السبت، 30 ديسمبر 2023

تقاليد الزواج في الموصل أمس واليوم




 

تقاليد الزواج في الموصل أمس واليوم

ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس -جامعة الموصل

سألني الاخ الاستاذ عماد محمد الصحفي المعروف عن تقاليد ومراسيم الزواج في الموصل أمس واليوم ، واقول له ان الموصل مدينة عربية اسلامية محافظة وهي هكذا منذ قرون طويلة . لذلك فالزواج عند الموصليين له خصوصية ومعظم أسر وعوائل الموصل متصاهرة مع بعضها ، ونادرا ما تجد ان الاسر والعوائل في الموصل منفصلة عن بعضها. وغالبا ما تكون النساء هن من يربطن بين الاسر والعوائل من خلال الزواج ، وانا دائما اقول ان تاريخ مدينة الموصل ليس إلا تاريخ أسر وعوائل .
ومن الطريف ان الموصليين ، يرددون الكثير من الامثال التي تعكس اهتمامهم بالزواج وتأكيدهم على قدسيته واهمية اختيار الزوجة التي تقف مع زوجها في السراء والضراء . وهم يقولون دوما (ان المرأة بناء والرجل عامل لديها ) .وهناك ما يدعونا ان نقول ان الاسرة الموصلية لاتتأخر في زواج أبنائها وبناتها وهم يقولون دوما ان الزواج حصانة للشاب وللشابة ، ويفرحون بزواج البنت اكثر من زواج الولد ، لانهم يعتقدون ان ما يسمونه (القسمة ) لا تأت دوما للبنت ، ويؤكدون على ضرورة وضع البنت في رقبة الرجل حصانة لها .
ومما يؤكده الموصليون ايضا ان الشاب لايمكن ان يتزوج إلا بعد ان تكون له وسيلة للرزق حتى لايكون فيما بعد هو وزوجته عالة على الاب .وهم يشجعونه على ان يتفحص بنات اقرباءه وخاصة بنات خالته وبنات عمته ، ليختار منهن من تستطيع ان تكون زوجة مخلصة وفية له قادرة على تربية اولاده وبناته التربية الحسنة .
وغالبا ما تقوم الام بمتابعة بنات الاقارب أو بنات الجيران وهن يكبرن أمامها لتختار زوجا لولدها . والبنت التي يجب ان تختارها لابد ان تكون (بنت أوادم .. تناسبنا ، ونناسبها ، مستورة ، معدلي ، شاطرة ، بنت بيت تحسن تدبير الدار ، وتعين زوجها والمهم كما تقول الام ان تعيش معنا طيب لا كل يوم هوسة ، وكل يوم قوغة والناس تتطمش (تنظر ) علينا وتضحك علينا ) .
والأم عندما تختار لولدها بنتا ، تقوم بتبيان محاسنها لابنها وتحاول ان تقنعه بشتى الاساليب فهي تذكر ان ( رقبتها كلبدان ، وعيونها عيون الغزلان ، وفمها خاتم سليمان ، وشفتاها قيطان ، وانفها لوزاية ، وخدودها جنبد ، واسنانها لولو ، وقوامها شطب ريحان، واذا مشت لاتؤلم الارض ، وحياؤها قد جللها من فوق الى تحت ، حسنة الُخلق ، وطيبة الاصل ) .
طبيعي الشاب يحب امه ، ويدرك انها سوف لن تغشه فيوافق وعندئذ تبدأ المراسيم بأن يرسل الاهل الدلالة أو الغسالة لتقول لإهل البنت ان بيت فلان يريدون زيارتكم وهم يفتشون عن بنت لولدهم ، واهل البنت يرحبون بالزيارة ، ويهيأن مستلزمات الزيارة ومنها وضع افضل ما لديهم في غرفة (الخطار ) أي غرفة الاستقبال وعندما تتم الزيارة يرى اهل الولد ان البنت تجلس في غرفتها وهي تشتغل بالخياطة او التطريز وهي بعد ذلك تقوم وعلى استحياء بتقديم الشاي ، ولاتجلس الا بعد ان تأمرها ابنتها بالجلوس .
من الطريف ان اقول ان شيخنا الاستاذ سعيد الديوجي المؤرخ الموصلي الكبير ( رحمة الله عليه ) الف كتابا جميلا نشرته مؤسسة دار الكتب للطباعة والنشر بجامعة الموصل سنة 1975 بعنوان (تقاليد الزواج في الموصل ) وهو من افضل ما كتب عن تقاليد وممارسات الزواج في مدينتنا الحبيبة الموصل ، فهو قد تحدث عن تقاليد الزواج حديث الخبير المطلع وتابع كل المراسيم متابعة دقيقة .
ومن ذلك انه اذا وافق اهل البنت على زواج إبنتهم حددوا يوما لتقديم النيشان وتحديد مقدار ما نسميه نحن في الموصل ( النقدية ) و( النقدية ) هي (الصداق) وكانت ( النقدية ) في الماضي تحدد بعدد الاكياس وفي الكيس الواحد خمس ليرات ذهب عثمانية ، وبعد تكوين الدولة العراقية كانت النقدية تحدد بالدنانير ، واتذكر ان نقدية والدتي ( رحمة الله عليها وهي من من مواليد سنة 1926 ) عند زواجها بوالدي سنة 1944 كانت (50 ) دينارا والدينار كان يساوي ثلاث دولارات ونيف .
والنيشان الذي كان يقدم هو عبارة عن حلي ذهبية تلبسها الشابة العروس فضلا عن خاتم الخطوبة حتى يعرف الناس انها خُطبت .
وهناك ما كان يسميه الموصليون ب(الحمالي ) وهي ما يجب على اهل البنت شراءه من مستلزمات البيت من اثاث ومفروشات ولوازم البيت من (منامات وصندوق توضع بداخله ثياب العروس ) وابريق مع طشت للوضوء وكلبدانات ، ومبخرة وادوات الطبخ ولوازم التجميل وهناك (الخلع ) التي يجب ان يشتريها اهل البنت لتوزع كهدايا على افراد اسرة الزوج ومنهم الاب والام والاخوان والاخوات .
طبعا (الحمالي ) هذه تنقل من بيت الفتاة الى بيت الزوج اما يوم الاثنين او يوم الخميس وهما يومان مباركان ، واهل الزوج يجلبون الحمالين والجمال او العربات المزينة لنقلها من بيت الفتاة الى بيت الزوج ويتقدم موكب الحمالة هذه رجال وشباب وهم يهوسون ويصفقون ويهلهلون ويسكبون ماء الورد على من يلاقونه وتتوقف الحمالة في الطريق من بيت اهل الفتاة الى بيت الزوج عدة مرات ويشهر الرجال الخناجر والسيوف وهم يرددون :
ياجمال الحك بارنا ***شوف الزود مفرع بيها
ومن الغربة يطرد بيها ***ولي عد بيتو كفوا عنه
ياجمال الحك بارنا
لو هلهلت وهلهلنا ***نوك الحمرة نوخنالج
لاترتهجين احنا اعيالج *** كلب الجلاد ارحم منا
ياجمال لحك بارنا
لو هلهلت وهلهلنالج *** دكينا البارود اكبالج
والعفن الما هو من ارجالج ***طلكيه واخذي الزايد منا
يا جمال الحك بارنا
والحك اي الحق او الطريق وبارنا اي دلنا والزود الشجاعة ونوخنالج اي انخنا الجمال ولاترتهجين اي لاتفزعين وعيالج ابناءك ودكينا اي اطلقنا واكبالج اي امامك والعفن الرجل السيئ وطلكيه اي طلقيه وتخلصي منه .
وعندما يصلون الى بيت الزوج يدخلون الحمالة حيث تتجمع النسوة بترتيبها داخل الغرفة التي سيتم فيها الزواج .
طبعا هذا يتم بعد ان يتم عقد القرآن من قبل الملا او القاضي ويسجل في المحكمة وبعد ان يوزع ما يسمى ( العقد ) وهو شكر يوضع في كفافي توزع على الاقارب والمدعوين وللقاضي الذي مسك العقد ودائما يقترن العقد بقراءة اي من القرأن الكريم وبتلاوة الدعاء واشهاد الحاضرين على ذلك .
وقبل الزواج بيوم تكون هناك ليلة الحنة في بيت اهل العروس للنساء وفي بيت اهل العريس للرجال .وفي ليلة الحنة تصدح الحناجر بالاغاني ومنها :
حنه حنه الليلي الحنه ***والعشك من الله والخوف منا
دااطلع والالي بسطوح العلالي *** يا امو تعالي دا نقسم الحنه
ويبقى يوم الزفاف ويأتي اهل العريس ويسمى في الموصل ( الختن ) قبيل العصر ومعهم فرس مجللة بالحرير منقوش لجامها يقودها رجل منهم يحف به عدة رجال مدججون بالسلاح وتتقدم النسوة ليهزجن :
سبع ليالي وليلتين وليلة *** لما وصلنا قصر ابوك العيلي
سبع كفيفي تنقشت وتخطيت *** لما وصلنا قصر ابوك العيلي
وهكذا تنقل العروس الى بيت زوجها ويدخل عليها العريس واول ما يفعله يصلي ركعتين شكرا لله على نعمته ويكشف بعدها ما نسميه في الموصل ( الدواخ ) اي الطرحة ويجلسان : الزوج والزوجة جنبا الى جنب وليلة الدخلة هي ليلة العمر حيث يضع الله المحبة والسكينة لتسود بين الزوجين اللذان يشكلان اسرة جديدة يؤكدان بها على التواصل البشري .
في الصباح اي بعد ليلة الدخلة هناك (الصبحية ) والعريس يقدم هدية لزوجته نقدا او عينا وتقدم الزوجة الى والد الزوج لتقبل يده وتتلقى هديته .
اما الاقارب والجيران فيتوافدون للتهنئة في ما يسمى ( الاربعة أيام ) حيث يدعى اهل العروس والصديقات في هذا اليوم ، ويكون يوما مزدحما بالمدعوات ويستعد اهل العريس لهذا اليوم ، وتقام الولائم وتقدم الحلويات ومنها البقلاوة والشكرلمة والحجي باده ، وتتوالى الزيارات حتى اليوم السابع حيث تدعو ام العروس ابنتها واهل العريس والصديقات الى حمام المحلة للاستحمام وتجلو المغنية او الغسالة العروس وسط الهلاهل والاغاني وهكذا تنتهي مراسيم الزواج .
في يومنا هذا لم تعد هناك نقدية ، والزوج هو الذي يؤثث وليس هناك حمالي، ولاهوسات امام الحمالي والشاب كثيرا هو ما يختار عروسه وغالبا ما لايتدخل الاب او تتدخل الام في اختيارات ولدها ولا حتى ابنتها فالشاب والشابة يلتقيان في الجامعة او في المحلة أو الدائرة ، ويتفقان ويرسل الولد اهله للخطبة وتتم الموافقة ويؤثث الزوج البيت والعقد اي عقد القرآن يتم عند القاضي في المحكمة والزواج يتم في احدى قاعات المناسبات العامة وهي كثيرة في المدينة واصدقاء الشاب العريس يرقصن على أنغام ( الدي جي ) واحيانا ترقص العروس مع عريسها ، ويتناول الضيوف عشاءهم على حساب العريس او والده في احد المطاعم وتتم الزفة بالسيارات لكن مما لايزال الشباب في الموصل متمسكين به هو الاهزوجة التي يتم من خلالها ادخال العريس على عروسه وهي : ( بردحاق صاق ناصي ..هيه.. على راس بيت فلان وما يتبعم على عيني وراسي) .. وبردحاق : كلمة تركية مردحاق والاهزوجة ترجمة لشعر تركي عثماني يقول (ان الحق قد بان وظهر فإفرحوا ايها الناس ) .
____________________________
*صورة لزواج بيت داؤد قندلا في الموصل التقطت سنة 1898 وهي للفنان الفوتوغرافي الرائد نعوم الصائغ من اوائل من ادخل التصوير الفوتوغرافي الى الموصل
*27 شباط 2019 مجلةالف باء https://www.facebook.com/.../a.46422.../2583608934999386/...

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق