الجمعة، 24 مايو 2024

السلوك السياسي الخارجي التركي تجاه العراق بعد حرب الخليج الثانية............الفصل الثالث من كتاب (نحن وتركيا ) للاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف

                                         غلاف كتاب (نحن وتركيا) للاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف


الفصل الثالث

 

السلوك السياسي الخارجي التركي تجاه
العراق بعد حرب الخليج الثانية*

 

اتضح السلوك السياسي الخارجي التركي تجاه العراق بعد ماسمي بحرب الخليج الثانية في مواقف إتسم القليل منها بالايجابية وتركز في تأكيد الأتراك على أن تركيا تخسر كثيراً بسبب الحصار المفروض على العراق منذ نهاية سنة 1990، لكن الكثير من مواقف وتصرفات تركيا تكشف عن سلوكيات وتصرفات لاتخدم بأي حال من الأحوال مستقبل العلاقات العراقية- التركية، والعلاقات العربية- التركية عامة. والفصل هذا محاولة لتحسس مافي السلوك السياسي الخارجي التركي من مكامن وبؤر التقاطع والتضاد تجاه العراق، وتتمثل هذه المكامن بما يأتي:

 

1- مواقف الأتراك تجاه منطقة الموصل- كركوك 

لقد أظهر الأتراك خلال حرب الخليج الثانية وما بعدها أن آمالهم الإقليمية في منطقة الموصل- كركوك (ولاية الموصل) والتي تشمل إبان السيطرة العثمانية (ولايات) محافظات نينوى (الموصل)، كركوك، أربيل، السليمانية الحالية، لاتزال باقية، بالرغم من قبول تركيا لقرار عصبة الأمم سنة 1926 بإبقاء هذه المنطقة ضمن حدود دولة العراق، وأثبتت الوقائع أنهم لم ينسوا الموضوع وهم يتحينون الفرص لكي يجدوا من الوسائل مايساعدهم على إحياء مواقفهم السابقة من هذا الموضوع والذي غالباً مايضر بعلاقاتهم مـع العراق ومصالحه الوطنية العليا. ولعل أحدث مؤشر في هذا الاتجاه دعوة الرئيس التركي آنذاك (1995) سليمان ديميريل اعتبار أن منطقة الموصل ماتزال ملكاً لتركيا، وأن الضرورة الأمنية لتركيا تقتضي إعادة ترسيم الحدود مع العراق بحجة منع تسلل المتمردين الأكراد الأتراك. وقال ديميريل: "إن إقليم الموصل لم يترك للعراق بموجب معاهدة لوزان. وأضاف: "لقد أبلغنا الأمريكيين بموقفنا لكن هذا المشروع لم يقر على الصعيد السياسي". وقد نقلت وكالة الأنباء العراقية عن ناطق باسم الحكومة العراقية يوم الخميس 4 أيار 1995 أن العراق سيعارض بجميع الوسائل تغيير حدوده مع تركيا، ويحذر تركيا من القيام بأية خطوة منفردة من شأنها المساس بالحدود الوطنية. كما استدعت وزارة الخارجية العراقية القائم بالأعمال التركي في بغداد وطلبت منه إيضاحاً رسمياً، فأكد القائم بالأعمال التركي ان تسوية مسألة حدود بلاده المشتركة مع العراق لايمكن أن تتم سوى عبر التشاور بين البلدين، وأوضح أن الجملة التي أدلى بها رئيس الجمهورية ديميريل في هذا الشأن كانت على النحو الآتي: "أن الحدود العراقية- التركية غير صحيحة، ولكن تسوية هذه المشكلة هي ليست موضوع بحث في اللحظة الراهنة"، مضيفاً أن أي تعليقات أخرى تنسب إليه تقع خارج السياق تماماً.

وبالرغم من التوضيح الذي قدّمه الدبلوماسي التركي فإن بعض زعماء تركيا عبروا عن طموحاتهم في السنين الأخيرة للتمدد والتوسع على حساب العراق، وقدّر بعض الباحثين بين الطموحات التركية تجاه العراق وبين المخزون النفطي الكبير في الموصل وكركوك، ويستندون في ذلك إلى مايقوله المسؤولين الأتراك، وكيف أن تركيا حرمت من الأراضي الغنية بالنفط.

كانت الحكومة في العراق آنذاك على اطلاع بتلك المواقف حتى أن الرئيس العراقي الأسبق عبّر في حديثه مع بولند اجويد وداريا ساراك من جريدة ملليت في 27 كانون الأول 1992 عن ذلك حينما قال: "إن على أي تركي ألاّ يحلم أن الاستعمار الجديد، يمكن أن يعطيه نفطاً ويجعل منه دولة غنية وكبيرة... أما فيما يتعلق بكركوك، فأنا قلت المبدأ العام وهو أن شعبنا كله واحد في الحقوق والالتزامات... وأظن أن الاستعمار الجديد يعرف هذا، فإذا أراد أن يطبق وضعاً خاصاً في كركوك... فلابد أن يعرف بأنه يشعل حرباً في العراق".

 

2- إدعاء حماية التركمان في العراق

ازداد اهتمام الأتراك بأوضاع الأقلية التركمانية في العراق بعد ثورة 14 تموز 1958، وصدرت صحف ومجلات تركية في أنقرة واستانبول تتحدث عمّا كانت تسميه بـ (دعم الأتراك في كركوك) الذين يعانون الاضطهاد من السلطات العراقية، ونشرت مقالات عديدة تظهر وبلهجة شديدة أن (أتراك العراق !!) الذين يقدرون حسب رأيها بـ (720.000) نسمة محرومون من الحريات الشخصية وحياتهم معرضة للانتهاك من قبل الحكومة العراقية ومما يؤكد قوة نزعة التوسع لدى بعض زعماء تركيا، التوجه نحو الأقليات ذات الأصول التركية في الدول المجاورة، فمنذ سنة 1988 إستحدثت الحكومة التركية إدارة جديدة ألحقتها بوزارة الخارجية وأطلقت عليها اسم (إدارة الجاليات التركية في الخارج) ويرأسها نائب وزير، يكون هدفها: "العمل على ربط الأقليات التركية في العالم بوطنها الأم من البلقان إلى الصين!!". إلاّ أن المؤشر الأبرز هو مؤتمر عقد في استانبول ربيع سنة 1990 بإسم (نحو أذربيجان الكبرى). وفي المؤتمر ألقى أحد وزراء الأتراك آنذاك كلمة عبّر فيها عن اهتمام الحكومة التركية وسعيها بما سمّاه (إعادة توحيد الأمة التركية).

وخلال حرب الخليج الثالثة، برزت مواقف أكثر خطورة عبّر عنها توركوت اوزال رئيس الوزراء التركي آنذاك حينما أخذ يستعمل تعبير
(الشعوب العراقية)، ونشرت جريدة (حريت) ما سمي بـ (خريطة اوزال للعراق) وتقوم هذه الخريطة أوزال للعراق وتظهر هذه الخريطة ثلاث دول في العراق تجمعها (كونفدرالية): عربية وكردية وتركمانية. ومن الملاحظ أن أي نفي لهذه الخريطة لم يصدر من أي مصدر رسمي تركي.

 

3-  نشاطات تركية في كردستان العراق

لقد حاولت تركيا بعد وقف إطلاق النار بين القوات العراقية والقوات المتعددة الجنسيات بزعامة الولايات المتحدة الأميركية،الاستفادة من الأوضاع الجديدة في شمالي العراق، فأقدمت على إفساح المجال لمخابراتها للعمل على تأسيس مدارس ومؤسسات ثقافية تركية بهدف نشر الثقافة التركية، وتجنيد العناصر الموالية لها. ولعل من أهم هذه المدارس مايطلق عليها (كلية عشق الخاصة في أربيل Arbil Private College) وتقع بنايتها في شارع الستين. ويقبل هذه الكلية (المدرسة) أبناء الأثرياء والوجهاء من الأكراد ممن أكملوا الدراسة المتوسطة ليتلقوا علومهم باللغة التركية، وتتبع هذه المدرسة مناهج وزارة المعارف التركية، ويردد طلبتها النشيد الوطني التركي، بينما تنتشر صور مصطفى كمال أتاتورك في صفوفها، بل وحتى في بعض المحلات والشوارع القريبة منها ومن غيرها من المدارس التركية، وضمن مسلسل تنفيذ هذه السياسة، تسهيل نشاط منظمة تعمل تحت غطاء إنساني وتحمل اسم (منظمة وقف تركيا والشرق الأوسط للتنمية والإغاثة)، وتهدف هذه المنظمة إلى استغلال الوضع الصعب الذي كانت تعيشه المنطقة وغياب السلطة المركزية وتقدم مغريات مادية للشباب الأكراد بهدف كسبهم وتغيير قوميتهم وتستغل هذه المنظمة حاجة الأهالي لتوزيع الكتب والدفاتر التي تحمل صورة العلم التركي على طلبة المدارس، كما توزع عليهم بعض الإعانات من المواد الغذائية والملابس بهدف كسبهم والتأثير عليهم.

ولا يمكن أن ننسى أن تركيا كانت تحاول كسب بعض القوى التركمانية التي كانت تتخذ لها في كردستان العراق مواقع مختلفة منها (الحزب التركماني الإسلامي) و (حركة المستقلين) و (الحزب الديمقراطي) و (الحزب الوطني) و (حزب تركمان إيلي أو حزب الاتحاد)، كما حاولت جمع هذه القوى في تنظيم أسمته (جبهة الأحزاب التركمانية)، ولها صحف تطبع خارج الحدود منها جريدة (يورد) أي الوطن.

وثمة نشاطات كانت ملحوظة لقوات تركية كانت تعمل في شمالي العراق باسم (قوات الفصل التركية) التي أنشأتها الحكومة التركية. ويدعي الأتراك أن لهذه القوات صفة دولية، وأنها تأسست بناءً على قرار من قوات التحالف الرئيسة للفصل بين قوات الحزبين الكرديين المتنافسين آنذاك على السلطة في منطقة كردستان العراق وهما: الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة السيد مسعود البارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة السيد جلال الطالباني. وقد أشارت بعض المصادر الخاصة أن السيد جلال الطالباني قام آنذاك بعقد ندوة حزبية في السليمانية قال فيها: أن القصد من قوات الفصل هو "السيطرة على (كركوك) في أقرب فرصة وبالتالي الاستيلاء على حقول النفط وتصديره".

 

4- الاجتياح المستمر للأراضي في شمالي العراق 

أبرمت الحكومتان العراقية والتركية في تشرين الأول سنة 1984 اتفاق أمن الحدود الذي يسمح لكل من البلدين بعد اخطار وموافقة البلد الآخر، القيام بعمليات مطاردة حثيثة للمتمردين على عمق (10) كيلومترات داخل حدود البلد الآخر. ولقد استخدمت تركيا هذا الاتفاق ثلاث مرات قبل أن تقوم بإلغائه من جانب واحد أثناء العمليات العسكرية في كردستان العراق بعد توقف الحرب بين إيران والعراق في المدة من 27 آب وحتى 5 أيلول 1988 والتي أدت إلى نزوح أكثر من 60 ألفاً من هؤلاء إلى تركيا. كما شنت عمليات عسكرية في شمالي العراق منذ آب 1991 الأولى كانت جوية وبرية على عمق 16 كلم شنت على الأكراد في شمالي العراق، واتبعتها بعملية ثانية من 11 تشرين الأول 1991، ثم عملية ثالثة في 25 تشرين الأول 1991، وبين الأول من آذار 1995 وحتى الثاني من أيار 1995 شنت تركيا أوسع عملية تدخل في شمالي العراق أطلقت عليها اسم (عملية فولاذ)، وذلك حين توغل مايقرب من 35 ألف جندي تركي مع 50 دبابة تساندهم الطائرات داخل الأراضي العراقية وبعمق 40 كيلومتراً، وبالرغم من ردود الفعل العراقية والعربية والدولية المعارضة لهذه العملية، فإن القوات التركية تابعت غزوها وظلّت في المنطقة قرابة شهر ونصف. ومن 14 أيار 1997 بدأت القوات التركية عملية غزو جديدة داخل الأراضي العراقية واحتلت زاخو ووصل مايقرب من 35 ألف جندي تركي إلى مناطق عقرة والعمادية وأتروش. وقد حظيت هذه  العملية التي سميت بـ (المطرقة الكبرى) بدعم الولايات المتحدة الأميركية وجاء ذلك على لسان متحدث بإسم وزارة الخارجية الأميركية الذي قال: "أن لتركيا الحق بشن عملية عسكرية في العراق مؤكداً أن أنقرة وعدت واشنطن أن هذه العملية ستكون محدودة من حيث حجمها ومدتها".

لقد كانت الحكومة التركية تتذرع أكثر من مرة بأن هدفها الحقيقي هو تعقب عناصر حزب العمال الكردستاني PKK، وتدمير قواعدهم في شمالي العراق، لكن الوقائع تثبت أن تركيا تستغل حالة الأوضاع الصعبة في المنطقة بسبب غياب السلطة المركزية لتنفذ ماخطط لها من الولايات المتحدة من أعمال تستهدف انتهاك سيادة العراق وحرمة أراضيه، ولتأكيد اختلال توازن القوى بينها وبين العراق لصالحها بعدما لحق بالقدرات العسكرية العراقية من ضرر وتحجيم بسبب حرب الخليج الثانية وقرارات مجلس الأمن بشأن شروط وقفه.

وطبيعي أن تركيا، ومن ورائها الولايات المتحدة كانت لاتهتم باحتجاجات العراق على مثل هذه العمليات التي تشكل في جوهرها تدخلاً سافراً في شؤون العراق الداخلية وانتهاكاً صارخاً لحرمة الأراضي العراقية وسلامته الإقليمية، كما انها تتناقض مع علاقات حسن الجوار، وقواعد القانون الدولي، ومعاهدة الحدود العراقية- التركية لسنة 1926.

 

5- الدعـوة إلى إقامة منطقة أمنية عازلـة 

لقد رافق تلك العمليات العسكرية، حديث لأوساط تركية عديدة عن ضرورة إقامة منطقة أمنية عازلة في شمالي العراق بحجة منع تسلل المتمردين الأكراد الأتراك عبر الحدود المشتركة. ففي أيلول 1996 قالت تانسو جيلر وزيرة الخارجية التركية آنذاك "أن تركيا لايمكنها أن تتجاهل تجمع من أسمتهم الإرهابيين (من عناصر حزب العمال الكردستاني) "ماوراء الحدود. وفي الوقت نفسه نقلت وكالة أنباء الأناضول عن مصدر في وزارة الخارجية التركية أن جيلر أبلغت السفير الأميركي في أنقرة (مارك غروسمان) أثناء لقائها به مساء الرابع من أيلول: "بأن تركيا تنوي إقامة منطقة أمنية عازلة في شمالي العراق لمنع تسلل مقاتلي حزب العمال الكردستاني الانفصالي". ومن خلال متابعة التقارير الصحفية، قيل أن تركيا تريد أن تكون هذه المنطقة على غرار المنطقة العازلة التي أقامتها إسرائيل في جنوبي لبنان وإن ذلك جاء بناءً إلى نصيحة قدمها خبراء من جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد) الذين زاروا المنطقة في آذار 1995. ومن الملاحظ أن السلطات التركية أقدمت بعد اجتياح سنة 1992 على بناء مايقرب من 60 مخفراً عسكرياً على الحدود مع العراق ولكن دون أن يحقق ذلك أهدافها.

لقد تعثرت فكرة إقامة المنطقة الأمنية نتيجة رد الفعل العراقي ومواقف الأقطار العربية الأخرى التي وجدت فيها تدخلاً واسع النطاق في شؤون العراق الداخلية وانتهاكاً لسيادته وعدت الحكومة العراقية عزم تركيا على إنشاء هذه المنطقة "نوعاً من أنواع الضغط الذي تمارسه الإدارة الأميركية عليها عبر تركيا".  ورفض العراق المشروع التركي معتبراً أنه يمس سيادة العراق وسلامة أراضيه، وتساءلت الأوساط الدبلوماسية أنه إذا كانت تركيا قلقة على أمنها الوطني فلماذا لاتقيم مثل هذه المنطقة داخل أراضيها. وأكد نائب رئيس الوزراء العراقي آنذاك أن العراق سيقاوم المشروع التركي، وأضاف "نتابع اتصالاتنا مع الحكومة التركية لإقناعها بعدم ارتكاب هذه الغلطة"، وتابع قائلاً: "إنّ إقامة هذه المنطقة العازلة لن يحل المشكلة التركية... والحكومة الشرعية العراقية قادرة على أن تسهر على مصالح جيرانها". إن تعثر هذه الفكرة لايعني أن تركيا تخلت عن مشروعها: لإقامة الحزام الأمني أو المنطقة الأمنية، فهي تطرحها كلما بدأت بعملية جديدة لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية.

 

6- تركيا وقوات المطرقة

إقترحت الحكومة التركية تحت وطأة الضغوط الأميركية، وفي مواجهة تدفق قرابة نصف مليون نسمة من النازحين الأكراد من شمالي العراق إلى جنوب تركيا (حسب الأرقام المعلنة من الجانب التركي)، أثر قيام القوات العراقية بعملياتها العسكرية في كردستان في نيسان 1991، خطة لإقامة ما أسمته بـ (ملاذ آمن) للأكراد في شمالي العراق. وقد قالت تركيا أنها لاتمتلك الموارد الكافية لمواجهة هذا التدفق البشري الهائل، وطلبت المساعدة من دول التحالف المضاد للعراق. وقد رحبت الولايات المتحدة الأميركية بهذه الخطة وتولت قيادة قوة من (17500) جندي أميركي وبريطاني وفرنسي وهولندي وإيطالي، وبدأت ببناء مناطق- معسكرات لاستقبال هؤلاء النازحين. وقد عرفت القوات بـ
(قوات المطرقة The Hammer Forces). أما العملية فعرفت بـ
(عملية توفير الراحة Provide Comfort) للأكراد العراقيين. وفي تموز 1991 وافقت تركيا كذلك على أن تتركز في مناطقها الجنوبية الشرقية وفي قواعد انجرليك وباطمان وسيلوبي، قوة غربية برية وجوية للتدخل السريع مؤلفة من 3- 5 آلاف جندي منهم 1000 جندي تركي، وتعززها قوات أميركية محمولة جواً من الأسطول السادس في البحر المتوسط. وقد وضع هدف معلن لهذه القوات وهو "ردع العراق من أن يشن في المستقبل عمليات واسعة النطاق ضد سكانه من الأكراد"، لذلك فرض حظر جوي على الطيران العراقي في المنطقة شمالي العراق خط عرض 37 درجة، والهدف الحقيقي لهذه القوات "دعم عملية عسكرية لتغيير النظام السياسي في العراق" أو استخدامها في عمل عسكري ضد أي بلد آخر في الخليج عربياً كان وغير عربي (إيران) أو خارج منطقة الخليج العربي (سوريا مثلاً) إذا مااقتضت ذلك المصالح الأميركية والغربية عموماً.

أحدث وجود هذه القوات ردود فعل سلبية داخل تركيا نفسها، فبدأت بعض قوى الرأي العام التركي تهاجم سياسة الحكومة التركية الموالية للولايات المتحدة، وجرت نقاشات طويلة في المجلس الوطني الكبير (البرلمان) في كل مرة ينظر فيها المجلس في أمر تجديد بقاء هذه القوات . وكان آخر تجديد لها ينتهي في 31 كانون الأول سنة 1996، وقد تحدثت بعض المصادر الدبلوماسية عن أن: "تركيا اتفقت مع الدول الغربية على تشكيل قوة جوية للمراقبة بقيادة الولايات المتحدة لتحل محل قوات المطرقة ". وفي 24 كانون الأول سنة 1996 وافق المجلس الوطني التركي الكبير (البرلمان) على شروع الحكومة بإلغاء ماسمي بـ (عملية توفير الراحة)، وتشكيل قوة جديدة متعددة الجنسية باسم (قوة مراقبة الشمالNorthen Watch ) ولا تتضمن هذه القوة شقاً برياً. وقد اتضح بأن الولايات المتحدة وبريطانيا قد أسهمتا وحدهما في هذه القوة إلى جانب تركيا، أما فرنسا فانسحبت منها لسببين، أولهما: زوال الشق الإنساني، وثانيهما: أن قرارات مجلس الأمن لاتشمل مطلقاً القيام بأي تدخل عسكري جوي أو بري في الأراضي العراقية ودافع أحمد ديميري وزير الدولة في حكومة نجم الدين اربكان عن الإجراء الجديد بقوله: "أن حركة قوات المطرقة قد تحددت وصارت ضيقة وهذا يعني أن العد التنازلي لخروجها من تركيا، قد بدأ ومن المحتمل أن يتغير الوضع في شمالي العراق مما يؤدي إلى ضياع الهدف الذي جاءت من أجله هـذه القوات". وقد أجاب على سؤال يتعلق بموقف حزب الرفاه من وجود هذه القوات وكيف كان ينتقد بقاءها قبل وصوله إلى السلطة قائلاً: "لاشك أن تقييم الموقف الخاص ببقاء قوات المطرقة من الزاوية البراغماتية تعد خطأ، والموضوع يحتاج إلى النظر نحو مصالح الوطن والشعب والمنطقة. كما أن هذا الموقف الجديد لقوات المطرقة مرتبط بالبرنامج الحكومي الذي نصّ على مثل هذا الموضوع من ناحية، وأن هذه القوات موجودة في بلادنا منذ خمس سنوات من ناحية أخرى". أما شوكت قازان وزير العدل في حكومة اربكان فأعلن قائلاً: "نحن مرتبطون بالبروتوكول الموقع في الائتلاف الحكومي والموقف من تجديد بقاء قوات المطرقة بتركيا ليس برأينا التصرف، بل هو رأي مشترك بين حزبي الائتلاف" ويقصد حزبي الرفاه والطريق القويم.

لقد كشفت صحيفة واشنطن بوست الأميركية في تقرير لها نشرته يوم 26 كانون الأول 1996: "أن الإدارة الأميركية والحكومة البريطانية تعتبر أن تغيير اسم العملية من (توفير الراحة) إلى الأسم الجديد (قوة الكشف) وسيلة لإرضاء الرأي العام التركي لكي لايضغط على المسؤولين ويدفعهم إلى التخلي عن الاتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها". ونقلت الصحيفة عن (ديفيد جونسون) المتحدث الأميركي قوله:" أن الاتفاق الجديد سيبقى فترات الدوريات الجوية والأجواء التي تطير فيها هذه الدوريات وأحكام الاشتباك ونوعية الأسلحة التي حملها الطائرات الأميركية كما كانت في السابق، ولن نرسل طائرات أميركية فوق شمال العراق غير مجهزة بأسلحة غير قادرة على ضمان سلامتها وانه لم يتغير في هذه العملية سوى الاسم". ويفند هذا التوضيح من أعلى مصدر في الإدارة الأميركية ماكان يعلنه المسؤولون الأتراك من أن تركيا ستعيد النظر في أهداف العمليات الجوية الأميركية ضد سيادة أمن العراق.

 

7- التعامل مع أوضاع كردستان العراق

حرص الرئيس التركي الراحل توركوت اوزال خلال حرب الخليج الثانية على التعامل مع واقع الحال في كردستان العراق، وخاصةً استغلال غياب السلطة المركزية وذلك لتنفيذ خطته في العراق وإقامة ماأسماه بـ
(كونفدرالية) عراقية تتألف من ثلاث مناطق عربية وتركية وكردية. وتضم الأخيرة: السليمانية وأربيل، وتتكون الثانية من كركوك والموصل، فيما تشكل المنطقة العربية من باقي أجزاء العراق، وقد تعهدت تركيا بالمشاركة مع إيران وسوريا بضمان هذه الخطة، واستخدمت السياسة التركية وحسبما كشـفت عنه القيادة التركية  تحقيق مايلي من الأهداف:

1- رغبة القيادة التركية في معرفة تطورات الأوضاع في شمالي  العراق.

2- مناقشة ماسمي بـ (حقوق) و (أوضاع) الأقلية التركمانية في
العراق ومستقبلها بعد انتهاء الحرب.

3- وضع حد لعلاقات التعاون التي قيل بأنها كانت قائمة بين أكراد العراق من جهة، وحزب العمال الكردستاني التركي من جهة أخرى.

لقد عقدت في أنقرة اجتماعات في الأسبوع الثاني من آذار 1991 بين مسؤولين من الخارجية والاستخبارات التركيتين من ناحية والسيد جلال الطالباني رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وممثل للسيد مسعود البارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني من ناحية أخرى، وتعهدت تركيا خلال تلك المباحثات بأن تساعد في إقامة علاقات سياسية مباشرة بين القادة الأكراد في العراق والإدارة الأميركية، وحصلت على وعد من أن لايلحق الأكراد العراقيين أي ضرر بمصالحهم وأنهم سيقطعون كل علاقاتهم مع حزب العمال الكردستاني التركي.

واتضح التأثير التركي والأمريكي من خلال عدم توقيع الاتفاق مع السلطة المركزية العراقية في السنة 1991، وقد أدانت الحكومة العراقية آنذاك أكثر من مرة هذه الصلات، ففي 2 مايس 1995 أدان ناطق بإسم الخارجية العراقية مثل هذه المواقف غير الودية للعراق التي تتخذها السلطات التركية من التعامل مع واقع الحال في كردستان العراق لأن ذلك يُعد تدخلاً سافراً في شؤون العراق الداخلية.   

لقد أجاب القائم بالأعمال التركي في بغداد سعدي جاليشلار على سؤال يتعلق بما إذا كانت الحكومة التركية تنظر إلى أكراد العراق بوجوه ملائكة، وإلى أكراد تركيا بأقنعة شياطين قائلاً: أن التنسيق الإقليمي كفيل بحل جميع مشاكل دول المنطقة.

وتستمر المصادر السياسية التركية في الإصرار رسمياً على ضرورة الحفاظ على وحدة أراضي العراق، وهذا ماتفعله سوريا وإيران، وتعقد الدول الثلاث اجتماعات دورية منتظمة في عواصمها لمراجعة الموقف ووفقاً لما يسميه الدكتور(اندرو مانكو) الباحث البريطاني المتخصص بالشؤون التركية: "الخط التي تنتهجه الولايات المتحدة الأميركية حالياً (1995) وأيضاً المجتمع الدولي أيضاً على وجه العموم". وغالباً ماتنتهي هذه الاجتماعات بتأكيد المحافظة على وحدة الأراضي العراقية.

 

8- استخدام مسألة المياه للضغط على العراق وسوريا

أشرنا فيما سبق، إلى أن تركيا سعت ومنذ سنوات طويلة إلى تأكيد وتعميق الخلافات التي كانت قائمة بين العراق وسوريا وذلك بما يساعدها على الاستمرار في إكمال مشاريعها الاروائية الكبرى في جنوب شرقي الأناضول وضمان عدم التوصل إلى اتفاقية لتقسيم المياه بين الدول الثلاث: تركيا والعراق وسوريا. وقد أشار الدكتور (سها بولوق باشي) الأستاذ في جامعة الشرق الأوسط بأنقرة في 7 أيار 1990 إلى: "أن تركيا تدرك أن علاقاتها مع سوريا والعراق تتأثر دائماً من حيث تحقيق مصالحها بوجود أو غياب أو ضعف التوتر بين هذين البلدين، فعندما يتجاوز البلدان خلافاتهما يتبنيان اتجاهاً أكثر تصلباً إزاء تركيا ويرفضان أي حلول وسط بصدد المشكلات المثارة مع تركيا، وعندما تتوتر العلاقات بينهما يتجه كل منهما إلى تدعيم علاقاته مع تركيا بما يحقق مصالح الأخيرة".

ومن المسالك التي تلجأ إليها تركيا في هذا الصدد تأكيدها على أن الاتفاقية المبرمة سنة 1987مع سوريا لتزويدها بـ (500) متر مكعب في الثانية من مياه الفرات، تشكل اتفاقية ثنائية، ولكن الاتفاقية النهائية ستتم على صعيد ثلاثي، وأن النقص في كمية المياه التي تصل العراق عبر سوريا مشكلة يجب تسويتها بين هذين البلدين. كما ترى تركيا أن حرصها على مراعاة الاحتياجات المائية لسوريا والعراق لايفرض عليها أي التزام بالدخول في أي نوع من المفاوضات التي تمس، حسبما تقول حقوقها السيادية على الفرات ودجلة، وبالتالي لايمكن أن تنشأ مشكلة بين الدول الثلاث بسبب سد أتاتورك لأنها لم تبرم اتفاقية بشأن تقسيم واستغلال المياه. ويمكن الإشارة إلى ظاهرتين على قسطٍ كبيرٍ من الخطورة في هذا الخصوص. الأولى: تتعلق بمحاولات أوساط تركية عدة إطلاق الصفة التركية على نهري دجلة والفرات حتى نقطة مغادرة كل منهما الأراضي التركية. أما الظاهرة الثانية: فتتعلق بالمحاولات التركية للنهرين مما سيلحقه مشروع ري جنوب شرقي الأناضول (غاب GAP) من آثار سلبية على كل من العراق وسوريا، بل وادعاء إمكانية استفادة العراق وسوريا من هذا المشروع وترفض تركيا إبرام اتفاقية دولية لاقتسام مياه الفرات، وتصر على ضرورة تركيز جهود الدول الثلاث على التعاون الفني لضمان حسن استغلال وإدارة المياه. ومن الجدير بالذكر أن العراق وسوريا يعترضان على صيغة التعاون الفني ويطالبان بضرورة التوصل إلى اتفاقية لتقسيم مياه الفرات بين الدول الثلاث، كما يرفضان اقتراح تركيا بالتعامل مع مياه الفرات ودجلة كوحدة واحدة .

إنّ تركيا تستمر في ظل تباين المواقف تلك في إطلاق تهديداتها السافرة أحياناً والمستترة أحياناً أخرى باستخدام المياه كوسيلة للضغط على العراق وسوريا وتحرص على أن لايكون هناك أي تنسيق بينهما ودفعهما إلى قبول التعاون معها وفقاً لشروطها. وقد أشاعت بعض الأوساط إبان حرب الخليج الثانية على العراق أن هناك خطة أميركية- تركية لتعطيش العراق والضغط عليه بتقليص كمية المياه المتدفقة من تركيا وسوريا إلى أقصى حد. وفي شباط 1991 أشارت صحيفة (جمهوريت) إلى أن تركيا تعاقب العراق بتخفيض تدفق مياه الفرات إليه عبر سوريا إلى 300 متر مكعب في الثانية، وهذا الإجراء يأتي كجزء من قرار توسع نطاق الحظر الاقتصادي المفروض على العراق. وبعد يومين نفت وزارة الخارجية التركية هذه التقارير، لكنها أشارت إلى ماأسمته بـ (أسباب فنية) جعلت تركيا تخفض تدفق هذه المياه بحوالي 170 متراً مكعباً في الثانية وخلال المدة من 28 كانون الثاني إلى 3 شباط 1991.

وقد واجهت الخطط التركية هذه معارضة شديدة من بعض الأحزاب التي حذرت من القيام بأية محاولة تستهدف (استخدام المياه سلاحاً ضد العراق).

ومهما يكن من أمر فإن تركيا لاتزال ومنذ عدة سنوات، تُلوح بورقة المياه بأشكال مختلفة، فهي تارة تقدم هذه الورقة بوصفها كورقة سلام من خلال أنابيب أسمتها (أنابيب السلام) تمتد من أراضيها لتصل دول الخليج، وهي تشهر هذه الورقة بوصفها كورقة ضغط على كل من سوريا والعراق، كما فعلت سنة 1990 حين خفضت تدفق المياه عنهما فعرّضت البلدين إلى أخطار مؤكدة وألحقت بهما، زراعة وطاقة، أضراراً كبيرة. هذا فضلاً عن أنها أقحمت إسرائيل، وأعلنت أن موضوع المياه يهمها، وإنها ستعالجه مع دول المنطقة المعنية .

 

9- آثار التعاون العسكري التركي- الإسرائيلي

قام الرئيس التركي سليمان ديميريل في شباط 1996 بزيارة رسمية لإسرائيل، وتناقلت وكالات الأنباء خبراً يتعلق بتوقيع اتفاق عسكري بين تركيا و (اسرائيل)، ولم تظهر بعد تفاصيل الاتفاق في حينه، إلاّ أن بعض بنوده التي تسربت إلى الصحف التركية والإسرائيلية بعد دخوله حيز التنفيذ ومرور شهر على توقيعه أشارت إلى أنه يتضمن إنشاء مجلس أمني مشترك بين تركيا وإسرائيل ليقوم بمهمة تقييم التطورات العسكرية في المنطقة، ويسمح للطائرات الإسرائيلية باستخدام المجال الجوي التركي من خلال طلعات جوية تدريبية لمدة أسبوع وعلى مدى أربع مرات سنوياً. وينص الاتفاق كذلك على قيام إسرائيل بمساعدة تركيا على تحديث طائراتها وأن يجري الطرفان مناورات عسكرية مشتركة.

وفي 9 نيسان 1997 اختتم ديفيد ليفي وزير الخارجية الإسرائيلي زيارة لأنقرة استغرقت يومين، وشكّل تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية الثنائية محور المحادثات التي أجراها ليفي آنذاك مع وزيرة الخارجية التركية تانسو جيلر والرئيس التركي سليمان ديميريل ورئيس أركان الجيش الجنرال إسماعيل حقي قره باي . وقد تعززت العلاقات بين تركيا وإسرائيل في ظل حكومة اربكان المشكلة منذ تموز 1996، ووقّع الطرفان اتفاقات جديدة في مجال الصناعة العسكرية. ومن ذلك قيام إسرائيل ببناء مصنع لإنتاج صواريخ (بوباي) الإسرائيلية (جو/ أرض) في تركيا، وكذلك قيام  إسرائيل بتركيب رادارات ليلية في طائرات كوبرا المروحية، وتم الاتفاق على قيام شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية بتحديث الأسطول التركي القديم الذي يضم 54 طائرة فانتوم. وقال مصدر في وزارة الدفاع التركية أن إسرائيل تأمل التوقيع على عقد مع تركيا بقيمة مئات الملايين من الدولارات لتطوير دبابات إم 60 التركية أميركية الصنع ووصلت تركيا (8) مقاتلات إسرائيلية في إطار تنفيذ التعاون العسكري لإجراء التدريبات في الأجواء التركية، وقررت تركيا وإسرائيل إجراء مناورات بحرية مشتركة مع الولايات المتحدة في البحر المتوسط خلال صيف 1997 وتبحث الأطراف الثلاثة إمكانية تطوير الاتفاق إلى تحالف ستراتيجي بين تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية.

لقد أدركت الحكومة العراقية آنذاك بأن الاتفاق العسكري التركي- الإسرائيلي له آثار سلبية على الأمن الوطني العراقي والأمن القومي العربي وعلى مستقبل العلاقات العربية- التركية عموماً، فضلاً عن أنه يخلق أجواءً يسود فيها عدم الاستقرار ويتحكم بها منطق القوة والعدوان. وقد أثار الاتفاق مخاوف الأقطار العربية الأخرى وأعربت جامعة الدول العربية عن عدم ارتياحها وقلقها من هذا التحالف المعادي للأمة العربية إذ أنه سيغير من التوازن الاستراتيجي في المنطقة ويوسع من المسرح العملياتي (إسرائيل) ويستهدف الضغط على دول المنطقة ودفعها لتقبل المخططات الأميركية الرامية إلى إعادة ترتيب الأوضاع وفقاً لمصالحها. وقد كشف وزير الخارجية العراقي آنذاك عن مخاطر هذا  التحالف قائلاً: "إننا نتابع في السنوات الأخيرة وعلى وجه التحديد منذ عهد اوزال أن هناك جهات خفية وأخرى معلنة تسعى لتدفع بالسياسة التركية إلى الاصطدام بمصالح العرب والمسلمين وهو حال لايخدم مصالح الشعب التركي"، وأكد أن هذا التحالف موجه ضد العرب، ويشكل جزءاً أساسياً من الاستراتيجية الأميركية لإسناد جهدها العسكري ضد العراق والأمة العربية". وندد بالمناورات العسكرية المشتركة بين تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة قائلاً: "بأنه لايجوز أن يتوقع المسؤولون الأتراك أن العرب سينظرون إلى اشتراك تركيا في هذه المناورات العسكرية البحرية نظرة عادية خاصةً وإنها ستجري في توقيت ليس له أي تفسير". وأضاف: "أن هذه المناورات عمل عسكري يتم على حساب العرب والمسلمين خاصةً عندما نعرف أن دولاً عربية معروفة تقع جغرافياً على البحر المتوسط وأن حقوقها السياسية مازالت مغتصبة من قبل إسرائيل". ودعا إلى التعامل مع الإجراء التركي بأكبر قدر من القلق والجدية والاهتمام.

 

 

خلاصة واستنتاجات

لقد أثبتت الوقائع والأحداث، وخاصة في مرحلة مابعد حرب الخليج الثانية، أن السلوك السياسي الخارجي التركي تجاه العراق والأمة العربية والذي انعكس في سلسلة طويلة من المواقف والأفعال والتدابير، تميز بالتقاطع والتضاد، ليس مع المسيرة الصحيحة لما ينبغي أن تكون عليه العلاقات العراقية- التركية وحسب، بل مع الثوابت المعروفة في السياسة الخارجية التركية التي وضع أسسها الزعيم التركي الراحل مصطفى كمال أتاتورك منذ نشأة الجمهورية سنة 1923، وقد أقر بهذه الحقيقة (أرسين قليج أوغلو) الأستاذ في جامعة البوسفور باستانبول في بحثه الموسوم "السياسة الخارجية التركية والأمن الإقليمي في الشرق الأوسط" 1996 مبرراً ذلك بالتطورات التي حدثت في التسعينات من القرن الماضي حينما قال: "أن هذه التطورات اضطرت تركيا إلى الانحراف عن بعض المبادئ أولها: أن تركيا أصبحت متورطة في أحداث شمالي العراق، وفي هذا انتهاك لأحد مبادئ سياستها الخارجية، والذي ينص على عدم التدخل في السياسة الداخلية للدول العربية. وثانيها: أن قضية المياه قد دفعت بعض الدول العربية إلى الائتلاف ضد تركيا، وفي هذا خرق آخر في السياسة الخارجية التركية، والقاضي بضرورة تجنب كل مامن شأنه أن يؤدي بالدول العربية إلى الدخول في ائتلاف ضد تركيا فيما يتعلق بأية قضية من القضايا، وأخيراً فإن تركيا أقامت روابط أوثق بـ (إسرائيل) بعد اتفاقيات أوسلو 1993 بقصد مواجهة ماأسماه بالتهديدات التي تمس أراضيها والقادمة من شمالي العراق وإيران وسوريا (دعم عناصر حزب العمال الكردستاني التركي).

إن تطورات مابعد حرب الخليج الثانية أخفقت في التخفيف من المخاوف الأمنية التي أخذت تقض مضجع تركيا، لابل أنها فاقمتها، فالغزو العسكري المستمر لشمالي العراق، وتبني مشاريع مريبة لإقامة حزام أمني، داخل العراق، وعدم التنسيق مع الحكومة المركزية وادعاء حماية التركمان والتلويح بورقة المياه وما شاكل لايمكن أن تفسر إلاّ على أنها سياسة مضادة للعراق ولأمنه الوطني، وعلى تركيا أن تعيد النظر في سياستها الخارجية وفقاً لمصالحها الاقتصادية والأمنية، فحرب الخليج الثانية على العراق وما يرتبط به من حصار لم يعطِ تركيا ماكانت تطمح إليه من مكاسب، بل بالعكس جلب إليها الكثير من المشاكل الاقتصادية وعدم الاستقرار السياسي.

ومن هنا تبرز أهمية الدعوة إلى أن يعي الأتراك حقيقة مهمة وهي أن هناك قوى دولية وإقليمية تدفعهم للتصادم مع المصالح العربية والأمن القومي العربي، فتنعزل تركيا، مما يسهل مهمة اضعافها أكثـر فأكثر ضد العرب وضد نفسها".

وأخيراً فإن المستقبل قد يحمل قدراً من التنسيق بين العرب لمواجهة المخاطر والتحالفات المعادية، وعندئذٍ تتحمل تركيا المسؤولية الكاملة عن أعمالها ومواقفها تجاه العراق، وجميع النتائج المترتبة على هذه الأعمال بغض النظر عن الحجج والذرائع التي تدعيها، ويبقى إذن منطق الحوار والتصالح واحترام حقوق الجيرة الحسنة، والتنسيق مع دول الجوار بما يحقق الأمن الحدودي، والتفاهم والرؤية المتوازنة والموضوعية لمشاكل المنطقة وكيفية معالجتها هو الأسلوب الأمثل الذي يصب في مصلحة الطرفين.

 

 

 

 

 

 

 

 

مصادر البحث

اعتمد الباحث على مصادر عديدة يأتي أرشيف مركز الدراسات التركية (الإقليمية حالياً) بجامعة الموصل في مقدمتها، إضافة إلى المصادر الخاصة والصحف اليومية وبحوث الكاتب ومنها:

1- د. إبراهيم خليل أحمد العلاف: "التدخل العسكري التركي في شمالي العراق: أهدافه، مواقف الدول منه، مخاطره على الأمن الوطني العراقي".

2- د. إبراهيم خليل أحمد العلاف: "فكرة المنطقة الأمنية المعزولة على الحدود
العراقية- التركية ومخاطرها على الأمن الوطني العراقي والأمن
القومي العربي".

3- د. إبراهيم خليل أحمد العلاف: "تركيا بين حزب العمال الكردستاني وقوات المطرقة الأجنبية"، المنشور في: خليل علي مراد وآخرون، القضية الكردية في تركيا وتأثيرها على دول الجوار"، إصدار مركز الدراسات التركية، الموصل 1994.

ومن المصادر الأخرى:

1- جلال عبدالله معوض: "تركيا والأمن القومي العربي: السياسة
المائية والأقليات"، مجلة المستقبل العربي"، بيروت، السنة
(15)، العدد (160)، حزيران 1992.

2- أرسين قليج أوغلو: "السياسة الخارجية التركية والأمن الإقليمي والتعاون في الشرق الأوسط"، نشرة المنتدى، عمان، العدد
(127)، نيسان 1996

____________*ابراهيم خليل العلاف، نحن وتركيا ، دار ابنالاثير للطباعة والنشر - جامعة الموصل ، الموصل 2008

*

*


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الطبقة البرجوازية في العراق حتى سنة 1964 ...............أ.د إبراهيم خليل العلاف

                                                            الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف الطبقة البرجوازية في العراق حتى سنة 1964 أ....