان الغزل سوقا رئيسا لتجارة خامات الاقطان وندفها وغزلهـا وكان محط  إقبال أهالي الموصل والحائكين فضلا عن سكان القرى والمنـاطق المحيطـة بمدينة الموصل.

وقد كتب اللواء المتقاعد رافع محمود داؤد القطان وما كتبه عن خان القطانين متوفر في الموقع التالي ورابطه : https://asak.ahlamontada.net/t37-topic

بإن  خان القطانين ، عبارة عن خان واسع ، في حوش مستطيل وفيه غرف كثيرة ، وفوق كل غرفة يوجد غرفة علوية يصعد اليها بدرج يتوسط الخان وبشكل دوار على الغرف في الطابق الثاني مبني من الحجارة والجص والغرف سقوفها على شكل قبة تتخللها الاواني الفخارية وكل غرفة في الطابق الثاني تسمى (كنج)   يوضع فيها القطن (الحليج )او القطن ذو الحب او حب القطن وقسما  من هذه الغرف كانت مخصصة لأشخاص يصنعون( الكجاية) وهي عبارة عن بساط يصنع من الصوف وتعامل من مواد وتكبس بالأرجل وتنقش بالوان زاهية وتستخدم في فرش الدواوين او تحت الدواشك وكان اشهر من مارس هذه المهنة (يونس الكججي) ،  (وتوفيق و احمد الجبان) ،  (واحمد الداؤود الشهير ابو حاتم ).. وكان يحرس الخان ويشرف عليه المرحوم ( جميل الخانجي واولاده واخوانه)، وكانوا مثالا للشرف والامانة والحرص" .
واول من مارس هذه المهنة هو المرحوم (عبدالله مراد العبيدي ) منذ 500 عام او اكثر حيث انتقل من منطقة جامع العبدال الى منطقة السرجخانة ، واخذ يزاول مهنة بيع وتصنيع القطن ومن اخر احفاده كان المرحوم (محمود داؤد القطان) والذين عملوا معهم بهذه المهنة العريقة من بيع وشراء وتصدير القطن.
1-
محمود داؤد القطان واخوانه واولاده
2-
ملا احمد القطان
3-
السيد محمود علي القطان واخوانه
4-
داؤد سليمان القطان
5-
بيت الحاج بشير القطان واخوانه
6-
الحاج احمد الصغير
7-
بيت سليمان وسلمان الطعان
8-
الحاج حمود الجراح واولاده
9-
الحاج عبدالقادر القطان واولاده
10-
يحيى صالح القطان
11-
صالح وعبدالسلام عبدالواحد القطان
12-
الحاج محمود الحافظ
13-
سيد يحيى سيد خليل القطان
14-
نجيب الديوه جي واخوانه
15-
سيد مجيد واولاده
16-
الحاج طاهر القطان
17-
بيت ياسين القطان
18-
بيت سلمان داؤد الساغا
19-
بيت خليل نومه واولاده
20-
بيت الدكتور محمد شريف القطان
والقطن انواع منه ( القطن البلدي او قطن سنجار) ،  وهو قطن ذو خاصية اسفنجية ذو شعره قصيرة وحبة مملؤة بالزيت واغلب زراعته كانت في منطقة سنجار والمناطق المحيطة بها واكثر استعمالاته للدواشك وهناك (القطن السانتيم)  ، وهو قطن يزرع  في العراق من حبوب استوردت من الخارج ذو شعرة طويلة   ( (تيلة  ) يصلح لعمل الغزل وكان ذو جودة عالية وانتشرت زراعته في عموم القطر وجاء استيراد هذه الحبوب لإنتاج اقطان تلبي حاجة معامل النسيج في البلاد ( الموصل – بغداد – الكوت)، وغير ذلك وعند انتشار زراعته منعت الحكومة زراعة القطن البلدي لكونه يضر بالاقتصاد ولا يلبي حاجة معامل النسيج في البلاد.
وهناك ( القطن ذو اللون الحني)  ، وكان يزرع بكمية قليلة ليلبي حاجة السوق ويصنع منه الفوطة التي تستخدمها الفلاحيات في القوش وقرقوش وتل اسقف.
اما عن كيفية زراعة وصناعة القطن ، فيمكن القول ان حب القطن يزرع في المناطق التي تتوفر فيها المياه واهما مناطق سهل نينوى ومنطقة كرمليس) ، وعند نضوج الانتاج تكون على شكل جوزة مملؤة بالقطن يجمع الفلاح هذا المنتوج ويذهب الى العلوة وكانت قرب الجسر القديم ولكل فلاح علوة خاصة به وقطان خاص به. وياتي القّطان الى العلوة وياخذ كمية من جوز القطن حسب حاجته ويضع القطن في   (شليف) أي  كونية كبيرة ويضع علامة خاصة به أي ( ماركة )  فمثلا" محمود الداؤد كانت علامته على شليف القطن هي ( 91 ) ، وعندما تصل هذه ( الشلفان)  الى حوش خان القطن وعليها علامة القطان يعرف كل من في الخان انها تعود للقطان الفلاني من علامته الخاصة وهكذا  الباقين . وبعد ذلك يجري تفريغ شلفان القطن ( الجوزة ) ، في اروقة الخان ولكل قطان.
وكان خان القطن يستقبل صباح كل يوم   اكثر من( 250 )عامل ( خراجة )  لتستلم كل واحدة منها   (كونية )جوزة قطن وتذهب بها لدارها ثم تقوم بفصل الزهرة ( العطبة ) من القشور وتعود بالقطن المنظف من القشور الى صاحبه بالخان وقشور القطن تستفاد منه الخبّازة كشعلة في التنور.
وكان القطن يباع ويشترى بأوزان ( المن- الحقة –الوقية) ، وبعد ان يجمع القطن حامل الحب يجري التعامل معه سابقا" يدويا" بفصل القطن عن الحب ، وكانت عملية صعبة حتى دخول مكائن حديثة التي بدأت تفصل القطن عن الحب وتنظفه بشكل جيد بعدها القطن يدفع الى النداف ليبدأ بندفه وجعله منفوشا" اما الحب فيباع للجماسة حيث هذه المكائن تسمى (محالج صغيرة) اما المحالج الكبيرة فكانت في معمل نسيج الموصل ومحالج الصابونجي في الفيصلية ، ومحالج  محمد نجيب الجادر في الغزلاني والمحالج نوعين:  الاولى هي مكائن المنشار عبارة عن مناشير حادة مكونة من ( 024)منشار مع صندوق مملوء بالقطن ذو الحب ويبدأ حلجها اي فصل القطن عن الحب فالقطن مخصص له مكان لنهاية الماكنه والحب يسقط في مكان اخر.والثانية هي مكائن السكين وهي عبارة عن (راسطتين)  تشبه السكين سفلى وعليا مربوطة على مكائن تعمل بالكهرباء ذات فولتية واطئة ويحلج فيها القطن (البلدي) حيث تنظف حب القطن بشكل جيد يفضله الجمّاس كعلف للجاموس ياتون صباحا "للقطانين لياخذوا هذا الحب منهم امثال ( بيت حسين الفارس ، و بيت شيت شلاوي ، و بيت ابو حاجم).. اما الحب الزائد فيقوم التجار في تجمعه ويرسل بعجلات الى بغداد لكي يتم استخراج الزيوت النباتية منه .
وهناك مكائن الندف وهي عبارة عن سربس مثبت على ماكنة فيها نتوءات على شكل مسامير صلدة يتقدم (السربس)  قايش عريض يجرى وضع القطن عليه ويندف وقد عوضت هذه المكائن عن قوس الندف حيث كان النداف يبذل جهودا" كبيرة لمسك قوس فيه وتر مع جك من خشب يوضع امامه القطن ويبدأ بندفه اي(تنفيشه)وكان اشهر نداف هو المرحوم (طه حساني واحمد الجبان وغيرهم .
بعد ثورة 14 تموز سنة 1958   وبالتحديد بداية الستينات اصدرت الحكومة امرا "بإلغاء المحالج الصغيرة نظرا "لكونها توثر على عمل المحالج الكبيرة الموجودة في معامل النسيج. وقد امتعض القطانين من هذا الامر ولم ينفذوه الا ان الحكومة اصدرت امرا" الى مديرية كهرباء الموصل بقطع الكهرباء عن هذه المحالج الموجودة في خان القطن مما جعلها حديد خردة لا تنفع .
اضطر كبار القطانين وشخصياتهم الى تشكيل وفد برئاسة محمود داؤد القطان وعضوية كل من السيد محمود السيد علي وحمودي الجراح ومحمود الحافظ وتوفيق الجبان فقابلوا الزعيم عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة 1958-1963 وشرحوا له ما اصابهم من ضرر لكن الحكومة اصرت على موقفها وهذا ادى الى اضمحلال هذه المهنة واندثارها وجاء اغراق السوق بالمستورد من الاسفنج الصناعي ليضع حدا لهذه المهنة العريقة وتراجعها .

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق