تاريخ مجلة التراث الشعبي (العراقية)
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
لم تكن مجلة "التراث الشعبي " البغدادية العراقية ، مجلة تهتم بالتراث الشعبي –الفولكلور والتي تصدر عن دار الشؤون الثقافية العامة التابعة لوزارة الثقافة والاعلام في الوقت الحاضر، عند صدورها لاول مرة في بغداد ، رسمية حكومية ، بل كانت أهلية شعبية بمعنى ان الاهالي هم من أسسها وهذه ظاهرة قلما تحدث في تاريخ الصحف والمجلات في العالم .
ففي ايلول سنة 1963 ظهرت مجلة "التراث الشعبي " ، بجهود نخبة من الكتاب والمثقفين المهتمين بالتراث الشعبي امثال الاساتذة شاكر صابر الضابط وابراهيم الداقوقي وعبد الحميد العلوجي ولطفي الخوري لكنها تلكأت في الصدور لاسباب مالية الامر الذي دفع المسؤولين في وزارة الثقافة والاعلام في ايلول 1969 الى تبنيها واعادة اصدارها والاستمرار في اصدارها طيلة السنوات ال47 الماضية .
والقصة أي قصة إصدار مجلة "التراث الشعبي " ابتدأت كما راوها الاستاذ باسم عبد الحميد حمودي احد رؤساء تحريرها سنة 1996 عندما شعرت مجموعة خيرة من الفولكلوريين العراقيين بالحاجة الى مجلة تنشر جوانب من التراث الشعبي العراقي وتوثقه وقد تم ذلك بعد حصول الاستاذ شاكر صابر الضابط وهو ضابط سابق في الجيش العراقي وكاتب ومؤرخ مهتم بالتراث الشعبي على امتياز اصدار مجلة بإسم "التراث الشعبي " وقد صدر العدد الاول في ايلول سنة 1963 ب144 صفحة خصص للقسم العربي فيه 122 صفحة ، فيما كانت الاقسام الاخرى تحوي خلاصات بحوث المجلة باللغات الانكليزية والالمانية والتركية والايطالية .وكانت هيئة التحرير تتألف من الاستاذ شاكر صابر الضابط صاحب الامتياز والاستاذ (الدكتور فيما بعد ) ابراهيم الداقوقي رئيسا للتحرير والاستاذ عبد الحميد العلوجي مديرا للتحرير والاستاذ لطفي الخوري سكرتيرا للتحرير .وقد تضمن العدد الاول افتتاحية رئيس التحرير وفيها حدد اهداف المجلة واغراضها واهمها :"دراسة التراث الشعبي العراقي والعربي ومحاولة فهمه سعيا وراء النهوض به " .
ومما تضمنه العدد ترجمة لطفي الخوري لمقدمة كتاب :"علم الفولكلور " لمؤلفه (الكسندر كراب ) ،ووثبت ب"الاثار المخطوطة والمطبوعة في الفولكلور العراقي "للاستاذ كوركيس عواد وبحث للدكتور مصطفى جواد عن "الشعر العامي العراقي القديم " وبحث عن مدينة كركوك للاستاذ شاكر صابر الضابط ومقال للاستاذ جعفر الخليلي عن "عراك الصبيان وعراك العربان في الجيل الماضي "وموضوعات اخرى .
وفي العدد الثاني الصادر في تشرين الاول 1963 نشرت المجلة موضوعات مستلة من كتاب الكسندر كراب عن علم الفولكلور والذي كان يترجمه الاستاذ لطفي الخوري كما نشرت مقالا للدكتور ابتسام مرهون الصفار عن "الامثال العربية " ومقال للاستاذ عبد اللطيق القصاب عن " الكيماء –الصنعة الالهية ".
وهكذا مضت المجلة في الاعداد الثالث والرابع وما بعدهما في تناول موضوعات طريفة عن التراث الشعبي العراقي والعربي والعالمي مع محافظتها على التبويب المتمثل في التحرير وتقسيم المواد الى مترجمات ودراسات ميدانية وقصص شعبية ومقالات عن الشخصيات الفولكلورية فضلا عن متابعة النتاج الفولكلوري في الوطن العربي والعالم واخباره .كما فتحت المجلة بابا للمناقشات والتعليقات فضلا عن ابواب اخرى منها باب (مع القراء ) وقد احدثت المجلة من بعد صدورها حركة ثقافية ملفتة للنظر وبات العديد ممن تسيد المشهد الثقافي انذاك يسهم في التحرير وفي التعقيب على ما ينشر واجتذبت اقلاما مهمة منها الدكتور مصطفى جواد والاستاذ مير بصري وكوركيس عواد ومحمد هادي الاميني .
وعندما صدر العدد الرابع مزدوجا مع العدد الخامس كانت المجلة قد انتشرت واتسعت اهتماماتها وزاد عدد قرائها .وقد اسهم في تحرير هذا العدد الاستاذ شفيق الكمالي الذي كتب عن :"لغة الشعر البدوي " والدكتور محمد مكية عن :"التراث المعماري المحلي والدراسات الجامعية " والدكتور حسين علي محفوظ عن :"العلامات والرموز عند المؤلفين العب قديما وحديثا " والاستاذ مزاحم الطائي عن "الاسطورة من خلال الذات " والاستاذ عبد الكريم العلاف عن " شياطين الشعر " والاستاذ جميل الجبوري عن "اغاني الحصاد " والاستاذ احمد عبد الكريم عن "الالعاب الشعبية في ايران " .
وفي سنة 1964 أعيد اصدار المجلة مع تغييرات في الادارة والتحرير فقد اصبح الاستاذ محمود العبطة رئيسا للتحرير ولطفي الخوري سكرتيرا للتحرير وصدر العدد السادس في شباط 1964 وهو يضم مقالات واخبار نتاجات الفولكلور في العراق والوطن العربي والعالم ومن مقالات هذا العدد مقال بعنوان :"الفكاهة في العصر العباسي " للدكتور بشار عواد معروف ومقال بعنوان :" صور من حياة البغاددة الاجتماعية " للدكتور حسين امين ومقال "ضيفنا في الموصل "للاستاذ جورج حبيب ومقال "رمضان في الجيل الماضي " للاستاذ جعفر الخليلي .
وحمل العدد تعريفات وعروض لبعض كتب الفولكلور من قبيل كتاب :"الفولكلور في بغداد " للاستاذ محمود العبطة وكتاب تي اي ايفانز "الانثروبولوجيا الاجتماعية " .
خلال السنوات 1965-1967تعثر اصدار المجلة ويبدو ان الاسباب المالية كانت وراء ذلك مع ان المجلة اعتمدت على الاعلانات الحكومية والاهلية لتغطية نفقاتها .كما ان رئيس التحرير الدكتور ابراهيم الداقوقي وجه نداءا للقاء ومعلمي المدارس في القرى والارياف لرفد المجلة بما يتوفر لديهم من الشواهد من الحياة اليومية المعاشة وتدوينها في مناسباتها الجارية بلغة الناس سعيا منه للحصول على المواد الخام للعادات والتقاليد وشؤون العمارة والدبكات والاحتفالات وما شاكل .
وقد عدلت المجلة من اهتماماتها من "مجلة ثقافية شهرية تعنى بشؤون الفولكلور " الى "مجلة اجتماعية ثقافية شهرية تعنى بشؤون الفولكلور " ومعنى هذا كما يقول الاستاذ باسم عبد الحميد حمودي ان الصفة الاجتماعية غلبت على الصفة البحثية في التراث الشعبي كما صغر حجم المجلة وغاب قسم اللغات غير العربية عنها .كان ذلك عندما صدر العدد الثاني في نيسان 1968 وهو يحمل اسم :"العراق –مجلة التراث الشعبي " اما العدد الذي صدر في حزيران –تموز 1968 فكان جامعا للعددين 2و3 وقد استبدل سكرتير التحرير الاستاذ لطفي الخوري بالاستاذ سالم الالوسي وتألفت هيئة التحرير الجديدة من الدكتور حسين علي محفوظ والاستاذ سالم الالوسي والاستاذ شاكر صابر الضابط والاستاذ عبد الحميد الكنين والاستاذ كوركيس عواد والدكتور محسن جمال الدين والاستاذ ميخائيل عواد وتضمن العدد افتتاحية تدعو المثقفين لدعم المجلة بالمقالات والكتابة في شؤون التراث الشعبي ومن مقالات هذا العدد مقال للاستاذ سالم الالوسي بعنوان :"القفة اقدم وسيلة نقل " ومقال الاستاذ عبد القادر عياش المحامي عن :"السباحة في نهر الفرات " ومقال للدكتور محسن جمال الدين عن "غرائب المدن الاندلسية " .
وفي سنة 1968 صدر من المجلة ثلاثة اعداد وكان رئيس التحرير المحامي حسين علي الحاج حسن والدكتور اكرم فاضل بعده ويبدو ان تعثر اصدار المجلة استمر بسبب ضعف التمويل ولعدم وجود جهة مشرفة على المجلة لذلك اقدمت وزارة الاعلام على تبني اصدار المجلة واختارت الاستاذ لطفي الخوري ليكون رئيسا للتحرير وصدر العدد الاول من سنتها الاولى في ايلول سنة 1969 ودون الحفاظ على تسلسل الاعداد السابق وقد اعيد الى المجلة القسمان الانكليزي والفرنسي واستغرق القسم قرابة ثماني صفحات قام بترجمة القسم الانكليزي الاستاذ لطفي الخوري كما قام بترجمة القسم الفرنسي الدكتور اكرم فاضل وهكذا اصبحت مجلة "الترث الشعبي " مجلة رسمية حكومية ومما يلفت النظر ان المجلة استمرت في نشر مقالاتها المتسلسلة ومنها مثلا ترجمة اجزاء من ملحمة كلكامش للاستاذ عبد الحق فاضل وكذلك نشر موضوع "الاكلات الشعبية الريفية " للاستاذ شاكر هادي غضب وعاد باب "النتاج الفولكلوري "وباب "اخبار الفولكلور " الى المجلة .
إن " مجلة التراث الشعبي " العراقية وهي تهتم بتراث الانسان وعاداته وتقاليده وادابه واغانيه والتي ترأس تحريرها كتاب افذاذ ومنهم الاستاذ لطفي الخوري والاستاذ باسم عبد الحميد حمودي تعد من ابرز المجلات العربية والعالمية ولها تاريخ عريق وسمعة طيبة في اوساط الفولكلور العالمي وكثيرا ما اغنت الدراسات الفولكلورية الانسانية بالمقالات العلمية الرصينة والطريفة معا وقد اسهم في تحريرها المئات من المثقفين المهتمين بالتراث الشعبي وهي بدون شك بحاجة الى دراسة علمية شاملة تقف عند محتويات اعدادها وتقوم بتحليل مضمون المقالات التي كانت تنشر فيها وتبيان ابعادها في تراث الشعوب .لقد كتبت الاف العناوين ولم تترك بابا فولوكلورية الا وطرقته كتبت عن المقاهي ومفاهيم الخلود عند العراقيين وعن الالقاب والكنى وعن السقاء وعن الحكايات الشعبية وعن الادب الملحمي وتفسير الاحلام واللهجات والامثال والمؤونة وتقاليد الزواج ومناداة الباعة والجتان ومراسيم الولادة والاصطياف والزجل والموال واسماء الاعلام والازقة والقناطر والمحلات واعلام الصناع والحرفيين والعاب التسلية ومواسم الزراعة والحصاد والملابس الشعبية والازياء والخانات والقصور والاسواق والقيصريات والحكايات الساخرة والنكات والعلاقة بين الزوج والزوجة وبين الحماة والكنة وعن الخط العربي والقصص االشعبية والعادات وصبوات المدن والشقاوات وحكاية اللقالق والطيور المهاجرة واغاني الجن والعاب التسلية عند الاطفال والايمان عن الناس وهدهدات الاطفال والالفاظ والكتاب والمصوغات والاكلات الشعبية والبرخانة والتغريب وصوم رمضان وطقوسه وغير ذلك مما يتطلب عرضه مجلدات ومجلدات .
ولعل من الطريف والمفيد والممتع معا أن يقوم الصديق الاستاذ ازهر العبيدي في الموصل بجمع ما كتب عن الموصل وإعادة تحريره ونشره في موسوعة حملت عنوان :" موسوعة الموصل التراثية "صدرت عن مركز دراسات الموصل سنة 2008 في مجلدين كبيرين يحوي كل مجلد على اكثر من 600 صفحة الامر الذي يسر على الباحثين الاطلاع على المقالات المتعلقة بالتراث الشعبي الموصلي ودون العودة الى اصول المجلات المتناثرة في المكتبات .
تحية لمجلة "التراث الشعبي " وتحية للعاملين بها من قبل والان والرحمة لمن غادرنا والعمر المديد لمن بقى .
في شباط - فبراير 13, 2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق