السبت، 10 أبريل 2010

100 عام على صدور جريدة نينوى في الموصل


100 عام على صدور جريدة نينوى في الموصل

ا. د. إبراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث-جامعة الموصل


تعد مدينة الموصل، من أوائل المدن العربية التي عرفت الصحافة، فمنذ سنة 1885 صدرت فيها جريدة (موصل) وكانت رسمية. كما صدرت فيها أول مجلة في تاريخ العراق الحديث، تلك هي مجلة (إكليل الورود). وبرز عددها الأول في ديسمبر/كانون الأول 1902 وكانت مجلة دينية أدبية علمية شهرية، أصحاب الامتياز، الآباء الدومنيكان، واستمرت في الصدور حتى 1908.

وبعد الثورة الدستورية العثمانية في 23 يوليو/تموز 1908، دخلت الصحافة دوراً مهماً من حياتها، إذ شهدت كل ولايات الدولة العثمانية نهضة صحفية، فبين سنتي 1910 و1911 مثلاً بلغ مجموع الصحف التي أجيزت في العراق 25 (خمساً وعشرين) صحيفة ومجلة. وصدرت في الموصل 3 ثلاث صحف هي نينوى والنجاح وجنه باز (جكـه باز) أي الثرثار، وكانت أول جريدة ساخرة تصدر في العراق. فضلاً عن جريدة الموصل ومجلة إكليل الورود.

لم تكن جريدة نينوى، موضوعة مقالنا هذا، سوى جريدة أهلية، بل هي أول جريدة أهلية تصدر في الموصل. وتيسرت لي منذ قرابة 30 سنة الإطلاع على أعدادها كاملة في بغداد عند إعدادي لكتابي الموسوم "نشأة الصحافة العربية في الموصل"، وكان ذلك في زياراتي المتكررة لبيت الأستاذ الراحل متي فتح الله سرسم في حي 17 تموز ببغداد.

وجاء في ترويسة جريدة نينوى أنها "جريدة أدبية علمية سياسية تصدر مؤقتاً في الأسبوع مرة"، وكان صدورها باللغتين العربية والتركية. وتضمن المقال الافتتاحي للعدد الأول الذي صدر في 15 يوليو/تموز سنة 1909 نبذة عن سياستها واتجاهاتها، وأبرز ذلك أنها صدرت لتكون (خادمة للوطن، دافعة للمحن، ترجمان الملة، باحثة عن المعلول والعلة، منبهة لذوي الأسباب على اكتساب الآداب، محرضة للعموم على تحصيل العلوم، داعية في كل ناد على الائتلاف والاتحاد).

كان صاحب امتيازها فتح الله جرجيس سرسم، فيما كان فخري زادة محمد أمين (محمد أمين الفخري) المدير المسؤول بالنسبة للقسم العربي، ثم أصبح فيما بعد محمد شكري أفندي، وتولى علي حكمت مسؤولية القسم التركي، ووضع صاحبها شعارا للجريدة هو الحديث النبوي الشريف {من رأى منكم منكرا فليغيره}. فمن هو فتح الله سرسم؟

ولد فتح الله سرسم سنة 1875، وينتمي إلى أسرة موصلية سريانية أرثدوكسية. اتجه منذ صباه نحو الدرس والأدب، وتعلم في مدارس الموصل الخاصة، وأتقن اللغتين الفرنسية والتركية. عمل في (قلم) مجلس إدارة ولاية الموصل. وفي سنة 1905 عين عضواً في محكمة البداءة، ثم انتقل إلى عضوية مجلس إدارة الولاية للمرة الأولى. وكان عضواً في محكمة الاستئناف حتى سنة 1910. وبعد الاحتلال البريطاني للموصل سنة 1918 عين عضواً في المجلس الدائمي للواء الموصل في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 1918. وفي 19 أغسطس/آب سنة 1921 عين معاوناً لمتصرف الموصل براتب 700 روبية (كما ورد ذلك في وثائق وزارة الداخلية، رقم المحفظة 11/2 دار الكتب والوثائق، ملفات ملاك وزارة الداخلية).

عمل سرسم قبل ذلك عضواً في المجلس البلدي 1920. ثم انتخب نائباً عن الموصل في أول برلمان في العراق (المجلس التأسيسي) وقد عرف عنه دفاعه عن قضايا الوطن والشعب والأمة، وحرص على أن يترجم ذلك في كثير من مواقفه، ومن ذلك أنه كتب مرة في جريدة نينوى أن الجريدة، ومطبعتها مطبعة نينوى (ستكون لسان حال هذه الأمة وترجمان أفكارها، ولتكون أعظم شاهد على ترقي هذه البلدة - أم الربيعين).

وكما هو معروف فإن الجريدة كانت تصدر باللغتين التركية والعربية. وتحولت جريدة نينوى بعد فترة قصيرة من صدورها إلى مكان يتجمع فيه أدباء الموصل وعلماؤها ومثقفوها، ففسحت لهم المجال كي ينشروا على صفحاتها، مقالاتهم وقصائدهم، ولعل من أبرز هؤلاء الشيخ محمد حبيب العبيدي (1879- 1963) والسيد أحمد الفخري (1863- 1926) والأستاذ داؤد الملاح آل زيادة (1864- 1914).

في افتتاحية العدد الأول كتب فتح الله سرسم عن الأسباب التي دعته لإصدار الجريدة فقال "لقد كنا في ليل مظلم داج، نستغيث فلا نغاث، ونسترشد فلا نهتدي إلى صواب. ونحن وإن كنا لم نسمع من العدل إلا رسمه ولا نبصر من الدستور إلا اسمه وتتضايق علينا مناهج العدل وتتسع مسالك البغي والضلال. لقد تسابقت الأمم وتطاولت الهمم إلى إبداء الفوائد بتحرير الجرائد، فأطلقت ذوي الأحلام أعنة الأقلام في مضمار البيان من كل لسان، فأجادوا الصياغة في باب البلاغة وأناروا بأشعة أنظارهم طريق الهداية، وقيدوا بحرية أقوالهم وظائف من يكون مرجعا للأمور فأحكمت في كثير من الاماكن أحكام الدستور فأنقذت بذلك البلاد من مساوئ الاستبداد وارتاحت من العناء سوى الموصل الحدباء."

عكست جريدة نينوى، شأنها في ذلك شأن كل صحيفة تصدر في أي بلد، أوضاع الموصل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مطلع القرن العشرين. كما نجحت في أن تكون وسيلة مهمة من وسائل الشعب للتعبير عن مطامحه واهتماماته وهمومه، فأصبحت، بحق، مصدراً مهماً من مصادر تاريخ الموصل الحديث.

كتبت نينوى عن أوضاع الموصل الاقتصادية والثقافية والسياسية بعد إعادة إصدار دستور 1908، فأكدت بان الموصل الحدباء تعاني من مساوئ الاستبداد على الرغم من صدور الدستور "فإنها قد أحدبت عليها الممالك من جميع المسالك وعمت المحن جميع أهل الوطن."، وأضافت "لم تجد من يُروح نفوسها ويزيل بؤسها، ولم يتم اكتسابها ولم تنشط المعارف، ولم تهتد أن تلتقط في رياض الآداب أزهار اللطائف، فتحرك لذلك دواعي الحمية لدى الرجال وأرادوا نشر جريدة تكون في بابها فريدة، خادمة للوطن، دافعة للمحن، باحثة عن المعلول والعلة، منبهة لذوي الألباب على اكتساب الآداب، محرضة للعموم على تحصيل العلوم. ثم لدى مذاكرة ذوي الآراء، اختير لها اسم (نينوى) من الأسماء تشفعا بساكنيها، وتبركا بأماكنها."

دعت الجريدة إلى الاتحاد والإخاء، وانتقدت قيام العشائر بغزو بعضها بعضاً، وعدت ذلك من مظاهر "اضمحلال الأمة وانحطاطها ووهن تشكيلة الحكومة وضعفها". وحثت الموظفين على خدمة الناس، وشاركت بعض الصحف العربية في الدعوة إلى إحياء اللغة العربية ووجدت أن الإصلاح الحقيقي، هو ذلك الإصلاح الذي يعمل من أجله الناس والحكومة معاً "أجل لا يقال أن... بواعث الترقي وما يلزم بعمران الممالك هو منوط بالحكومة فقط، بل باشتراك الأمة معها".

وفي بعض مقالاتها أكدت "نينوى" على أن من مهامها (النصيحة) فالدين النصيحة، والإنسان لا بد أن يناضل من أجل مقاومة الظلم والاستبداد، ومعالجة مشاكل البلد بالحكمة. ودعت إلى الاهتمام بالصحة العامة، وحثت على محاربة الفساد والتردي الأخلاقي وبشرت بعودة شباب الموصل إلى مدينتهم بعد أن أكملوا دراستهم في خارج الوطن ومن ذلك ترحيبها بالدكتور (فتح الله أفندي غنيمة) الذي درس الطب وتخصص في جراحة العيون.

كما شجعت بعض أثرياء الموصل على استقدام المعامل والمصانع ومن ذلك نشرها خبر افتتاح (معمل للثلج الصناعي) من قبل (داؤد الساعاتي).

يقول الأستاذ لؤي غائب صالح في مقال له في جريدة الاتحاد (البغدادية) وفي عددها الصادر في 12 يونيو/حزيران 1989 إن الجريدة تعرضت إلى الكثير من المضايقات ومحاولات الغلق بسبب جرأتها في النقد غير أنها واظبت على مواصلة منهجها غير آبهة لتلك المحاولات حتى أن صاحبها فتح الله سرسم كتب في بداية سنتها الثالثة يقول "إن هذه الجريدة هي أول جريدة برزت من البلدة الخضراء وهي الخادمة لمنافع الوطن ومصالح الأمة وهي بالمرصاد لكل حاكم ظالم قد عدل عن جادة الحق والاعتدال. وليست هذه الجريدة كبقية الجرائد التي تصدر عن فكر سقيم ولسان كذوب. فيا أيها الموصليون كيف بكم إذا تزوج بهذه الحسناء من لم يكن كفوءا كريما بها، وأنتم لا تدرون متى ستلد تلك الحسناء إذا ما حملت من ذلك الرجل ... ".

واضطر صاحبها لمواجهة الضغط أن يجلب مطبعة خاصة بها وقد طبع العدد 109 في مطبعة نينوى إلا أن ذلك لم ينه الضغط وبدأت السلطة الحاكمة بتشديد الرقابة على الجريدة مما جعلها تلغي المقال الافتتاحي الذي لم يغب عن أعدادها طيلة فترة صدورها. كما أقدمت السلطات على تحديد نشر الحوادث المحلية ولم تسمح بنشر أي شيء إلا بعد عرضه على الرقابة وسرعان ما تقلصت الصفحات العربية واقتصرت على صفحة واحدة فقط، الأمر الذي اضطر صاحبها سنة 1912 إلى إيقافها بعد أن صدر منها 141 عددا خلال ثلاث سنوات.

إن ذكرى مرور 100 عام على صدور (نينوى) تجعلنا نقف احتراماً لكل من أسهم في إصدارها، وفي مقدمتهم فتح الله سرسم لما قامت به هذه الجريدة من مهام نافعة لعل من أبرزها دورها في تحقيق النهضة العراقية الحديثة. فتحية لنينوى وللرواد من الصحفيين الموصليين الأوائل وجزاهم الله خيراً على ما قدموه في تلك الأيام الصعبة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ابراهيم العلاف في بيروت قبل 13 سنة

                                                    ابراهيم العلاف في بيروت كانون الاول 2011 في بيروت قبل 13 سنة ابراهيم العلاف امام شجرة ...