الأحد، 13 أبريل 2014

سامي مهدي.. في يحدث دائما بقلم :ا.د. سعيد عدنان


سامي مهدي.. في يحدث دائما

بقلم :ا.د. سعيد عدنان
http://www.alaalem.com/index.php?aa=news&id22=16821

ما تزال تجربة الشاعر سامي مهدي حيّة، ثريّة، متدفقة في حوار لا ينقطع مع الواقع، وقد اتخذت في محاورتها تلك مناح شتى؛ تبدأ من رصد الظواهر وما يبدو  عيانا لتنتقل إلى ما ينتظمها من فكر، وكأنّ الأحداث شواهد على اطّراد ما يكمن وراءها. ذلك أنّه شاعر للفكر مكانة في شعره لا تتخلف عن تدفق العاطفة، بل إنّ من أوضح مزاياه: أنّ الفكر والعاطفة يسيران معا على نحو منسجم، وكلّ يضيء صاحبه.

تجربته تجربة شعر يذوب فيه الفكر، وكل ديوان من دواوينه يقوم على فكرة أصيلة عنده قد عاناها حتّى اتضحت له معالمها في شواهد حسّية. ولك أن تجد مصداق ذلك في (الزوال) و (أوراق الزوال) و (الخطأ الأول) و (مدونات هابيل بن هابيل) وفي غيرها، كما تجده في آخر دواوينه: (يحدث دائما).

ولعلّ مما ينطوي عليه عنوانه: أن ما حدث هو مما يحدث دائما على وفق شرائط هذا الوجود وسننه؛ ويبقى للمرء أن يتأمّل، وأن يربط بين الجزئي والكلّي لتتضح له الرؤية، ويتسق الفهم.

يقول في أولى قصائد الديوان: (شروط اللعبة) هذا أنا، بدمي ولحمي،

متّ ثمّ بعثت،

ليست هذه الأولى

ولا هي بالأخيرة،

هكذا هو ما أحسّ:

أموت كي أحيا

وأحيا كي أموت،

يقول ذلك وكأنّه يصور مبدأ من مبادئ الوجود الملتبس الذي كلّما أبدى شيئا ضن بأشياء؛ غير أن الفكرة ذائبة في ما يصورها من عناصر بارعةِ الدلالة عليها:

فدورة هي في سهوب الكون

بين رياضتين:

ولادتين/ جنازتين على أن الأمر ليس من التأمّل العقلي وحده، بل هو مما يتصل بأعمق ما لدى الإنسان إذ يرى عوامل التحوّل تعتري كلّ شيء، وتعبث به:

ربما هي لعبة عبثيّة يلهو بها غيري

ليفسد رغبة الجلاد في قتلي،

ولكنّي سألعبها بكلّ شروطها

فأموت كي أحيا

وأحيا كي أموت.

ولا شكّ في أنّها لعبة مما يحدث دائما، غير أنّ تكرارها لا يبليها، ولا يوهي ما بينها وبين اللاعبين!

وما يقع في الوجود عامة يقع بنحو ما في المجتمع وكيانه، وكأنّه قانون مطّرد. يقول في قصيدة: (يحدث دائما)

دائما،

كان ثمة من يفتح الباب للغرباء

دائما،

كان ثمة في الحرس الموكلين بها

خاملون ينامون أو بلهاء

...

دائما،

كان في القصر من يتملّق أو يفتري

أو يخون من الأمراء

دائما

تسقط المدن المطمئنّة

حين تسفّه أبناءها الحكماء

دائما،

يتساءل، بعد السقوط، الملوك:

هل اقترفوا خطأ عاقبتهم عليه السماء.

وإذا كانت القصيدة تنطلق من واقعة بعينها فإنّها لا تريد لتلك الواقعة أن تخرج عمّا تندرج فيه من سنن تنتظمها مع نظائرها، بل إنّها لا تفهم إلّا في سياق ما يحدث دائما.

ولا تخفى مهارة الشاعر في الرؤية الواضحة المتئدة، وفي حسن التقاط ما يدل على ما يريد حتّى اكتملت عناصر الصورة.

ولا تخفى مهارته في إشاعة نغمة هادئة بعيدة عن الجلبة انتظمت القصيدة كلّها، وجعلتها أقدر على النفاذ إلى قارئها.

وقد يجعل من المتداول شعرا لأنّه ممّا يحدث دائما أيضا، كما في قصيدة: (فن الممكن)

إفراط في الكذب الناعم والتدليس

إفراط في حكمة إبليس

إفراط في القوة

والموت

وتأسيس الأحكام

ونقض التأسيس

إفراط يا أخوة يوسف

والذئب شريك الساسة

في الشرك

وفي الإفك

وفنّ التلبيس

وإذا كان الشعر في صميمه لغة فإنّ لغة (يحدث دائما) ثريّة على اقتصادها، جارية على سنن العربية برغم جدتها، مشرقة البيان مع ايحائها، قد أعادت للشعر بهاءه.
*مجلة العالم الالكترونية والرابط :
http://www.alaalem.com/index.php?aa=news&id22=16821

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ويومكم مبارك ورمضانكم كريم

  ويومكم مبارك ورمضانكم كريم ونعود لنتواصل مع اليوم الجديد ............الجمعة 29-3-2024 ............جمعتكم مباركة واهلا بالاحبة والصورة من د...