الثلاثاء، 9 يناير 2024

تقديم الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف لكتاب (صراع الجينات في ارض العرب) للاستاذ عبد الله السالم الجبوري *

                                                                    عبد الله السالم الجبوري 



 تقديم الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف لكتاب (صراع الجينات في ارض العرب) للاستاذ عبد الله السالم الجبوري *

تقديم

                                         بقلم: الأستاذ الدكتور براهيم خليل العلاف

                                 أستاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل

 

كم كنت سعيدا ، وفرحا عندما اتصل بي هاتفيا الأخ الأستاذ عبد الله سالم الجبوري ليطلب مني أن اكتب تقديما لكتابه الجديد الموسوم ( صراع الجينات في ارض العرب) ، فوافقت على الفور لسببين أولهما انني اعرفه  شخصيا كاتبا وروائيا وباحثا ورجل قانون .اما السبب الثاني انه كاتب ومؤرخ قدم عددا من الكتب ومنها كتابه الموسوعي عن (تاريخ ونسب قبيلة الجبور ) ويقع في عشر مجلدات .هذا فضلا عن كتبه ومجاميعه القصصية ورواياته ودواوين شعره .

وموضوعة (الجينات وصراع الجينات) ،  وما يتعلق بعروبة العراق موضوعة جلبت انتباهي . وقلت ان الأخ الأستاذ عبد الله سالم الجبوري لابد وان يأتي لنا بجديد .وعدت الى  حوار عمره عقود جرى بيني وكنت رئيسا لقسم التاريخ بكلية التربية – جامعة الموصل 1980-1995 وبين المرحوم الأخ والصديق الأستاذ الدكتور خضر جاسم الدوري وكان عميدا للكلية وأُس الحوار انني كنت ابدأ باليقين وافترض ان كل الناس طيبون الى ان يثبت لي بعضهم العكس والمرحوم الأستاذ الدكتور الدوري كان يقول انا لا افترض ان كل الناس طيبون لأنني ابدأ بالشك وانتهي باليقين فليس كل الناس طيبون الى ان يثبتوا العكس .

الان اكتشفت ان مقولة الأستاذ الدكتور خضر جاسم الدوري هي الادق ؛ فعلى الانسان ان يبدأ بالشك وان ليس كل انسان طيب وان للجينات التي يحملها كل انسان دور في تكوينه الوراثي وما نشعر به او نحسه او نتحسسه له علاقة بما كان يحمله الاب والجد وجد الجد . نعم قد يكون لما تعلمناه او تذوقناه دور لكن يبقى للجينات القول الفصل. التكوين الوراثي والحمض النووي الذي ورثناه هو ما يحدد ذائقتنا او ميولنا او توجهاتنا حتى السياسية. شيء غريب ان الاب كان قبل خمسين سنة ماركسيا وها هو ابنه يتعاطف مع الفكر الماركسي وكذا الامر انا عروبي قومي ووجدت ان اولادي مثلي توجهاتهم عروبية قومية.

ومن الطريف انني قرأت يوما عن الجينات فعرفت ان الجينات مسؤولة إلى حد كبير عن تفاوت الناس في ميلهم لحب الطبيعة والتمتع بين احضانها والشغف بزقزقة العصافير وتغريد البلابل تماما كما انها مسؤولة عن اختلافهم او تشابههم في الشكل والصورة والنفسية. 

امر غريب اريد ان اذكر القارئ به وهو ان من وضع أسس التعليم في العراق منذ العشرينات من القرن الماضي ، وعند تأسيس الدولة العراقية الحديثة هو المربي والمفكر الأستاذ ساطع الحصري (توفي سنة 1968) . تولى إدارة التعليم منذ سنة 1921 وعندما وقعت حركة مايس –أيار 1941 بقيادة العقداء الأربعة ورشيد عالي الكيلاني واصطدم الجيش العراقي الفتي بالقوات العسكرية البريطانية وتم احتلال العراق طرد الإنكليز  الأستاذ ساطع الحصري واسقطوا عنه الجنسية العراقية وقالوا له انت المسؤول عن وجود جيل عروبي قومي يكره الإنكليز .

وعندما احتل الاميركان العراق في 9 نيسان 2003 وقف احد رجالات ما بعد الاحتلال ليندد بالعرب ويقول اننا كنا لهم حطبا لكنهم كانوا لنا أي للعراقيين حمالة الحطب .

وذهبوا لالغاء فقرة في الدستور تقول ان العراق جزء من الامة العربية بعبارة العراق عضو في جامعة الدول العربية وشتان بين المادتين.

وصار بعض الكتاب ينعت من يكتب عن القومية والعروبة بالقومجي والقومجية .وبمرور الزمن خفت صوت هؤلاء واصبحوا يخجلون مما قاموا به عندما استنجدوا بالاميركان لكي يحتلوا بلدهم العظيم العراق ويخربوه .

المستعمرين والصهاينة والامبرياليون والغرب كله وقف ويقف ومنذ 200 سنة ضد نهوض العرب ولا يتوقف الامر عند هذا بل يرمون الى تمزيق الامة العربية وتشجيع الاسلامويون ليحل الفكر الديني المتطرف محل الفكر القومي وحتى محل الفكر الليبرالي والفكر التقدمي والفكر النهضوي .

لذلك ليس غريبا ان تؤجج الصراعات الدينية ، والصراعات القومية ، والصراعات العرقية ، والصراعات المذهبية والصراعات المدينية ، والصراعات الإقليمية وكل صراع يشتت الامة والمؤلف ناقش كل هذا في كتابه مع اننا نعرف اننا عندما نقول القومية العربية او الامة العربية لانقصد العرق او العنصر أو الدم  بل اللغة والتاريخ والشعور المشترك والمصالح المشتركة .

أيضا مما ركز عليه المؤلف ان القوى المسيطرة على العالم باتت تحاول ضرب البنى الاجتماعية وتدمر النسيج الاجتماعي وتشجع على نهش التاريخ ونهش رموزه والتشكيك بالأصول مع ان اللغة العربية والثقافية العربية هي من كانت تجمع بين العرب وغير العرب . صلاح الدين الايوبي مع انه كان عراقيا كرديا  لكنه دافع عن الامة ، وطارق بن زياد مع انه كان امازيغيا بربريا ، لكنه دافع عن الامة وكذا الامر عبد الباسط عبد الصمد قارئ القرآن المشهور وامير الشعراء احمد شوقي ومحمد كردعلي رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق ومحمود تيمور وو كل هؤلاء لم يكونوا عربا بالدم بل كانوا يؤمنون بالأمة ويعملون من اجلها وهي من اعطتهم تاريخا .

الكتاب – يقول مؤلفه – موجها للقارئ العراقي وانه كتاب في التاريخ بلبوس سياسي وانا –كمؤرخ – أقول ان العراق لم يشهد في تاريخه الطائفية ولم يشهد العرقية ولم يشهد المناطقية ولم يشهد الإقليمية. ثورة 1920 الكبرى التي وضعت أسس الدولة العراقية الحديثة كانت ثورة العراقيين كلهم من شمال زاخو الى جنوب الفاو. اشترك فيها الجميع اقصد جميع المسميات والان يفاخر بها اهل العراق ويتباهون برموزها في كل المدن والارياف العراقية .

وهنا أقول ان الثقافة العراقية ومنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة 1921 كانت ثقافة معتدلة كان ثمة شعر عربي وشعر كردي وشعر تركماني وكانت القصة وكانت الرواية وكانت المدرسة التاريخية المعاصرة لم يكن ثمة تمييز ولم نسأل هل كان السياب سنيا او شيعيا ولم نكن نسأل هل كان الجواهري شيعيا ام سنيا وكان الدكتور علي الوردي وكان الدكتور صالح احمد العلي وكان الدكتور مهدي المخزومي والله كنت طالبا في قسم التاريخ بكلية التربية – جامعة بغداد 1964 -1968 لااعرف مذهبية او دين او عرق او قومية هذا الأستاذ وذلك الأستاذ .

التعليم مهم وضروري ، وكم نحن بحاجة الى نعيد ترتيب أوراق التعليم ونبعده عن كل ما يميز او يفرق والمشهد العراقي يجب ان يظهر لنا ولغيرنا ولكل الدنيا مشهدا عراقيا تشترك في تشكيله  كل شرائح المجتمع واطيافه الجميلة .

مما افرحني واسعدني في الكتاب متابعته للعرب شيعة وسنة عشائريا على مستوى العراق والبلدان العربية والتأشير على انسياحات تلك العشائر وتراكم دورها في البناء والعمران والسياسة والثقافة من خلال رموزها مما يؤكد صواب فكرة العروبة وسيادتها على طول الوطن العربي الكبير . ومن الطريف والمفيد ان المؤلف لم يتحسس من ذكر كثير مما قيل ولفق على صعيد اسهامات شرائح المجتمع العراق من عرب وكورد وتركمان والجميع من العراقيين في إعادة بناء الدولة والجيش والتعليم والمجتمع على أسس وطنية مما قلل من مساحة من كان يريد ان يتصيد في الماء العكر ويخدم اجندات اجنبية مريبة .

قد اتفق مع المؤلف في بعض اطروحاته وقد  لا اتفق.. لا يهم .. فقط أقول أن  الرجل اجتهد فإن أصاب فله اجران وان أخطأ له اجر اجتهاده. تمنياتي له بالتوفيق.

 * 9 من كانون الثاني 2024 

 

 

 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الدكتور فتحي عباس الجبوري والبعد اللبناني في المدرسة التاريخية العراقية المعاصرة

  الدكتور فتحي عباس الجبوري والبعد اللبناني في المدرسة التاريخية العراقية المعاصرة ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - ج...