الصحفي العراقي الاستاذ مظهر عارف 1939-2022 ومقالاته عن (حرية الصحافة والاعلام في العراق) في جريدة بابل 1993
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
ورحم الله الصحفي العراقي الاستاذ مظهر عارف . توفي في مدينة انطاليا التركية قادما اليها من مغتربه في الولايات المتحدة الامريكية بعد معاناة مؤلمة مع المرض يوم 15 آذار- مارس في السنة الماضية 2022 .
ولمن لا يعرف هذا الصحفي ، أقول أنني أعرفه وأعرف صديقه الأستاذ سلام الشماع رحمة الله ، واعرف الأستاذ عبد الغفار الصائغ شريكه في اصدار جريدة (الطريق) ولي مقال عنها منشور في مدونتي .
مظهر عارف محمد حسين الالوسي (1939-2022) صحفي وكاتب بغدادي عراقي .عمل في جريدة (اتحاد الشعب) في الخمسينات والستينات ثم في جريدة (الجمهورية) وفي جريدة (بابل) ، وله مقالات تعد ولا تحصى كما انه له كتاب (الجوع والسياسة ) ،وكتاب( لعبة الدومينو) . ومقالاته كان يغلب عليها التحليل السياسي .. هو صاحب قلم وصاحب فكر .
وفي هذا المقال لست بصدد الحديث عن سيرته ولكن اود الوقوف عند ظاهرة لم تكن مألوفة في الصحافة العراقية المعاصرة خلال الفترة من 1968-2003 وهي ظاهرة انتقاد السلطة وهي قائمة ، اقصد سلطة صدام حسين بعد الذي جرى في أوائل التسعينات من القرن الماضي حين اشتد الحصار اثر صدور قرارات فرض الحصار الجائر على العراق بعد اجتياح جيشه دولة الكويت في آب سنة 1990 .
(12) مقال كتبها الأستاذ مظهر عارف في جريدة بابل بين يوم السبت 9 من تشرين الأول – أكتوبر 1993 ويوم الخميس 21 من تشرين الأول 1993 ، والمقالات كانت بعنوان (حرية الصحافة والاعلام في العراق ) ينتقد فيها الكاتب وضع الصحافة وعلاقتها بالسلطة في العراق ، ويبتدئ المقالات بالحلقة الأولى ( السبت 9 تشرين الأول 1993) بقوله :" لم اجد اجمل من مقولة عمر بن الخطاب (رض) :متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم أحرارا " ، مدخلا لهذه السلسلة من المقالات " .قال :" ان الحكام يتناسون ان الدوام لله وحده سبحانه وتعالى ولو دامت لغيرك ما وصلت اليك" .ويزيد انه لا يريد ان يبحث عن (ضحايا ) لتحميلهم أخطاء لا يمكن اغفالها او التعتيم عليها او القفز فوقها " ثم قال ان الحكام والسلاطين والدكتاتوريين طالما يبررون طغيانهم وافعالهم الاجرامية " ، ووقف عند مقولة (الحرية) واهميتها ، وقال ان الصحافة والاعلام دائما ما يجب ان يتفاعلا مع المجتمع .
في الحلقة الأخرى من المقالات ، ونشرت يوم الخميس 14 من تشرين الأول 1993 قال اننا بعد نحو من (25) عاما على ما حدث يوم 17 تموز1968 "احوج ما نكون الى معرفة النفس باستمرار لتقليل حجم الأخطاء ولا نقول تجنب الوقوع في الأخطاء " .
في الحلقة الثانية ، ونشرت يوم 10 من تشرين الأول 1993 تعرض الى صحافة العهد الملكي في العراق ، وقال ان ثمة حريات صحفية نسبية تفرضها إرادة الشعب من جهة ، وعدم تورط الصحف الوطنية العلنية في الدعوة الى اسقاط النظام بل كان عملها يقوم ضد الحكومات وليس ضد الملك او الصي وكانت هناك رغبة رسمية بإظهار الحكم بأنه ديموقراطي " .
في الحلقة الثالثة ونشرت يوم الاثنين 11 من تشرين الأول 1993 تحدث عن صحافة 14 تموز 1958 ، وقال ان حرية الصحافة في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة 1958-1963 "كانت تعني حرية الحزب الشيوعي في اطلاق الاتهامات ضد جميع المعارضين " .
وفي الحلقة الرابعة التي نشرت يوم 12 تشرين الأول 1993 وقف عند ما اسماه (صحافة العهد العارفي) وقال ان المشير عبد السلام محمد عارف رئيس الجمهورية كان يقول عن نفسه انه ناصري لكن سياسته كان في الواقع ضد عبد الناصر وتوجهاته الاشتراكية العربية لذلك اقترن الإرهاب السياسي في عهده بالإرهاب الفكري للشعب وقواه الوطنية .
في الحلقة الخامسة من المقالات ونشرت في يوم الارعاء 13 من تشرين الأول 1993 تحدث عن فترة حكم الفريق عبد الرحمن محمد عارف 1966-1968 فقال: " ان الخط العام للاعلام والصحافة كان رجعيا لكن الصحفيين كانوا يجدون طريقهم بأكثر من وسيلة لطرح آرائهم الوطنية " .
فقدت الحلقتين (6) و(7) ولدي الحلقة الثامنة التي نشرت يوم الاحد 17 تشرين الأول 1993 وفيها يقول ان واقع الصحافة بعد [انقلاب 17تموز ] يقول :" ان التأكيد العقائدي على مفهوم الحرية لم ينل الاهتمام المطلوب من جانب المسؤولين الإعلاميين " . واكبر دليل على ذلك "احتكار مجموعة من الأسماء الكتابة في صحف الحكومة فتكررت الجمل الجهزة والاحكام القاطعة على ايدي هذا النمط من الكتاب والصحفيين وغابت فرص الابداع والاجتهاد بغياب كتاب ومفكرين عراقيين مستقلين عن الساحة الصحفية والثقافية ...كما امتنع كتاب ومفكرون آخرون عن اية مساهمات في الكتابة ...بسبب الجو الخانق في عمل الاعلام والصحافة وبسبب سور الصين الثقافي الذي اقيم حول الصحف والمؤسسات الثقافية والاعلامية من جانب مسؤولين اصيبوا بالتخمة المالية وبالامتيازات ولم يشبعوا وعملوا كل ما يمكن للاحتفاظ بمواقعهم " .
هذه الحلقة كانت من اهم الحلقات واكثرها وضوحا وقد تجرأ الكاتب وقال :" ان وجود موظفين يحملون صفة رؤساء تحرير لا يمكن ان يعول عليه كثيرا في خلق صحافة حرة " . ويضرب مثلا جريدة (الثورة) ويقول انها لم توفق في تأكيد التعبير عن اراء الناس في الشارع وفي الدفاع عن كرامة وحرية المواطن وذهب ابعد من ذلك ليصف ما كان ينشره بعض الكتاب بأنه نوع من التكرار والاجترار والعجز عن مواجهة (القيءالدعائي الموجه ضد العراق) .
في الحلقة التاسعة ونشرتها جريدة (بابل) يوم الاثنثين 18 تشرين الأول 1993 قال ان صحافة الدولة تعرضت الى نكسة في مجال التوزيع فتأخر توزيع الصحف وتكدست عند الباعة وتحولت الدار الوطنية الى شركة فاشلة وبشأن نشر الكتب من قبل الدولة سيطرت العلاقات الشخصية والمعارف على الامر ، وغابت الاف العناوين الثقافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والعلمية وكتب ومجلات الأطفال والمرأة عن الأسواق وبدا العراق مثل جزيرة معزولة عن حركة العالم وبإسم تحصين المواطن فكريا شطبت ثقافات شعوب كاملة .
الحلقة العاشرة أيضا فقدت من عندي ، لكن في الحلقة (11) ونشرت يوم الأربعاء 20 من تشرين الأول 1933 قال اننا نفتقد الى الصفحات الاقتصادية في اعلامنا وكل ما لدينا كتاب يكتبون من خارج الصحف الرسمية والحياة لايقودها الاكاديميون بكل تفاصيلها واصبح هناك تداخل بين الثقافة والاعلام وقسم الاعلام لا يلبي المتطلبات " ولم يكن للناس صحفهم الى جانب الصحف الرسمية ليجد المواطن متنفسا افضل لطرح آرائه ومقترحاته وهمومه " .
ودعا هنا الى الاهتمام بتطوير قسم الاعلام وتحويله الى كلية وإقامة دورات صحفية والاهم من هذا كله " إعادة نظر شاملة بالوضع الإعلامي والصحفي في العراق بما في ذلك طريقة تعيين المستشارين الصحفيين في الخارج بعيدا عن الصداقات والمحسوبيات والوساطات " .
في الحلقة (12) ونشرت يوم الخميس 21 من تشرين الأول 1993 قال الأستاذ مظهر عارف (رحمة الله عليه) ان " الاعتراف بالخطأ فضيلة ..وكثيرة هي الأخطاء المرتكبة في العمل الصحفي والإعلامي في العراق " .واضاف :" هناك كتابات وتصريحات إعلامية وصحفية ...غير دقيقة ...وهناك من يفقد القرارات ...روحها الاصلية ومنها ما يحرج القيادة على المستوى الدولي ...وسادت المبالغة واكتسبت الخطابات تعقيدات لا مبرر لها ...حتى " الدعوة الى إعادة كتابة التاريخ ...ابتعدت عن أهدافها الحقيقية " ، و" من الغريب جرى تمويل عدد من الصحف والمجلات في الخارج بأصحاب امتياز ورؤساء تحرير غير عراقيين وفتحت امامهم أبواب المشاريع السياحية وغير السياحية واسبغ المال على كتاب وصحفيين هم مجموعة من الانتهازيين وسماسرة القلم فكانت النتائج لنهم باعو العراق بعد ان بايعوه بفعل المال في اول منعطف من منعطفات التاريخ " .
وأضاف:" وما جرى مع الضالين والوصوليين من الكتاب والصحفيين جرى كذلك مع الشعراء والادباء في مهرجانات المربد والفن بشكل عام " .
وختم مقالاته داعبا الى الاهتمام بصحافة المحافظات وقال:" ان حديث الصحافة والاعلام طويل ومعقد وارجو ان أكون قد اديت قسما من ذلك الحديث بروح الإخلاص والشعور بالمسؤولية وليس بروح الإساءة الى احد او التشهير بغيره والله من وراء القصد " .
رحم الله الأستاذ مظهر عارف قرع الجرس ولكن لم ينتبه احد ومن انتبه فقد انتبه بعد فوات الأوان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق