ا.د. .إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث-جامعة الموصل
منذ أوائل السبعينات من القرن الماضي، عرفت عددا من الأساتذة الخليجيين المتخصصين بالتاريخ وعلم الاجتماع والاقتصاد . وكان ذلك - والحق يقال- من خلال الصديق الكبير الأستاذ الدكتور مصطفى عبد القادر النجار مؤسس مركز دراسات الخليج العربي في جامعة البصرة والأمين العام لاتحاد المؤرخين العرب سابقا .ولعل في مقدمة أولئك الأساتذة الأفذاذ الدكتور خلدون حسن النقيب، والدكتور عبد المالك التميمي والدكتور علي الكواري، والدكتور محمد غانم الرميحي .
وللأمانة فأن أولئك الأساتذة تركوا في جدار حركة الفكر والثقافة العربيين بصمة واضحة،واكبر دليل على ذلك مؤلفاتهم ونشاطاتهم التي ملأت الساحة العربية . وقبل أيام ،وبالضبط نهار يوم 26 نيسان –ابريل رحل الأستاذ الدكتور خلدون حسن النقيب عن عمر ناهز ال70 عاما .وقد علمت بالخبر من خلال نعيه من قبل الأستاذ عزمي بشارة رئيس المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة .ويقينا أنني انتظرت ريثما يكتب عنه الكثيرون وتثار حول وفاته ضجة تليق بمكانته ولكن للأسف الشديد فأن الرحيل مر دون أن نرى الكثير من محاولات التعريف به والتذكير بمجهوداته إلا الشيئ القليل ، مع أن وفاته ولدت حزنا وألما لدى زملائه ومحبيه وقرائه . وكان ممن أبنه الأستاذ الدكتور وجيه كوثراني، والأستاذ عزمي بشارة، والدكتور ناصر جابي وغيرهم .
كان الدكتور النقيب من الأساتذة المتنورين، الذين طالما كتبوا عن التجديد ،والتغيير في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية . ويكفيه انه كان من الذين انتدبهم مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت للإسهام في مشروع "تشريح المجتمع العربي" في دول الخليج العربي والجزيرة العربية وقد سجل إسهامه ذالك في الكتاب الموسوم : "الدولة والمجتمع في الخليج والجزيرة العربية " ،ويعد من المصادر المهمة في معرفة تحولات مجتمع الخليج والجزيرة العربية وخاصة بعد اكتشاف النفط وما خلفه من تحولات بنيوية واضحة .
عمل الدكتور خلدون النقيب أستاذا لعلم الاجتماع السياسي، ورئيسا لقسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية كلية الآداب بجامعة الكويت ثم تولى رئاسة مجلس إدارة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في قطر .وقد سبق للنقيب أن نال شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة تكساس الأميركية سنة 1976 .
ولد الدكتور خلدون النقيب يوم 16 أيلول –سبتمبر سنة 1941 وينتمي بالأصل إلى عائلة النقيب البصرية العراقية التي تولت لسنين طويلة نقابة أشراف البصرة والتي برز منها السيد طالب النقيب الذي رشح ليكون ملكا على العراق بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وكان وزيرا للداخلية في أول حكومة تشكلت في العراق سنة 1920 .أكمل دراسته الأولية والثانوية وسافر إلى القاهرة ليلتحق بجامعتها ويحصل على البكالوريوس في علم الاجتماع سنة 1963 .ومن جامعة لويسفيل الأميركية حصل على الماجستير في علم النفس الاجتماعي وبعدها نال الدكتوراه من تكساس سنة 1976 وعاد إلى الكويت ليسهم في بناء وطنه .
وكان من المناصب العلمية التي شغلها النقيب منصب عميد كلية الآداب في جامعة الكويت مرتين الأولى بين 1978-1981 والثانية بين (1986-1992 ) .كما أصبح رئيسا لتحرير مجلة العلوم الاجتماعية وهي مجلة علمية أكاديمية محكمة (1983-1986 ). والدكتور النقيب عضو هيئة تحرير في مجلات علمية تهتم بعلم النفس الاجتماعي منها المجلة الدولية لعلم النفس الاجتماعي التطبيقي التي تصدر باللغة الانكليزية .كما كان له دوره الفاعل في إصدار مجلة حوليات كلية الآداب (الكويتية ) ولعل ما يمكننا التأكيد عليه، انه كان لسنوات طويلة في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي واحدا من كتاب جريدة القبس (الكويتية ) اليومية .
لم يكن الدكتور خلدون النقيب أستاذا عاديا بل كان من الرموز في العمل الجامعي والمجتمعي .وقد اتجه إلى الصحافة فكتب العديد من الدراسات والمقالات في الصحف والمجلات الكويتية والعربية والأجنبية .كما كانت نشاطاته في الندوات والمؤتمرات العلمية وفي القنوات التلفزيونية واضحة . ومعظم تلك النشاطات يدور حول المجتمع الخليجي وتعقيداته ومشكلاته. وقد تميزت مقالاته ودراساته بالرصانة ، والنظرة العلمية الموضوعية، وكان النفس الوطني والقومي فيها واضحا . ومن القضايا التي شغلت الدكتور النقيب قضية الديمقراطية والتغيير والتنور ولم يقف عند تحليل الماضي ، وإنما انشغل، وبشكل كبير، بالمستقبل لذلك تمتعت كتاباته بالمصداقية، وعدت مصادر أساسية في فهم مجتمع الخليج والجزيرة العربية .ومن مؤلفاته :"دراسات أولية في التدرج الطبقي الاجتماعي في بعض الأقطار العربية" "تساؤلات حول بعض الملامح الخاصة بالمجتمع العربي وتاريخه" ، "المجتمع والدولة في الخليج والجزيرة العربية ، "ثورة التسعينات: العالم العربي وحسابات نهاية القرن" ، "الدولة التسلطية في المشرق العربي المعاصر"، "الأزمة الدستورية في العالم العربي: العلمانية والأصولية وقضية الحرية"، "صراع القبيلة والديمقراطية: حالة الكويت" ، "في البدء كان الصراع: جدل الدين والأثنية، الأمّة والطبقة عند العرب" ، "آراء في فقه التخلف: العرب والغرب في عصر العولمة"." ، و"مفهوم الحكم والمثالية الجديدة"، و"مستقبل الفكر الاجتماعي العربي" و"مستقبل منطقة الخليج" و"جدلية الدولة والأمة".
كان الدكتور خلدون النقيب من أوائل الذين كتبوا عن الاقتصاد الريعي، والدولة التسلطية، والتأزم السياسي، والتقهقر الاجتماعي العربي ،وغياب الديموقراطية، وضعف التنمية الاقتصادية ، وشيوع عقلية المساومة السياسية ،والعجز عن مواجهة التخلف. وقد بدأت عملية انهيار النظم التي أشاعت التعسف والاستبداد. ويقينا أن عيني الدكتور النقيب قد اكتحلت – قبيل موته - بما أنجزه الشباب في تونس ومصر في مجال الوقوف بوجه كل عوامل الخور ،والتواكل، والانهيار،والاستبداد والاحتقار ،مما يجعله وقد غادرنا إلى الحياة الآخرة مطمئنا على مستقبل أمته .كان بحق سسيولوجيا متنورا امن بفكرة التقدم وسعى إليها فأستحق التقدير والذكر .رحم الله النقيب وجزاه خيرا على ما قدم لوطنه وأمته وللإنسانية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق