الخرائط
والجغرافية الوصفية والرحلات عند العرب المسلمين*
الاستاذ شعلان كريم الغزالي
كلية التربية الاساسية –جامعة بابل
ظهور علم الخرائط في الجغرافية العربية
برزت الحاجة الى الخرائط عندما تطور الفكر الجغرافي العربي واتسعت مجالات فيه وقد اشرنا في كلامنا عن الجغرافية الوصفية الى ان شملت معظم العالم الاسلامي في ذلك الوقت اضافة الى مناطق اخرى في كل من القارات التي كانت تكون العالم القديم ي وضعها في هذا القرن الثالث الهجري فقد
ونتيجة لتطور الجغرافية الوصفية وزيادة عدد الرحلات فقد الحاجة الى خارطة يظهر عليها ما يتم وصفه وتحديدهوقد فرضت حالة الوصف بروز خارطة تختلف عن الخرائط التي خلقتها الحضارات القديمة والتي تمثلت في الخارطة البطليموسية التي يغلب الاهتمام بالطابع الفلكي
واذا قارنا بين الخرائط المرتبطة بالجغرافية الوصفية نجدها تختلف عن الخرائط التي سبقتها,فالخارطة الجديدة عبارة عن مصورات خاصة بالمناطق التي يشملها الوصف الجغرافي ولذلك فقد غلب الطابع الهندسي اكثر من الطابع التخطيطي وعلى هذا الاساس يمكن تقسيم المراحل التي مرت بها الخارطة العربية الى المراحل الاتية:-
المرحلة الاولى
تمثل هذه المرحلة خارطتان الاولى خارطة الحجاج بن يوسف الثقفي والخارطة الثانية الخارطة المامونية اما الخارطة الاولى فيعود سبب رسمها الى الطلب الذي تقدم به الحجاج الى قائده قتيبة بن مسلم الباهلي فاتح بلاد ما وراء النهر طالبا منه ارسال صورة لتلك البلاد والتي بموجبها بعث اليه بتعليماته الاستراتيجية بناء على ماجاء في تلك الخارطة ويرتبط بهذه الخارطة من حيث الصورة التي قدمت للمنصور عن البصيحة والصورة التي تمثل الدنيا والتي قدمت للرشيد
اما الخارطة الثانية فهي الخارطة المامونية وهي اول خارطة رسمت باسمه وشارك في رسم هذه الخارطة عدد من علماء الفلك والرياضيات وقد اشار المسعودي الى انه شاهد الخارطة ووصفها باوصاف تفوق ماراه في جغرافيا لمارينوس وجغرافيا لبلطيموس وبكونها مصورة بالالوان وفيها صور للعالم بافلاكه ونجومه وبره وبحره وعامره وغامره ومساكن الامم والمدن
ومن المفروض ان تحتوي الخارطة المامونية على اسماء الاقطار والمدن المعروفة في كل اقليم كما جاءت في الزيج الماموني وقداستبدلت الاسماء الكلاسيكية باسماء عربية
اما من حيث التقسيم الاقليمي فقد كانت مقسمة الى سبعة اقاليم كما اشار الى ذلك الزهري في مقدمة كتابه كتاب الجغرافيا ستة منها تحيط بالسابع الموجود في الوسط
ولم يقتصر مجال الخرائط في القرن الثالث الهجري على الخارطة المامونية فقد رسم الخوارزمي خارطة للعالم سماها صورة الارض وعالج فيها مسالة خطوط الطول والعرض التي وردت فيها وهي ابعد من ان تكون جداول فلكية حيث وردت فيها اسماء المدن التي تقع خلف خط الاستواء والمدن على الجانب المعمور ومن المحتمل ان تكون الخارطة قد فقدت مع الجزء المفقود من كتاب صورة الارض
كما وضع ابن الفقيه خارطة للعالم في كتابه مختصر البلدان وقد استخدم التقسيم الخماسي وشبهها بالطير وقسم الارض كاقسام جسم الطير ولم تصل الينا هذه الخارطة
اما خارطة البتاني التاكى فيها الخارطة المامونية وخارطة الخوارزمي واجرى بعض التصحيحات على ضوء الارصادات التي قام بها وقام بتصحيح اتجاهات بعض الانهار والمواقع وقد امتازت خارطة البتاني عن الخوارزمي بما ياتي
1. كان التقسيم في خارطة الخوارزمي يقوم على اساس الاقاليم بينما قسمت خارطة البتاني العالم الى ثلاث قارات اوربا-افريقية- اسيا
2. استعمال المسقط الاسطواني الذي ترسم بموجبه خطوط الطول ودوائر العرض مستقيمة
3. استخدام خط الصفر الذي يمر بجزر كناري وامتدت180خطا يغطي نصف الكرة الارضية
المرحلة الثانية
امتازت هذه المرحلة بالاستقلالية فكل خارطة رسمت في هذه المرحلة مستقلة عن الخارطة الاخرى ومن الممكن عد تلك الخرائط مخططات استعان بها المؤلفون لتكون اشبه بالاطلس المنفرد عن البحث واعتقد ان صفة الاستقلال التي برزت في هذه المرحلة هي التي اوحت الى رواد المدرسة الجغرافية الكلاسيكية التفكير بتجميعها في كتاب واحد اطلقوا علية اطلس الاسلام وهؤلاء الرواد هم البلخي والاصطرخي وابن حوقل والمقدسي وقدسمي هذا الاطلس بهذا الاسم لان خرائطه اقتصرت على خرائط العالم الاسلامي في ذلك الوقت وهذا لايعني اهمال الخارطة الخاصة بالعالم فقد رسم الاصطرخي خارطة للعالم وسماها صورة الكل وكذلك الحال بالنسبة لابن حوقل الذي رسم خارطة للعالم وسماها صورة جميع الارض وتبعهم المقدسي فرسم صورة الارض ولكنها لم تصل الينا
المرحلة الثالثة
استمرت فكرة الخارطة الاقليمية التي كانت حصيلة جهود المرحلة الثانية طيلة القرنين الرابع والخامس الهجريين وبحلول بداية القرن السادس الهجري برزت الخرائط الادريسية التي تمثل اوج مابلغته الكارتوغرافيا العربية من التطوروتمثل مرحلة الادريسي مرحلة ذات طابع مستقل عن المرحلتين الاولى والثانية فلم تعد الخارطة عبارة عن خطوط مستقيمة ومتوازية واشكال هندسية
لقد برزت في هذه المرحلة التي تقوم على اساس استخدام الاسس الكارتوكرافية الخاطة القريبة من خرائط اليوم فقد اتبع الادريسي في هذه المرحلة الطريقة العلمية الصحيحة التي تتبع عادة في التحقيق العلمي
فلاول مرة في تاريخ الجغرافية العربية يتقدم جغرافي عربي بمشروع جغرافي يشمل جميع اقطاره المعمورة بما في ذلك القارة الاوربية 0اذكانت الخرائط السابقة تركزت على دراست الاقاليم الاسلامية
ومع ان الادريسي اشارة بصورة واضحة الى استفادته من خارطة بلطيموس وخارطة الخوارزمي وبقية الخرائط التي وردت في اطلس الاسلام وكل خارطة سبقتها لا انه يسعى لتحقق معلومات جديدة لم يطرقها احد من قبله كما ان هذه المرحلة شهدت طفرة كبيرة في مجال الخارطة عند نقل الادريسي مافي خارطته السطحية الى الشكل الكروي حيث صنع كرة ارضية من الفضة ثم قام بنقل تلك المعلومات من المرتسم المسطح الى الكرة الارضية
كما ان اسلوب الادريسي في رسم الخرائط يقوم على اساس ادخال فن جديد وهوتجزئة الخارطة الواحدة الى عدد من القطع بحيث اذا جمعت مع بعضها تكون خارطة العالم المعروف
4- المرحله الرابعة
لقد وصلت الكارتوكرافيا العربيه قمتها في عصر الادريسي هذا البداية الاولى لالتقاء الغرب بالشرق من حيث تطور العلم الجغرافي والكارتوغرافي في العالم كما يمثل نقطة تحول في تاريخ العلم بانتقاله من الشرق الى الغرب ويمكن ايجاز خصائص هذه المرحله بالجوانب الاتيه :
أ- انتقال الحركة الجغرافية والكارتوغرافية الى الجزء الغربي من حوض البحر المتوسط
ب- نشوء فترة ركود في الحركه الجغرافية والكارتوغرافية وظهور الجغرافيين وكوزموغرافيين معظمهم من المغاربه في شمال افريقيه ومصر والشام يغلب على مادتهم النقل
جـ -ظهور بوادر النهضة واستخدام الخرائط البورتولانية الملاحية في ميدان الجغرافية الملاحية
ومع ذلك فلابد من الاشارة الى ان الركود تلا عصر الادريسي في الفكر الجغرافي لم ينه تطور الفكر الجغرافي فقد واصل العرب الحفاظ على المستوى الذي بلغته الدراسات الكارتوغرافية في عصر الادريسي في نفس الوقت الذي كانت فيه القاره الاوربيه قد وصلت الى خرائط ساذجة تزين بها الكتب الدينيه فقد برز في هذه المرحلة ابن سعيد الغرناطي الذي رسم خرائط عديدة منها صورة ديار العرب وصورة الجزيرة وصورة العراق والقزويني الذي رسم خارطة العالم وابن الودي رسم خارطة للعالم وتكملة لدور الفكر الجغرافي العربي فلا بد من الاشارة الى الخرائط البحرية او ماكان يعرف بالمرشدات التي اشرنا اليها سابقا فقد برع في رسم هذه المرشدات كل من المقدسي الذي كان يطلع على ماعند الفلاحين من سجلات فيدرسها ويقابلها بالخرائط كما ان المسعودي اهتم بموضوع الخرائط البحرية وخاصة مايرتبط منها بالمحيط الهندي والبحر الرومي
وقبل الانتهاء من المراحل التي مرت بها الخارطة العربية لابد من الاشارة الى بعض الجوانب الفنية التي برزت في الخرائط العربيه
فلقد استخدم العرب الالوان في رسم الخرائط فلونت الجبال بالوان متباينه تبعا لطبيعة ارتفاعها وقد استخدمت هذه الالوان لتزيين الخرائط وليس كمصطلح كما هي الحال اليوم ورسمت الدوائر التي تشير الى حجم المدن ولونت بالوان مختلفة ولونت البحار باللون الاخضر او الازرق ووضعت علامات معينه للحدود ولم يستخدم العرب مقياس الرسم بل استعاضو عنه بحساب المسافات
واضافة الى ذلك فقد استخدم الجغرافيين العرب الرموز والمصطلحات لتمثيل الظاهرات الطبيعية والبشرية على الخرائط فمثلا اذا ارادو التعبير عن الجبال وكانت سلسلة متصلة جعلوها تاتي في صورة صفوف ويرسمونها بخط منفرج او مقوس للدلاله على الارتفاع
اما النطاقات ذات التكوينات الرمليه فتحدد عادة بخطوط واضحه وتتغير بالتنفيذ للدلاله على التكوينات الرملية السائدة على نحو ماتجد في السهل الساحلي الشمالي لشبه جزيرة سيناء كما ترسم الانهار بخط مزدوج او خطين مع مراعاة الفرق بين عمود النهر وبين روافدة فالمجرى الرئيسي تغلب عليه الاستقامه في حين تتميز الفروع بكثرة انحناءتها
ويمكن عد خارطة الادريسي النموذج الكامل للفتره التي يمثلها عصر الادريسي وتمثل الخارطة المرحله الاولى من مراحل عمل الادريسي والتي تمثلت في الخارطة – لوح الترسيم – ويتميز هذا في كونه حدثا علميا مهما فلاول مره في تاريخ الجغرافية العربيه يتقدم جغرافي عربي بمشروع يشمل جميع اقطار المعمورة ومن ضمنها شمال اوربا اذا كانت اعمال الجغرافيين الذين سبقوه تقتصر على اقطار العالم الاسلامي
وتتمثل اصالة عمل الادريسي في حصولة على معلومات جديدة لم يطرقها غيره من قبل ومما يذكر في هذا المجال الادريسي اتبع الطريقه العلمية التي تتبع عادة في التحقيق العلمي فقد اتبع منهج المشاهده والتحقيق في اخبار البلاد عن طريق المعاينه والربط بين الاجزاء بعضها بالبعض كما استخدم اسلوب ارسال البعثات العلميه فقد اختار العديد ممن عرفو بالفطنه وارسل معهم عددا من المصورين اضافة الى اتباع اسلوب الاستعانه بالاخرين للتحقيق والتدقيق فاذا حصل الاتفاق تم الاعتماد وان ظهر الاختلاف في شيء ترك ذلك الشيء وقد استمرت هذه العملية خمسة عشر عاما اما اوصاف الخارطة فهي عباره عن خارطة واسعه رسمت عليها خطوط الطول ودوائر العرض والتي اتخذت اساسا لتثبيت مواقع البلدان والانهر والجبال والبحار والخلجان والبحيرات مستعملا في ذلك الفرجار والصفيحه والاسطرلاب وما اليها من الادوات الفلكية
ويتميز هذا العمل بكونه القاعدة التي انطلق منها الادريسي الى انجاز اعمالة الاخرى والمتمثله في صنع كرة فضية للعالم والتي نقش عليها ماقام برسمه على لوح الترسيم والعمل الثالث الذي تمثل في اعداد كتاب نزهة المشتاق واكمله بالعمل الرابع الذي تمثل في اعداد الخرائط الملحقة بكتاب نزهة المشتاق والذي يقوم على اساس التقسيم السباعي ورسم خارطة لكل اقليم فقد قسم الادريسي الكرة الارضية المعمورة الى سبعة اقاليم مناخيه على شكل احزمه مستطيله افقية تبدا في خط الاستواء لانه حسب النصف الجنوبي من خط الاستواء غير مسكون اما شمال خط الاستواء فجعله ينتهي عند دائرة عرض 72 شمالا وعد القسم الذي يلي الدائره المذكورة حتى القطب الشمالي قارص البرد لا يصلح للمسكن
وقد جاءت خمسة من الاقاليم متساوية بمقدار ست درجات لكل اقليم انا الاقليم المجاور لخط الاستواء فجعلة يشمل 23 درجة عرض باعتباره يقع ضمن اطار تعامد الشمالي وكذلك الاقليم السابع الذي اضاف اليه 5 درجات
الجغرافية الوصفية والرحلات
تعد الملاحظة الشخصية اهم مصدر من مصادر الجغرافية . اضافة الى المصادر الاخرى . والتي تتمثل في تراث الانسان الذي يتركه بعد وفاته مضافا اليه ما تتركه الطبيعة من اثار متداخلة الاسباب والنتائج .
وقبل ان يتعلم الانسان الكتابة . كان يقوم بحفظ الاوصاف للظواهر الطبيعية والبشرية . والتي تقوم على اساس تحديد ابعاد كل ظاهرة من تلك الظواهر . الامر دعاه الى ايجاد وسائل قياسية اعتمدت على اعضائه الحسية ولما كانت تلك الاعضاء متباينة من شخص الاخر لذلك تباينت مقاييسه الحسية . وكان من نتيجة ذلك تباين الاوصاف بين شخص واخر .
وبعد ان تعلم الانسان فن التدوين اخذ يدون تلك الاوصاف فجاءت اوصافه في هذه المرحلة اكثر دقة .ولما كان العرب يعيشون في بيئة مفتوحة لذلك جاءت اوصافهم واسعة كسعة افقهم الجغرافي .إضافة الى سعة الافق الذي امتازت به اللغة العربية والتي تعد من اوسع اللغات في اشتقاق الالفاظ لوصف الظاهرة الواحدة .
وقد برزت هذه الحالة في الفكر الجغرافي قبل الاسلام . اما في العصر الاسلامي . فمنذ القرن الاول الهجري ونتيجة الاتساع الافق الجغرافي العربي . الذي هياته الفتوحات الاسلامية والتي شملت مناطق واسعة من العالم القديم فقد امتدت دولتهم من حدود الهند شرقا حتى المحيط الاطلسي غربا ومن اسيا الوسطى وجبال القوقاز الى صحاري افريقية .
وقد امتاز الوصف العربي الجغرافي بتأكيد على الجانب البشري والجانب الطبيعي . وهذا بحد ذاته وفر للجغرافية العربية جانبا علميا مهما لان الظروف الجغرافية البشرية متغيرةفي حين تكون الجوانب الطبيعية ثابتة نسبيا . وقد فرضت هذه التغيرات ان يكون للزمن دوره المهم في اعطاء الاوصاف .
ولم يكن بمقدور الادب الجغرافي الوصفي التخلص مما لازم الادب العربي جميعا من نزوع الى الوصف الشامل بدلا من العرض المفصل للمناطق المعروفة على اساس الملاحظة المباشرة .ولذا فقد كانت مادة الادب الجغرافي في مجال الوصف مادة غنية ومتعددة الجوانب لا يوجد ميل لها في ادب اي شعب معاصر للعرب في تلك الفترة الحضارية المزدهرة في تاريخ الامة العربية .
وقد تضمن اسلوب الوصف الجغرافي جوانب متعددة تمثلت في وصف المدن وصفا مفصلا ودقيقا . مؤكدين على جوانب تاريخية تتعلق بتاريخ المدينة ومن بناها ومن سكانها واهم الاثار فيها . اضافة الى وصف الحلة الاجتماعية والدينية التي برزت في وصف الجوامع وعدد المصلين . وطرق الموصلات خاصة تلك التي مر بها الرحالة . وتضمن الوصف جوانب اخرى كالزراعة والمعادن والاحوال الاقتصادية مع الاشارة الى الوصف الطوبوغرافي .
وما مؤلفات ابن خرداذبة ( المسالك والممالك ) واليعقوبي ( كتاب البلدان ) والبلاذري ( فتوح البلدان ) والمسعودي ( مروج الذهب ومعادن الجوهر ) و( التنبيه والاشراف ) وياقوت الحموي ( معجم البلدان ) والادريسي ( نزهة المشتاق ) وغيرهم من اولئك العمالقة الا امثلة واضحة على هذا النط من البحث الجغرافي .
وقد جاء الاهتمام بالجغرافية الوصفية بعد ان اثبتت الجغرافية الفلكية والرياضية العربية اقدامها في القارة الاوربية وقد تركز الاهتمام اول الامر على ترجمة الكتب الفلكية والرياضية . وخاصة في الفترة الاولى من القرون الوسطى وكانت حصة الجغرافية الوصفية ضعيفة واقتصرت على ترجمة بعض القصص من مواضيع الجغرافية الاسطورية .
ولكن عندما اتصل العالم الاوربي بالأصول العربية اخذ الاهتمام بالجغرافية الوصفية يوازي الاهتمام بالجغرافية الفلكية والرياضية وبدأت الكتب الوصفية العربية تترجم وزاد الاهتمام بها منذ القرن السادس عشر . فقد ترجمت كتب ابي الفداء وياقوت الحموي والشريف الادريسي .
الرحلات
ولقد اشرنا في دراستنا للفكر الجغرافي في مرحلة ما قبل الاسلام . الى ان العرب كانوا بحارة و مارسوا ركوب البحار فوصلوا بأسفارهم البحرية الى السواحل الشرقية الافريقية والى الاجزاء الشرقية للمحيط الهندي فداروا حول القارة الهندية . قد عرف سكان السواحل لشبه الجزيرة العربية بانهم من قدماء رجال البحر في العالم . وهم مايزالون يركبون البحر بسفنهم الشراعية والتي يقومون بصناعتها من الاخشاب التي يستوردونها .وعندما ظهر الإسلام واعتنقته الأمة العربية برزت اسباب كثرة لتوسيع الرحلات البرية والبحرية . وفي مقدمة الأمور التي استجدت . اتساع رقعة الدولة وبروز ضرورة ربط نواحيها اقتصاديا واداريا واجتماعيا . فجباية الخراج . ونقل البريد . وظهور هيبة العرب في سائر دول العالم حيث كان المسافرون منهم يلقون من كرم الضيافة وحسن المعاملة ما يحبب اليهم الرحلات والاسفار .
إضافة الى العامل الديني الذي ساعد على تطوير الرحلات . فبعد ان انتشر الاسلام خارج شبه الجزيرة العربية . وتوسعت الفتوحات الاسلامية فشملت العراق وبلاد الشام وبلاد فارس و اواسط شرقا نجده في الغرب يشمل مصر واقطار المغرب العربي وبلاد الاندلس . واصبحت فريضة الحج تمثل رحلة من هذه البلاد الى مكة المكرمة . ولذلك فان معظم الرحلات الجغرافية كان الهدف منها اداء فريضة الحج ومنها رحلتا ابن جبير وابن بطوطة .
وبالإضافة الى العامل الديني والعامل الاقتصادي الذي سبقت الاشارة الية فهنالك عامل مهم تمثل في السفر من اجل طلب العلم والذي كان الاساس فيه الانتقال من اجل البحث عن المعلومات وتسجيلها . ويجب ان لا ننسى الاستعداد الفطري لدى العرب الذي خلفه واقع حياتهم في شبه الجزيرة العربية . ولغرض متابعة دور الرحلات واهميتها الجغرافية لابد من تحديد المراحل التي مرت بها الرحلات العلمية والتي يراد بها ان تكون ذات طابع فني في الاسلوب ومتأثرة بالظواهر الطبيعية والبشرية ويتوقف ذلك على الرحالة نفسة ومستوى ثقافته واطلاعه على البلاد التي يروم وصفها . وبناء على ذلك يمكن ان نقسم الرحلات الجغرافية في العصر الاسلامي الى المراحل الاتية .
1- المرحلة الاولى
وتشمل من الناحية الزمنية القرنين الاول والثاني الهجريين (السابع والثامن الميلاديين ) وقد امتازت الرحلة في هذه المرحلة بعدم بروز الهدف الاساس من الرحلة ففي كثير من الاحيان يكون الهدف الرحلة شيئا معينا الا انها تحقق اهدافا تفوق الهدف الاساس .
ومن خصائص هذه المرحلة . بروز الرحلات الاسطورية او ان وصف تلك الرحلات يغلب علية الطابع الاسطوري . نتيجة لطغيان الادب اللغوي على الفكر الجغرافي .وفي هذه المرحلة برزت بعض الرحلات التي شملت الافق الجغرافي البحري وهي مسلسل من القصص البحري ومن ابرز فروعها اسفار السندباد البحري . ( التي طبقت شهرتها الافاق والتي وجدت مجموعة مستقلة قائمة بذاتها قبل ان تدخل ضمن مجموعة الف ليلة وليلة الضخمة).
المرحلة الثانية
تحدد هذه المرحلة من الناحية الزمنية بالقرن التاسع الميلادي / القرن الثالث الهجري وتقترن مع اهم المراحل التي تطور فيها الفكر الجغرافي العربي ففي هذه المرحلة من التطور الجغرافي العربي . كانت قد تمت ترجمة الكثير من الكتب الاجنبية والتي اضافت بدورها واقعا جديدا للرحلات عن طرق توفيرها المعلومات الاضافية والجديدة عن تلك الاقطار .
ويمكن ان نضيف عاملا اخر وهو الاهتمام بالأقطار العالم الاسلامي المفتوحة وضرورة توفير المعلومات اللازمة عنها اذ كان دافعا وراء الرحلات وقد برز ذلك واضحا في الكتب التي وضعت عن الرحلات في هذه المرحلة .
وفي هذا القرن اخذت الرحلات تنمو وتتطور الثقافة لتطور الثقافة ووفرة المعلومات . فأصبحت تتميز بظهور الفكر الادبي الذي تمثله قصة الرحلة . وبذلك بدات الرحلة تقترب من التكامل والنضوج فشملت اوصاف المدن وحاجاتها وعادات الناس اي انها اخذت تشمل الجانبين الطبيعي والبشري .
كما ان الرحلة في هذا القرن اخذت تميل الى جانب التخصص الجغرافي وتبتعد قليلا عن المنهج التاريخي واهم الرحلات التي برزت في هذه المرحلة .
1- رحلة سلام الترجمان 227هـ - 842 م
بأمر من الخليفة العباسي الواثق خرج سلام الترجمان من سر من رأى(سامراء) . ومعه مقومات الرحلة الجغرافية باتجاه الشرق . ومن سير الوصف الذي اوردته المصادر فقد وصل الى جنوب الاتحاد السوفيتي . ثم سار شرقا باتجاه اواسط اسيا حتى وصل سور الصين .
ومن الامور التي تدعم قيام هذه السفرة ما اورده ابن خرداذبة من انه قد سمع عن هذه السفرة من سلام ثم امليت عليه من التقرير الذي رفعه سلام الى الخليفة .
المرحلة الثالثة
وامتدت على مدى القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي0 وكانت العصر الذهبي للفكر الجغرافي من ناحية النضوج وتبويب المعلومات الجغرافية وفي هذه المرحلة اتخذت الرحلات الجغرافية طابعا جديدا فهي اكثر موضوعية وتجربة. وقد تم في هذا القرن تشكيل ما يسمى (( بالمدرسة الكلاسيكية))للجغرافية العربية وقد بلغ عدد الرحالة في هذا القرن حدا كبيرا. ويمكن ان تعد كتابات اليعقوبي بداية لهذه المرحلة . فمع انه عاش في نهاية القرن الثالث الميلادي الا ان كتاباته تمثل بداية جديدة لأنه اعتمد على تجربته الشخصية ومشاهداته في تسجيل المعلومات عن البلدان .ولذلك يمكن عده من البلدانيين .
رحلة المسعودي
يحتل المسعودي المكانة الاولى بين كتاب القرن الرابع الهجري /العشر الميلادي وهو اكثرهم اصالة .و يشير البعض الى ان بعض كتاباته التي لم يقم بتدقيقها تبدو ضعيفة والمسعودي عربي الاصل ويترفع بنسبه الى الصحابي ابن مسعود ( رضي الله عنه)
ولد المسعودي في بغداد في اوائل القرن العاشر الميلادي تنقل المسعودي في ارجاء العالم المعروف آنذاك فزار إيران والهند وسرنديب ومدغشقر وأذربيجان وجرجان والأناضول كما تجول في البحر الاحمر والبحر العربي والمحيط الهندي وبحر الصين وزار معظم اقطار الوطن العربي .
ودون معلوماته الجغرافية في كتابه ( مروج الذهب ومعادن الجوهر ) الذي اختصر فيه كتابين من كتبه . وتبرز في كتابات المسعودي الجوانب التاريخية اضافة الى تناوله العلوم الاخرى وهو غنى بأخبار الأمم التي كانت تجاور العالم الاسلامي . فقد قسم الشعوب الى سبعة مجموعات هي الفرس ويليهم الكلدانيون ويضم اليهم العرب ثم سكان أوربا ( اليونان والبيزنطيون والصقالبة والفرنجة ) ثم الليبيون والافارقة عامة والترك فسكان الهند والسند واخيرا الصينيون والكوريون
وفي مجال الفكر الجغرافي العربي يقوم الوصف ليه على اساس الاقاليم السبعة مع تفصيل اكثر في وصف الاقليم الرابع الذي يقع العراق فيه.
وقد اشار في كتاباته الى بعض الظواهر الطبيعية كالزلزال الذي حدث عام 344هـ-955م وقد اشار الى البراكين الموجودة في بلاد فارس كما ساهم في تطوير الفكر الفلكي وقد اشرنا اليه سابقا – وخاصة في مقدمه كتابه (كتاب التنبيه ) فقد اشار الى الحركة الشمس وعلاقتها بطبيعة الهواء وحركتها وربط بين حركة الهواء وحركة الشمس وبذلك يقترب من دراسته العوامل المؤثرة في المناخ وفي مقدمتها حركة الشمس.
وربط بين مناخ وطبيعة السكان مبيننا اثر درجات الحرارة على نشاط الانسان واحسن ما يؤكد ذلك ما ذكره عن اهل الشمال .
المرحلة الرابعة
تمتاز هذه المرحلة بانتقال ثقل الرحلات الى المغرب العربي .حيث برزت اكبر الرحلات في تاريخ الفكر الجغرافي وهما رحلتا ابن جبير وابن بطوطة وتعد رحلة ابن جبير من اهم الرحلات في الفكر الجرافي العربي.نظرا لدقة ملاحظاتها وقيمة معلوماتها وسعة المناطق والاقطار التي تناولتها بالوصف والتحليل فقد شملت كل اقطارشمال المغرب العربي ومصر والحجاز والعراق وبلاد الشام وهي تمثل الفكر الجغرافي الذي كان سائدا في القرن الخامس والسدس الهجري.
وتوجهت الجغرافية الوصفية والرحلات بما قدمة الرحالة العربي ابن بطوطة (ابو عبد الله محمد ابن عبد الله الطنجي ) من رحالة القرن الثامن الهجري /الرابع عشر الميلادي .والتي تعد نموذجا للرحلات العربية فقد زار مصر والحجاز وبلاد الشام وفلسطين والعراق وبلاد فارس والهند والصين ومعظم اقطار اسيا .
*http://www.uobabylon.edu.iq/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق