السبت، 17 يونيو 2023

الشاعرة العراقية الكبيرة لميعة عباس عمارة في ذكرى رحيلها





الشاعرة العراقية الكبيرة لميعة عباس عمارة في ذكرى رحيلها

-ابراهيم العلاف
لميعة عباس عمارة ، شاعرة عراقية فذة . وهي احدى ركائز التجديد والتنوير في شعرنا العراقي المعاصر . في يوم الجمعة 18 من تموز -يونيو سنة 2021 رحلت ، حيث تعيش جنوب كاليفورنيا بالولايات المتحدة الامريكية ، وتركت وراءها إرثا شعريا وثقافيا ثرا يعتد به . وكم هو جميل ان نخصص يوما في العراق والوطن العربي للاحتفاء بلميعة عباس عمارة واستذكار سيرتها وشعرها ومواقفها وعلاقاتها الاجتماعية .انا اقترح على دار الشؤون الثقافية العامة وعلى الاخ الدكتور عارف الساعدي ان نحتفي بها في يوم رحيلها وحتى تتذكرها الاجيال ، وتعرف مكانتها الكبيرة في الساحة الثقافية العراقية والعربية .
شاعرة عراقية صابئية .. فوالدها زهرون عمارة ، صائغ ذهب وفضة معروف ،
وهي قريبة شاعر القرنين المرحوم الاستاذ عبد الرزاق عبد الواحد فهو ابن خالها . ولدينا الكثير مما يمكننا ان نكتبه عنها ، ونحتاج الى مجلدات ، ووقت طويل ولكن ما لايدرك كله لايترك جله ؛ فالشاعرة الكبيرة لميعة عباس عمارة من مواليد بغداد سنة 1929 ، وهي بالاصل من مدينة العمارة مركز محافظة ميسان توفيت سنة 2021 اي ان عمرها حين توفيت كان (94) سنة وهي (درمعية) اي من خريجات دار المعلمين العالية في بغداد 1950 المؤسسة منذ سنة 1923 ، وهي من اقدم المؤسسات التعليمية العالية في بغداد وكلية التربية -ابن رشد هي من ورثتها . وكانت الشاعرة لميعة عباس عمارة ، كما يقول الاستاذ حميد المطبعي في (موسوعة اعلام وعلماء العراق) ، تتنقل بين بغداد والعمارة بحكم دراستها وقد مارست التدريس في دار المعلمات الابتدائية .. وعندما كانت تلميذة في المدرسة الابتدائية توفي والدها فتيتمت ، وانعكس هذا على قصائدها ورؤاها الشعرية.كانت زميلة دراسة مع الشاعر العظيم بدر شاكر السياب وقد رافقت مسيرته الشعرية وكتبت الشعر وهي شابة في مقتبل عمرها ونشرت جانبا من قصائدها الوطنية في الصحف وتأثرت بالاجواء السياسية التي سادت العراق في العهد الملكي خلال الخمسينات وكانت يسارية الهوى وهم أي الجماعات اليسارية ، وطبعا الحزب الشيوعي العراقي في المقدمة ، من اخذوا بيدها وفتحوا لها ابواب الشهرة كشاعرة وطنية تقدمية يسارية تنويرية ، فأحبها الناس ، وتأثروا بشعرها خاصة وانها كانت تمتلك ملكة في الالقاء بارعة .
للشاعرة لميعة عباس عمارة حضور شعري عراقي وعربي وعالمي ، وكانت لها علاقات ثقافية مع عدد من رموز الشعر العربي امثال شاعر المرأة نزار قباني ومن مؤلفاتها الشعرية : ( الزاوية الخالية) 1959 و( عودة الربيع) 1962 و( اغاني عشتار) 1969 و(عراقية) 1971 و(يسمونه الحب) 1972 و(لو انبأني العراف) 1980 و(البعد الاخير) 1988 .
من الطريف ان رائدة النهضة النسوية في العراق المحامية والقاضية الاستاذة صبيحة الشيخ داؤد كتبت عنها وقالت :" وللشاعرة لميعة نثر قوي العبارة ، متين الفكرة ، لايقل في السمو والبلاغة عن شعرها " .كما كتب عنها الشاعر العراقي الكبير بلند الحيدري وآخرون وكانت لها مطارحات مع الشاعر المهجري ايليا ابو ماضي وعنده في جريدته (المسير) التي كانت تصدر في نيويورك ، نشرت اولى قصائدها سنة 1944 حتى انه امتدحها وبشر بمولدها شاعرة عظيمة ، وهي بالمناسبة احدى مٌؤسسات الاتحادالعام للادباء وعضوة فيه .
الشاعرة لميعة عباس عمارة ، شاعرة مجيدة اتسم شعرها بالرومانسية ، والجرأة ، والقوة والوطنية . وهي تمثل محطة مهمة من محطات الشعر الحديث في العراق لايمكن لمؤرخ الادب العراقي الحديث اغفال ماقدمته ابدا . ولقب عمارة جاء من انتسابها لمدينة العمارة .
في 2 كانون الثاني سنة 1963 كتب بدر شاكر السياب رسالة اليها من لندن ويقال انه كان يحبها منذ ايام دار المعلمين العالية ، حتى انه ذكرها بقوله :"أحبيني لانّ جميع من أحببت قبلك ما احبوني"،يقول فيها :" ذكرتك يا لميعة والدجى ثلج وأمطار, ولندن نام فيها الليل, مات تنفس النور. رأيت شبيهة لكِ شعرها ظلم ، وانهار وعيناها كينبوعين في غاب من الحور مريضا كنت تثقل كاهلي والظهر أحجار.
احن لريف جيكور, واحلم بالعراق: وراء باب سدت الظلماء, باب منه ، والبحر المزمجر قام كالكسور على دربي, وفي قلبي وساوس مظلمات غابت الاشياء وراء حجابهن ، وجف فيها منبع النور. ذكرت الطلعة السمراء,
ذكرت يديك ترتجفان من فرق ، ومن برد تنز به صحاري للفراق تسوطها الأنواء. ذكرت شحوب وجهك حين زمر بوق سيارة ليؤذن بالوداع. ذكرت لذع الدمع في خدي ورعشة خافقي وأنني روحي يملأ الحارة بأصداء المقابر. والدجى ثلج وأمطار " .
كان صوت لميعة عباس عمارة ، ينبض بالحياة والحب والانسانية .كان رقيقا مؤثرا وكانت تتميز بعلاقات انسانية واسعة رحمها الله وطيب ثراها وجزاها خيرا على ماقدمت لوطنها وامتها وللانسانية . وفي الموقع التالي https://www.alqasidah.com/poet.php?poet=lme3a33 عدد من قصائدها ومنها هذه القصيدة وعنوانها : (الجسر المعلق ) قالتها سنة 1977وفيها :
لمها الرصافةُ في الهوى سِفْر ُ
لعيونها يتفجر الشعر
سَهِرَ الضياء على شواطئها
وصحا على لألأئه النهرُ
واثارت النيران رعشته
فتعلقته طيوفها الحُمر ُ
تكبو السَموم فما تقاربها
وتزورها الانسام والقَطْر ُ
وابو نؤاس سامرٌ جذلُ
في كأسه تتألق الخمر
يومي لأهل الكرخ في مرح
ما تؤجرون به هو السُكر ُ
دار النخيل الكرخ اطيبه
فعلام طبع نزيله مُرُ ؟
ولمَ الرُصافة في تأنقها
بالكرخ ليس لاهلها ذِكر
ياثقل كرخي نُجاذبه
لطف الهوى ووصاله نزر
متردن بالزهو أعجبه
إن الاحبة حوله كثر
يدنو ، فتحسبُ انتَ لامسهُ
ويغيبُ ليس لليله فجر ،
ويقول مشتاق وفي غده
يتمازجان الشوقُ والهجر ُ
ونريده ونُلح نطلبه
فيجيئنا من صوبه عُذر ُ
ويظل هذا الجسر يفصلنا
وكأن دجلة تحته بحرُ
خُلقت جسور الكون مُوصلةً
إلا المُعلقُ أمره أمرُ
وهذه قصيدتها التي اهدتها الى الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش وعنوانها : (الى محمود درويش) تقول فيها :
أرحْ يا حبيبي نظارتيكَ قليلا
لأمعن فيك النظرْ
فما لونُ عينيكَ؟
هل للغروب تميلان
أم لإخضرار الشجر ْ
احبهما لتعرّى النجومُ
بغير سحاب أُريدُ القمرْ
ووالله من أجل عينيكَ محمود
اصبحتُ أعشق قصر البصرْ


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الدكتور فتحي عباس الجبوري والبعد اللبناني في المدرسة التاريخية العراقية المعاصرة

  الدكتور فتحي عباس الجبوري والبعد اللبناني في المدرسة التاريخية العراقية المعاصرة ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - ج...