الأربعاء، 15 مايو 2024

( لعبة الامم ) لمايلز كوبلاند ..قراءة جديدة بعد عقود من صدوره


 


( لعبة الامم ) لمايلز كوبلاند ..قراءة جديدة بعد عقود من صدوره
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل
صدر كتاب (لعبة الامم The Game of Nation ) في لندن سنة 1969 ، ومؤلفه (مايلز كوبلاند Miles Copeland ) ومنذ صدوره لايزال يثير الكثير من اسئلة الاستفهام حول حقيقة ما ورد فيه من معلومات وللكتاب عنوان فرعي وهو يترجم الى اللغة العربية ومترجمه مروان خير والعنوان الفرعي يقول : (لعبة الامم :اللاخلاقية في سياسة القوة الاميركية ) .
مايلز كزبلاند شغل مناصب مخابراتية اميركية في عدد من دول الشرق الاوسط في الخمسينات .كان في أول أمره نائبا للقنصل الاميركي في سوريا واسهم في تنظيم وكالة المخابرات المركزية الاميركية سنة 1949 كان مركز عمله لسنوات طويلة في مصر .. ولعبة الامم التي يقصدها الكاتب ؛ ذلك النشاط الذي بدأته وزارة الخارجية الاميركية في واشنطن بغية وضع المخططات المناسبة لبسط النفوذ الاميركي على بلاد العالم عن طريق السياسة والخداع بدل اللجوء الى الحرب المسلحة " .ومما يقرب لنا هذا المعنى الاستعانة بما قاله زكريا محي الدين نائب رئيس الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا بعد الوحدة 1958 ) في محاضرة له في الكلية العسكرية المصرية في ايار –مايو 1962 من ان الاميركان يبغون الابقاء على اللعبة مستمرة دون توقف ؛ لان توقف اللعبة معناه الحرب ولكل لاعب أهدافه الخاصة وفي لعبة الامم لايوجد فائزون البتة بل الكل خاسرون لهذا فكل طرف يحرص على ان لايخسر قدر الامكان .
فصول الكتاب تتابع السياسة الاميركية الشرق أوسطية منذ سنة 1947 وتتوقف عند سنة 1967 .تبدأ بإعلان الوصاية الاميركية على الشرق الاوسط ، وانتهاء الوصاية البريطانية في الشرق الاوسط ثم اعلان ترومان 12 اذار –مارس 1947 واعلان قيام الكيان الصهيوني في الارض العربية المغتصبة :فلسطين 15 ايار –مايو 1948 وحريق القاهرة 1952 وثورة 23 تموز-يوليو 1952 في مصر والانقلابات العسكرية في سوريا والاطاحة بالدكتور مصدق في ايران واستلام عبد الناصر للسلطة في مصر بعد تنحية اللواء محمد نجيب في شباط 1954 واعلان قيام حلف بغداد في كانون الثاني 1955 ومؤتمر باندونغ نيسان –ابريل 1955 وبروز كتلة عدم الانحياز بجهود عبد الناصر ونهرو وتيتو وسوكارنو وتوجه عبد الناصر نحو المعسكر الاشتراكي لشراء السلاح ايلول –سبتمبر 1955 والعدوان الثلاثي على مصر 1956 وقيام الوحدة المصرية –السورية شباط –فبراير 1958 وقيام ثورة 14 تموز –يوليو في العراق وانفصال سوريا عن مصر ايلول –سبتمبر 1960 وقيام الثورة في اليمن ايلول 1963 وانهيار حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم شباط 1963 وحرب 1967 العربية –الصهيونية .
عمل في السفارة الاميركية في القاهرة سفراء عديدون اسهموا في تنفيذ المخططات الاميركية في المنطقة هم : جيفرسون كافري ، وهنري بايرود ، وفردريك رينهارت ، وجون بادو ، ولويس باتل ، ورتشارد نولته وانقطعت العلاقات المصرية –الاميركية نتيجة حرب حزيران 1967 .
الكتاب يجيب عن اسئلة شائكة لكن قبل ان يجيب يقول ان المصادمات تقع بين الاطراف ، ويعتقد الجميع انهم على حق لكن ما ان يتدخل اناس اغراب عن المشهد إلا وتعود الامور دون ان يفقد احد ماء وجهه إنها لعبة الامم ؛ فقلة من عرفوا كيف تداربعض الامور .. قلة من عرفوا عمن كان وراء زحزحة المصريين والبريطانيين عن مواقفهم اثناء مفاوضات الجلاء عن السويس سنة 1954 وقلة من عرفوا من الذي اطاح بحكومة الدكتور محمد مصدق في ايران وقلة من عرفوا كيف ثبت الناصريون اقدامهم في لبنان سنة 1958 على مرأى ومسمع مشاة الاسطول الاميركي السادس وقلة من عرفوا لماذا احجم عبد الناصر عن ضرب الكيان الصهبوني في وقت كان مستعدا لذلك ودفع شعبه لحربه وهو في اقل حالات الاستعداد لها وقلة من عرفوا من كان وراء الانقلابات العسكرية في سوريا والعراق وقلة من عرفوا لماذا انفرط عقد الوحدة ومن كان وراء ذلك وهكذا .
هل يجيب المؤرخون على تلك الاسئلة ؟وهل يتناول الدبلوماسيون والسياسيون هذه الاشكاليات وهم يكتبون مذكراتهم بعد تقاعدهم ؟ المؤلف يقول ان المؤرخين والدبلوماسيين والسياسيين يمتنعون عن ذكر الحقائق بدوافع كثيرة منها انهم يتحججون بإعتبارات الامن القومي لكن بعض الحقائق تظهر بالصدفة وهكذا فإن الكثير من الاحداث التاريخية تبقى مدفونة وتنكشف أسرارها .
يقول كوبلانز انه دفع بمسودات كتابه الى احد الدبلوماسيين الاميركيين ليراجعه ويضيف اليه ما قد فات المؤلف لكن هذا أعاد الكتاب الى المؤلف وزجره قائلا له بخطأ كشف الاسرار التي يجب – برأيه – ان تبقى في زوايا النسيان حتى لاتشوه سمعة الحكومة الاميركية أمام شعبها دون حاجة لذلك أو ضرورة .
وكوبلاند ينتقد عددا من السياسيين الاميركان لانهم في مذكراتهم يقدمون تفسيرات للاحداث ناقصة وساذجة لاتشفي غليل القارئ المتتبع .
ويعترف كوبلاند ان القلة هم من يعرفون من هم وراء السياسة الخارجية الاميركية ويهملون من يسيطر على الاقتصاد الاميركي ويوجهه .. يجهلون دور مؤسسات ضخمة من قبيل جنرال موترز ، ومجلس اتحاد التجارة ، والكنيسة الكاثوليكية .
ويقينا ان ادارة المخابرات المركزية الاميركية الداخلية والخارجية تستقرئ الرأي العام وتقيسه وترجح بعض الحلول وتبين اتجاهات الشعب وما يميل اليه من تحفظات وما يظهره من ردود فعل وهكذا كانت تنحصر مهمة كبار متخذي القرارات العليا في الموازنة بين ما يصلهم من تقارير .وقد يقع التضارب بين نتائج استقصاء كلا الادارتين عندئذ يتدخل الرئيس ويضرب كوبلاند مثالا على ذلك عندما زج الرئيس الاميركي تيودور روزفلت بالشعب الاميركي في الحرب العالمية الثانية مع انه كان ممتنعا عن التورط فيها واصراره على الوقوف بعيدا عن جحيمها لكن قوى الضغط خالفته في ذلك رغبة في نيل المكاسب بعد انتهاء الحرب .
يقول كوبلاند ان الاميركان يدعون عدم رغبتهم في التدخل بشؤون الدول الاخرى .. لكن الوقائع تثبت كذب ذلك .ويقول بالنص :" انها اي الحكومة الامريكية تبحث عن اساليب غير تقليدية للتدخل وتشرع بتحديد معالم وحدود القضية المعنية ومن ثم تقوم بإطلاق العنان لعدة قوى خفية تتكفل بتصفيتها كليا او ازالة اخطارها دون ان تتورط الحكومة رسميا في أي جانب من جوانبها وتبدأ اللحظة الحرجة عندما يبدأ الصراع المستتر بين هذه القوى ومثيلاتها في الدول الاخرى وكلها تعاني من المشكلة نفسها المشتركة بينها ألا وهي :اظهار النزاهة ، والاستقامة ، واضمار الغدر ، والخداع ، ونية التلاعب بالامم والشعوب " .
المؤلف يقول ان ماتحدث به في كتابه هو : لعبة الامم .. انه نوع من الدبلوماسية المسماة ب( دبلوماسية ما وراء الكواليس) ولهذا النوع من الدبلوماسية أثر كبير ظهر في سلوك حكام الشرق الاوسط في علاقتهم بالغرب وهو سلوك يمجه الذوق السليم ويرفضه المنطق الصحيح ويبدو في ظاهره خطوط متقاطعة متباعدة لايتوازى فيها اثنان .والكتاب –كما يعده مؤلفه – يهدف الى ازاحة الستار عن حقيقة ارتباطات الدول الكبرى بالدول الصغرى محدودة الامكانيات لكنها نجحت او تنجح احيانا في احراز نصر دبلوماسي على بعض الدول الكبرى وتمكنت او تتمكن مع الايام من ممارسة دور أكبر من طاقتها في السياسة الدولية واوضح مثال على ذلك دور زعيم مصر جمال عبد الناصر.
كتاب قرأناه عند صدوره قبل عقود.. ونحن بحاجة ان نقرأه اليوم لنقف على اساليب الغرب في الخداع ، والتزوير ، والاستقواء والاستعباد ، والظلم ، والقهر .2017


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عبد الستار ناصر وطقوس الكتابة

  عبد الستار ناصر وطقوس الكتابة -ابراهيم العلاف ولا اكتمكم سرا ، في أنني احب القاص والروائي العراقي الراحل عبدالستار ناصر 1947-2013 ، واقرأ ...