الثلاثاء، 5 ديسمبر 2023

قاصدي مرباح 1938- 1993 مدير جهاز المخابرات ورئيس الوزراء الجزائري

قاصدي مرباح في عدد من الصور التي تؤرخ لمحطات من حياته  


قاصدي مرباح 1938- 1993 مدير جهاز المخابرات ورئيس الوزراء الجزائري
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
من الرجالات الذين كان لهم دورهم في حركة التحرر الجزائرية ، وفي الحياة السياسية الجزائرية المعاصرة . رجل وطني خدم بلده قبل الاستقلال وبعد الاستقلال ، اغتيل يوم 21 من شهر آب –أغسطس سنة 1993 في ظروف غامضة مع ولده ، وشقيقه ، وسائقه ومرافقه في منطقة برج البحري شرق العاصمة الجزائرية الجزائر . وقد ترك اغتياله صدى كبيرا في الجزائر اغتيل وعمره اذ ذاك لم يزد على ال (55) سنة .
وبشأن التحاقه بالثورة ، وبجهة التحرير الوطني الجزائرية يمكننا الإشارة الى ماورد في احد المصادر التي اعتمدتها لكتابة هذا المقال انه و " بعد مسار دراسي غير مكتمل، بسبب التمييز الاستعماري تجاه الجزائريين، واندماجه في (حركة الطلاب الجزائريين المناصرين لجبهة التحرير الوطني) ، اتجه الطالب قاصدي مرباح للعمل السياسي، إذ كان لإضراب الطلبة الجزائريين المنتظم في 19 أيار – مايو سنة 1956، وقع خاص في نفسية مرباح الشاب، حيث عجّل ذلك، بالتحاقه بجيش التحرير الوطني الجزائري وبرفقة عدد من زملاءه كما سنرى " .
اسمه الحقيقي خالف عبد الله ، لكن قاصدي مرباح هو اسمه الحركي يوم كان يناضل ضمن جبهة التحرير الوطني الجزائرية ، وكان مع الرئيس هواري بو مدين المناضل الجزائري السابق ورئيس الجمهورية لهذا اختاره ليكون رئيسا لجهاز المخابرات .كما اختاره الرئيس الجزائري السابق الشاذلي بن جديد وكانت بينهما علاقة وثيقة ليكون رئيسا للوزراء الى نهاية سنة 1979 .
وثمة اعمال كثيرة ، قام بها حين كان رئيسا للمخابرات منها ما يتعلق بالمحافظة على هيبة بلاده خلال الحرب الباردة ، والصراع بين الكتلتين الرأسمالية والاشتراكية ، ومنها ما يتعلق بإدارة محطات مخابراتية جزائرية في العاصمة اللبنانية بيروت ، ومنها ما يتعلق بتدريب عناصر البوليساريو في الصحراء الغربية .
الجميع ممن تناول تاريخ الجزائر المعاصر، يشيرون الى ان قاصدي مرباح كان رجلا وطنيا مناضلا التحق بالثورة الجزائرية سنة 1957 ، وكان عمره آنذاك (19) سنة . وتذكر المصادر المتداولة ، انه كان من أوائل الذين اسسوا جهاز المخابرات الجزائرية ، وحتى من قبل تحقيق الاستقلال .. كان هو ، وبضعة شباب قد اختيروا ليكونوا نواة للجهاز سنة 1957 . وقد حصل هو ، وعدد من الشباب قيل ان عددهم كان (70) شابا على تدريب حرفي ، ولمدة ستة اشهر . وكان هؤلاء بقيادة عبد الحفيظ بوصوف 1926-1980 .
يقول أستاذ التاريخ الحديث بجامعة الجزائر الدكتور حسن مهدي ، ان قاصدي مرباح وبالرغم من صغر سنه ، أوكل له عبد الحفيظ بوصوف ، مهمة قيادة (مصلحة الاستخبارات لهيئة أركان جبهة التحرير الوطني) ، "لما رأى فيه من حس عسكري عال" .واضاف ان تميزه هذا ، جعل منه قائدا رغم صغر سنه، بالنظر للمسؤوليات التي أوكلت إليه، وأعتقد – والكلام يعود للدكتور حسن مهدي - أن هذه المرحلة أهلته لقيادة جهاز المخابرات بمجرد استقلال الجزائر.
حقيقة ، كانت المهمة آنذاك أمنية بحتة ، وبعد تخرجهم أي تحرج اولئك الطلبة ال (70) تم توزيعهم على مناطق مختلفة من الجزائر وقد تم اختيار الشاب قاصدي مرباح ، وكان متميزا من بين زملاءه ، ليلتحق بجهاز استخباري جزائري فتي لهذا يعد من مؤسسي هذا الجهاز التابع لما سمي ب(وزارة التسليح والاتصالات العامة) .
هذه كانت الخطوات الأولى في عمله النضالي ضمن جبهة التحرير وقبل الاستقلال واتضحت مهمة هذا الجهاز حين تولى قاصدي مرباح في تشرين الأول – أكتوبر سنة 1960 قيادة مصلحة الاستخبارات في هيئة أركان جيش التحرير الوطني .
بعد الاستقلال تولى قاصدي مرباح رئاسة المخابرات من تشرين الاول 1962 الى 5 ايار –مايو سنة 1975 .. وقد شارك في تثبيت نظام الرئيس الجزائري هواري بومدين وقيل في وقتها كما جاء في الفيديو التالي ورابطه : https://www.facebook.com/watch/?v=564312911428437 انه " رجل هواري بومدين القوي . وبعد مجيء الشاذلي بن جديد خسر نفوذه " . وفي سنة 1979 عين امينا عاما لوزارة الدفاع ، ثم تقلد مناصب وزارية كما سبق ان قدمنا وبعد احداث تشرين الاول – اكتوبر سنة 1988 عين رئيسا للحكومة واقيل بعد سنة واحدة " .
عُرف عن قاصدي مرباح ، ذكاءه ، وقوة حسه الامني، والتزامه بمبادئ الثورة الجزائرية . وكان من نتائج عمله ان جعل جهاز المخابرات الجزائرية متميزا بعمله ومواقفه واستمر الامر على هذا المنوال حتى الخامس من ايار – مايو سنة 1979 ، حين تم تعيينه امينا عاما لوزارة الدفاع الوطني وفي عهد الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد .
ورد في مقال نشره موقع (اصوات مغربية) والذي اشرت اليه من قبل مايلي :" بعد استقلال الجزائر سنة 1962، عين قاصدي مرباح على رأس جهاز المخابرات الجزائري، والذي كان يعرف آنذاك بالأمن العسكري (S.M)، بالموازاة مع تولي أحمد بن بلة رئاسة الجزائر، وهواري بومدين قيادة أركان الجيش ووزارة الدفاع الوطني " . ومعنى هذا الكلام ان القادة الثلاثة احمد بن بلة ، وهواري بومدين ، وقاصدي مرباح كانوا يتمتعون بصفات قيادية أهلتهم ليكونوا في الصف الأول من قادة الجزائر في الفترة المبكرة من فترات الاستقلال الجزائري .
ثمة مسألة سبق ان اشرت اليها ، وهي ان قاصدي مرباح ، كان من أشد المقربين من هواري بومدين، ومؤيديه خلال انقلاب سنة 1965 على الرئيس بن بلة، وهو سر تمسك بومدين بقاصدي مرباح، وإبقائه على رأس جهاز الأمن العسكري حتى سنة 1979، حيث استبعد بُعيد وفاة بومدين إثر مرض مفاجئ، رغم دعمه لفكرة تولي الشاذلي بن جديد، رئاسة الجمهورية خلفا لبومدين.
وفي موقع (أصوات مغربية) أيضا ، ما يشير الى حقائق مهمة تحدثت عنها في هذا المقال ومنها : " ان الدكتور حسن مهدي استاذ التاريخ الحديث في جامعة الجزائر يلفت النظر الى أن إبعاد قاصدي مرباح من الساحة بعد وفاة الرئيس هواري بومدين، لم يكن بالأمر السهل، إذ تم إبعاده تدريجيا من الحزب، ثم من وزارة الدفاع التي كان يشغل بها منصب أمين عام الوزارة . ويضيف الدكتور حسن مهدي الى تحليلاته تلك قوله ان تعيينه من طرف الرئيس الشاذلي بن جديد ، نائبا لوزير الدفاع، مكلفا بالخدمات اللوجستية والصناعات العسكرية، ثم إبعاده مجددا، دليل على نية الرئيس إبقائه قريبا منه، رغم اعتراض العسكريين على الفكرة" ويقول :"بدأت قوة الرجل تتراجع، وظل قويا بالأسرار التي يحملها فقط".
لقد كان بقاؤه في مناصب تشريفية في وزارة الدفاع، ، وحزب جبهة التحرير الوطني خلال فترة الثمانينيات من القرن الماضي ، لم يطفئ شعلته الأولى، خصوصا وأنه كان محط ثقة الرئيس الشاذلي بن جديد، الذي عينه وزيرا لعدة قطاعات، كالصناعات الثقيلة، ثم الزراعة والصيد البحري.وبعد احداث الخامس من أكتوبر – تشرين الأول سنة 1988 التي شهدت احتجاجات شعبية عارمة في الجزائر، ثم انفتاح الجزائر الاضطراري على فكرة التعددية الحزبية، عين الرئيس الشاذلي بن جديد، قاصدي مرباح على رأس الحكومة الجزائرية، وأوكلت للرجل مهمة إصلاح النظام السياسي الجزائري، لكنه أقيل من منصبه في أقل من سنة، وهو ما يفسره أستاذ العلاقات الدولية، الدكتور بلقاسمي عثمان، بـ"سوء تفاهم" مع محيط الرئيس الشاذلي بن جديد. وفي حديث لـ موقع "أصوات مغاربية" الالكتروني وقد اشرت الى رابطه وهو التالي : مغاربيةhttps://www.maghrebvoices.com/2018/04/09/%D9%82%D8%A7%D8%B5%D8%AF%D9%8A-
، كشف المتحدث عن حقيقة مهمة وهي :" أن قاصدي مرباح، أقيل بسبب جرأة الإصلاحات التي اقترحها، والتي مست كيان السلطة ككل" .
أسس قاصدي مرباح حزبا سياسيا ذا بعد وطني ديمقراطي سنة 1991، تحت اسم " الحركة الجزائرية من أجل العدالة والتنمية (مجد)، " مستفيدا من الانفتاح بإتجاه التعددية السياسية التي اتاحها دستور سنة 1989 ليجسد به أفكاره، ويثبت براعته السياسية" على حد وصف عثمان بلقاسمي.
تسلم في عهد الشاذلي بن جديد ، مواقع جديدة منها منصب وزير الصناعات الثقيلة وبعدها وزير الزراعة (الفلاحة كما تسمى في الجزائر) ومن ثم وزير الصحة ثم كلف برئاسة الحكومة الجزائرية للمدة من 5 تشرين الثاني – نوفمبر سنة 1988 وحتى 9 ايلول – سبتمبر سنة 1989 .
ومما خلق الاعداء لقاصدي مرباح انه كان يعمل في الامن والمخابرات ، وكان وطنيا ملتزما صارما حازما في تعاملته مع مرؤوسيه ، ولربما كانت مشاركته في انقلاب هواري بومدين على الرئيس الجزائري احمد بن بله في 19 حزيران – يونيو سنة 1965 هي السبب في اغتياله .
في موقع (أصوات مغربية) مقالة تشير الى حادث الاغتيال وجاء فيها : " ان سنة 1991، شهدت تصاعد التوتر بين السلطة ممثلة في الجيش، وحزب الجبهة الاسلامية للإنقاذ، خصوصا بعد اغتيال الرئيس محمد بوضياف، وتولي المجلس الأعلى للدولة مهمة قيادة الجزائر. وقد انتهى الوضع المتوتر إلى إيقاف المسار الانتخابي، إثر فوز جبهة الإنقاذ الاسلامية بالجولة الأولى من انتخابات 1992. ولم يبق قاصدي مرباح مكتوف الأيدي، إذ حاول جهده تضميد الجراح، ولمّ شمل المعارضة، لتنظيم حركة مواطنة موحدة"، بحسب بلقاسمي عثمان، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الجزائر . وقد كان الهدف من "سفره إلى سويسرا قبل اغتياله، لم شمل المعارضة للتدخل بوساطة بين مختلف أطيافها، بهدف الوقوف في وجه مخاطر انهيار أركان الدولة" .
وبعد عودته من سويسرا، قام مرباح باتصالات مع عدد من الفاعلين السياسيين، بهدف إيجاد مخرج للأزمة التي كانت تعيشها الجزائر، إلا أن "قدره المحتوم كان في انتظاره، ليضع حدا لمحاولاته الحفاظ على الجزائر وحقن دماء أبنائها" يؤكد بلقاسمي.
وفي الــ 21 من شهر آب - أغسطس 1993، اغتيل قاصدي مرباح من طرف مجهولين، في خضم أحداث العنف التي عرفتها الجزائر آنذاك.
واتهمت السلطة المتطرفين باغتياله، إلا أن اسرته ترفض هذا الطرح، مؤكدة أن مرباح تعرض لإغتيال سياسي، وهو ما لم يتأكد لغاية اليوم.
كان الجميع يعرف ان قاصدي مرباح كان يجمع بيده كثيرا من اجهزة الامن والمخابرات ، منها قوات الدرك والامن والشرطة .في سنة 1979 كانت رتبته (عقيد) وخلال انتخابات المكتب السياسي لجبهة التحرير الوطني الجزائري خسر مقعده .
كان قاصدي مرباح من أهلنا ( البربر ) ؛ فهو من مواليد مدينة فاس المغربية، لأسرة أمازيغية، تنحدر من (منطقة آيث لحسن) بأعالي بني ينّي بمنطقة القبائل الكبرى.وقد وردت هذه المعلومة في موقع (أصوات مغربية ) والرابط هو :
وكان يتعاطف معهم ، ويهتم بشؤونهم ، ولغتهم ، وثقافتهم ، وممثليهم حتى انه خطب مرة في تيزي اوزو وسط جمع منهم وتحدث عن موقفه الايجابي من (الجبهة الاسلامية للانقاذ) ، ورغبته في الانفتاح عليهم ومفاوضتهم بهدف عودة البلاد الى الاستقرار . وقيل انه فكر بتأسيس حزب يتنافس مع حزب جبهة التحرير ويبدو ان مثل هذه المواقف عجلت في اغتياله واخراجه من الساحة السياسية الجزائرية المعاصرة.
مما قرأته في احدى صفحات الفيسبوك التي تحمل اسمه والرابط هو :
ان قاصدي مرباح ، هو من حال دون تولي عبد العزيز بوتفليقة رئاسة الجزائر بعد وفاة هواري بو مدين يوم 27 كانون الاول – ديسمبر سنة 1978 ، وجاء ايضا في الموضوع:" في سنة 1963 كان " عبد العزيز بوتفليقة أصغر وزير خارجية في العالم، وبعد وفاة رئيس الجزائر أنداك " هواري بومدين " في 27 كانون الاول - ديسمبر 1978، بدأ حلم بوتفليقة في خلافة بومدين ، لكن هذا الحلم سرعان ما تبخر في الهواء، بعدما أن رفضت المخابرات الجزائرية بقيادة أحد أعظم رجال الأمة الجزائرية " قاصدي مرباح " خلافة بوتفليقة لهواري بومدين. وقام قاصدي مرباح بفتح قضية فساد مالي تتعلق باختلاس بوتفليقة أموال السفارات الجزائرية عبر العالم."
وفي الموقع ذاته قرأت:" كان قاصدي مرباح " قبائلي حر ، محب لوطنه بعربيته و إسلامه و رايته الوحيدة" . وقرأت في الموقع ذاته أيضا ما يلي :"
خلال فترته كرئيس للحكومة، كان قاصدي مرباح ، يريد تطبيق إصلاحات صارمة للغاية. وقد نجح في إقناع الشاذلي بن جديد بالحاجة إلى تغيير جذري في طريقة الحكم واسلوبه وتعاملاته مع المواطنين والقوى السياسية المختلفة وقد نجح قاصدي مرباح في تعديل الدستور ، وبالتالي فتح الطريق أمام نظام تعدد الأحزاب ، وأخرج الجيش من السياسة لأول مرة منذ الاستقلال ، وتمكن من الغاء محكمة امن الدولة " .
أسس قاصدي مرباح في مطلع التسعينات من القرن الماضي تنظيما سياسيا جديدا بإسم : (الحركة الجزائرية من اجل العدالة والتنمية ) والمعروفة اختصارا ( مجد ) . ومما يسجل له انه شجع الحوار بين الأطراف في الجزائر لحل الازمة الأمنية التي تفاقمت آنذاك لكن أحدا لم يصغ اليه .
الان الجزائريون خلدوه بأن اطلقوا اسمه على جامعة مهمة ، وهي (جامعة قاصدي مرباح في ورقلة) . ويوجد احد الاخوان وهو محمود جاسم اللهيبي في جامعة الحمدانية - محافظة نينوى يكتب عنه رسالة ماجستير بإشراف الاخ الاستاذ الدكتور محمد حمزة الدليمي بعنوان ( قاصدي مرباح ودوره في الحياة السياسية الجزائرية )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق