البارود خانة في الموصل
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
كثيرة هي المؤسسات العسكرية العثمانية التي كانت موجودة في الموصل
منذ ان كانت ولاية عثمانية قبل انتهاء الحرب العالمية الاولى سنة 1918 . ومن هذه المباني والمؤسسات ( القشلة العسكرية )
و(القشلة المدنية ) وبناية (البارودخانة)
التي نريد ان نتحدث عنها اليوم وابتداءَ
كلمة (البارود خانة ) مؤلفة من البارود وخانة
وهي مصطلح تركي تعني (محل خزن
البارود) .
وبناية البارودخانة ، هي واحدة من ابرز المعالم التاريخية
العثمانية في الموصل وبناية البارودخانة مشيدة بهيئة (قلعة ) أو ( حصن عسكري) وقد
اتخذت مكانا لخزن القنابر والمقذوفات أي
ما تسمى ( الدانات ) والذخائر الحربية فضلا عن انها كانت - كما يقول الاستاذ محمد توفيق الفخري في مقال
له في مجلة (مناهل جامعية ) التي كانت تصدرها جامعة الموصل (العدد 32 اذار 2009) - جزءا من النظام الدفاعي العثماني في الموصل .
وبناية البارودخانة
كانت تقع بالقرب من (الباب العمادي) وهو احد بوابات مدينة الموصل والان يقع بالضبط
في مكان محطة تعبئة ابن الاثير أي بالقرب من بناية مطبعة جامعة الموصل القديمة في
شارع ابن الاثير في الطريق بين باب سنجار والمستشفى الجمهوري بمحلة الشفاء .
بناية البارودخانة
بُنيت في عهد والي الموصل محمد اينجة بيرقدار سنة 1834 وهو الوالي الذي جاء الى ولاية الموصل لإعادة
الحكم العثماني المباشر في عهد السلطان محمود الثاني 1808-1839 وازاحة حكم الاسرة
الجليلية الذي استمر من سنة 1726 الى سنة
1834.ومحمد اينجة بيرقدار ، هو من الولاة الاقوياء المصلحين ، وهو اول وال
عمل على تطبيق التجنيد الالزامي والتدريب الحديث في الموصل تطبيقا لسياسة السلطان محمود
الثاني الاصلاحية . وكان قضاؤه على الجيش
الانكشاري واحلال الجيش النظامي الجديد محلة فاتحة اعماله .كما حاول توطيد الامن
وشرع بإدخال الاصلاحات الحديثة .كما اشتهر محمد اينجة بيرقدار بأعماله العمرانية
فعمر دور الحكومة (السراي) ، وشيد الثكنة العسكرية أي القشلة ، وخصص لكل صنف مكانا خاصا ومنها مثلا صنف
المشاة وصنف المدفعية (الطوبجية ) وصنف الخيالة . كما شيد المستشفى العسكري ، واهتم ببناء معمل
لصنع المدافع والقنابل والبارود .
وكانت
(البارودخانة ) التي نتحدث عنها مشيدة على جزء من السور الشمالي لمدينة الموصل . وهذا السور يمتد الى القلعة الرئيسية التي
نسميها في الموصل (باشطابية ) ، والتي تقع على ضفة نهر دجلة اليمنى .
ومما يجب ان
نلاحظه ان بناية (البارودخانة ) مكونة من ثلاثة مبانٍ رئيسية والمبنى الاول هو
المبني القائم والحمد لله حتى يومنا هذا بالرغم من مرور اكثر من (186) عاما عليه ..
والمبنى كله مؤلف من طابقين وتبلغ مساحة البارودخانة (2,374) مترا مربعا ، وطول البناية (22) مترا
وعرضها (17) مترا وارتفاعها قرابة (11) مترا . والبناية كما يظهر لنا من الخارج
تسندها دعامات منشورية بابعاد (5.5) مترا
عند اسفل الجدار وبارتفاع ( 8) مترا ويبلغ سمك الدعامة (1.1 ) مترا .
اما المبنى الثاني في البارودخانة وهو بطول ( 12 ) مترا وعرض أربعة امتار ويتكون من غرف ، ويقع شرق
المبنى الرئيس ويبدو انه كان مخصصا لسكنى العاملين والمشرفين على بناية
البارودخانة .. وللأسف هذا المبنى مهدم . وهناك المبنى الثالث كان مخصصا للضباط
وقد ازيل عند بناء مطبعة الجامعة .
في تاريخ (البارودخانة ) محطات لابد ان نذكرها ؛ فمن الطريف انه جرت
محاولات للاستفادة من البناية في سنوات عديدة ، فمرة اتخذت لتكون محلا لجمعية
تعاونية ، ثم اتخذت لتكون متحفا للتراث
الشعبي الموصلي تابع لجامعة الموصل ونقل منها بعدئذ الى بيت التوتونجي في محلة
القطانين بالسرجخانة ثم الى مركز دراسات الموصل في الحرم الجامعي الاول بالمجموعة
الثقافية . وللأسف تعرض المتحف للتخريب والنهب والسلب عند وقوع الاحتلال الامريكي
سنة 2003 .
طبعا كان للبارودخانة دور مهم خلال فترة حصار نادرشاه للموصل بقصد
احتلالها في ايلول وتشرين الاول سنة 1743 ، وكانت تزود المقاتلين المدافعين عن
الموصل بالذخائر والمقذوفات من القنابر والدانات ، وكان قائد الحصار والي الموصل
الحاج حسين باشا الجليلي يتردد اليها خلال
المعارك ، ومن خلال انفاق تحت الارض تمتد الى باب سنجار وكانت الذخائر تنقل الى
المقاتلين في باشطابيا بكل يسر وسهولة من مخزن البارود هذا أي البارودخانة ، لذلك يحق للموصل ان تحتفي بهذه البناية ، وبدور
من كان يعمل فيها من المقاتلين .
كتبت اكثر من مرة عن البارود
خانة ، ففي مدونتي كتبت سنة 2013 وقلت
:" البارودخانة أي مكان خزن البارود ...بناية
عثمانية في الجانب الايمن من مدينة الموصل عند باب سنجار مقابل إطفاء الساحل
الأيمن ، وقرب مطبعة جامعة الموصل وبناية الاعدادية المركزية . كانت مخزنا لعتاد
الجيش العثماني وأسلحته ، وبعض ما يحتاجه الجيش من مواد عسكرية حربية . في
الأربعينيات من القرن الماضي نقلت محتوياتها من البارود والمقذوفات الى معسكر الغزلاني نظرا لخطورتها على المنطقة .. وكانت بالقرب من سكة الحديد في راس الجادة خلف ملعب
الإدارة المحلية (مخازن أرضية) للعتاد
والسلاح انشأها العثمانيون الذين حكموا الموصل منذ السنوات الاولى من القرن 16 الى
اوائل القرن 20 ...أجريت عليها ترميمات نظامية في السبعينات لكنها للاسف مهملة مع انها من تراث المدينة " .
كما كتب عنها الحاج عبد
الجبار محمد جرجيس في بحثه الموسوم (القلاع والثكنات العسكرية في الموصل ) ضمن
الكتاب الذي حرره كاتب هذه السطور بعنوان تاريخ الجيش العراقي في الموصل وتطور
دوره الوطني ) ، وصدر سنة 2013 وقال :ان البارودخانة من المنشآت العسكرية
العثمانية موقعها بالقرب من باب سنجار مقابل اطفاء الساحل الايمن قرب مطبعة جامعة
الموصل .كان فيها عتاد الجيش العثماني ،وبعض نا يحتاجه الجيش من مواد عسكرية حربية
. في الاربعينات من القرن الماضي القرن العشرين نقلت هذه المواد الى اماكن اخرى
نظرا لخطورتها على المنطقة [طبعا نقلت الى معسكر الغزلاني في حينها ] .
هذه هي البارودخانة وادعو المسؤولين في محافظة نينوى ، وفي دائرة
الاثار والتراث الى الاهتمام بهذه البناية الاثرية والتاريخية وترميمها وصيانتها
لتظل شاهدة على مرحلة مهمة من مراحل تاريخ الموصل الحديث .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق