الثلاثاء، 27 أبريل 2010

الدكتورة واجدة الاطراقجي والتأريخ للأدب العربي في العصر العباسي


الدكتورة واجدة الاطراقجي والتأريخ للأدب العربي في العصر العباسي
ا.د.إبراهيم خليل العلاف
مركز الدراسات الإقليمية –جامعة الموصل
من المؤرخات الرائدات في العراق ، مؤرخة نشيطة ، ومخلصة ، تمتعت باحترام كبير من طلبتها وزملائها .. وقد عرفتها منذ ان كنت طالبا في كلية التربية بجامعة بغداد ابان الستينات من القرن الماضي .
الدكتورة واجدة مجيد عبد الله الاطراقجي ، كما يقول صديقنا الأستاذ حميد المطبعي في الجزء الثاني من موسوعته ((أعلام العراق في القرن العشرين)) ، والتي صدرت ببغداد عن دار الشؤون الثقافية العامة سنة 1996 ، باحثة في التاريخ ، ولدت في الموصل سنة 1932 ، وأكملت دراستها الابتدائية والمتوسطة والإعدادية فيها ثم سافرت إلى بغداد ودخلت دار المعلمين العالية ( كلية التربية فيما بعد ) وأكملت دراستها للدكتوراه في التاريخ وعينت في كلية التربية في جامعة بغداد ، كما عملت في كلية التربية للبنات .. نشرت عددا من دراستها ومقالاتها في الصحف البغدادية ، طبعت من كتبها ((التشبيهات القرآنية والبيئة العربية )) سنة 1978 . ولها كتاب نشر ببغداد سنة 1981 بعنوان (( المرأة في أدب العصر العباسي)) .. هذا فضلا عن الموسوعات الحضارية والتاريخية ومن أبرزها موسوعة ( حضارة العراق) التي أسهم في تحريرها نخبة من الباحثين والمؤرخين العراقيين ، وطبعت بـ(12) جزءا ونشرت ببغداد سنة 1985 . ومن الفصول التي كتبتها الدكتورة واجدة الاطراقجي ، فصل عن المرأة العراقية عبر العصور في المجتمع العراقي وخاصته في العصور الإسلامية وقد تجلى ذلك في الموقف منها والنظرة إليها ، وفي المكانة التي احتلتها وفي شؤونها المختلفة في حياتها الزوجية والأسرية وفي مستواها الثقافي والاقتصادي والاجتماعي ، ثم في المظاهر الفنية التي بدت في لباسها وسمات زينتها ، والتي تعبر بلا شك عن وجه من وجوه شخصيتها ، وما بلغته من النضج والذوق والتحضر ، وكل ذلك كما أشارت كان دليلا واضحا على الدور الكبير الذي لعبته المرأة في تلك العصور ، والرقي الحضاري الذي بلغه المجتمع آنذاك . وكان مما ركزت عليه الدكتورة واجدة الاطراقجي ثقافة المرأة ، وقد أشارت إلى انه لم يخل عصر من العصور العربية الإسلامية من ذكر عدد من النساء الفضليات اللائي تميزن في جوانب معينة من العلم والمعرفة . وفي العصر العباسي كان نصيب المرأة من الثقافة والآداب والازدهار عظيما ، وضربت مثلا على ذلك أن الخطيب البغدادي ( توفي 463هـ/1070م) أرخ في تاريخ بغداد لاثنتين وثلاثين من النساء من أهل بغداد المذكورات بالفضل ورواية العلم وذكر بعض أساتذتهن وطلابهن ممن أخذت عنه من العلماء المعروفين . كما ان في وفيات الأعيان والوافي بالوفيات والمنتظم لابن الجوزي وشعراء المحاضرة للتنـوخي ومرآة الجنان لليافعي ونزهة الجلساء للسيوطي ونساء الخلفاء لابن السالمي إشارات كثيرة إلى عدد من النساء العالمات والأديبات والشاعرات اللواتي اثبتن جدارة واستحقاقا في ان تدون أسماؤهن وتذكر أخبارهن وتروى أشعارهن . ولم تغفل الباحثة ذكر حالات خاصة متعلقة بالمرأة من قبيل الاهتمام بالجمال والزينة والموسيقى والملابس والحلي وما شاكل .
في كتابها الموسوم : ((إنصاف الخليفة الأمين بين الأدب والتاريخ)) والذي نشرته نقابة المعلمين العراقية وطبع في مطبعة علاء ببغداد سنة 1981 حاولت الدكتورة واجدة الاطراقجي ، ان تستخدم مصادر الشعر والأدب لإنصاف الخليفة الأمين وإعادة قراءة تاريخه من جديد بعيدا عن محاولات التشويه التي تعرض لها خاصة أبان الصراع العربي الفارسي وكان مما دفعها لدراسة هذا الموضوع ما تناثر في بطون كتب الأخبار والأدب والتاريخ من مقولات عن الخليفة الأمين ابن الخليفة هارون الرشيد .. والى شيء من هذا القبيل أشارت الدكتورة الاطراقجي إلى أنها لم تجد في كتب التاريخ إلا عبارات مقتضبة وملاحظات مبتسرة وإخبارا متضاربة ، (( وعندئذ تذكرت ما قاله الجاحظ حول الشعر وأهميته في تخليد المحاسن وتقييد المآثر ومعرفة ما فات وإدراك موضع الفساد مما صنعه الرواة من أخبار مختلفة وأحاديث متقطعة . وقد أشار بعض المؤرخين المحدثين ومنهم المؤرخ الأستاذ الدكتور عبد العزيز الدوري إلى ذلك ودعا الى الاستفادة من الأدب في دراسة التاريخ ، لهذا اتجهت إلى البحث عن ضالتي في كتب الأدب وفي دواوين شعراء عصره لاستكمال الصورة وإنصاف الرجل )) .. والذي يهمنا هنا التأكيد على أهمية مصادر الأدب للمؤرخين والتوجه الحميد لهذه المؤرخة الجادة في الاستفادة من هذه المصادر والكشف عن حقائق غابت عن الصفحات التي سطرها المؤرخون السابقون وتلك فضيلة تسجل لها .
إذا كانت الدكتورة مليحة رحمه الله قد سبرت غور المصادر التاريخية للوقوف عند الجانب الاجتماعي من حياة العراق وأبان عصور ازدهار الحضارة العربية الإسلامية ، فان الدكتورة واجدة الاطراقجي ، عادت إلى صفحات الأدب ودواوين الشعر لمعرفة واقع العراق الاجتماعي والسياسي والفكري .. وكتابها (المرأة في أدب العصر العباسي) يقف شاهدا على ذلك . فضلا عن دراستها وبحوثها الأخرى . لقد وجدت الدكتورة الاطراقجي إن دراسة المرأة في وقت اشتد فيه الحرص على حسن إعدادها وتمكينها من الإسهام في صنع القرار والمشاركة في بناء المجتمع حنبا الى جنب مع الرجل ، أمر أساسي فالمجتمع لاينهض إلا إذا نهض بنصفيه المتكاملين . وجاء اهتمامها بدور المرأة في العصر العباسي لتصويب الرأي القائل بان هذا العصر بجملته عصرا شمله تيار التحلل والتفسخ ،ومن خلال العودة إلى كتب الأدب والتاريخ ، فان الدكتورة الاطراقجي أرادت أن تكشف عن جوانب تعزز دور المرأة وتوضح نشاطاتها الثقافية والسياسية والاقتصادية والدينية وعرضها بطريقة تؤكد فاعليتها وحسن بلائها في التطور الحضاري .. وقد استطاعت بالفعل ان تقدم من خلال دراساتها نماذج نسوية متميزة في كل ميادين الحياة لم تكن تقل في دورها عن الرجل ومما يزيد من قيمة المجهود الذي قدمته الدكتورة الاطراقجي ، أنها وضعت ملحقا لكتابها المشار إليه انفا ضمنته تراجم من أعلام النساء في العصر العباسي ، ومن أبرزهن ، بنان الشاعرة ، وبدعة الكبيرة ، وإسحاق الاندلسية ، وبوران وشيماء وثمل وتتريف وجميلة بنت ناصر الحمداني وحزامى وخليدة وخنساء والخيزران ودنانير ودقاق ، وذات الخال ورابعة العدوية ، وزبيدة بنت جعفر وزيدان القهرمانة ، وزينب بنت سليمان بن عبد الله بن عباس ، وسامر وست الملك بنت عبد العزيز بالله الفاطمي وسكن وشاجي وشارية وام الشريف وشغب وعابدة وعاتكة المخزومية وعريب وعنان وعليه بنت المهدي والفارعـة وفاطمة وفضل وفريـــدة والقبيـحة وقطــر النـدى ولبابه ومحبوبــة وأم موســى ونبــت وهيلانة وولادة المهزمية البصرية .
لقد استنطقت الدكتورة واجدة الاطراقجي كتب الأدب والتاريخ في العصر العباسي لتحكي لنا عن صورة المرأة في ذلك العصر واستطاعت ، بحق ان تصحح النظرة الخاطئة التي تصور المرأة بصورة عامة بالمجون والعبث وتوصلت الى ان هذه الصورة لم تكن سوى صورة قلة من القيان والجواري .. كما بينت دور المرأة في السياسة والاقتصاد والفكر وقالت ان ادوار الكثيرات من النساء الرائدات آنذاك لم تكن تقل عن ادوار الرجال وخاصة في مجال الحرص على المجتمع والحفاظ على تقاليده وقيمه وهويته ، لكن هذا لم يمنع الدكتورة الاطراقجي من التأشير على انه ترك الحكام لبعض الجواري والقهرمانات أن يعبثن بمقدرات الدولة ، وأتحن لهن تسلم مسؤوليات مباشرة ، وأصبح لهن مكانة مرموقة في قصور الخلفاء فان الفوضى سرعان ما دبت وساد الاضطراب والوهن في أوصال الدولة العباسية الأمر الذي آل بها أخيرا إلى الاضمحلال والسقوط تحت سنابك خيول المغول سنة 656هـ /1258م . ويقينا أن هذا يدل دلالة واضحة على ان للمرأة دور ، فقد يكون بناء اذا ما احسن المجتمع تربيتها وأفسح لها المجال لكي تمارس نشاطها وقد يكون تخريبيا عندما تترك الأمور وتسود العواطف وتنعدم القيم وتضيع المقاييس الأخلاقية .
ان رؤية الدكتورة الاطراقجي الى التاريخ رؤية علمية موضوعية ، ودراستها تعتمد التهميش والتنصيص فهي لم تترك مصدرا من مصادر التاريخ المختلفة إلا واستخدمته الاستخدام الجيد ، والاهم من كل ذلك أنها استعانت بكتب الادب والتراجم ودواوين الشعر ورسائل ألجواهري وما عرف بكتب التوقيعات والأغراض الشعرية والأغاني للوصول الى الحقيقة التاريخية ، مما جعلنا نضعها ، بحــق في الصف الأول من صفوف ممثلـي المدرسـة التاريخيـة العراقيـة المعاصرة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية بقلم : الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف

  فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل أجا...