الدكتور سرمد كوكب علي الجميل يصدر كتابا لجده الكاتب والمفكر الرحل علي الجميل بعنوان : 'مقالات علي الجميل في الاقتصاد والتجارة'. *
ا.د. إبراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس -جامعة الموصل
استاذ متمرس -جامعة الموصل
علي الجميل (توفي 1928)، واحد من أبرز متنوري الموصل أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. عمل في الصحافة، وأصدر مجلة "المنتدى العلمي" سنة 1919، وله مقالات غاية في الدقة والطرافة، وقد كتبنا عنه في أماكن عديدة منها في كتابنا "نشأة الصحافة العربية في الموصل" قبل أيام أهدانا حفيده مشكوراً الأستاذ الدكتور سرمد كوكب علي الجميل كتاباً قيماً، حمل عنوان "مقالات علي الجميل في الاقتصاد والتجارة"، طبعه على حسابه الخاص في دار العابد للطباعة والنشر بالموصل. وحمل رقم إيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد .
وقدم للكتاب الزميل الأستاذ الدكتور سالم توفيق النجفي، ومما قاله إنه لمجتمع المدينة ـ أي لمجتمع الموصل ـ نشاط اقتصادي امتد إلى كافة الأطراف المجاورة. فضلا عن إمكانات المدينة في مجال توفير وإنتاج محاصيل نقدية مثل القطن والصوف والقمح والشعير والحاصلات الرعوية، كما امتازت الموصل بالصناعات وخاصة في مجالات النسيج والدباغة، لذلك استأثرت باهتمام العديد من الرحالة والكتاب والمؤرخين المعاصرين أمثال سارة شيلدز، وبيرسي كمب، ودينا رزق، وحنا بطاطو، واندريه ريمون وغيرهم، إلى جانب نخبة من المؤرخين العراقيين والعرب الذين انصرفوا للاهتمام بالموصل تاريخاً، واقتصاداً، واجتماعاً، وثقافة، وعلاقات خارجية.
ومما ينبغي ذكره، أن الموصل في القرن التاسع عشر، ومطلع القرن العشرين، وشهادة تقارير القناصل الأجانب، ومنهم رجال القنصلية البريطانية، كانت تُصدر الحنطة والشعير، والصوف، والعفص، والجلود، والمصارين، والخيول والأغنام، والأبقار. كما كانت تعج بما سمي فيما يعد (مانيفيكتورات) أي معامل النسيج الصغيرة ولا يكاد بيت موصلي يخلو من (جومة) أو (نول) للنسيج، وكان أبناء الموصل يفخرون بصناعاتهم المعدنية والفخارية وأسواق وقيصريات الموصل الموجودة الآن أكبر دليل على ذلك.
أكاد اليوم ازعم بأن "تاريخ الموصل الحديث كله تاريخ عوائل وأسر" فلقد حكمها أهلها سنوات طويلة، ولا يزالون اليوم يطمحون إلى ذلك بالرغم من كل الصعوبات والعراقيل. لقد استعصت الموصل على كل غازٍ ودخيل، وامتنعت عن إبداء ولائها إلا لمن تريد وتحب. لقد أحب الموصليون مدينتهم، بل ووصل حبهم إلى حد العشق، كيف لا وهم يعيشون في كل زاوية وكل محلة وكل زقاق عبق التاريخ بكل عصوره.
ولعل من أبرز الذين اكتشفوا الموصل وسر هذا الود بينها كمدينة وبين أهلها الأستاذ الراحل علي الجميل. كان يردد بأن "رقي الأمة الاقتصادي لهو متناسب دائماً مع إنتاجها، فكلما زاد الإنتاج الزراعي والصناعي والعقلي والأدبي زادت الثروة المالية وتجلت المنافع الوطنية."
يقول الأستاذ الدكتور سرمد كوكب علي الجميل في مقدمة الكتاب "إن بعض بيوت الموصل [ويقصد هنا بيوتات الموصل]. كانت وما زالت بمثابة مؤسسات حفظت تراث المدينة وتراث مجتمعها، ولقد كانت الأمهات والجدات حافظات أمينات على ما تركه الآباء والأجداد."
ويضيف ليأتي بالأمثلة على ما قال إن والده القاضي كوكب المتوفى سنة 1968 كان قبيل وفاته منشغلاً دائما بتراث أبيه الأستاذ علي الجميل المتوفى سنة 1928 فجمع وصنف ونقل بخط يده كم كبير منه ومما نقله ديوان شعره وكتابيه: "حديت الليل"، و"نوابنا في الميزان".
وجرياً على عادة أبيه أقدم الحفيد سرمد على جمع تراث أبيه وجده وهكذا الكثير من عوائل الموصل.
لقد كتب الأستاذ روفائيل بطي صاحب جريدة "البلاد" (البغدادية) عن علي الجميل ونشر ترجمة حياته في مجلة "لغة العرب"، سنة 1929 والتي كان يصدرها الأب العلامة الأستاذ انستاس ماري الكرملي. واهتم الدكتور سيار شقيق سرمد بتراث جده وله موقع خاص على شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) وإلى جانب ما كتب عنه في مواقع إلكترونية أخرى.
المهم أن (سرمد) وجد أن ما كتبه جده في مجال الاقتصاد والتجارة لم ينل ما يستحقه فانكب يجمع المقالات التي كتبها الأستاذ علي الجميل ولم يقف عند الجمع بل اهتم بدراستها وتحقيقها وتقديمها إلى القارئ، من خلال التركيز على زوايا وجوانب أبرزها البيئة الاقتصادية والتجارية التي نشأ فيها على الجميل وترعرع، فكان هذا بمثابة الفصل الأول.
أما الجانب الثاني، فقد تناول سيرة الرجل العلمية والعملية، فكان هذا عنواناً للفصل الثاني.
وانصرف الجانب الثالث لمعالجة الأسس العلمية للنظرية الاقتصادية التي سادت إبان القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وهي النظرية الكلاسيكية التقليدية، وهكذا اكتمل الإطار المنهجي الذي يساعد القارئ في فهم القسم الثاني من الكتاب، وهو الذي يضم (نصوص مقالات علي الجميل في الاقتصاد والتجارة).
ويسعدنا في هذا المقال المقتضب أن نقف عند بعض آراء علي الجميل الاقتصادية، ففي مقالته الموسومة "حول قانون ضريبة الأشجار" التي نشرها في جريدة "صدى الجمهور" (الموصلية) بعددها الصادر في 10 مارس/آذار 1927 قال "إن لكل ضريبة مشروعة لابد أن تكون قاعدة جبايتها متساوية في كل إنحاء البلاد."
وفي مقالته الموسومة "حماية الإنتاج الوطني" المنشورة في ذات الجريدة (14 مارس/آذار 1927) قال "إن سطوة الحكومة ومقدرتها بل عظمتها وسؤددها لا يتم إلا بقوة مالية الأمة وعظمة ثورتها."، لذلك دعا الحكومة العراقية إلى أن تقدر تلك الحقيقة حق قدرها، وأن تستكمل الأسباب التي من شأنها (تزييد الثروة العراقية).
وأضاف أن ذلك لا يتم إلا "بتوسيع نطاق دوائر الإنتاج الوطني أولا، ثم الحرص على بقاء ثروة البلاد في البلاد."، وحول حماية المنتجات الوطنية كتب مقالة بعنوان "حول حماية المعمولات الداخلية" نشرت في جريدة "صدى الجمهور" ( العدد 10، 24 مارس/آذار 1927) قال "في البلاد جيش عرمرم من خيرة العمال والصناع قد قتلتهم البطالة، وباتوا محرومين معوزين، وعما قليل، يصبحون عالة على المجتمع، ثم هل يحق لنا أن نوجه اللوم إليهم إذا ما ضجوا في وجوهنا وسكبوا علينا جامات الغضب وملأوا الكون بالصخب؟" ويجيب "إن الخيانة ليست بفعل السرقة فقط وليست بالاتفاق مع رجل أو جماعة يقال عنهم أنهم أعداء الوطن. الخيانة تبذير ثروة الوطن. الخيانة أن تؤثر المنتجات الأجنبية والسلع الأجنبية على ما قد صنع بيد وطنية وخرج من معمل وطني."، وقال "إن إتقان الصناعة الأجنبية وإدخالها لا ينبغي أن ينسينا وطننا ومنتجات وطننا، وثمة مقولة مشهورة تقول لا خير في أمة تأكل مما لا تنتج وتشرب من ما لا تعصر وتلبس مما لا تنسج."
وتمضي مقالات على الجميل الاقتصادية لتذكرنا بان أموال الدولة أمانة في أيدي المسؤولين وأن البطالة داء وبيل له أبعاده الاجتماعية والسلوكية السلبية على المجتمع وأن الاهتمام بالزراعة ورعاية الفلاحين في العراق ضرورة وطنية قبل أن تكون ضرورة إقتصادية، وأن العراق بلد سياحي والواجب يقتضي إعداد مرافقه السياحية والاهتمام بها ويذكر الناس بجبل سنجار "فهناك كل ما تريده من عذوبة ماء، وخفة هواء وعيون، وينابيع، وحدائق، وأزهار، وفواكه، وثمار، ولكن مظلومة هذه البقاع. نعم تلك أماكننا، جبال عقره، وجبال دهوك وزاويته وجبل الشيخ متي وبعشيقة، لم نزل نحنُّ إلى استنشاق نسماتها، ونتوق إلى مصافحة الحياة الجديدة فيها لتدر علينا ذهباً وفضة وكل ما تحتاجه أيد عاملة ورجال عالمين عاملين يزرعون في الأزهار ويعملون على تهيئتها وتعديل طرقها .. وتحسين عمرانها."
ولا يألوا علي الجميل جهداً في دعوة الحكومة إلى الاهتمام بالصناعة فله مقال نشره في جريدة "صدى الجمهور" ( العدد 62، 10 أكتوبر/تشرين الأول 1927) بعنوان "حاجتنا إلى الصناعة!" يقول فيه إن العراق بحاجة إلى الصناعة "فالمعيشة اليوم منوطة بالصناعة، ذلك خير من أن تكون منحصرة الوظيفة."
كما كتب عن التجارة وضرورة تشجيع التجار وتسهيل أمورهم "فالعراق والأناضول وسوريا كلها وحدة اقتصادية. وكانت مصنوعات دمشق وحمص وحلب وحماه ترسل إلى أسواق الآستانة وأزمير وسائر مدن الأناضول وترسل مصنوعات الآستانة وأزمير وديار بكر ودمشق والمدن السورية بأجمعها إلى أسواق العراق. وكان العراق يرسل بالكثير من منتجاته إلى أسواق سوريا، كما كانت بيروت تبعث بالبضائع التي تستوردها من أوروبا إلى داخل بلاد العرب والأناضول عن طريق دمشق فحلب."
ومما أكده في مقالته أهمية تدريب التجار وإدخالهم الدورات التي تكسبهم مهارة مهنية وفنية واقتصادية.
ولعل ما يمكننا إبرازه في هذه الوقفة أن علي الجميل من أوائل الرواد العراقيين الذين ربطوا بين الاستقلال السياسي والاستقلال الاقتصادي، فكتب عن ذلك وأشار إلى ما قاله الملك فيصل الأول (1921- 1933) أثناء زيارته لمصر سنة 1926 وتأكيده على أهمية إنهاض الاقتصاد الذي يوصل العراق إلى تحقيق جميع رغائبه وخاصة الاستقلال الحقيقي.
لقد كان علي الجميل، ملماً بفنون الاقتصاد وآلياته السائدة ضمن مرحلته الزمنية وفي ظل ظروفه وظروف بلده. فدعوته إلى العمل وتشجيع الصناعة ومعالجة البطالة وتكثير الثروة والعناية بالنقد العراقي وتخليصه من سيطرة الأجنبي تدل دلالة واضحة على أنه كان يقرأ لرموز الاقتصاد في وقته، وقبل وقته. كان يقرأ لآدم سميث وريكاردو وهيكسلي ولغيرهم فضلاً عن أنه كان يعيش حياته ويحتك بالتجار والحرفيين والصناعيين الوطنيين في الموصل ويتحاور معهم، وكان كل همه أن تزدهر الموصل اقتصادياً ويزدهر العراق اقتصادياً.
كان يعرف حقيقة ما زلنا نؤكدها أن الموصل ليست مدينة فحسب. إنها حضارة. إنها مركز للتنوير ومركز للتجارة ومركز للصناعة ومركز للزراعة. إنها مدينة التاريخ والمستقبل معاً.
المقال منشور من قبل في كثير من المواقع منها :
*http://www.middle-east-online.com/iraq/?id=77267
وقدم للكتاب الزميل الأستاذ الدكتور سالم توفيق النجفي، ومما قاله إنه لمجتمع المدينة ـ أي لمجتمع الموصل ـ نشاط اقتصادي امتد إلى كافة الأطراف المجاورة. فضلا عن إمكانات المدينة في مجال توفير وإنتاج محاصيل نقدية مثل القطن والصوف والقمح والشعير والحاصلات الرعوية، كما امتازت الموصل بالصناعات وخاصة في مجالات النسيج والدباغة، لذلك استأثرت باهتمام العديد من الرحالة والكتاب والمؤرخين المعاصرين أمثال سارة شيلدز، وبيرسي كمب، ودينا رزق، وحنا بطاطو، واندريه ريمون وغيرهم، إلى جانب نخبة من المؤرخين العراقيين والعرب الذين انصرفوا للاهتمام بالموصل تاريخاً، واقتصاداً، واجتماعاً، وثقافة، وعلاقات خارجية.
ومما ينبغي ذكره، أن الموصل في القرن التاسع عشر، ومطلع القرن العشرين، وشهادة تقارير القناصل الأجانب، ومنهم رجال القنصلية البريطانية، كانت تُصدر الحنطة والشعير، والصوف، والعفص، والجلود، والمصارين، والخيول والأغنام، والأبقار. كما كانت تعج بما سمي فيما يعد (مانيفيكتورات) أي معامل النسيج الصغيرة ولا يكاد بيت موصلي يخلو من (جومة) أو (نول) للنسيج، وكان أبناء الموصل يفخرون بصناعاتهم المعدنية والفخارية وأسواق وقيصريات الموصل الموجودة الآن أكبر دليل على ذلك.
أكاد اليوم ازعم بأن "تاريخ الموصل الحديث كله تاريخ عوائل وأسر" فلقد حكمها أهلها سنوات طويلة، ولا يزالون اليوم يطمحون إلى ذلك بالرغم من كل الصعوبات والعراقيل. لقد استعصت الموصل على كل غازٍ ودخيل، وامتنعت عن إبداء ولائها إلا لمن تريد وتحب. لقد أحب الموصليون مدينتهم، بل ووصل حبهم إلى حد العشق، كيف لا وهم يعيشون في كل زاوية وكل محلة وكل زقاق عبق التاريخ بكل عصوره.
ولعل من أبرز الذين اكتشفوا الموصل وسر هذا الود بينها كمدينة وبين أهلها الأستاذ الراحل علي الجميل. كان يردد بأن "رقي الأمة الاقتصادي لهو متناسب دائماً مع إنتاجها، فكلما زاد الإنتاج الزراعي والصناعي والعقلي والأدبي زادت الثروة المالية وتجلت المنافع الوطنية."
يقول الأستاذ الدكتور سرمد كوكب علي الجميل في مقدمة الكتاب "إن بعض بيوت الموصل [ويقصد هنا بيوتات الموصل]. كانت وما زالت بمثابة مؤسسات حفظت تراث المدينة وتراث مجتمعها، ولقد كانت الأمهات والجدات حافظات أمينات على ما تركه الآباء والأجداد."
ويضيف ليأتي بالأمثلة على ما قال إن والده القاضي كوكب المتوفى سنة 1968 كان قبيل وفاته منشغلاً دائما بتراث أبيه الأستاذ علي الجميل المتوفى سنة 1928 فجمع وصنف ونقل بخط يده كم كبير منه ومما نقله ديوان شعره وكتابيه: "حديت الليل"، و"نوابنا في الميزان".
وجرياً على عادة أبيه أقدم الحفيد سرمد على جمع تراث أبيه وجده وهكذا الكثير من عوائل الموصل.
لقد كتب الأستاذ روفائيل بطي صاحب جريدة "البلاد" (البغدادية) عن علي الجميل ونشر ترجمة حياته في مجلة "لغة العرب"، سنة 1929 والتي كان يصدرها الأب العلامة الأستاذ انستاس ماري الكرملي. واهتم الدكتور سيار شقيق سرمد بتراث جده وله موقع خاص على شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) وإلى جانب ما كتب عنه في مواقع إلكترونية أخرى.
المهم أن (سرمد) وجد أن ما كتبه جده في مجال الاقتصاد والتجارة لم ينل ما يستحقه فانكب يجمع المقالات التي كتبها الأستاذ علي الجميل ولم يقف عند الجمع بل اهتم بدراستها وتحقيقها وتقديمها إلى القارئ، من خلال التركيز على زوايا وجوانب أبرزها البيئة الاقتصادية والتجارية التي نشأ فيها على الجميل وترعرع، فكان هذا بمثابة الفصل الأول.
أما الجانب الثاني، فقد تناول سيرة الرجل العلمية والعملية، فكان هذا عنواناً للفصل الثاني.
وانصرف الجانب الثالث لمعالجة الأسس العلمية للنظرية الاقتصادية التي سادت إبان القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وهي النظرية الكلاسيكية التقليدية، وهكذا اكتمل الإطار المنهجي الذي يساعد القارئ في فهم القسم الثاني من الكتاب، وهو الذي يضم (نصوص مقالات علي الجميل في الاقتصاد والتجارة).
ويسعدنا في هذا المقال المقتضب أن نقف عند بعض آراء علي الجميل الاقتصادية، ففي مقالته الموسومة "حول قانون ضريبة الأشجار" التي نشرها في جريدة "صدى الجمهور" (الموصلية) بعددها الصادر في 10 مارس/آذار 1927 قال "إن لكل ضريبة مشروعة لابد أن تكون قاعدة جبايتها متساوية في كل إنحاء البلاد."
وفي مقالته الموسومة "حماية الإنتاج الوطني" المنشورة في ذات الجريدة (14 مارس/آذار 1927) قال "إن سطوة الحكومة ومقدرتها بل عظمتها وسؤددها لا يتم إلا بقوة مالية الأمة وعظمة ثورتها."، لذلك دعا الحكومة العراقية إلى أن تقدر تلك الحقيقة حق قدرها، وأن تستكمل الأسباب التي من شأنها (تزييد الثروة العراقية).
وأضاف أن ذلك لا يتم إلا "بتوسيع نطاق دوائر الإنتاج الوطني أولا، ثم الحرص على بقاء ثروة البلاد في البلاد."، وحول حماية المنتجات الوطنية كتب مقالة بعنوان "حول حماية المعمولات الداخلية" نشرت في جريدة "صدى الجمهور" ( العدد 10، 24 مارس/آذار 1927) قال "في البلاد جيش عرمرم من خيرة العمال والصناع قد قتلتهم البطالة، وباتوا محرومين معوزين، وعما قليل، يصبحون عالة على المجتمع، ثم هل يحق لنا أن نوجه اللوم إليهم إذا ما ضجوا في وجوهنا وسكبوا علينا جامات الغضب وملأوا الكون بالصخب؟" ويجيب "إن الخيانة ليست بفعل السرقة فقط وليست بالاتفاق مع رجل أو جماعة يقال عنهم أنهم أعداء الوطن. الخيانة تبذير ثروة الوطن. الخيانة أن تؤثر المنتجات الأجنبية والسلع الأجنبية على ما قد صنع بيد وطنية وخرج من معمل وطني."، وقال "إن إتقان الصناعة الأجنبية وإدخالها لا ينبغي أن ينسينا وطننا ومنتجات وطننا، وثمة مقولة مشهورة تقول لا خير في أمة تأكل مما لا تنتج وتشرب من ما لا تعصر وتلبس مما لا تنسج."
وتمضي مقالات على الجميل الاقتصادية لتذكرنا بان أموال الدولة أمانة في أيدي المسؤولين وأن البطالة داء وبيل له أبعاده الاجتماعية والسلوكية السلبية على المجتمع وأن الاهتمام بالزراعة ورعاية الفلاحين في العراق ضرورة وطنية قبل أن تكون ضرورة إقتصادية، وأن العراق بلد سياحي والواجب يقتضي إعداد مرافقه السياحية والاهتمام بها ويذكر الناس بجبل سنجار "فهناك كل ما تريده من عذوبة ماء، وخفة هواء وعيون، وينابيع، وحدائق، وأزهار، وفواكه، وثمار، ولكن مظلومة هذه البقاع. نعم تلك أماكننا، جبال عقره، وجبال دهوك وزاويته وجبل الشيخ متي وبعشيقة، لم نزل نحنُّ إلى استنشاق نسماتها، ونتوق إلى مصافحة الحياة الجديدة فيها لتدر علينا ذهباً وفضة وكل ما تحتاجه أيد عاملة ورجال عالمين عاملين يزرعون في الأزهار ويعملون على تهيئتها وتعديل طرقها .. وتحسين عمرانها."
ولا يألوا علي الجميل جهداً في دعوة الحكومة إلى الاهتمام بالصناعة فله مقال نشره في جريدة "صدى الجمهور" ( العدد 62، 10 أكتوبر/تشرين الأول 1927) بعنوان "حاجتنا إلى الصناعة!" يقول فيه إن العراق بحاجة إلى الصناعة "فالمعيشة اليوم منوطة بالصناعة، ذلك خير من أن تكون منحصرة الوظيفة."
كما كتب عن التجارة وضرورة تشجيع التجار وتسهيل أمورهم "فالعراق والأناضول وسوريا كلها وحدة اقتصادية. وكانت مصنوعات دمشق وحمص وحلب وحماه ترسل إلى أسواق الآستانة وأزمير وسائر مدن الأناضول وترسل مصنوعات الآستانة وأزمير وديار بكر ودمشق والمدن السورية بأجمعها إلى أسواق العراق. وكان العراق يرسل بالكثير من منتجاته إلى أسواق سوريا، كما كانت بيروت تبعث بالبضائع التي تستوردها من أوروبا إلى داخل بلاد العرب والأناضول عن طريق دمشق فحلب."
ومما أكده في مقالته أهمية تدريب التجار وإدخالهم الدورات التي تكسبهم مهارة مهنية وفنية واقتصادية.
ولعل ما يمكننا إبرازه في هذه الوقفة أن علي الجميل من أوائل الرواد العراقيين الذين ربطوا بين الاستقلال السياسي والاستقلال الاقتصادي، فكتب عن ذلك وأشار إلى ما قاله الملك فيصل الأول (1921- 1933) أثناء زيارته لمصر سنة 1926 وتأكيده على أهمية إنهاض الاقتصاد الذي يوصل العراق إلى تحقيق جميع رغائبه وخاصة الاستقلال الحقيقي.
لقد كان علي الجميل، ملماً بفنون الاقتصاد وآلياته السائدة ضمن مرحلته الزمنية وفي ظل ظروفه وظروف بلده. فدعوته إلى العمل وتشجيع الصناعة ومعالجة البطالة وتكثير الثروة والعناية بالنقد العراقي وتخليصه من سيطرة الأجنبي تدل دلالة واضحة على أنه كان يقرأ لرموز الاقتصاد في وقته، وقبل وقته. كان يقرأ لآدم سميث وريكاردو وهيكسلي ولغيرهم فضلاً عن أنه كان يعيش حياته ويحتك بالتجار والحرفيين والصناعيين الوطنيين في الموصل ويتحاور معهم، وكان كل همه أن تزدهر الموصل اقتصادياً ويزدهر العراق اقتصادياً.
كان يعرف حقيقة ما زلنا نؤكدها أن الموصل ليست مدينة فحسب. إنها حضارة. إنها مركز للتنوير ومركز للتجارة ومركز للصناعة ومركز للزراعة. إنها مدينة التاريخ والمستقبل معاً.
المقال منشور من قبل في كثير من المواقع منها :
*http://www.middle-east-online.com/iraq/?id=77267
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق