الأحد، 18 ديسمبر 2022

القزازون وسوقهم في الموصل ا.د.ابراهيم خليل العلاف

                                                         ابراهيم العلاف وهو يلبس الفروة الموصلية 

                                                       قيصرية القزازين ( قيصرية علي افندي) 

القزازون وسوقهم في الموصل

ا.د.ابراهيم خليل العلاف

استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل

وكما هو معروف فإن الموصل مدينة متمدنة متحضرة لذلك فإن الكثير من اسرها ينتسب الى المهنة والى الحرفة وليس الى العشيرة وليس معنى هذا اهمال العشيرة وانما الموصل طابعا العام طابع مدني مع ان كل اسرها ترجع في اصولها الى العشائر المعروفة سواء كانت عربية او كردية او تركمانية او غير ذلك .

ومن هنا يجب ان نقول ان الموصل كمدينة اهتمت بالحرف والمهن وطورتها منذ قرون طويلة فهي فضلا عن كونها مدينة زراعية ومدينة تجارية لكنها اهتمت بالصناعات والحرف والمهن وابدع صناعها في كثير مما يتعلق بالإنتاج واليوم اريد ان اقف عند مهنة للأسف في طريقها الى الانقراض ان لم تكن قد انقرضت وهي  مهنة (القزازة ) مع ان هناك اليوم من يمارس هذه المهنة وعلينا المحافظة عليها باعتبارها من المهن المهمة التي يحتاجها المواطن خاصة وان الكثير من الازياء الشعبية التي يلبسها الناس اليوم  تحتاج في صنعها الى هذه المهنة .

 وقد يكون من المهم والمناسب ان أُذكر القارئ ان كلمة القزاز تعود في اصولها الى الشخص الذي يشتغل بخيوط دودة القز الحريرية واهل الموصل يسمون هذا الخيط المنتج من دودة القز هذه خيط (  الابريسم ) . وهذه الخيوط كانت تنتج محليا من خلال تربية دودة القز وبعدها صارت تستورد على شكل (شليلة ) ومصدرها الاسواق الهندية . وقد كتب الاستاذ الدكتور ذنون يونس الطائي في كتابه (مهن وحرف موصلية قديمة ) وصدر عن دار ابن الاثير للطباعة والنشر في جامعة الموصل سنة 2014 عن مهنة القزاز وقال  ان القزاز كان يقوم بنسج نوع من الشرائط ( جمع شريط ) ويسمونها (السفايف) وتكون بعرض اصبعين اي (3 سنتمتر ) وتسمى محليا ال ( صجغ) وتكون بلونين برتقالي واحمر وهذه الشرائط او السفائف تستخدم في صنع غطاء الرأس الذي تلبسه النساء وهو (الملفع ) وخاصة في القرى والارياف .كان هناك شيء آخر يقوم به القزاز وهو صناعة خيط السبحة والكركوشة  الجميلة الزاهية الالوان المتصلة بها . كما ان القزاز ايضا وقد ادركت هذا عندما رأيت المرحوم قاسم الخياط في السوق المقابل لجامع الباشا في باب السراي في الموصل يصنع حافات للدمير الذي كان الرجال يرتدونه على الزبون ويشبه الجاكيت التي نلبسها اليوم لكنه كان اكثر انسيابية على الجسم من الجاكيت وكان لباسا جميلا مطرزا  على (الدمير) بعرض (سنتمتر ونصف ) تقريبا ويستخدم القزاز آلة  نسيج يدوية لصنع حافات الدمير .

لازلت اتذكر المرحوم السيد مجيد محمد عبد القادر القزاز (ابو صديقنا اكرم) في قيصرية سوق العتمي وهو جالس في دكانه وهو يصنع العقال (العكام ) من شعر المرعز الاسود وكان العقال الموصلي معروفا بأنه كان متقن الصنع وجميل وليس عريضا بل كان حجمه مناسبا للرأس .

مما يجب ان نشير اليه ونحن نتحدث عن مهنة القزازة والقزازين ان القزاز كان يستعين بعدد من النساء والقسم الكبير منهم يسكن في محلة باب الطوب (جوبة البكارة) وهي قريبة من سوق باب السراي لكي يقمن بغزل الشعر شعر الماعز او ما يسمى محليا (شعر المرعز) وتحويله الى خيوط مستخدمين ما نسميه في الموصل (الدوك) وهو نوع من المغازل اليدوية ومن كان يريد عقالا عليه ان يجلب بكرة من الخيوط التي تنتجها  النسوة ويأتين بها الى القزاز لكي يصنع العقال المطلوب او انهن كن يسلمن القزاز ولقاء اجور مجزية ما كن يغزلنه من خيوط الشعر شعر المرعز وهو يقوم من خلال الة يدوية تشبه الهرم وهي من خشب بصنع العقال وغالبا ما يجلس الزبون عند القزاز في دكانه لانتظار انجاز العقال .

اتذكر ايضا ان القزاز يبيع خيوط الابريسم لمن يحتاجها وكن النساء من قرى وريف وقصبات سهل نينوى بأتين القزاز لتطريز حافات ملابسهن التي تسمى (الجاروكة) او (العليميات) وهي الزي الشعبي المتعارف عندهن .

كثير من القزازين كانوا في قيصرية معروفة في الموصل تقع قبالة جامع الباشا في سوق باب السراي وهي التي كانت تسمى ايضا قيصرية علي افندي ولي مقال عها وادركتها في الستينات باعتها متخصصون بالقزازة وبيع الخيوط والابريسم وقيصرية القزازين هذه كانت صغيرة وفيها ممر واحد وكان فيها دكان الخياط  يونس الخياط او ذنون وابو صديقي ورفيق عمري وحياتي وزميلي المرحوم الاستاذ محمد يونس الخياط (ابو نصار)  الذي عمل في اواخر السبعينات مديرا لأوقاف دهوك وبعدها صار له محل لبيع المعلبات  وما شاكل في سوق البوصة على شارع كورنيش الموصل .

الاخ الاستاذ لقمان ابراهيم القزاز وهو من اسرة امتهنت القزازة منذ القرن 18 الميلادي خصني بمعلومات جميلة  جدا عن اسرته وقدم شهادة جميلة ودقيقة عن اسرة ابراهيم القزاز وعن جدهم مصطفى بك الخالدي المخزومي  وولده سليم بك في القرن 19 الميلادي وعن كتاب ( مائدة الفضل والكرم)  لعبد الستار الصديقي وما ورد في هذا الكتاب عن مهنة القزازة والاسر التي عملت فيها وخاصة اسرة مصطفى بن سليم بك القزاز وعبد الرحمن بن سليم بك  القزاز وعبد القادر بن سليم بك  القزاز .وكان بعض القزازين يعملون خارج قيصرية القزازين نذكر منهم ابو القاسم محمد مصطفى القزاز وابو ذنون عبد الرحمن القزاز وابو صبحي حمدي القزاز والشيخ عبد الرحمن سليم بك القزاز وهو كما قلت جد صديقنا الاستاذ ابراهيم القزاز وابو عبد الوهاب الحاج محمد القزاز والحاج محمد عبد القادر القزاز والحاج رشيد الخطيب القزاز والحاج عبد الله النجيفي القزاز .

اخيرا هناك امور لابد ان اقف عندها وهي (الصجغ)  وهي الاشرطة اي السفائف التي تنسج من خيوط القز او السانتين وترسل الى المصبغة في محلة الاوس – الساعة لتصبغ وهناك العقال والعقال انواع منه العقال الموصلي والعقال الحلبي وهناك (الفراوي) ،  وهي التي تخاط  ومن ثم تُخّوم على شكل رداء يشبه القابوط تلبس في الشتاء  ويقوم القزاز بوضع الاشرطة  عليها .

هذه هي قصة القزازين وسوقهم رويتها لكم وادعو الى الاهتمام بهذه المهنة وهي التي كانت تتوارث من جيل الى جيل .

https://www.youtube.com/watch?v=7HCPY728u4A حلقة القزازين في الموصل من حلقات برنامج (موصليات) يقدمه الدكتور ابراهيم العلاف من قناة (الموصلية) الفضائية 

            

              


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق