سياسة حزب العدالة والتنمية
حول القضية الكردية ونشاطات حزب العمال الكردستاني
د. أرطان أفاغل
أستاذ مساعد في قسم العلاقات الدولية
جامعة بليكنت
ترجمة
د. لقمان عمر محمود النعيمي
مدرس/ مركز الدراسات الإقليمية
جامعة الموصل
سياسات حزب العدالة والتنمية حول
سياسة حزب العدالة والتنمية
حول القضية الكردية ونشاطات حزب العمال الكردستاني *
ملخص البحث:
بخلاف الحكومات التركية السابقة، رأت حكومة حزب العدالة والتنمية أن نشاطات حزب العمال الكردستاني، والقضية الكردية والتطورات في شمال العراق بوصفها قضايا مترابطة، ولهذا السبب اتبعت سياسات شاملة تغطي جميع هذه القضايا. وقد دعمت سياسة تركيا هذه من قبل الولايات المتحدة والعراق والدول في المنطقة والقوى العظمى. وعلى اية حال، بعض القضايا، مثل منح حقوق ثقافية أكثر للاكراد، أدت إلى ظهور نقاش بين السياسيين والنخبة في تركيا. من جانب آخر، سبب اشتراك الاستخبارات تحسناً في العلاقات التركية-الأمريكية. في هذه الاثناء، من المحتمل جداً أن تكون للإدارة الإقليمية الكردية وتركيا علاقات وثيقة جداً. وعلى أية حال، فإن تصريحات البارزاني قد منعت حزب العدالة والتنمية من الاعتراف بهذه الحكومة الاقليمية بوصفها دولة فيدرالية داخل العراق.
Abstract
Unlike the previous Turkish governments, the AK Party government has seen the PKK terrorism, Kurdish issue and the developments in the Northern Iraq as interconnected matters and for that reason it has pursued comprehensive policy covering all these issues. Thanks to these policies, the United States, Iraq, the countries in the region and the great powers have supported Turkey’s policy. However, some matters, such as giving more cultural rights to the Kurds, led to the emergence of a debate among the politicians and the elite in Turkey. On the other hand, sharing the operative intelligence caused an improvement in the Turco – American relations. In the meantime, it is highly possible that the Kurdish regional administration and Turkey will have close relations. However, Barzani’s statements have prevented AK Party to recognize this regional administration as a federative state within Iraq.
مدخل:
إن المسألة الكردية في تركيا موجودة في واقع الأمر منذ عام 1923. وعلى الرغم من أن كلا من الأتراك والأكراد قاتلوا سوياً ضد القوات المحتلة أثناء حرب الاستقلال في تركيا، فإن بعض ثورات الأكراد، مثل [ثورة] شيخ سعيد عام 1925، وأحداث درسيم عام 1938، قد وجدت منذ تأسيس تركيا. وبعد أن بدأ حزب العمال الكردستاني استخدام العنف ضد كلا من الأشخاص المدنيين والعسكريين في عام 1984 لتشكيل دولة كردية مستقلة، بدأ الحزب ليكون منظماً كحركة (إرهابية)، باختيار العنف وسيلة له. في السنوات الأولى من رئاسته للوزراء، لم يأخذ توركوت أوزال هجمات حزب العمال الكردستاني بصورة جدية. علاوة على ذلك فقد وصف [عناصر] حزب العمال الكردستاني (الإرهابيين) بوصفهم saccers. وعلى أية حال، فإن حزب العمال الكردستاني زاد من قدرته لتنفيذ أعمال (إرهابية) بواسطة تدريب [عناصر] حزب العمال الكردستاني الارهابيين من قبل المجموعات الفلسطينية في مخيم البقاع تحت سيطرة سوريا. ولذلك، أصبح حزب العمال الكردستاني عاملاً مؤثراً في تهديد وحدة واستقلال تركيا منذ ذلك الحين، بدعم من جيران تركيا مثل سوريا واليونان.
بعد أن نفذ حزب العمال الكردستاني أعمالاً (إرهابية) كبيرة، بدأ المسؤولون الأتراك يأخذونها بنظر الاعتبار بصورة جدية. ولذلك، فإنهم مازالوا يجدون الخيار العسكري بوصفه إجراءً مقبولاً عندما يقاتلون ضد (إرهاب) حزب العمال الكردستاني. ولهذا السبب، أصبحت رئاسة الأركان الممثل الوحيد الحاسم الذي يدافع عن استراتيجية تركيا ضد (الإرهاب). وعلى الرغم من حقيقة أن تركيا تستخدم في بعض الأحيان بعض الاجراءات القانونية، مثل قانون العفو، لتشجيع مقاتلي حزب العمال الكردستاني للعودة إلى ديارهم، ضمن إطار السياسة ضد الإرهاب، فإن تركيا تجنبت تنفيذ سياسة شاملة ومكتملة ضد الإرهاب حتى عام 2007 في الواقع.
على أية حال، احتل النظام العراقي السابق الكويت أولاً ثم ضمها مباشرةً قبل انهيار الاتحاد السوفيتي السابق. وبتشكيل قوات التحالف تحت قيادة الولايات المتحدة، أجبرت القوات العراقية على الانسحاب من الكويت. وترتب على ذلك جملة من التداعيات أدت إلى تبني مجلس الأمن الدولي قراره بتشكيل ملاذات آمنة في شمال العراق للأكراد. وبهذه الطريقة، أصبحت كلتا القضيتين الكردية و(إرهاب) حزب العمال الكردستاني قضيتين دوليتين مهمتين.
بعد ذلك حدث تطوران مهمان. الأول، خلق أرضية مناسبة لتأسيس دولة (أو على الأقل فيدرالية) كردية بمساعدة الادارات الأمريكية. والثاني، إجبار مقاتلي حزب العمال الكردستاني على مغادرة مخيم البقاع كنتيجة لتهديدات هيئة الأركان التركية؛ ولذلك، شكلوا مخيماتهم الجديدة في شمال العراق بسبب ظهور فراغ في القوة في تلك المنطقة. ومنذ عام 1996، وفرت الولايات المتحدة مساعدة للأكراد العراقيين ليتمكنوا من إكمال عملية إنشاء دولتهم. في هذه الأثناء، شكل عناصر حزب العمال الكردستاني بعض المخيمات لهم، بضمنها احدها على جبال قنديل. وبمساعدة هذه المخيمات، شنوا هجماتهم ضد الأشخاص المدنيين والعسكريين في تركيا.
استمر هذا الوضع حتى عام 2007. وبعد هجمات حزب العمال الكردستاني في عام 2007، بدأ صناع السياسة التركية بمناقشة جدية للخيار العسكري لتدمير تسهيلات حزب العمال الكردستاني ووضع حد لعملية تأسيس دولة كردية مستقلة. وعلى أية حال، وبسبب انتخابات الرئاسة والانتخابات العامة عام 2007، لم ترغب الحكومة التركية باستخدام الخيار العسكري على الرغم من مقترحات الأحزاب المعارضة، والجهات العسكرية وبعض الدبلوماسيين. ولكن مجموعات حزب العمال الكردستاني نظموا هجماته تجاه مواقع الجنود الأتراك مباشرة بعد الانتخابات. ثم بدأ صناع السياسة التركية بمناقشة جدية لمقترح الخيار العسكري مرة أخرى. في ذلك الوقت، هيئة الأركان، والدبلوماسيين، والحكومة التركية والرأي العام التركي خصص الأسلوب نفسه من التعامل مع هذه الهجمات. وعبروا بصورة مشتركة بأن تركيا تستطيع استخدام الخيار العسكري على الرغم من معارضة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والحكومة العراقية والأكراد العراقيين. على عكس تصريحاتهم السابقة، خصوصاً الحكومة التركية والمسؤولون العسكريون فضلوا اللجوء إلى الاجراءات الدبلوماسية لخلق جو مناسب للعمليات العسكرية وإجبار الفاعلين الآخرين، خصوصاً الولايات المتحدة، للتصرف وفق مخاوف تركيا. وبعد محادثات ومساومات طويلة، توصل الإطراف إلى نقطة مشتركة.
في هذه الدراسة، سوف يتم تحليل سياسة حزب العدالة والتنمية في هذه العملية للفترة من هجمات حزب العمال الكردستاني في هكاري إلى بداية العمليات العسكرية ضد معسكرات الحزب في شمال العراق وردود أفعال هذه السياسة. وتفترض الدراسة بأن حكومة حزب العدالة والتنمية قد اتبعت سياسة مختلفة عن [سياسات] الحكومات التركية السابقة فيما يخص قضايا (إرهاب) حزب العمال الكردستاني، والقضية الكردية والمسألة العراقية وبأن سياسة حزب العدالة والتنمية تهدف إلى تنفيذ إجراءات سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية وثقافية لإيجاد السلام والحل النهائي لهذه القضايا بافتراض أن هذه القضايا مترابطة.
النظرة الجديدة لحزب العدالة والتنمية
ركزت سياسة الحكومات التركية تجاه شمال العراق على قضية حزب العمال الكردستاني حتى عام 2002 عندما فاز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات العامة وشكل الحكومة. من ذلك المنظور، نظر صناع السياسة التركية إلى (إرهاب) حزب العمال الكردستاني، والقضية الكردية والتطورات في شمال العراق بوصفها قضايا مستقلة وغير مترابطة تماماً. في هذا المجال، لم يحتاجوا إلى صياغة سياسة شاملة، تغطي كل هذه القضايا في سلة واحدة. وعلى أية حال، وضع حزب العدالة والتنمية جانباً هذه النظرة وحاول تأسيس سياسة شاملة حول هذه القضية.
عندما حدثت التطورات بعد عام 1991 اتخذت تركيا دورا فاعلاً جداً في المنطقة حتى عام 1996. وصًنعت مساهمة مهمة لعملية إعادة اعمار العراق. ولذلك، فإن اقتصاد العراق أصبح معتمدا في الغالب على تركيا. في تلك الفترة، نشرت تركيا جنودها ومثلت عامل موازنة بين المجموعتين الكرديتين، مسعود البارزاني وجلال الطالباني. واتبعت تركيا والولايات المتحدة سياسات متشابهة إلى حد ما فيما يتعلق بمستقبل المنطقة في الفترة نفسها.
وعلى أية حال، بدأت تركيا تفقد تأثيرها في المنطقة بعد عام 1996 لان الولايات المتحدة، التي بدأت سياسة دعم المجموعات المعارضة والأكراد العراقيين لإسقاط نظام صدام، عزلت تركيا عن السياسات الإقليمية ببطئ. وسيطرت الولايات المتحدة على الشؤون الإقليمية تدريجياً وشجعت على تنمية وتطوير مؤسسات الدولة في شمال العراق منذ عام 2003. وهكذا، بدأت تركيا تشعر بعدم الارتياح حول التطورات الإقليمية بينما تفقد نفوذها في المنطقة تماماً. وحتى المسؤولين الأتراك نظروا إلى التطورات بوصفها تهديداً مباشراً لسلامة ووحدة تركيا وما زال لديهم النظرة نفسها.
وبناءً على ذلك، كانت السياسات الأمريكية غالباً في نزاع مع تطلعات تركيا، لأنها أعطت للأكراد فرصة لبناء دولتهم الإقليمية الخاصة المستقلة. وهكذا، دعمت جميع النشاطات لتأسيس عراق فيدرالي وديمقراطي وليبرالي. ولكن في هذه الأثناء، لم تقبل بأن يذكر التركمان كمكون أساسي للعراق الجديد في الدستور. ولم تمنع مجموعة عناصر حزب العمال الكردستاني من نشر مقاتليهم، لإنشاء معسكراتهم، وترتيب هجماتهم داخل تركيا. ولم تأخذ أيضاً مطالب تركيا المستمرة لوقف هكذا هجمات بنظر الاعتبار بصورة جدية. ومن جانب آخر، أعلن المسؤولون الأتراك اعتراضات تتعلق بقضايا العراق وشمال العراق:
1. يجب الحفاظ على بنية العراق الموحد
2. يجب عدم تأسيس دولة كردية مستقلة.
3. يجب أن يقبل التركمان كمكون أساسي.
4. يجب إقامة استفتاء عاجل في كركوك.
5. يجب أن تكون جميع الموارد الطبيعية تحت سيطرة الحكومة المركزية العراقية. ولكن لا شيء من هذه الأهداف قد تحقق.
ومع ذلك، خلقت هجمات حزب العمال الكردستاني في عام 2007 فرصة لتركيا لحل مشترك لحزب العمال الكردستاني والمسائل الكردية وأيضاً وقف التطورات في شمال العراق، التي أقلقت المسؤولين الأتراك بوصفها تهديداً لوحدة تركيا. وخلافاً لسياسات الحكومات السابقة، فإن حكومة حزب العدالة والتنمية قد أظهرت مثل هكذا موقف بأن هذه القضايا قد قبلت بوصفها قضايا مترابطة، وفي الوقت نفسه تم أخذ مخاوف وتوقعات جميع الأطراف ذات الصلة بنظر الاعتبار، بما في ذلك دول غربية مثل الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، فضلا عن الحكومة العراقية والأكراد العراقيين.
والسبب الأول في انتهاج حزب العدالة والتنمية مثل هذا الموقف هو عقليته الخاصة حول أسلوب السياسة الخارجية. في مجال السياسة الخارجية، يدعم حزب العدالة والتنمية السياسة متعدد الأبعاد ومتعدد الاتجاهات، التي تتناسب مع بنية النظام الدولي القائم ووجهة النظر الليبرالية. إن حزب العدالة والتنمية، الذي يتبنى رؤية تركز على ذكاء السياسة الخارجية ينبغي أن تهيمن على عملية السياسة الخارجية لتركيا بدلا من التركيز على أزمة واحدة، وهو يتبنى وجهة النظر هذه لأن هذا المنظور لأي حدث لا ينبغي أن يؤخذ كمسألة واحدة ولكن يفترض أن يربط بصورة مباشرة أو غير مباشرة مع العديد من القضايا الأخرى ذات الصلة. وهكذا، فإنه يتخلى عن الموقف السلبي للسياسة الخارجية. وفقا للمسؤولين، فإن تركيا ينبغي أن تصبح دولة أكثر فاعلية لديها القدرة على التعامل مع التطورات الدولية والإقليمية. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، يتعين على صانعي السياسات أن يفضلوا عناصر القوة الناعمة، مثل الاقتصاد والثقافة، بدلا من القوة الصلبة. وأخيرا، تذكر الحكومة بأن السياسة الخارجية يجب أن تكون متوازنةً، وأن تكون على تماس مع اهتمامات وأهداف السياسة الخارجية للقوى العالمية والإقليمية، وأن تكون على علم بالظروف القائمة، وتكون متناسبة مع إمكانيات قوة تركيا.
وفي هذا السياق، يرى حزب العدالة والتنمية أن السياسة الخارجية يجب أن تعطي الأولوية للأفراد، وأن تعزيز حقوق الإنسان والحريات في تركيا سوف يعزز أمنها القومي. إن الهدف الأساسي لسياستها الخارجية هو إقامة منطقة آمنة تضمن الحريات والرفاهية للمواطنين الأتراك. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، قامت تركيا بتعزيز علاقاتها الاقتصادية والثقافية والسياسية مع جيرانها، وبالتالي فهي تشكل تأميناً وحزاماً للرفاهية حول نفسها. في ظل هذه الظروف، فإن مسؤولي حزب العدالة والتنمية يرغبون في إقامة علاقات مؤسسية مع دول البلقان والقوقاز والشرق الأوسط ودول آسيا الوسطى. لذلك، فإن الحكومة التركية الحالية صاغت سياستها تجاه العراق وفقا لتلك العقلية.
والسبب الثاني هو المفاوضات حول عضوية تركيا الكاملة في الاتحاد الأوروبي. ومن أجل إنهاء هذه العملية بنجاح، من ناحية، يتعين على تركيا حل، أو على الأقل التفاوض، توتراتها مع البلدان المجاورة لها من أجل ايجاد حل نهائي لها في إطار سياسة حسن الجوار للاتحاد. ومن ناحية أخرى، ينبغي قانونياً أن يضمن حقوق الأقلية من الأقليات في تركيا، بمن فيهم الأكراد، لصالح مبدأ التعددية الثقافية. لهذا السبب، قامت تركيا بالتفاوض مع الحكومة العراقية حول مسائلها وكذلك مع الإدارة الإقليمية الكردية. في غضون ذلك ، فإنه يجب إعداد خطة شاملة تهدف الى منع تحركات عناصر حزب العمال الكردستاني للتعامل مع القضية الكردية.
السبب الثالث هو أن حزب العدالة والتنمية وعد بإزالة الخلافات الإقليمية، وتحسين الظروف الاجتماعية-الاقتصادية في جنوب شرق الاناضول، وإيجاد حل نهائي وجذري للقضية الكردية خلال الانتخابات العامة في تموز عام 2007. ولتقديم المساعدة لهذه الوعود، فإن كمية كبيرة من الناخبين في المنطقة صوتوا لصالح حزب العدالة والتنمية خلال الانتخابات. لذا، على الحكومة الآن بذل محاولات جادة وملموسة من أجل تحقيق وعودها.
سياسة حزب العدالة والتنمية حتى لقاء أردوغان-بوش
قبل الانتخابات العامة في 2007، عندما تسلل مقاتلو حزب العمال الكردستاني إلى تركيا، لم تؤيد الحكومة في ذلك الوقت أي رد فعل عسكري على معسكرات حزب العمال الكردستاني، لأنها لم ترغب بفقدان أصواتها خلال الانتخابات فضلا عن دعم بعض فئات الشعب. كذلك يمكن أن يضر أيضا بالوحدة بين الشعب التركي، ولاسيما خلال النقاش الدائر حول انتخابات الرئاسة، كان المجتمع التركي منقسما إلى معسكرين مختلفين: أ) مجموعة القوميين الجدد التي تدعم العملية العسكرية، وترى في حزب العدالة والتنمية تهديدا للنظام القائم، نظرا لسياساته المؤيدة للإسلامية، و(ب) الليبراليون والمحافظون الذين يدعمون سياساتها. في غضون ذلك، ووفقا لمسؤولين حكوميين، فإن أي خيار عسكري يمكن أن يمهد الطريق لمزيد من الانقسام في المجتمع.
وخلال الانتخابات، ازدادت أصوات حزب العدالة والتنمية وحصل على (47%) من الأصوات كنتيجة لوعوده، من قبيل حرية التعبير عن هوياتهم العرقية، والرفاه الاقتصادي والاستقرار والسلام في المنطقة.
وبعد الانتخابات، تخلت الحكومة عن موقفها السابق. الآن كلا من الحكومة والمسؤولين العسكريين أكدوا أنه ليست فقط الإجراءات العسكرية ولكن أيضا الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية ضرورية لإنهاء الإرهاب في تركيا. وفي الوقت ذاته، ينبغي أيضا أن يفقد حزب العمال الكردستاني الدعم الذي يتلقاه، مثل المساعدة المالية من الناس الذين يعيشون في البلدان الأوروبية، والدعم الذي تقدمه الإذاعة والتلفزيون والصحف، والاتجار بالمخدرات في الساحة الدولية. من وجهة النظر هذه، فإن الحكومة بدأت بتنفيذ استراتيجيتها الجديدة دون إغفال الحصول على دعم من الجانب العسكري، في أعقاب غارات حزب العمال الكردستاني.
متجاهلين مطالب واهتمامات مجموعات القوميين الجدد، فإن المسؤولين العسكريين والحكومة لم يفضلوا شن عمليات عسكرية فوراً في شمال العراق ردا على هذه الهجمات. وبدلا من العملية العسكرية، فضلوا نهجاً أبقى ليس على التدابير العسكرية ولكن أيضا على القنوات الدبلوماسية المتاحة وكذلك من أجل إيجاد أرضية مناسبة للتعاون بين الأطراف ذات الصلة ضد حزب العمال الكردستاني وللحصول على دعم من بلدان أخرى في حين أن البرلمان التركي اعتمد الاقتراح الذي تم استخدامه كأداة لجعل موقف تركيا على الساحة الدبلوماسية أكثر قوة ولإجبار الدول الأخرى على أخذ مخاوف تركيا على محمل الجد. في المقام الأول، أعلنت الحكومة أهدافها لإزالة مخاوف الجهات الفاعلة الأخرى: وهي وضع حد (لإرهاب) حزب العمال الكردستاني، ووقف هجماته، وتدمير معسكراته. وعن طريق هذا البيان، أرادت الحكومة أن تعبر عن نيتها الحقيقية بعدم تهديدها لسلامة أراضي العراق الإقليمية، فضلاً عن عدم احتلالها لشمال العراق.
وبعد اعتماد هذا الاقتراح، ذكرت الحكومة بأن تركيا لديها الحق في الدفاع عن نفسها ضد هجمات حزب العمال الكردستاني في إطار قرارات مجلس الأمن المعتمدة بعد هجمات 11 سبتمبر وفي غضون ذلك أعربت عن أن معسكرات حزب العمال الكردستاني في شمال العراق وغاراته كانت تهدد سلامة الأراضي التركية. وعلى الرغم من اعتماد هذا الاقتراح، فقد أشارت الحكومة إلى أنها لم تكن لديها أي نية لتنفيذه على الفور، ولكن هذا الاقتراح كان ينظر إليه على أنه أداة قسرية لاستخدامها كخيار أخير. بالإضافة إلى ذلك، بدأت وزارة الشؤون الداخلية بإعادة تنظيم وحداتها الخاصة في نطاق القتال ضد (الإرهاب). وأعلنت مدن سيرناك وهكاري وسيرت كمناطق أمنية.
وفي المجال الدبلوماسي، أبلغت الحكومة البلدان الأوروبية والشرق أوسطية عن سياساتها. على سبيل المثال، أجرى علي باباجان، وزير الشؤون الخارجية، زيارات رسمية لبعض دول الشرق الأوسط، مثل المملكة العربية السعودية والأردن. وألقى الرئيس التركي عبد الله جول كلمة خلال اجتماع وزراء مجلس التعاون الاقتصادي للبحر الأسود. وشرح بشير أطلاي، وزير الشؤون الداخلية، سياسة تركيا خلال اجتماع وزراء الشؤون الداخلية لدول الجوار العراقي الموسع. ولكن، تركيا وجهت طاقتها بشكل كبير تجاه المسؤولين الأمريكيين، لأن السياسيين الأتراك يعرفون أن تركيا لا تستطيع تحقيق أهدافها من دون دعم الولايات المتحدة، وإدارة الرئيس جورج بوش هي فقط التي تستطيع إجبار الأكراد العراقيين والحكومة العراقية على تغيير شؤونهم. في غضون ذلك، انتقدت تركيا الإدارة الإقليمية الكردية، وعلى رأسها مسعود البارزاني، لمساعدة (إرهاب) حزب العمال الكردستاني.
أولا وقبل كل شيء، أعرب السياسيون الأتراك أنهم يريدون الآن أن يروا خطوات ملموسة بدلا من الالتزامات الشفوية، لأنه تم تعيين ممثلين خاصين سابقاً، ولكن هذا النظام لم ينجح. فضلاً عن ذلك، وبسبب حقيقة أن العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وتركيا تدهورت بسرعة وضعفت الثقة المتبادلة بين الطرفين وخاصة بعد حركة 1 آذار/ مارس عام 2003، كانت كل من الحكومة العراقية والإدارة الأمريكية مترددة في اتخاذ تدابير ملموسة على الرغم من المطالب التركية المستمرة. ووصفت تركيا الولايات المتحدة بأنها حامية للإدارة الإقليمية الكردية، وكانت هذه المنطقة تحت السيطرة المباشرة للولايات المتحدة، ولذلك فإن الإدارة الأمريكية [أصبح] لديها صورة سلبية في أذهان المسؤولين الأتراك. الآن توقع المسؤولون الأتراك بأن على الولايات المتحدة أن تتخذ تدابير ملموسة إذا ما تزال تنظر إلى تركيا بوصفها شريكا استراتيجيا لها. لم تعترف تركيا بالإدارة الكردية في ظل دولة اتحادية بموجب الدستور العراقي ومع ذلك لم يكن لدى الحكومة العراقية ما يكفي من القوة لمواصلة السياسات القمعية تجاه حزب العمال الكردستاني. من ناحية، كان على الولايات المتحدة أن تتعاون مع تركيا لتدمير حزب العمال الكردستاني، ومن ناحية أخرى، كان عليها أن تمارس ضغطاً على الحكومة الإقليمية الكردية لتغيير رأيها.
في 2-3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2007 نظم مؤتمر دول جوار العراق الموسع في اسطنبول. وبعد محاولات جادة لتركيا، وافقت الدول المشاركة على إعلان يحتوي على جمل، تدعم وجهة نظر تركيا بشأن (الإرهاب) والاستفتاء في كركوك. من ناحية أخرى، وافقت تركيا ضمنا على إقامة عراق ديمقراطي فيدرالي موحد من خلال قبول هذا الإعلان.
فضلاً عن المحاولات الدبلوماسية، اعتمد المجلس الوطني التركي الكبير قرارا بشأن الحصار الاقتصادي على شمال العراق. وفقا للقرار، يمكن لتركيا وقف تدفق الكهرباء إلى المنطقة، وغلق التعاملات الرسمية عبر بوابة الخابور، ووضع حد للأنشطة التجارية للشركات التركية في المنطقة، والسيطرة على أنشطة بعض الشركات التي لها علاقات تجارية مع عائلة بارزاني.
ومن ناحية أخرى، أظهرت تركيا عزمها على منع الانخراط في [صفوف] حزب العمال الكردستاني عن طريق اتخاذ إجراءات اقتصادية وثقافية وسياسية. وبدأت الحكومة ببذل محاولات لتحقيق التنمية الاقتصادية في منطقة [جنوب شرق البلاد]. وللتأكيد على ذلك، ناقش حوالي (485) من رجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2007 الفرص الاستثمارية في المنطقة. كما أعلنت الحكومة أنها ستقدم مساعدات مالية للشركات التي خططت لبناء الاستثمارات في المنطقة. وأوضح رئيس الوزراء أردوغان أن الأكراد في تركيا سيكونون قادرين على التعبير عن هوياتهم دون أي قمع عن طريق عمل بعض التنظيمات القانونية. ولكن بشرط التخلي عن أسلحتهم والعودة ديارهم، والمشاركة النشطة من جانب الشعب الكردي في الحياة السياسية، بما في ذلك عناصر حزب العمال الكردستاني [غير القياديين الذين يصنفون ضمن المستويات الدنيا من الحزب].
التطورات بعد لقاء بوش-أردوغان
قبل اجتماع يوم 5 تشرين الثاني/ نوفمبر، أعرب كلا من المسؤولين الأتراك والأمريكيين عن مخاوفهم وتطلعاتهم من خلال الصحف والقنوات الدبلوماسية. على سبيل المثال، أعلنت رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية، خلال المؤتمر الذي عقد في اسطنبول أن حزب العمال الكردستاني هو العدو المشترك ويجب أن تصبح الآلية الثلاثية بين العراق والولايات المتحدة وتركيا جاهزة للعمل مرة أخرى بينما أبلغ رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان رايس عن خطة شاملة لتركيا. وأوضح الجانب الأمريكي أنه يمكن أن يتعاون مع تركيا من خلال تبادل المعلومات الاستخبارية، ودعم عملية عسكرية محدودة ضد معسكرات حزب العمال الكردستاني. وبالتالي، فإن الجانبين أوضحا التزاماتهما السابقة خلال اجتماع في واشنطن وتبادلا الوعود بشأن اتخاذ الخطوات الملموسة التي سبق ذكرها.
وفي نهاية الاجتماع، أعلنا أن حزب العمال الكردستاني عدو مشترك، ووافقا على تقاسم المعلومات الاستخبارية، وشكلا آلية ثلاثية من هيئة الأركان العامة التركية، وهيئة الأركان العامة الأمريكية وقائد القوات الأمريكية في العراق. واتفقا أيضا على تنظيف معسكرات حزب العمال الكردستاني والقضاء على مصادر التمويل الدولية.
وبعد الاجتماع مباشرة، اتخذ كلا الجانبين تدابير ملموسة في غضون فترة زمنية قصيرة جدا. أولى تلك التدابير، وفي إطار استراتيجية تطهير حزب العمال الكردستاني ، بدأ كل من البلدين بتبادل المعلومات الاستخبارية، ابتداء من يوم 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2007. وعززت المجموعات العسكرية الكردية، والبيشمركة، الاجراءات الأمنية على الحدود التركية- العراقية وقطعت القنوات اللوجستية عن مقاتلي حزب العمال الكردستاني. وفي 21 تشرين الثاني/ نوفمبر، نظمت الآلية الثلاثية اجتماعها الأول في أنقرة، وناقشت تواجد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق. وفي 28 تشرين الثاني/ نوفمبر، أعطت الحكومة [التركية] ترخيصا رسمياً لهيئة الأركان العامة لتنفيذ هذا الاقتراح. وفي 1 كانون الأول/ ديسمبر عام 2007، شن الجيش التركي أول عملية ضد معسكرات حزب العمال الكردستاني في المنطقة.
من ناحية أخرى ، طالب رئيس الوزراء أردوغان مسلحي حزب العمال بالعودة إلى ديارهم في بيانه الجديد، وأضاف أن تركيا ستقوم بتغيير بعض الأنظمة القانونية، مثل تغيير مفهوم وسياق الفقرة (221) من القانون الجنائي التركي لتشجيع مقاتلي حزب العمال الكردستاني [على تسليم أنفسهم والعودة إلى ديارهم]. ورتبت تركيا أيضا برنامجا لتشجيع عائلات مسلحي حزب العمال الكردستاني على إقناع أبنائهم للعودة ديارهم. وفي عام 2007 ، عاد 155 من مقاتلي حزب العمال الكردستاني إلى ديارهم نتيجة لهذا البرنامج.
في المجال الثقافي، أعلن أردوغان أن الحكومة ستقوم بإعداد الدستور الجديد الذي يضمن الحقوق الثقافية للأكراد في تركيا. وبالتالي، فإن الأكراد سيعبرون بحرية عن هويتهم. وفي المجال الاقتصادي، سوف تتخذ تركيا التدابير اللازمة لتطوير تربية الماشية والصناعات اليدوية. كما أنها ستعين عشرة آلاف من العاملين في مجال الصحة والمعلمين والأئمة وتنفيذ الإصلاح الزراعي بحيث يتم توزيع الأراضي الزراعية على الفلاحين المعدمين. من ناحية أخرى، فإن الحكومة تعتزم إقامة علاقات ايجابية ومنسجمة مع الإدارة الكردية الإقليمية بعد الانتهاء من الإصلاح الدستوري في العراق. ومع ذلك، لا تزال تركيا مصرة على أن تشكيل المنطقة يجب ألا يتم بطريقة تؤدي إلى إقامة دولة كردية مستقلة.
مواقف الفاعلين الآخرين من سياسات حزب العدالة والتنمية:
كما ذكرنا سابقاً، تصرفت الحكومة [التركية] بالتعاون مع هيئة الأركان. بينما دعا رئيس الوزراء أردوغان والرئيس غول أفراد الجيش للمشاركة في اجتماعاتهم الرسمية مع المسؤولين الأمريكيين، فإنهم أعطوا موافقتهم على تأسيس آلية ثلاثية بين المسؤولين العسكريين. وقد حضر الجانب العسكري كل اجتماعات تقرير السياسة أيضاً وأبدى مخاوفه للسلطات المدنية مباشرة. ولكن الأحزاب المعارضة انتقدت بشدة سياسات الحكومة ومخاوفها. فمن ناحية أيد حزب المجتمع الديمقراطي المؤيد للأكراد سياسة الحكومة بعدم استخدام الخيار العسكري على الفور، ومن ناحية أخرى أعلن مقترحه الخاص بـ"الجمهورية الديمقراطية" بوصفه حلاً سياسياً للقضية الكردية.
على عكس الإدارة الإقليمية الكردية، أعربت الحكومة المركزية العراقية عن مخاوفها، التي كانت منسجمة مع سياسة تركيا عموماً، ولكن في الوقت نفسه ذكرت معارضتها بصراحة. ومثل حزب المجتمع الديمقراطي، عارض الأكراد العراقيون وخصوصاً مسعود البارزاني بوضوح وبشدة سياسات تركيا. وعلى أية حال، بعد اجتماع 5 تشرين الثاني/ نوفمبر، وكنتيجة للضغوط الأمريكية، فقد خففوا مواقفهم. وعلى الرغم من أنهم كانوا ومازالوا ضد أية عمليات عسكرية برية، فقد ذكروا بأنهم أرادوا أن يكون لديهم علاقات قوية مع تركيا. وفي النهاية، أعلن مسعود البارزاني بأنه "مواطن كردي في العراق الاتحادي".
عوامل داخلية: الأحزاب المعارضة
بعكس المنظور الليبرالي لحزب العدالة والتنمية، فإن الأحزاب المعارضة، المتمثلة بحزب الحركة القومية وحزب الشعب الجمهوري، انتهجت سياسات قومية أكثر. من منظورهم، فإن "مناخاً أكثر ديمقراطية ونظاماً سياسياً أكثر مدنية في تركيا سوف يمهد الطريق لتقسيم تركيا، وأن الإدارة الإقليمية الكردية هي تهديد مباشر لوحدة تركيا؛ ولذلك يجب منع استقلالهم".
وفقاً لوجهة النظر هذه، فإن حزب الحركة القومية أيد فكرة انطلاق عملية عسكرية شاملة ضد شمال العراق بدون أي تأخير وينبغي أن تشمل العملية كلا من معسكرات حزب العمال الكردستاني والإدارة الإقليمية الكردية [في شمال العراق]. وأيد الحزب أيضاً فكرة نشر الجنود الأتراك في شمال العراق مؤقتاً. واقترح زعيم الحزب، دولت بهجلي، إعلان نظام استثنائي في جنوب شرق الأناضول. ومع ذلك، وبعكس تصريحاته السابقة، فقد أعطى دعمه لعمليات محدودة ضد شمال العراق.
لقد رأى حزب الحركة القومية في حزب المجتمع الديمقراطي بوصفه متحدثاً باسم حزب العمال الكردستاني ولذلك رفض مقترحات الحزب للقضية الكردية. بالنسبة لبهجلي، فإن تركيا لن تصبح دولة مستندة على أساس نظام الكانتونات، مثل سويسرا، ووضع الحقوق الثقافية للأكراد تحت الحماية القانونية سيعني القبول بمطالب حزب العمال الكردستاني فضلاً عن الاعتراف بهزيمة تركيا.
أما حزب الشعب الجمهوري فقد تبنى نظرة مشابهة أكثر أو أقل. بالنسبة لدنيز بايكال، زعيم الحزب، فإن العملية العسكرية كانت ضرورية، وأن القوات المسلحة التركية يجب أن تسيطر على جزء من شمال العراق بوصفه خطاً أمنياً، وأن السياسات الحالية للحكومة تهدف فقط إلى تهدئة مشاعر الرأي العام، وأن تركيا كانت تفقد نفوذها في المنطقة طبقاً للظروف القائمة. ومن ناحية أخرى، انتقد [بايكال] الحكومة المركزية العراقية والإدارة الكردية لتوفيرها الحماية لمقاتلي حزب العمال الكردستاني. وفي الوقت الذي اعترض فيه على إجراءات الحكومة الاجتماعية والثقافية والسياسية، فإنه لم يؤيد العمليات العسكرية المحدودة، لأن هدف هذه العمليات لم يكن القضاء على حزب العمليات الكردستاني، ولكن لحماية وجوده في حقيقة الأمر. وعلى الرغم من هذه النظرة، اقترح بايكال الاجراءات التالية: إذاعة صوتية موجهة إلى شمال العراق باللغة الكردية، تنمية اقتصادية وعلاقات اجتماعية مع شمال العراق، وتحسين العلاقات مع الإدارة الكردية. ووفقاً لذلك، عندما زار ديار بكر، ذكر بأن الحقوق الثقافية للشعوب الإقليمية يجب أن تكون تحت حماية الأنظمة القانونية ويجب أن يكونوا قادرين على التعبير عن أفكارهم بحرية.
هيئة الأركان التركية
من الواضح أنه بعد الانتخابات العامة عام 2007، توصلت هيئة الأركان والحكومة إلى تفاهم مشترك على قضايا (إرهاب) حزب العمال الكردستاني والقضية الكردية. وهكذا، فقد ناقشوا بصورة مشتركة سياسات تركيا تجاه حزب العمال الكردستاني والقضية الكردية ورسموا خارطة طريق للعمليات العسكرية. وبعكس مقترحات الأحزاب المعارضة، فإن الطرف العسكري لم يؤيد عملية عسكرية شاملة، وغالباً ما فضلوا انطلاق هجمات جوية وقوات مسلحة خاصة برية مباشرة إلى معسكرات حزب العمال الكردستاني.
ومع ذلك ، فإن الفرق بين وجهات النظر بين الحكومة وهيئة الأركان العامة تحدث بشكل رئيس على مسائل القضية الكردية والحقوق الثقافية للأكراد. لا يهم كم من المسؤولين العسكريين رفضوا إغلاق حزب اليسار الديمقراطي، فإنهم ما يزالون يرون في الحزب بصفته ممثلا لحزب العمال الكردستاني في البرلمان، والادعاء بأن هدفه الحقيقي هو إقامة دولة كردية مستقلة داخل الأراضي التركية. لذلك، فإن سياساتهم مشابهة لسياسات حزب العمال الكردستاني والبارزاني. إذا لم يتمكنوا من تحقيق إقامة دولة كردية مستقلة، فإنهم على الأقل يبذلون جهوداً لجعل تركيا [دولة] اتحادية. لهذا السبب، وصفت هيئة الأركان العامة مقترحات الحزب بأنها تشكل تهديدا مباشرا لسلامة الأراضي التركية وبنيتها الموحدة. وبالتالي، [من الممكن أن] يصبح حزب العمال الكردستاني حزباً سياسياً وشرعياً بمساعدة حزب المجتمع الديمقراطي. ومع ذلك، فإن هيئة الأركان العامة ماتزال ترغب في أن ينتهج حزب المجتمع الديمقراطي سياسات مشابهة لبقية الأحزاب الأخرى في البرلمان بشأن هذه المسائل.
إن المؤسسة العسكرية تقف أيضا ضد إعطاء مزيد من الحقوق الثقافية للشعب الكردي في تركيا. وطبقا لمسؤولين عسكريين، فإن تركيا بذلت محاولات جادة سابقاً لضمان حقوقهم الثقافية تحت اسم حقوق الأقليات، وبهذه الطريقة، اتخذت تركيا خطوات هامة لوضع حقوق استخدام لغتهم الأم، والتدريس بها، وبث البرامج الإذاعية والتلفزيونية باللغة الكردية في إطار ضمانات قانونية. لذا، فإن مطالب الشعب الكردي لمزيد من الحقوق الثقافية ستعني لهيئة الأركان العامة تهديداً لبنية شعب ودولة تركيا وسلامتها الإقليمية.
من ناحية أخرى، خففت هيئة الأركان العامة من مخاوفها حول الإدارة الإقليمية الكردية لفترة قصيرة نتيجة لمساومات دبلوماسية بين تركيا والولايات المتحدة. كما ذكر أعلاه، فإن التطورات في شمال العراق ستؤدي إلى تقسيم هذا البلد من وجهة نظر الجانب العسكري. ولكن هكذا نتيجة غير مقبولة؛ ولذلك، فإن المسؤولين العسكريين سوف لن يعطوا أي ترخيص لهكذا نوع من النتائج. ولكنهم صرحوا علناً أنهم سوف يتعاطفون مع أي تشكيل اتحادي، مشابه لتركيبة الولايات المتحدة وألمانيا.
حزب المجتمع الديمقراطي : تركيبة ذات أصول كردية
بسبب أمور مثل القضية الكردية و(إرهاب) حزب العمال الكردستاني، فإن حزب المجتمع الديمقراطي عزز المخاوف الأكثر راديكالية بسبب تشكيله السياسي ذي الجذور الكردية. فقد أدت خطبه ونهجه إلى انتقادات قاسية من قبل الأحزاب السياسية التركية ونخب الدولة. فقد أعرب أعضاء الحزب عن مخاوفهم التي كان من المستحيل بالنسبة لهم التعبير [فيما سبق] عن هذه المخاوف التي تهدف إلى تغيير التركيبة الحالية الموحدة لتركيا، وتتعارض تماما مع المبادئ الأساسية للكمالية.
بادئ ذي بدء، حزب المجتمع الديمقراطي لا يصف حزب العمال الكردستاني كمنظمة (إرهابية)، بل يعده "منظمة سياسية تهدف إلى إيجاد حل للقضية الكردية"، و"هي منظمة تستخدم العنف كوسيلة من الوسائل"، و، أو "تشكيل ظهر بعد سياسة التجاهل من الدولة التركية للهوية الكردية". كما أنهم يعرفون عبد الله اوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني بأنه "زعيم الأمة الكردية". ويقترحون بأن على الحكومة التركية أن تتفاوض مع المجموعة الإرهابية لحزب العمال الكردستاني حول القضية الكردية من أجل إيجاد حل سياسي. بالنسبة لهم أي نهج يقوم على سياسة الإنكار لا يمكن أن يوفر حلا لهذه المسألة، ولكن في الوقت نفسه فإن حقوق الاتحاد الأوروبي للأقلية ليست مناسبة لإيجاد حل لان الشعب الكردي في تركيا لن يستفيد من هذه الحقوق كأمة، ولكن بوصفها عضو مجموعة الأقلية. وفقا لحلهم المقترح، ينبغي أن يقبل الأكراد كأمة أساسية لها حق تقرير المصير، الذي سوف يعطي الإذن لإعلان الاستقلال في المستقبل. وفي الوقت نفسه، ينبغي أن يكون لهم مناطقهم للحكم الذاتي. وحقوقهم الثقافية والسياسية يجب أن تكون تحت حماية الدستور. ونتيجة لذلك، إذا ما تم تنفيذ اقتراحهم، فإن تركيا سوف تصبح دولةً مكونة من عدة أقاليم تقوم على [فكرة] الاستقلال الذاتي، مثل سويسرا، أو أن تصبح دولة اتحادية، كجمهورية كونفيدرالية تركية-كردية. وطبعاً إن مثل هذا الاقتراح غير مقبول بالنسبة للدولة والمسؤولين العسكريين.
إن حزب المجتمع الديمقراطي، الذي ينتقد حزب العمال الكردستاني لاستخدام العنف كوسيلة [لتحقيق أهدافه السياسية]، يدعو الحزب إلى تطبيق الأساليب السياسية، ويرفض [في الوقت نفسه] استسلام قادة حزب العمال الكردستاني لتركيا، ويطالب بالعفو الشامل عن جميع نشطاء حزب العمال الكردستاني، بمن فيهم القادة، ويعارض شن العمليات العسكرية ضد معسكرات حزب العمال الكردستاني. حزب المجتمع الديمقراطي قد القى باللوم على الحكومة أيضاً لاتباعها سياسة الوجهين بسبب العمليات العسكرية. لكن في الوقت نفسه تعرضت سياساته لانتقادات من قبل منظمات المجتمع المدني الكردية والنخب الكردية، الذين يطالبون بأن يتخذ حزب المجتمع الديمقراطي موقفا مختلفا تماما عن حزب العمال الكردستاني.
الفاعلون الخارجيون: الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة
في أوائل التسعينيات، كانت سياسات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مختلفة تماما عن بعضها البعض. فمن ناحية، كان الاتحاد الأوروبي يتردد في وصف حزب العمال الكردستاني بأنه منظمة (إرهابية) وفي إغلاق صحفه وجمعياته ومؤسساته الموجودة في بعض البلدان الأوروبية، ومسؤولون في الاتحاد الأوروبي كانوا يقيمون القضية الكردية من وجهة نظر حقوق الإنسان، بحيث أنهم لم يميزوا بين (إرهاب) حزب العمال الكردستاني وبين المسألة الكردية. لهذا السبب، فهم غالباً ما انتقدوا السلطات التركية لانتهاكها حقوق الأكراد. وعلى أية حال، فقد غير الاتحاد نهجه القائم بعد مناقشات حول العمليات العسكرية في إطارات عامة، وبدأ بدعم سياسة مزدوجة: دعم محاولات تركيا ضد حزب العمال الكردستاني، والمطالبة بمزيد من الحقوق السياسية للشعب الكردي.
منذ البداية، عارض الاتحاد الأوروبي عملية عسكرية شاملة لأنها يمكن أن تؤدي إلى مزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة وتركيا يمكن أن تستخدم القوة غير المتناسبة، التي تتنافى مع القانون الدولي، في الوقت نفسه. ومن ناحية أخرى، فإن الاتحاد لم يثر اعتراضات على عمليات محدودة، وقد ذكر مسؤولون في الاتحاد الأوروبي أن تركيا لديها الحق في استخدام القوة ضد حزب العمال الكردستاني من أجل الدفاع عن أمنها ووصفوا حزب العمال الكردستاني كمنظمة (إرهابية).
ومع ذلك، فقد طالب الاتحاد بأن على تركيا أن تجد حلاً سياسياً للقضية الكردية، وأن عليها بذل محاولات جادة من أجل تحسين الأحوال الاجتماعية والاقتصادية في جنوب شرق الأناضول. واقترح بأن حزب العمال الكردستاني ينبغي أن يوقف هجماته ويجب عدم استخدام الأساليب العسكرية القسرية. وفي الوقت نفسه، ينبغي على حزب المجتمع الديمقراطي أيضاً وقف علاقاته المباشرة وغير المباشرة بإرهاب حزب العمال الكردستاني ويجب أن يدين الحركات الإرهابية في تركيا. المسؤولون الأوروبيون، الذين يجدون في كلمات ممثلي حزب المجتمع الديمقراطي استفزازية جدا، يعتقدون أن ممثلي حزب المجتمع الديمقراطي لا يحاولون إيجاد حل سياسي وسلمي لهذه المسألة في الواقع. وأخيرا، يقترح الاتحاد أن على تركيا تطبيع علاقاتها مع الإدارة الإقليمية التركية.
ومن ناحية أخرى، فإن الولايات المتحدة انتهجت سياسات مماثلة لسياسات الاتحاد الأوروبي، حيث تدعم سياسات حزب العدالة والتنمية. بادئ ذي بدء، أن الولايات المتحدة ضد تقسيم العراق علناً بما يوافق نظرة تركيا، وذلك لأن التقسيم يثير ظهور بعض المشاكل الأخرى التي من شأنها أن تسبب المزيد من عدم الاستقرار في المنطقة. على سبيل المثال، بعض المدن الكبرى في العراق، مثل كركوك والبصرة، اللتان فيهما خليط من السكان، ونتيجة لأي تقسيم، فإن الأطراف قد تلجأ إلى سياسة التطهير العرقي. المكونات الكردية والشيعية والسنية قد تهدد الوحدات الإقليمية، والأمن والاستقرار القومي لدول المنطقة. خاصة وأن تأسيس دولة (شيعية)، قد يزيد من نفوذ إيران في المنطقة.
ونظرا لهذه العوامل، أيدت الإدارة الأمريكية إقامة عراق اتحادي (فيدرالي) وإقامة دولة اتحادية (فيدرالية) كردية داخل الأراضي العراقية. حتى مجلس الشيوخ الأميركي اعتمد قرارا استشارياً يدعو إلى تقسيم العراق إلى ثلاث مناطق فيدرالية على أساس عرقي. لكن الحكومة العراقية رفضت هذا القرار. لهذا السبب، أراد الرئيس بوش أن يرى علاقات طبيعية بين تركيا والسلطة الكردية الإقليمية. لكنه لم يوافق على [إقامة] أي نوع من العلاقات بين الأكراد العراقيين وحزب العمال الكردستاني.
كما رفضت الولايات المتحدة عملية عسكرية شاملة لأن مثل ذلك سوف يقضي على السلام والاستقرار النسبي في شمال العراق، ويوقف الدعم اللوجستي للجنود الأمريكيين في العراق انطلاقا من تركيا، ويضر بالتوازنات الإقليمية، ويؤدي إلى زيادة المشاعر المعادية للأمريكان والقومية الكردية في تركيا، ويوقف عملية الإصلاح في تركيا ويسبب المزيد من التدهور في العلاقات التركية - الأمريكية. ومن ناحية أخرى، يمكن أن تشجع العملية إيران على استخدام القوة ضد (بيجاك PJAK) في العراق.
وخلال فترة زمنية قصيرة، تم دعم خيار العملية العسكرية المحدودة من المسؤولين الأمريكيين. الرئيس بوش ذكر دائما أن تركيا يجب ألا تشن عملية من جانب، واحد وآلية التنسيق الثلاثية بين تركيا والعراق والولايات المتحدة يجب ان يتم تشكيلها من أجل مكافحة (إرهاب) حزب العمال الكردستاني. على الرغم من أن الجنود الأميركيين لن يأخذوا دورا فعالاً في شن أي نوع من العمليات، إلا أنهم وافقوا على تبادل المعلومات الاستخباراتية مع تركيا يوميا من أجل تطهير إرهاب حزب العمال الكردستاني. وفي الوقت نفسه، رغبوا بأن تجد تركيا حلاًّ سلمياً للقضية الكردية وينبغي على حزب المجتمع الديمقراطي أن يتبع سياسات لوضع نفسه بعيدا عن عقلية حزب العمال الكردستاني.
الحكومة المركزية العراقية والإدارة الإقليمية الكردية
كانت ردود الحكومة المركزية العراقية حول سياسة تركيا أكثر ودية من الإدارة الإقليمية الكردية. خلافا لنهج الأكراد العراقيين، فإن الحكومة العراقية قد أخذت تهديد تركيا باستخدام هذا الاقتراح على محمل الجد، ولذلك، فإنها لم تعرب عن رفضها للعمليات العسكرية ضد معسكرات حزب العمال الكردستاني باستخدام الطائرات العسكرية. بل ذكر مسؤولون عراقيون بأن لتركيا الحق في استخدام القوة ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني. ومع ذلك، فقد رفضوا علانية أي عملية عسكرية شاملة، التي قد تؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في المنطقة.
بالإضافة إلى القتال الداخلي في العراق، فإن الحكومة العراقية لا تريد التعامل مع قضايا جديدة نتيجة لغارات حزب العمال الكردستاني. كما أنها كثيرا ما أعربت عن رغبتها في إنشاء آلية التنسيق الثلاثي. وعلاوة على ذلك، فإن القوات العراقية عززت المراقبة الأمنية على طول الحدود التركية – العراقية وأسست نقاط سيطرة لوقف الدعم اللوجستي لحزب العمال الكردستاني كتأكيد على فصلهم. كما أنهم لم يدعوا إلى أية عملية ستشارك فيها القوات العراقية وفي الوقت نفسه، اعترضوا بشكل علني على ظهور فيدرالية فضفاضة من شأنها أن تؤدي إلى استقلال الدولة الكردية. حتى أنهم لا يرون أية إمكانية لإقامة دولة كردية. من جهة أخرى، تبنى البرلمان العراقي قرارا أعرب فيه عن معارضته للعمليات بسبب حقيقة أن تركيا انتهكت سيادة العراق وألحقت أضرارا المدنيين وممتلكاتهم من خلال شن هذه العمليات. ولكن تركيا رفضت مثل هذه المزاعم.
ومن ناحية أخرى، فإن الأكراد العراقيين قد رفضوا أي نوع من العمليات العسكرية منذ بداية المناقشة. حتى مسعود البارزاني ذكر أن تركيا عندما تشن مثل هكذا نوع من العمليات، فإنهم سيستخدمون القوة ضد القوات التركية في إطار مفهوم الدفاع عن الذات. بالإضافة إلى ذلك، أعلن أن دخول القوات التركية داخل الأراضي العراقية سيكون سبباً مقبولاً بالنسبة لهم لدخول الحرب. وفقا للبارزاني، كان الهدف الحقيقي لتركيا هو القضاء على السلطة الكردية الإقليمية بدلا من تدمير معسكرات حزب العمال الكردستاني ولتغيير خريطة المنطقة لصالح أهدافها. خلال العملية، يمكن أن تحتل القوات التركية المدن العراقية، مثل كركوك والموصل، عبر نشرها في المنطقة لفترة طويلة. لهذا السبب، البارزاني رفض دائما توقيع إي اتفاق امني بين تركيا والعراق من شأنه أن يعطي الإذن لاستخدام القوة تجاه شمال العراق من جانب القوات التركية.
وقدر تعلق الأمر بـ(إرهاب) حزب العمال الكردستاني كونه هو المعني، فإن مواقف وخطب البارزاني أزعجت المسؤولين الأتراك، وخاصة الإدارات العسكرية. مثل ممثلي حزب المجتمع الديمقراطي، لم يصف البارزاني حزب العمال الكردستاني بأنه منظمة (إرهابية). وأكد أن البارزاني سينظر إلى حزب العمال الكردستاني بأنه إرهابي إذا رفض مقترحات الحل السياسي فقط. من جهة أخرى ، أعلن بارزاني بأنهم لا يدعمون حزب العمال الكردستاني، واعترض على غارات حزب العمال الكردستاني. لكنهم اقترحوا بأنه يتوجب على تركيا إيجاد حل سياسي للقضية الكردية. وفي حين أنهم لم يقبلوا تسليم قادة حزب العمال الكردستاني لتركيا، فإنهم طالبوا بانسحاب مقاتلي حزب العمال الكردستاني من شمال العراق، فضلا عن مشاركة قادة حزب العمال الكردستاني في الحياة السياسية التركية.
وعلى أية حال فقد تغيرت لهجة خطابات البارزاني بعد اجتماع 5 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2007 نتيجة للضغوط الأمريكية، ومصالحهم الاستراتيجية وصرامة تركيا. كل من جلال الطالباني ومسعود البارزاني أكدا أنهما سوف يتخذا إجراءات مشتركة ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني بالتعاون مع الحكومة العراقية وكذلك القوات الأمريكية، وأنهما لن يثيرا أي اعتراض على عمليات عسكرية محدودة تقوم بها الطائرات. البارزاني قد ذكر أن الإدارة الكردية هي جزء من العراق الاتحادي وليس لديهم أي مطلب للاستقلال. لكنه وصف العمليات البرية لتركيا بأنه احتلال. وقد اقترح جلال الطالباني مؤخراً عفواً عن مسلحي حزب العمال الكردستاني، بما في ذلك معظم القادة.
الخلاصة
لا يستطيع أحد أن يتوقع رؤية بروز تطورات جذرية بعد هجمات حزب العمال الكردستاني. هذه التطورات أدت إلى ظهور بعض النتائج في السياسة الإقليمية، والعلاقات التركية-الأميركية والحياة السياسية التركية.
أولا وقبل كل شيء، العلاقات التركية-الأمريكية قد تدهورت منذ مذكرة 1 آذار/ مارس 2003. ولكن عندما قام وزير الخارجية بزيارة رسمية الى تركيا في عام 2005 ، فإن العلاقات بين السلطات المدنية للبلدين أصبحت على نحو سلس. التطورات في عام 2007 أدت إلى تحسين العلاقات الثنائية بين المسؤولين العسكريين. بعد مفاوضات بين الرئيس بوش وغول، ذكر مسؤولو كلا البلدين أنهما سيتعاونان في البلقان والشرق الأوسط والقوقاز وآسيا الوسطى وفي قطاع الطاقة. الآن، الجانب التركي مستعد عن طيب خاطر لتعاون طويل الأمد مع الإدارة الأمريكية في المستقبل القريب.
ومع ذلك، فإنه ليس من الممكن أن تشهد تحسنا سريعا جدا في العلاقات الثنائية بين البلدين. الجانب التركي ما يزال ينظر إلى الولايات المتحدة بوصفها حامية لحكومة البارزاني ومازالت متضايقة من التطورات في شمال العراق. وعلى الرغم من أن الجانب التركي أصبح سعيداً من التصريحات السابقة للبارزاني، فإن أحدث تصريحاته حول حزب العمال الكردستاني والإدارة الإقليمية الكردية قد أثارت شكوك تركيا حول أهدافه الحقيقية.
من الممكن أن نرى تغييرات جذرية في السياسات الإقليمية. أولا وقبل كل شيء، تركيا والولايات المتحدة أصبحا حلفاء أوثق نتيجة لعملية تطهير عناصر حزب العمال الكردستاني، ومن المحتمل ان ينتهج كلا البلدين سياسات متشابهة بشأن المناطق المذكورة خلال اجتماع بوش - غول. في ظل هذه الظروف، يمكن لبعض الانحرافات في السياسة الإقليمية أن تظهر، مثل لقاء أنابوليس. من ناحية أخرى، فإنه ليس واضحاً أن الأطراف المعنية سوف تغير مواقفها بشأن قضية كركوك، والقضية الفلسطينية -الإسرائيلية، ومشكلة قبرص والاقتتال الداخلي بين الطوائف في العراق من اجل إيجاد حل نهائي لها. بشكل أكثر تحديدا، الاعتراف بالإدارة الكردية من قبل تركيا وإجراء استفتاء حول مستقبل كركوك ليس معقولاً الآن. إن المحاولات لإقامة اتحاد فضفاض في العراق من جانب الأكراد العراقيين ستستمر في إقلاق السلطات التركية والمجموعات العرقية الأخرى في العراق. هذا الوضع يمكن أن يؤدي إلى زيادة الصراعات.
وقدر تعلق الأمر بالحياة السياسية التركية، فقد احتلت القضية الكردية المركز الأول في جدول الأعمال. إن مواضيع مثل الحقوق الثقافية للأكراد في تركيا، وإنشاء جمهورية ديمقراطية، التي لا يستطيع احد أن يناقشها بحرية من قبل، قد نوقشت من قبل السياسيين والصحفيين الأتراك. وفي واقع الأمر، فإن السياسيين الأتراك، بما فيهم أحزاب المعارضة، طرحوا بشجاعة الحقوق الثقافية للأكراد وإيجاد الخطة الشاملة حول (إرهاب) حزب العمال الكردستاني وأخذها بنظر الاعتبار. ولكن ليس من الممكن أن يتوصل القوميون الجدد، والجانب العسكري، وحزب المجتمع الديمقراطي إلى تفاهم مشترك بشأن هذه المسائل. كلا الجانبين لا يقبلان حلا يستند على مفاهيم التعددية الثقافية في الاتحاد الأوروبي التي يدعمها حزب العدالة والتنمية. العفو والإصلاحات الدستورية هي القضايا الأخرى بين صناع القرار في تركيا.
ومن ناحية أخرى، لم يتخذ حزب العدالة والتنمية بعد العمليات محاولات جادة لإيجاد حلول سياسية واقتصادية وثقافية لهذه القضية. الآن الظروف مناسبة أكثر لتركيا. لهذا السبب، ينبغي على تركيا أن تعالج العملية لصالح أهدافها. ولكن الحكومة تعمل ببطء.
· هذا البحث منشور في Review of Social, Economic & Business Studies، المجلد (9)، العدد (10)، ص ص 115-140.
بارك الله بك اخي الدكتور لقمان عمر محمود النعيمي على تجشمك عناء هذا البحث المفيد واسمح لي ان انشره في مدونتي اعماما للفائدة وخدمة للعلم والعلماء .ا.د.ابراهيم خليل العلاف
ردحذف