الخميس، 14 ديسمبر 2023

الهندية ....القضاء والمدينة ا.د.ابراهيم خليل العلاف






 


الهندية ....القضاء والمدينة
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
سألني الأخ الأستاذ أمير الطرفي عن مدينة وقضاء الهندية وارتباطهما بالعمق الجغرافي والتاريخي العراقي الحديث والمعاصر فقلت له انني سأكتب مقالا مقتضبا في التعريف بهذا القضاء التابع لمحافظة كربلاء المقدسة واضفت ان لموقع هذا القضاء الاستراتيجي والجغرافي جعله مثابة حضارية وثقافية خلال مراحل مختلفة من تاريخ العراق الحديث سواء في أواخر العهد العثماني او في العهد الملكي وحتى لحظة كتابة هذه السطور .
والهندية هي (طويريج ) ، وكلمة طويريج جاءت من كلمة الطريق والطريق المعني هو الطريق الصغير ؛ فطويريج تصغير لكلمة الطريق وكانت طويريج من قبل تابعة إداريا لمحافظة بابل أي الحلة لكنه الحق بكربلاء المقدسة سنة 1968 مع ناحيتي الجدول الغربي والخيرات والقضاء يبعد عن مدينة كربلاء قرابة (24) كيلومترا شرقا .وفي الوقت نفسه أيضا يبعد عن غرب مدينة الحلة مركز محافظة بابل المسافة ذاتها وهنا معنى طويريج أي ان هذه المنطقة تقع على الطريق بين مدينتي الحلة وكربلاء ومسافة ال (24) كيلومترا ليست طويلة وخاصة كما يقولون للمحب .
وكلمة الهندية جاءت من نهر او شط الهندية فهي تفترش ضفاف هذا النهر وهو من فروع نهر الفرات العظيم وليست لدينا إحصائية حديثة لعدد من يسكن قضاء الهندية لكن التقديرات تشير الى ان عدد السكان يزيد عن 350 الف نسمة .
تاريخ مدينة طويريج حديث فهو يعود الى سنة 1208 هجرية - 1793 ميلادية أي أواخر القرن الثامن عشر حين كان العراق بولاياته الثلاث الموصل وبغداد والبصرة تابعا للدولة العثمانية ومنذ النصف الأول من القرن السادس عشر الميلادي . ويربط البعض هذا التأسيس بتبرع احد المهراجات الهنود المحبين للدولة العثمانية وهو المهراجا آصف الدولة محمد يحيى خان جد النواب اقبال الدولة وزير ملك الهند محمد شاه بإعتبارها دولة إسلامية وبوجود العتبات المقدسة بحفر نهر الهندية سنة 1793 ميلادية واستجابة لطلب الأهالي الذين التمسوا منه وقد زارهم ان يقوم بهذا المشروع وايصال المياه الى النجف ومن المناسب القول ان شط الهندية كان موضع لمجرى مائي قديم يسمى نهر الكوفة وحتما اسم الهندية جاء من اسم النهر واسم النهر جاء من اسم هذا المهراجا الثري .
المرحوم الأستاذ جمال بابان في الجزء الأول من كتابه ( أصول أسماء المدن والمواقع العراقية ) وصدر سنة 1986 قال ان مركز قضاء الهندية مدينة او قصبة طويريج يمتد على ضفة نهر الفرات ويربطها بالضفة اليسرى جسر حديدي بني سنة 1955 وقد أجريت له صيانة مرات عديدة وقد أورد إحصائية للسكان تعود الى سنة 1965 قال فيها ان نفوس القضاء كانت (54325 ) نسمة وتشتهر المدينة بزراعة التنباك (التبغ ) والفواكه والمحصولات الأخرى فهي منطقة زراعية جميلة .
تحديث المدينة ابتدأ سنة 1869 أي في عهد الوالي المصلح والي بغداد مدحت باشا وفي عهده ابتدأت عمليات تحديث العراق وجعله على عتبة العصر الحديث من حيث الاهتمام بالعمران والاستيطان والتحضر والصحة والتعليم .
الأستاذ عبد الرزاق الحسني في كتابه (العراق قديما وحديثا ) ،طبعة 1947 كتب عن قضاء الهندية وهومن اطلق على طويريج ( روضة مدن الفرات الأوسط ) وقال هي " متوسطة بعمرانها ،جميلة بمناظرها ، حسنة بموقعها تمتد على ضفة النهر اليمنى ويربطها بالضفة اليسرى التي بدأت العمارة فيها مؤخرا (يعني أواخر الاربعينات من القرن الماضي) جسر حديدي متين بني سنة 1955 وتحيط بها الحقول والبساتين التي تسقيها الجداول والنهيرات الكثيرة وتنير شوارعها وبيوتها الاضواء الكهربائية منذ عشر سنوات وبحسب احصاء 1947 ، فإن عدد نفوس القضاء ( 82466 ) نسمة .
واضاف ان " أسواقها مستقيمة طويلة ،وشوارعها عريضة مزفتة ورصيفها الممتد على ضفة النهر اليمنى من اجمل ما تقع عليه العين .وقد غرست الأشجار المختلفة على جانبي هذا الرصيف كما غرست على جوانب بقية شوارعها ويرى في وسط القصبة ميدان فسيح تزينه حديقة غناء وتشغل جانبا منه بناية (مشروع اسالة الماء) وامام هذه الحديقة صرح الحكومة الواسع ودار القائمقام المشيدة على الطراز الحديث وعلى مسافة قصيرة منها هناك بناية المدرسة الابتدائية وسائر المدارس الرسمية تحف بها حدائق واسعة ودور للاهلين كثيرة .
وكانت ثمة معامل لتصفية الشلب على امتداد ضفة النهر واطراف القصبة وهذه المعامل تسمى (مجارش) وهي زهاء ثلاثين مجرشة ويشتغل فيها زهاء الف وخمسمائة عامل وعاملة وترد الى هذه المجارش كميات من الشلب من اطراف المشخاب والقضاءنفسه فتجرش فيها وتصدر الى مختلف الانحاء وهذا ما جعلها مخزنا من مخازن التموين الكبيرة وتساعدها على ذلك سهولة المواصلات النهرية والبرية .
مدينة الهندية مدينة عامرة ابتدأت قرية تجمع فيها السكان وأصبحت نواة لمدينة متحضرة في أواخر القرن 19 ومما ساعد على ذلك تدفق المياه في نهر الهندية ووفرة الأراضي الصالحة للزراعة وتربية الحيوانات وجدية الأهالي واقبالهم على العمل وكان من أوائل من قدم اليها أولئك الذين كانوا يعيشون على ضفاف نهر الفرات الرئيسي الذين جفت أراضيهم بسبب تناقص كميات المياه في نهر الحلة .
من متابعة التاريخ التربوي والتعليمي والثقافي والإداري والسياسي لمدينة طويريج ، نجد انها قدمت للعراق عددا من النخب في كل الميادين ولعل ممن نذكرهم وزير المعارف في مطلع العهد الملكي الشاعر محمد حسن او المحاسن جد السيد نوري كامل المالكي رئيس الوزراء السابق بعد2003 . والملحن الذي كتبت عنه قبل أيام الأستاذ محمد جواد اموري والطبيب الفنان التشكيلي الدكتور علاء بشير والأستاذ حميد خلخال الوزير بعد 1963 ولي مقال عنه والدكتور سعدون حمادي وزير الخارجية العراقي السابق قبل 2003 والأستاذ احمد مرتضى وزير النقل قبل 2003 والأستاذ ثامر الغضبان وزير النفط بعد 2003 .ومن اهل طويريج الفريق الركن محمد ‏رفيق عارف، رئيس أركان الجيش العراقي والشاعر الغنائي عبدالامير طويرجاوي ورائد المسرح الإذاعي العراقي الفنان ابراهيم الهنداوي، وأمير التمرد في ‏الشعر العراقي الحديث حسين مردان، والنحات المتألق أحمد البحراني والاستاذ ابراهيم الهايس خبير نصب مكائن الطباعة و الاستاذ الدكتور صادق ياسين الحلو المؤرخ العراقي المعروف .
غانم سليمان الجوادي المعلم الموصلي معلم الرياضة لسنوات في طويريج ، وعدد من القادة العسكريين منهم اللواء الركن حسن عباس ال طوفان الفتلاوي والشاعر العراقي احمد آدم . فضلا عن عشرات المفكرين ‏والعلماء والفقهاء والخطباء والفنانين والكتاب والرياضيين وحتى كبار القادة السياسيين والعسكريين ‏من مختلف التيارات الأيديولوجية الذين عرفهم تاريخ العراق الحديث والمعاصر ‎.
الأخ الدكتور حسين الهنداوي الف عنها كتابا بعنوان (الهندية – طويريج: بيتنا وبستان بابل) ، للأسف لم اره بعد وليست لدي نسخة منه لكني قرأت عنه في الصحف والمواقع الالكترونية .ومما قاله بصدد تسميتها طويريج :" ان مصدر التسمية (طور أو طار ) تعني في اللغة البابلية القديمة ما علا عن حد الماء من الأرض، أي الجرف المرتفع عن مجرى الماء. وهو ما تؤكده دلالة الأرض المرتفعة وفي التسمية القرآنية طور سينين" ويشير المؤلف الى ارتباط المدينة بركضة طويريج ويقول :" وإذا تكلمنا عن طويريج فيجب أن نذكر طقسا من طقوس العزاء الحسيني ارتبط بهذه المدينة وهو “ركضة طويريج” وهذا الطقس يقام في المناحات على استشهاد الإمام الحسين (ع) وأهل بيته، وقد ابتدأ كما يرد في تأريخ المناحات الحسينية زمن ‏السيد صالح القزويني، واستمر في ذريته. والركضة عادة تبدأ من قنطرة السلام التي تقع على الطريق ‏الموصل بين طويريج وكربلاء، لذلك سميت الممارسة بـ”ركضة طويريج”. وهذه القنطرة تبعد حوالي خمسة كيلومترات عن ‏مركز مدينة كربلاء المتمثل بمقامي الإمام الحسين (ع) وأخيه العباس (ع).
وعن سكانها قال :" سكن المدينة العديد من القبائل العربية، كما كانت تضم بين سكانها أقليات يهودية ومسيحية ومندائية، تناقص وجودها بالتدريج حتى كاد يختفي في الوقت الحاضر. ومن أبرز القبائل التي سكنتها آل فتله وبني حسن وكريط وجليحة وخفاجة والمعامرة والجبور والبو سلطان وزبيد ، ونتيجة الوفرة التي عاشتها المدينة فقد غلب على أهلها طبيعة الطيبة والأريحية والكرم والضيافة والابتعاد عن التشنج والعصبية القبلية والعنصرية."
وثمة بحوث ودراسات عن طويريج منها مثلا ما كتبه الدكتور فلاح محمود خضر البياتي بعنوان ( دور قضاء الهندية (طويريج) في الثورة العراقية الكبرى سنة 1920م.منشور في مجلة بابل للعلوم الانسانية، عدد 540 لسنة 2007م ) .
الفت الاخت الدكتورة فوزية مهدي المالكي والاخت الاستاذة وفاء كامل عبيد الخفاجي كتابا بعنوان ( البيوت التراثية في قضاء الهندية - طويريج) صدر عن مركز بابل للدراسات الحضارية والتاريخية - جامعةبابل 2006 .
وثمة مواقع ومعالم اثرية في قضاء الهندية منها : خان الوقف و يقع في مركز مدينة الهندية على ضفاف نهر الفرات اليمنى جنوب المدينة، وقد شيد الخان لإيواء قوافل المسافرين وتم بناؤه بأبعاد 50 ×60 متراً و خان العقيلة ويقع جنوب مدينة الهندية، وهو ملاصق لخان الوقف المتقدم ذكره، وقد ذكرت سنة تشييده وهي 1324هـ الموافق 1906وتصميمه يشبه خان الوقف لكنه أقل منه مساحة ..ويمكن الرجوع الى الموقع التالي ورابطه : https://mk.iq/view.php?id=1853&ids=1 لمعرفة ذلك .وقائمقام طويريج اليوم هو الأستاذ منتظر عبد الستار الشافعي
كانت مدينة طويريج ذات نفس عروبي وتأسس فيها " فرع للرابطة العلمية الادبية في النجف الاشرف " سنة 1933 وكان من اهدافها :" بث الروح العربية والمبدأ القومي قبل كل شيء وتعنى عناية خاصة بخدمة اللغة العربية ونشرها بين كل الطبقات " .
في سنة 2013 نظم قسم التاريخ بكلية التربية الاساسية - جامعة بابل ندوة عن " تاريخ مدينة طويريج (الهندية ) ".ومنالكتب المهمة التيصدرت عن طويريج كتاب للدكتور علاء الكعبي بعنوان ( مجارش الشلب في طويريج ) .بالمناسبة الاخ الدكتور علاء الكتبي لديه في طويريج منتدى ثقافي معروف بإسم ( مربد طويريج ) اتمنى لرواده العز والسعادة والتوفيق والبهاء .
وطويريج اليوم مدينة عصرية تتوفر فيها كل مستلزمات الحياة . تحياتي لاهلي في طويريج وتمنياتي لهم بالتقدم . .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق