المؤرخ البروفيسور الدكتور آفي شلايم
حول تخريب للمؤسسات اليهودية وتفجير
منازل ومتاجر اليهود لنشر الارهاب والذعر في صفوفهم في بغداد الذي قامت به
المنظمات الصهيونية في العراق
بقلم :البروفيسور آفي شلايم *
ترجمة الأستاذ صباح عبد الرزاق
لم تكن السابع من أكتوبر المرة
الأولى التي فشلت فيها الصهيونية:
الرهينة المقتول ( شلومو مانتور) الرهينة المولود في العراق ضُحي به على مذبح
الصهيونية مرتين – أولاً في العراق، ثم مرة أخرى على حدود غزة .
شلومو مانتور، البالغ من العمر (86 )
عاما ، كان الأكبر سنًا بين 251 رهينة إسرائيلياً اختطفتهم حركة حماس خلال هجومها
الدموي في السابع من أكتوبر- تشرين الأول 2023
. وبينما تُرّوج الرواية الصهيونية للأحداث، بأن مانتور كان ضحية لمعاداة
السامية العربية المتوحشة مرتين، فإن الحقيقة هي أن الحركة الصهيونية نفسها لعبت
دوراً في مآسيه، أولاً بوضعه في خط النار في العراق عام 1951، وثانيًا بفشلها في
حمايته في منزله ب( كيبوتس كيسوفيم) في
خريف عمره. وُلد مانتور في العراق عام 1938، ونجا من مذبحة
"الفرهود" سيئة السمعة التي استهدفت اليهود في عام 1941، وهاجر مع
عائلته إلى إسرائيل عن عمر يناهز الثالثة عشرة كجزء من "الهجرة الكبرى"
عام 1951. لا أعرف ما شعوره حيال الانتقال. كنت في الخامسة من عمري عندما غادرت مع
عائلتي بغداد عام 1950، وكنا بالتأكيد نشعر أننا جُندنا قسرًا في المشروع الصهيوني. كنت رهينة في
غزة. ونتنياهو مستعد للتضحية بمن لا يزالون محتجزين. نتنياهو دمّر إسرائيل قبل 7 أكتوبر،
وبعد عام يمضي قدمًا بأقصى سرعة .
الرهينة الإسرائيلي شلومو مانتور،
البالغ من العمر 85 عامًا، قُتل في 7 أكتوبر، ولا يزال جثمانه في غزة. الفرهود، وهي
مذبحة اليهود العراقيين في حزيران - يونيو 1941، تُستشهد بها عادةً كتب التاريخ
الصهيونية كدليل على معاداة العرب والمسلمين الأبدية للسامية. لكنها كانت
الاستثناء لا القاعدة. نعم، كانت تعبيرًا واضحًا عن معاداة السامية، لكنها كانت أيضًا
نتاجًا لقوى أخرى، لا سيما السياسة الإمبريالية البريطانية التي حولت اليهود إلى
كبش فداء. قُتل 165 يهوديًا، وتعرضت نساء يهوديات للاغتصاب، ونهبت منازل ومتاجر
يهودية. لكن بعد الفرهود، عادت الحياة اليهودية في العراق إلى طبيعتها تدريجيًا
دون تكرار لمثل هذا الاعتداء الدموي على يهود بغداد. نقطة التحول الحقيقية في تاريخ يهود
العراق لم يكن عام 1941، بل في عام 1948، بعد قرابة عقد من الزمن، مع قيام دولة
إسرائيل والهزيمة العربية المهينة في حرب فلسطين. في مارس 1950، أقرّت الحكومة
العراقية قانونًا يسمح لليهود، لفترة محدودة مدتها عام واحد، بمغادرة البلاد بشكل
قانوني بتأشيرة خروج بلا عودة. وبلا جوازات سفر أخرى، لم يكن لديهم خيار سوى
الذهاب إلى إسرائيل، بحقيبة واحدة وخمسين دينارًا. نظّمت المنظمات الصهيونية النقل
الجوي لهم، أولاً عبر قبرص ثم مباشرة من بغداد إلى تل أبيب. في عام 1950، كان
هناك حوالي 135,000 يهودي في العراق؛ وبحلول نهاية 1952، كان حوالي 125,000 منهم
قد انتهى بهم المطاف في إسرائيل، في معسكرات عبور تُعرف بـ
"المعاباروت". تركنا العراق كيهود، ووصلنا إلى إسرائيل
كـ"عراقيين". كانت هناك مجتمعات يهودية مزدهرة في العديد من أنحاء
العالم العربي، لكن الجالية اليهودية في العراق كانت الأقدم والأكثر ازدهارًا،
والأكثر اندماجًا في المجتمع المحلي. فقدنا ثرواتنا الكبيرة، ، ومكانتنا
الاجتماعية العالية، وإحساسنا القوي بالهوية والفخر كيهود عراقيين. بالنسبة لنا،
لم تكن الهجرة إلى إسرائيل "صعوداً" بل "نزولاً" حادًا إلى
هامش المجتمع الإسرائيلي.
وعند وصولنا، خضعنا لعملية ممنهجة لـ"سلخ
العروبة" عنا: رُشّينا بمبيد الحشرات DDT، ودُفعنا إلى بلد غريب تهيمن عليه الثقافة الأشكنازية. الرواية
الصهيونية السائدة تلقي باللوم في خروج يهود العراق على معاداة السامية العربية
المتجذرة، وتصور دولة إسرائيل الوليدة كبطل جاء لإنقاذ اليهود العرب بتوفير ملاذ
آمن لهم. لكن الواقع أكثر تعقيدًا. صحيح أن السبب الرئيسي للهجرة كان العداء
الشعبي الواسع والاضطهاد الرسمي الذي مارسته الحكومة العراقية ضد اليهود بعد الحرب
العربية-الإسرائيلية الأولى. رغم ذلك، اختار فقط عدة آلاف من اليهود التنازل عن
جنسيتهم العراقية بعد إقرار قانون عام 1950. الدافع الحقيقي للهجرة كان خمس
تفجيرات استهدفت ممتلكات يهودية في بغداد عامي 1950 و1951، ما أدى إلى نشر الخوف
والقلق، وسرّع من وتيرة النزوح. استمرار الشائعات بأن جهاز الموساد كان ضالعًا في زرع هذه القنابل
غذّى مشاعر الاستياء لدى المهاجرين اليهود العراقيين تجاه دولتهم الجديدة. إسرائيل
نفت بشكل قاطع هذه المزاعم، وخلصت لجنتان للتحقيق إلى براءة الدولة من أي تورط.
لقد شغلتني هذه اللحظة المفصلية في تاريخ يهود العراق منذ أن كنت مراهقًا في ( رمات
غان) ، وهي بلدة شرقي تل أبيب. في عام 2023 نشرت سيرتي الذاتية بعنوان ( ثلاثة
عوالم: مذكرات يهودي عربي) . عوالمي الثلاثة هي ( بغداد) ، ( رمات غان) ، و( لندن.) وخلال بحثي لهذا الكتاب، عثرت على مصدرين يشيران بوضوح إلى تورط
إسرائيلي في التفجيرات التي عجّلت بالخروج. أحد هذه المصادر كان ( يعقوب كركوكلي) ،
صديق والدتي المسن، وكان عضوًا في الحركة الصهيونية السرية في بغداد. أخبرني كركوكلي ،
بتفاصيل عن عمله مع زملائه في تزوير الوثائق، ودفع الرشاوى للمسؤولين، وتشجيع
الهجرة إلى إسرائيل، أولاً بشكل غير قانوني ثم قانونيًا. أحد زملائه، محامٍ
وصهيوني متحمس يُدعى ( يوسف إبراهيم بصري) ، كان مسؤولًا عن ثلاث من التفجيرات
الخمس التي استهدفت ممتلكات يهودية في العاصمة العراقية بين عامي 1950 و1951. كما
أعطاني ( كركوكلي ) نسخة من تقرير للشرطة البغدادية يذكر فيه بصري كمشتبه رئيسي
ويعرض تفاصيل استجوابه بشأن أنشطته الإرهابية. حُكم عليه بالإعدام شنقًا. وكانت
كلماته الأخيرة: "تحيا دولة إسرائيل!" .
كان كركوكلي نفسه صهيونيًا يمينيًا
متشددًا ، هدفه تدعيم وتقوية الدولة اليهودية الوليدة بأي ثمن. أخبرني بفخر أن
المشرف ( على بصري) كان ضابط استخبارات
إسرائيلي يُدعى ( ماكس بينيت) ، وكان مركزه في طهران. في عام 1954، تورط ( بينيت) في ( قضية لافون) الشهيرة، حيث جنّد يهودًا مصريين لتنفيذ عمليات
تجسس وتخريب بهدف خلق فتنة بين القوى الغربية ونظام عبد الناصر. زرعوا قنابل في
أماكن عامة ومكاتب معلومات أمريكية. فشلت الخطة بشكل كارثي : أُلقي القبض على جميع أعضاء الشبكة، وحوكموا
وأدينوا، وانتحر بينيت في السجن. مثل التفجيرات في بغداد، كانت هذه عملية "راية زائفة".
إنها مثال لما وصفه ( شالوم كوهين) ، نائب رئيس تحرير مجلة "هاعولام
هزيه" الإسرائيلية، بـ "الصهيونية القاسية". ومثل تفجيرات بغداد،
غذّت هذه العمليات شكوك المسلمين تجاه اليهود، وساهمت في تحويل اليهود من ركيزة
للمجتمع العراقي والمصري إلى "طابور خامس" محتمل.
وضعت الحركة الصهيونية، في سعيها
المحموم لهجرة اليهود بعد أن سكتت المدافع عام 1949، يهودًا مثل (شلومو مانتور) وعائلته في دائرة الخطر داخل أوطانهم العربية.
وقد خانته حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية، بقيادة بنيامين نتنياهو، مرة ثانية
في نهاية حياته، بتركه فريسة سهلة لمسلحي حماس في 7 أكتوبر. خُطف من منزله في
كيبوتس كيسوفيم، ويُعتقد أنه قُتل عند وصوله إلى قطاع غزة، حيث لا يزال جثمانه حتى
اليوم.
تزعم هذه الحكومة أن إسرائيل هي
المكان الآمن الوحيد لليهود في عالم يملؤه العداء للسامية. لكن المفارقة المحزنة
هي أن إسرائيل أصبحت أخطر مكان لليهود في العالم اليوم بسبب إدمانها على الاحتلال
وقمع الفلسطينيين. لعبت إسرائيل دورًا في تأجيج معاداة السامية في الأربعينيات من
القرن الماضي ، وتواصل حكومة نتنياهو اليوم تغذية هذه الأحداث المأساوية حول
العالم. ولا تتردد في احتضان معادين للسامية مثل (فيكتور أوربان) في المجر لمجرد أنهم "مؤيدون
لإسرائيل". كما تنبأ تيودور هرتزل ، " سيكون المعادون للسامية من بين
أقوى مؤيدينا ."
* آفي شلايم أستاذ فخري للعلاقات
الدولية بجامعة أكسفورد، ومؤلف كتاب ( الجدار الحديدي: إسرائيل والعالم العربي ) ،
وكتاب ( ثلاثة عوالم: مذكرات يهودي عربي) . ستُنشر النسخة العبرية من الكتاب
قريبًا عن دار "عام عوفيد" .
*المقال منشور في جريدة (هآرتس) عدد
16 شباط 2025- فبراير 2025
Opinion | October 7 wasn't the
first time Zionism failed
11-7-2025

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق